انسحابات مشبوهة بين قوات الأسد و«داعش».. وتبادل مواقع السيطرة

تراجعات التنظيم «المبرمجة» من ريف حلب تعزز الاعتقاد بتفاهمات مع النظام

مقاتلون من «داعش» يقطعون طريق إمداد القوات النظامية الوحيد إلى حلب (مكتب أخبار سوريا)
مقاتلون من «داعش» يقطعون طريق إمداد القوات النظامية الوحيد إلى حلب (مكتب أخبار سوريا)
TT

انسحابات مشبوهة بين قوات الأسد و«داعش».. وتبادل مواقع السيطرة

مقاتلون من «داعش» يقطعون طريق إمداد القوات النظامية الوحيد إلى حلب (مكتب أخبار سوريا)
مقاتلون من «داعش» يقطعون طريق إمداد القوات النظامية الوحيد إلى حلب (مكتب أخبار سوريا)

لا تزال الانسحابات الدراماتيكية التي نفذتها قوات تنظيم داعش من ريف حلب الشرقي، لغزًا بالنسبة لقيادات المعارضة السورية، التي وجدت فيها «تنسيقًا مع النظام» و«تحضيرًا لتنفيذ أجندة تقسيم» في شمال سوريا، فيما يرى آخرون أن الهجوم الذي شنه التنظيم على بلدة خناصر في ريف حلب الجنوبي الشرقي «لم تتخذه القيادة المركزية للتنظيم المتشدد، بل أفراد فيها».
وكان تنظيم داعش انسحب من أكثر من 25 قرية في ريف حلب الشرقي في محيط المحطة الحرارية التي استعاد النظام سيطرته عليها، خلال ساعات، بموازاة هجوم نفذته قوات النظام الأحد الماضي.
ويقول رئيس المكتب السياسي لمجلس الثورة في حلب ياسر النجار لـ«الشرق الأوسط»، إن الانسحابات «بدت مبرمجة»، لكنه أكد «إننا لا نمتلك إثباتات على وجود اتفاق مثبت مع النظام»، مشيرًا إلى أن النظام «استعاد سيطرته على كثير من القرى من غير عمليات عسكرية تُذكر».
وسيطرت قوات النظام خلال الـ48 ساعة الماضية على 34 قرية في ريف حلب الشرقي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش، وتقع كلها على طريق محوري يبلغ طوله نحو أربعين كيلومترا ويربط شرق حلب بمحافظة الرقة معقل التنظيم.
وشبّه مصدر قيادي في الجيش السوري الحر في شمال سوريا هذه الانسحابات، بـ«انسحابات نفذها النظام لصالح (داعش) في تدمر»، قائلاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «تبادل الانسحابات في المنطقتين مشبوه». وأضاف: «لا يمكن فصل هذه الانسحابات عن الضمانات التي منحها النظام لقيادات من داعش، بينها أبو سالم العراقي أمير داعش في مخيم اليرموك، لقاء انتقاله إلى الرقة من غير التعرض للاعتقال»، مشيرًا إلى أن انسحابات «داعش» من جنوب دمشق وغيرها، واليوم من ريف حلب الشرقي، مقابل انسحاب النظام من تدمر لصالح التنظيم (الصيف الماضي) «يعني أن هناك مقايضة بين النظام وداعش وتنسيقًا على تبادل مواقع السيطرة».
اللغز نفسه، يتحدث عنه قياديون آخرون في المعارضة السورية في حلب، إذ أوضح القيادي العسكري في المدينة أبو البراء لـ«الشرق الأوسط» أن ما نفذه «داعش»، هو «انسحاب مشبوه»، مؤكدا أن التنظيم «يتماهى مع النظام، وبات واضحًا أن هناك تفاهمات معه، بل ينخرط التنظيم في إطار عمالة مطلقة للنظام». وأضاف: «بات واضحًا أن النظام يحرك داعش، ذلك أن الانهيارات المفاجئة والانسحابات المباغتة للسيطرة على 25 قرية في غضون ساعات، يجري في وضع غير سوي وغير صحيح».
وقال أبو البراء إن «ما يحصل في ريفي حلب الشمالي والشرقي، وفي ريف الحسكة في ظل انسحابات داعش أمام النظام أو المقاتلين الأكراد، يؤكد أنها تأتي ضمن توافقات دولية، وقد تم الاتفاق عليها والترتيب لها من خلف الستار لإنشاء إقليم كردستان السوري كما وُعِد الأكراد»، مشيرًا إلى أن «داعش» «بات جزءًا من هذه الخطة، وهو يخدم النظام فيها»، لافتًا إلى أن «بعض قيادات داعش على مستوى قياديين كبار، هم مخترقون للنظام ولأجهزة خارجية، وينفذون ما يُطلب منهم، وقد سيطروا على مناطق المعارضة في السابق تمهيدًا لإقصاء المعارضة وتنفيذ انسحابات لصالح النظام أو الأكراد».
وجاءت تلك الانسحابات عشية هجوم نفذه تنظيم داعش ضد خط إمداد النظام في خناصر، بموازاة هجوم آخر نفذته فصائل عسكرية بينها فصائل متشددة ضد نقاط تمركز النظام على الخط نفسه في بلدة إثريا. وقال أبو البراء إن هذه الهجمات «الواضح أنها لم تُتخذ على مستوى قيادة التنظيم، وهي مجموعات بسيطة، غير مرتبطة بالقرار المركزي عند داعش».
وتمكنت فصائل إسلامية من جهة وتنظيم داعش من جهة أخرى من قطع طريق استراتيجي أمس، يربط مناطق سيطرة قوات النظام في محافظة حلب بمناطق سيطرتها في سائر المحافظات السورية، بعد شن الطرفين هجوما متزامنا، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ويأتي هذا التطور في وقت لا تزال فيه قوات النظام تحاصر بشكل شبه كامل الأحياء الشرقية من المدينة الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة، بعد تقدمها خلال الأسابيع الأخيرة في ريف المدينة الشمالي.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة «الصحافة الفرنسية» إن «مقاتلين من الحزب الإسلامي التركستاني وتنظيم جند الأقصى ومقاتلين من القوقاز تمكنوا بعد منتصف ليل الأحد الاثنين من قطع طريق خناصر حلب، بعد سيطرتهم على جزء من قرية رسم النفل الواقعة على الطريق إثر هجوم مفاجئ شنوه من غرب خناصر». وتزامن هجوم هذه الفصائل، وفق المرصد، مع هجوم شنه تنظيم داعش على الطريق شمال خناصر، وتمكن خلاله من قطعها في مكان آخر.
ويقع طريق خناصر حلب في ريف حلب الجنوبي الشرقي، وهو الطريق الوحيد الذي يمكن لقوات النظام الموجودة في غرب مدينة حلب ومناطق محيطة بها، سلوكه للوصول من وسط البلاد إلى حلب (شمال) وبالعكس. وبحسب عبد الرحمن، يعد هذا الطريق «طريق الإمداد الوحيد لقوات النظام والمدنيين (في مناطق سيطرتها) إلى محافظة حلب».
وتعرض هذا الطريق للقطع مرات عدة منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011. إذ تمكنت فصائل معارضة من قطعه بالكامل في الفترة الممتدة بين أغسطس (آب) وأكتوبر (تشرين الأول) 2013، ما تسبب بنقص في المواد الغذائية والوقود في المناطق تحت سيطرة النظام.
وفي 23 أكتوبر الماضي، تمكن تنظيم داعش من السيطرة على جزء من طريق خناصر إثريا (محافظة حماه، وسط)، ما أدى إلى قطع الطريق المؤدية إلى مدينة حلب وحصار مئات الآلاف من سكانها. لكن قوات النظام نجحت في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) في استعادة السيطرة على الطريق. وأشار المرصد إلى «اشتباكات عنيفة جارية في قرية رسم النفل وعلى أطراف بلدة خناصر بين المقاتلين وقوات النظام».
وتزامنت المعارك، وفق المرصد، مع غارات جوية روسية كثيفة استهدفت مناطق الاشتباك، بالإضافة إلى مناطق أخرى تحت سيطرة الفصائل المقاتلة في ريف حلب الشمالي وأخرى تحت سيطرة «داعش» في ريف حلب الشرقي.



الجيش الأميركي يتبنى تدمير صاروخين حوثيين ومنصة إطلاق

مدمرة أميركية في البحر الأحمر لحماية السفن من هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)
مدمرة أميركية في البحر الأحمر لحماية السفن من هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)
TT

الجيش الأميركي يتبنى تدمير صاروخين حوثيين ومنصة إطلاق

مدمرة أميركية في البحر الأحمر لحماية السفن من هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)
مدمرة أميركية في البحر الأحمر لحماية السفن من هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)

تبنّى الجيش الأميركي، في أحدث بياناته حول التصعيد في البحر الأحمر وخليج عدن، تدمير صاروخين حوثيين ومنصة إطلاق على الأرض بشكل استباقي، مؤكداً إصابة سفينة ألمانية وأخرى سويسرية، الأحد، في هجمات كانت الجماعة المدعومة من إيران تبنتها في خليج عدن.

ومنذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تشنّ الجماعة هجماتها في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة، حيث تحاول منع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل، بغض النظر عن جنسيتها، وكذا السفن الأميركية والبريطانية، كما أعلنت أخيراً توسيع الهجمات إلى البحر المتوسط.

وأوضحت القيادة المركزية الأميركية في بيان على منصة «إكس» أن الحوثيين المدعومين من إيران أطلقوا في 24 ساعة الماضية صاروخين باليستيين مضادين للسفن من المناطق التي يسيطرون عليها إلى خليج عدن، حيث أصاب أحدهما السفينة «تافيشي»، وهي سفينة حاويات تملكها وتديرها سويسرا وترفع العلم الليبيري، وأن السفينة أبلغت عن حدوث أضرار لكنها استمرت في العمل.

وفي حين أكد البيان أن الصاروخ الثاني تم تدميره بواسطة سفينة تابعة للتحالف الذي تقوده واشنطن، أفاد بإطلاق الحوثيين صاروخاً مضاداً للسفن وآخر من نوع كروز في خليج عدن، حيث أصابا السفينة «نورديرني» وهي سفينة شحن تملكها وتديرها ألمانيا، وترفع علم «أنتيغوا وبربادوس».

وأبلغت السفينة - حسب بيان القيادة المركزية - عن حدوث أضرار، لكنها استمرت في العمل، ولم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات من قبل السفن الأميركية أو التحالف أو السفن التجارية.

وقال الجيش الأميركي، في بيانه، إن قواته نجحت في تدمير نظام طائرة من دون طيار فوق خليج عدن، كما نجحت في تدمير صاروخين من طراز كروز للهجوم البري، ومنصة إطلاق صواريخ في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

ووفق البيان، تقرر أن هذه الأنظمة كانت تمثل تهديداً وشيكاً للولايات المتحدة وقوات التحالف والسفن التجارية في المنطقة، وأنه يتم اتخاذ الإجراءات لحماية حرية الملاحة، وجعل المياه الدولية أكثر أماناً.

صاروخ من طراز «فلسطين» زعم الحوثيون أنهم أطلقوه لأول مرة باتجاه إسرائيل (إ.ب.أ)

وكانت الجماعة الحوثية تبنت الهجوم على السفينتين في وقت سابق، الأحد، كما تبنت مهاجمة مدمرة بريطانية، وهو ما نفاه الجيش البريطاني، إضافة إلى ذلك أقرت بثلاث غارات وصفتها بالأميركية البريطانية، استهدفت مواقع في الحديدة الساحلية على البحر الأحمر.

ومع تصاعد وتيرة الهجمات الحوثية في الأسبوعين الأخيرين، نفّذت واشنطن، ومعها لندن، في 31 مايو (أيار) الماضي، 13 غارة على أهداف حوثية في صنعاء ومحيطها والحديدة وتعز، وأقرّت الجماعة بمقتل 16 عنصراً، وإصابة 42 آخرين في الضربات.

وبلغ عدد الغارات الأميركية والبريطانية ضد الحوثيين على الأرض، منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي، أكثر من 490 غارة، أدَّت في مجملها، حتى الآن، إلى مقتل 56 عنصراً، وجرح 77 آخرين، وفق ما اعترفت به الجماعة.

وطبقاً لمزاعم الحوثيين، فإنهم هاجموا نحو 140 سفينة، للشهر السابع على التوالي، وهدّد زعيمهم عبد الملك الحوثي باستمرار العمليات الهجومية «كمّاً وكيفاً»، ضمن ما وصفها بـ«المرحلة الرابعة» من التصعيد.

وزعمت الجماعة، الخميس الماضي، أنها أطلقت صاروخاً من طراز «فلسطين» استهدف ميناء إيلات الإسرائيلي، وبثّت مشاهد للحظة إطلاق الصاروخ الذي قالت إنه يُستخدم لأول مرة.

سفينة ليبيرية تعرضت لهجوم حوثي في خليج عدن وقُتل 3 من بحارتها (أ.ب)

وأصابت الهجمات الحوثية حتى الآن نحو 21 سفينة منذ بدء التصعيد، وتسببت إحداها، في 18 فبراير (شباط) الماضي، بغرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر بالتدريج.

كما أدى هجوم صاروخي حوثي، في 6 مارس (آذار) الماضي، إلى مقتل 3 بحارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس».

وإلى جانب الإصابات التي لحقت السفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر» التي قرصنتها قبل أكثر من 6 أشهر، واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف، شمال الحديدة، وحوّلتها مزاراً لأتباعها.

وكانت الولايات المتحدة قد أطلقت تحالفاً دولياً، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، سمَّته «حارس الازدهار»؛ لحماية الملاحة في البحر الأحمر، وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها على الأرض، وشاركتها بريطانيا في 5 مناسبات حتى الآن، كما شارك عدد من سفن الاتحاد الأوروبي ضمن عملية «أسبيدس» في التصدي لهجمات الجماعة.