«إن مستوى القلق مرتفع، وكذلك مستوى عدم اليقين، والأسئلة كثيرة، ومن الضروري أن نجد إجابات عن بعضها بسرعة، ولهذه الأسباب كافة قررت أن أعقد لجنة طوارئ بمقتضى اللوائح الصحية الدولية».. بهذه الكلمات عبرت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية عن الوضع الحالي لانتشار فيروس «زيكا» في بلدان القارة الأميركية، وذلك خلال دعوتها لعقد اجتماع لجنة الطوارئ في الأول من فبراير (شباط) الحالي.
غموض فيروس «زيكا»
والواقع أن التفشي الحالي لوباء «زيكا» أثار نوعًا من الهلع ويأتي مع كمية موازية من عدم المعرفة البشرية بسلوكيات هذا المرض الفيروسي لجهة نوعية المضاعفات التي يُمكن أن يتسبب بها ومدى حقيقة العلاقة بين الإصابة بهذا الفيروس وظهور حالات المواليد المُصابين بصغر حجم الرأس (Microcephaly)، وهو ما عبّرت منظمة الصحة العالمية عنه في بيان اجتماع لجنة الطوارئ في الأول من فبراير بقولها: «ثمة ضرورة لتحديد ما إذا كان هناك ارتباط من نوع السبب والنتيجة بين فيروس (زيكا) ومضاعفات مثل صغر الرأس ومتلازمة غيلان - باريه Guillain - Barré Syndrome GBS». وهو ما سيأتي توضيحه.
وتقول المنظمة في إصداراتها الحديثة هذا الشهر، إن: «فيروس (زيكا) هو فيروس مستجد Emerging Virus ينقله البعوض، وقد اكتُشف لأول مرة في أوغندا في عام 1947 في قرود الريص بواسطة شبكة الغابة لرصد الحمى الصفراء في غابة زيكا القريبة من العاصمة، ثم اكتُشف بعد ذلك لدى البشر في عام 1952 في أوغندا وجمهورية تنزانيا المتحدة. وقد سُجلت فاشيات فيروس (زيكا) في أفريقيا والأميركيتين وآسيا والمحيط الهادي».
انتقال الفيروس
وينتمي فيروس «زيكا» إلى جنس الفيروسات المُصَفِّرَة Flavivirus. وناقل المرض الفيروسي هذا هو نوع بعوض «الزاعجة» Aedes Mosquitoes، ولا سيما الزاعجة المصرية Aedes aegypti في المناطق المدارية، وهي البعوضة نفسها التي تنقل حمى الضنك Dengue Fever والشيكونغونيا Chikungunya Fever والحمى الصفراء Yellow Fever. وتسمية البعوض بالزاعج، أي الذي عادة ما يلسع في ساعات الصباح والمساء والليل، ولكن هناك حالة واحدة موثقة لانتقال الإصابة بفيروس «زيكا» عبر الاتصال الجنسي في الولايات المتحدة من رجل قدم من منطقة موبوءة إلى زوجته التي لم تغادر آنذاك الولايات المتحدة.
ولا يُعرف ما هو المستودع Reservoir لهذا الفيروس، أي ما هو الحيوان الذي يكمن فيه الفيروس ويلتقطه منه البعوض لينقله إلى البشر. كما أنه من غير الواضح ما هي فترة الحضانة Incubation Period، أي المدة الزمنية ما بين التعرض لقرص البعوض ونجاح الفيروس في الانتقال إلى جسم الإنسان وبدء ظهور الأعراض المرضية لفيروس زيكا على جسم المريض، ولكنها قد تمتد على الأرجح لبضعة أيام.
الأعراض والتشخيص
والواقع المُلاحظ أن أعراض الإصابة بفيروس «زيكا» تشبه أعراض العدوى بالفيروسات الأخرى المنقولة بالبعوض، وهي ما تشمل الحمى والطفح الجلدي والتهاب الملتحمة في بياض العين والألم العضلي وآلام المفاصل وتوعك الجسم والصداع، والملاحظ أيضًا أنه عادة ما تكون هذه الأعراض خفيفة وتستمر لمدة تتراوح ما بين يومين و7 أيام.
ويتم تشخيص إصابة المرضى بمرض فيروس «زيكا» بالاعتماد على الأعراض التي ظهرت عليهم وعلى تاريخهم الطبي الحديث، مثل ملاحظة حصول اللدغ من البعوض أو السفر إلى منطقة من المعروف أن فيروس «زيكا» موجود فيها، ويمكن أن يؤكد المختبر التشخيص بواسطة فحوصات الدم عبر طريقين، الأول: تفاعل البوليميراز المتسلسل PCR، والثاني: عزل الفيروسات من عينات الدم. وقد يصعب التشخيص عن طريق الاختبار المصلي Serology نظرًا لأن الفيروس قد يتفاعل تفاعلاً مشتركًا مع مجموعة الفيروسات المصفرة الأخرى مثل فيروسات حمى الضنك وغرب النيل والحمى الصفراء.
وعادة ما يكون مرض فيروس «زيكا» خفيفًا نسبيًا ولا يتطلب علاجًا محددًا، بمعنى أنه مرض متوسط الشدة لا يثير إلا قلقًا طبيًا قليلاً بالنسبة لتهديد سلامة حياة المُصاب به. ولذا تنحصر المعالجة الطبية بالنصيحة أنه ينبغي للأشخاص المصابين بفيروس «زيكا» أن يحصلوا على قسط كبير من الراحة، وأن يشربوا كميات كافية من السوائل، وأن يعالجوا الألم والحمى باستخدام الأدوية الشائعة. وفي حال تفاقم الأعراض يتعين عليهم التماس الرعاية والمشورة الطبيتين. ولا يوجد حاليًا لقاح مضاد لهذا المرض.
تاريخ انتشار الفيروس
وتذكر منظمة الصحة العالمية أن الإصابة بفيروس «زيكا» تحصل في المناطق المدارية التي يوجد فيها البعوض بكثافة، ومن المعروف أنه يدور في أفريقيا والأميركتين وجنوب آسيا وغرب المحيط الهادي، وتُضيف أن فيروس «زيكا» أكتشف لأول مرة في عام 1947 بأفريقيا، ولكن لسنوات طويلة لم تُكتشف إلا حالات بشرية متناثرة في أفريقيا وجنوب آسيا، وفي عام 2007 حدثت أول فاشية موثقة لمرض فيروس «زيكا» في جزيرة ياب بمنطقة المحيط الهادي ضمن ولايات ميكرونيزيا الموحدة. ومنذ عام 2013 تم التبليغ عن حالات وفاشيات فيروس «زيكا» في جزيرة بولينيزيا الفرنسية بغرب المحيط الهادي، وفي 2015 تم التبليغ عنه في البرازيل وكولومبيا بأميركا الجنوبية وفي كابو فيردي بأفريقيا.
ثم بعد ذلك، إلى يومنا هذا، أبلغ 23 بلدًا من بلدان الأميركتين عن حالات متفرقة من العدوى بفيروس «زيكا»، ما يشير إلى الانتشار الجغرافي السريع للفيروس. ونظرًا لاتساع البيئات التي يمكن أن يعيش فيها البعوض ويتكاثر بتسهيل من التوسع العمراني والعولمة أصبح من الممكن أن تحدث أوبئة حضرية كبرى لمرض فيروس «زيكا» على النطاق العالمي.
وتوجد ثمة سلالتان من فيروس «زيكا»، السلالة الأفريقية والسلالة الآسيوية، ونتائج التحليلات تشير إلى أن نوعية الفيروس المنتشر حاليًا في القارة الأميركية هو من السلالة الآسيوية التي انتشرت في جزر المحيط الهادي، أي انتقلت منها إلى أميركا وليس من أفريقيا.
ودون المبالغة في التقدير من قبل الناس حول دور منظمة الصحة العالمية في مكافحة الأوبئة، فإن المنظمة تقدم الدعم إلى البلدان من أجل مكافحة مرض فيروس «زيكا» من خلال ما يلي: تعزيز القدرة على الترصد، وبناء قدرة المختبرات على الكشف عن الفيروس، والعمل مع البلدان على التخلص من البعوض، وإعداد التوصيات بشأن الرعاية السريرية للأشخاص المصابين بعدوى فيروس «زيكا» ورصدهم، وتحديد مجالات البحث ذات الأولوية ودعمها في ما يتعلق بمرض فيروس «زيكا» ومضاعفاته المحتملة. ولذا فإن الجهود المحلية هي الأساس في المكافحة ولا توجد هيئات عالمية خارجية تقوم بهذا الدور نيابة عن الهيئات المحلية.
وتعترف منظمة الصحة العالمية بتدني المعرفة البشرية حول تأثيرات فيروس «زيكا» المرضية على البشر، وتقول إنه نظرًا لعدم تسجيل حدوث أي فاشيات كبيرة لفيروس «زيكا» قبل عام 2007 فإننا لا نعرف حاليًا إلا القليل عن مضاعفات هذا المرض.
مضاعفات عصبية
وأثناء أول فاشية لفيروس «زيكا» في الفترة 2013 - 2014 في جزيرة بولينيزيا الفرنسية، والتي تزامنت كذلك مع فاشية جارية أخرى لحمى الضنك فيها، أشارت السلطات الصحية الوطنية فيها إلى احتمال وجود مضاعفات عصبية ومناعية ذاتية لمرض فيروس «زيكا»، وتحديدًا أبلغت السلطات الصحية الوطنية هناك آنذاك عن زيادة غير عادية في الإصابة بمتلازمة غيلان – باريه. وتقول منظمة الصحة العالمية إنه يجري حاليًا الاضطلاع بدراسات استرجاعية لما تم التبليغ عنه في هذا الحدث، بما في ذلك الدور المحتمل لفيروس «زيكا» والعوامل الممكنة الأخرى.
كما لوحظت أيضًا زيادة في الإصابة بمتلازمة غيلان – باريه في عام 2015 في سياق أول فاشية لفيروس «زيكا» في البرازيل. وفي عام 2015 لاحظت أيضًا السلطات الصحية الوطنية في البرازيل زيادة في عدد المواليد المصابين بصغر الرأس بالتزامن مع إحدى فاشيات فيروس «زيكا». وقد وجدت الوكالات التي تعكف على تحري فاشيات فيروس «زيكا» مجموعة متنامية من البيِّنات التي تشير إلى الصلة بين فيروس زيكا وصغر الرأس Microcephaly. ومع ذلك، فيلزم إجراء المزيد من التحريات كي نفهم الصلة المحتملة بين صغر رأس المواليد وفيروس «زيكا»، كما يجري بحث الأسباب المحتملة الأخرى.
وإلى أن نتمكن من معرفة المزيد عن ذلك ينبغي للحوامل أو للنساء التي يخططن للحمل أن تولي عناية إضافية لحماية أنفسهن من لدغات البعوض، كما ينبغي للمرأة الحامل التي تشتبه في إصابتها بمرض فيروس «زيكا» أن تستشير طبيبها كي يرصد حالتها عن كثب أثناء الحمل.
صغر الرأس
وصغر الرأس بالتعريف الطبي هو اعتلال نادر الحدوث يكون فيه رأس المولود صغيرًا بشكل غير عادي. والسبب في ذلك هو شذوذ نمو دماغ المولود في الرحم أو أثناء الطفولة المبكرة، أي إن الأمر لا علاقة له بنمو وتكوين عظام الجمجمة بل بنمو الدماغ نفسه. وغالبًا ما يواجه المواليد والأطفال المصابين بصغر الرأس مشكلات في نمو الدماغ وهم يكبرون. ويمكن أن ينتج صغر الرأس عن مجموعة متنوعة من العوامل البيئية والجينية، مثل متلازمة داون، وتعرض الحامل لبعض أنواع من العقاقير أو تناول الحامل للكحول أو وصول أنواع من السموم الأخرى إلى الرحم، أو العدوى بالحصبة الألمانية أثناء الحمل.
وخلال «جلسة إحاطة» للمجلس التنفيذي بشأن الوضع في ما يتعلق بفيروس «زيكا»، تمت في جنيف بتاريخ 28 يناير (كانون الثاني) الماضي، أفادت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية بأن هناك صلة بين وصول الفيروس إلى بعض الأماكن وزيادة حادة في ولادة الأطفال برؤوس صغيرة بشكل غير عادي، وبالإصابة بمتلازمة غيلان – باريه في بعض الحالات. وقالت إنه «لم يتم بعد تحديد علاقة سببية بين العدوى بفيروس (زيكا) والتشوهات الولادية والمتلازمات العصبية، ولكنّ هناك شكا كبيرا في وجود هذه العلاقة السببية».
وسرعان ما أدت الصلات الممكنة، التي لم يشتبه فيها إلا مؤخرًا فقط، إلى تغيير مرتسم فيروس «زيكا»، من خطر متوسط الشدة إلى خطر مثير للجزع. وزيادة حدوث صغر الرأس أمر مقلق بوجه خاص، حيث إنه يثقل كاهل الأسر والمجتمعات المحلية بعبء مفجع.
مخاوف وبائية
وأضافت: «إن المنظمة يساورها بالغ القلق بشأن هذا الوضع السريع التطور لأربعة أسباب، ألا وهي:
* احتمال وجود صلة بين الإصابة بالتشوهات الولادية والمتلازمات العصبية.
* إمكانية الانتشار الدولي أكثر فأكثر نظرًا للتوزيع الجغرافي الواسع لنواقل البعوض.
* افتقار الناس إلى المناعة ضد هذا المرض في المناطق التي وصل إليها حديثًا.
* عدم وجود لقاحات وعلاجات محددة ووسائل تشخيص سريع.
وعلاوة على ذلك فإن من المتوقع أن تزيد الظروف المرتبطة بنمط مناخ النينيو هذا العام من أعداد البعوض في أماكن كثيرة. ويظل مستوى القلق مرتفعا وكذلك مستوى عدم اليقين، والأسئلة كثيرة ومن الضروري أن نجد إجابات عن بعضها بسرعة».
وعقد الاجتماع الأول للجنة الطوارئ في الأول من الشهر الحالي، وتمت فيه مناقشات مستفيضة، ولمدة أكثر من 3 ساعات، لجميع المعلومات المتوفرة عن علاقة صغر الرأس ومتلازمة غيلان - باريه بالإصابات بفيروس «زيكا»، وطالبت اللجنة باستمرار مراقبة حصول تلك المضاعفات مع تكثيف البحث في مسببات أخرى لهما لتحديد ما إذا كان هناك ارتباط السبب والنتيجة بين فيروس «زيكا» أو عوامل أخرى أو عوامل مشتركة وحصول تلك المضاعفات، أي صغر الرأس ومتلازمة غيلان - باريه، إضافة إلى أهمية اتخاذ تدابير صارمة للحد من العدوى بفيروس «زيكا»، لا سيما بين النساء الحوامل والنساء في سن الإنجاب.
وأوصت بضرورة إعطاء الأولوية لتطوير وسائل التشخيص الجديدة لعدوى فيروس «زيكا» لتسهيل إجراءات المراقبة والتحكم، وتعزيز الاتصالات بين البلدان حول خطر انتقال فيروس «زيكا» وضمان تطبيق مكافحة ناقلات الأمراض وتدابير الحماية الشخصية، وكذلك إيلاء الاهتمام لضمان سلامة النساء في سن الإنجاب والحوامل بشكل خاص حول ما يلزمهن معرفته من المعلومات للحد من خطر التعرض للفيروس وناقله، كما ينبغي على النساء الحوامل الذين تعرضوا لفيروس «زيكا» نصحهن بالمتابعة الطبية ومتابعة نتائج ولاداتهن.
وذكرت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها CDC أنه لا توجد في الولايات المتحدة حاليًا حالات لفيروس «زيكا» ثبت انتقالها محليًا، ولكن تم الإبلاغ عن حالات إصابات لعائدين من السفر من مناطق موبوءة، وتم الإبلاغ عن حالات انتقلت محليًا في مناطق بورتوريكو، وأنه مع التفشي الأخير فإنه من المرجح أن يرتفع عدد حالات الإصابة في الولايات المتحدة بين المسافرين والعائدين من السفر.
* استشارية في الباطنية