الاتفاق النووي وارتفاع قتلى الحرس الثوري في سوريا.. أبرز الملفات الإيرانية

الأزمة الاقتصادية تراوح مكانها.. والجدل السياسي يستبق الانتخابات المقبلة

وزراء الخارجية (من اليمين) الأميركي جون كيري والبريطاني فيليب هاموند والإيراني محمد جواد ظريف والاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أثناء المباحثات النووية في يوليو 2015 (أ.ف.ب)
وزراء الخارجية (من اليمين) الأميركي جون كيري والبريطاني فيليب هاموند والإيراني محمد جواد ظريف والاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أثناء المباحثات النووية في يوليو 2015 (أ.ف.ب)
TT

الاتفاق النووي وارتفاع قتلى الحرس الثوري في سوريا.. أبرز الملفات الإيرانية

وزراء الخارجية (من اليمين) الأميركي جون كيري والبريطاني فيليب هاموند والإيراني محمد جواد ظريف والاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أثناء المباحثات النووية في يوليو 2015 (أ.ف.ب)
وزراء الخارجية (من اليمين) الأميركي جون كيري والبريطاني فيليب هاموند والإيراني محمد جواد ظريف والاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أثناء المباحثات النووية في يوليو 2015 (أ.ف.ب)

طغت أخبار الاتفاق النووي على أبرز الأحداث التي شهدتها إيران في 2014. وأثار الملف النووي تجاذبات سياسية داخلية بين السلطة والحكومة والتيارات المعارضة للحكومة بشأن تفاصيل الاتفاق النووي بينما شكلت القضايا الاقتصادية والأمنية والحريات وفضح أبعاد الدور الإيراني في سوريا عناوين ملفات ساخنة أثارت نقاشا كبيرا لدى الرأي العام في إيران.
في بداية يناير (كانون الثاني) 2015 قالت وكالة أسوشييتد برس إن إيران وأميركا والدول الأخرى تمكنوا للمرة الأولى في ديسمبر (كانون الأول) 2014 من تحديد النقاط التي يمكن التوصل إلى اتفاق بشأنها ومن ضمنها نقاط الخلاف، إضافة إلى اتفاق مبدئي على نقل المواد النووية إلى روسيا.
لكن المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ومرضية أفخم المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية نفيا صحة الخبر. ووصفت السيدة أفخم تقرير الوكالة بأنه «افتعال أجواء إعلامية» لأغراض سياسية خاصة، تهدف إلى تخريب أجواء المفاوضات. وكان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، قد بدأ 2015 مهاجما، قبل التوجه إلى مفاوضات حاسمة في منتصف يناير على مستوى وزراء الخارجية، بإعلانه أنه يريد «إجراء استفتاء شعبي حول القضايا الحساسة التي تهم الجميع في البلد».
وشهد منتصف يناير عودة المفاوضات الإيرانية الأميركية المباشرة، حيث كانت نزهة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، في شوارع جنيف، منعطفا فی مسار الحوار النووي والعلاقات الدبلوماسية بين الطرفين بعد اقتحام السفارة الأميركية وأزمة الرهائن في 1979. بينما أثارت في الداخل الإيراني موجة من الغضب لدى الدوائر المقربة من المرشد الأعلى والتيارات السياسية الرافضة للمفاوضات النووية.
في نهاية فبراير (شباط)، استؤنفت المفاوضات في جنيف بين وزير الخارجية الأميركي ونظيره الإيراني لبحث الحلول والوصول إلى اتفاق شامل حول الملف النووي الإيراني بحضور وزير الطاقة الأميركي، أرنست مونيز، ورئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، علي أكبر صالحي، في الوقت الذي كان يزداد فيه ضغط البرلمان على فريق التفاوض الإيراني لوقف المفاوضات والانسحاب. كما صدر تقرير مفصل من الوكالة للطاقة الذرية يؤكد التزام طهران بالتزاماتها منذ العودة إلى طاولة المفاوضات، ثم أصبحت المفاوضات في مارس (آذار) أكثر جدية مع تهديد وزير الخارجية الأميركي بالانسحاب في حال عدم التوصل إلى اتفاق في نهاية الموعد المحدد.
مع حلول شهر مارس، تكثفت اللقاءات الدبلوماسية بين إيران والدول 5+1. وبموازاتها وجَّه 47 من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي رسالة مفتوحة إلى قادة إيران محذرين من التوصل إلى اتفاق نووي مع إدارة أوباما. وبالمقابل اعتبر خامنئي تلك الرسالة دليلا على «انهيار الأخلاق السياسية» في النظام السياسي الأميركي معربا عن قلقه حول مستقبل الاتفاق إذا ما توصلت إليه إيران مع الدول 5+1.
في منتصف مارس عادت الدول الست الكبرى وإيران على مستوى وزراء الخارجية إلى المفاوضات المباشرة في لوزان السويسرية. وبعد أسبوعین من المفاوضات الماراثونية أعلن «تفاهم لوزان النووي» في الثاني من أبريل (نيسان) تمهيدا للمفاوضات النهائية في يونيو (حزيران). وقرأ البيان الختامي محمد جواد ظريف، ومنسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، في مؤتمر صحافي بحضور وزراء خارجية الدول الست الكبرى.
وذكر أن إيران وافقت على شروط تتعلق بتخصيب اليورانيوم في منشأة «نطنز» وتغيير منشأة «فوردو» من مفاعل تخصيب إلى مركز أبحاث نووي وتقني من دون مواد قابلة للانشطار وتغيير قلب مفاعل أراك للمياه الثقيلة يمنع إنتاج بلوتونيوم يمكن استخدامه في برنامج التسلح. وأعلنت إيران تنفيذ البرتوكول الإضافي بشكل طوعي.
كما ستتمكن الوكالة الدولية من تفتيش منشآت إيران النووية في أي وقت وبالمقابل سترفع العقوبات الدولية عن إيران إذا تحقق من التزامها بالاتفاق. ومن أبرز التداعيات التي أثارت مواقف وردود فعل كانت ورقة الحقائق الصادرة من الخارجية الأميركية على تباين واضح مع ورقة الحقائق في النسخة الفارسية الأمر الذي سبب ضغطا متزايدا على إدارة حسن روحاني والفريق المفاوض النووي في الداخل الإيراني من قبل التيارات والمؤسسات المعارضة للمفاوضات بحجة تجاوزهم الخطوط الحمر المعلنة من المرشد الأعلى علي خامنئي، والذی بدوره لم يعلن تأییده أو رفضه لتفاهم لوزان النووي لكنه اعتبر تصريح وزير الخارجية الإيراني حول مفاوضات، تحت إشراف المرشد، كلاما غير دقيق.
وبعد شهور من الجدل حول ورقة الحقائق ونص تفاهم لوزان بين الحكومة والبرلمان والتيارات السياسية الإيرانية وتهديد الأجهزة الأمنية والعسكرية على رأسهم قادة الحرس الثوري بعرقلة التحقيق وتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية واستدعاء ظريف والفریق المفاوض النووي إلى البرلمان، صوت البرلمان الإيراني على قرار «إلزام الحكومة حفظ الإنجازات النووية» بالتزامن مع المشاورات التي كانت تجري بين إيران والدول الست الكبرى في تحرير نص الاتفاق النووي قبل التوجه إلى فيينا.
في 27 يونيو بدأت مفاوضات فيينا الحاسمة بين إيران والدول الست الكبرى قبل أن تنتهي، وذلك بعد مرور 17 يوما من المفاوضات المكثفة بإعلان منسقة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، موغيريني، ووزير الخارجية ظريف، في مؤتمر صحافي، التوصل إلى «برنامج العمل المشترك» حول الملف النووي لتكون ختام 22 شهرا منذ عودة إيران إلى طاولة المفاوضات.
ووفق اتفاق فيينا فإن إيران توافق على تعليق تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، والسماح لها بتخصيب في نسبة خمسة في المائة، وتقليص أجهزة الطرد المركزي من 19 ألفا إلى 6014. وتشغيل 5060 منها لعشر سنوات، وإعادة تصميم مفاعل أراك للمياه الثقيلة بمشاركة مجموعة العمل (الدول الست الكبرى) وتقليص ذخائر إيران من اليورانيوم من 10000 إلى 300 كلغ لفترة 15 عاما، وموافقة إيران على التفتيش الدولي للتحقق من تنفيذ الاتفاق النووي تشمل منشأة «بارشين» للتأكد من عدم تلوثها بمواد انشطارية.
كما تُوقف إيران تخصيب اليورانيوم لفترة 15 عاما في منشأة «فوردو» ولا يسمح لها بتطوير وبناء منشأة لتخصيب اليورانيوم على مدى الـ15 عاما المقبلة، ويسمح لها بالبحث وتطوير تخصيب اليورانيوم في منشأة «نطنز» لفترة ثمانية أعوام فقط، وتطبق إيران البروتوكول الإضافي بشكل طوعي طيلة فترة تنفيذ الاتفاق النووي. وبالمقابل ترفع عقوبات الأمم المتحدة المتعلقة بالملف النووي وتختصر القيود على برنامج الصواريخ الباليستية على ثمانية أعوام فقط، كما تستمر عقوبات الأسلحة المتعارفة لخمس سنوات مقبلة.
مشوار الاتفاق النووي لم ينته بإعلان فيينا إذ أصدر مجلس الأمن في يوليو (تموز) القرار 2231. وكان أهم ما تضمنه إلغاء ستة قرارات سابقة، وخروج إيران من الفصل السابع والمادة 41 ورفع العقوبات عنها بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ والتحقق من خطوات طهران وفرض قيود على صناعة الصواريخ الباليستية. ولم تدرج مطالب مجلس الأمن من إيران بخصوص الصواريخ الباليستية في القرار وهي غير ملزمة، وبالتالي لا يعد عدم التجاوب خرقا للاتفاق النووي. وفي نفس اليوم أعلن الاتحاد الأوروبي تأييده للاتفاق النووي بعد التصويت عليه مما يعني رفع العقوبات النفطية عن إيران مع استمرار العقوبات المتعلقة بالصواريخ الباليستية وحقوق الإنسان.
بدوره، وافق الكونغرس الأميركي على تمرير الاتفاق النووي في سبتمبر (أيلول)، بعد محاولات الجمهوریین لعرقلته. ومن جانبه، زار مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، موقع «بارشين» المشتبه بقيام إيران بأنشطه نووية عسكرية فيه. وحصلت الوكالة على عينات من المكان الذي كان قادة الحرس الثوري يعدون دخوله محرما على المفتشين. وفي ذات الوقت كانت لجنة برلمانية خاصة قد تشكلت في طهران لمناقشة الاتفاق النووي من مختلف جوانبه. وكاد البرلمان يرفض الاتفاق النووي لولا دور رئيس البرلمان، علي لاريجاني في تمريره بعد التصويت عليه في الحادي عشر من أكتوبر (تشرين الأول). وفي منتصف ديسمبر (كانون الأول)، أغلقت لجنة الحكام في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملف التحقق من النوايا العسكرية في النشاط النووي الإيراني، ليقترب موعد يوم تنفيذ الاتفاق النووي. ووفق نص الاتفاق فإن يوم التنفيذ هو اليوم الذي تعلن الوكالة الدولية قيام إيران بالتزاماتها الأولية في منشآت «أراك» و«نطنز» و«فوردو».
بينما رحب الشارع الإيراني بتحقق الاتفاق النووي على أمل تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وهتافات تطالب بتحسين أوضاع الحقوق المدنية، عشية إعلان الاتفاق النووي. كان المشهد السیاسی الإيراني بشكل عام مسرحا لتجاذبات بين هرم السلطة، المرشد الأعلى، والدوائر التابعة له، والحكومة والبرلمان والتيارات السياسية حول الاتفاق النووي. كما كانت التفاسير والقراءات المختلفة من مواقف وخطابات المرشد الأعلى حول الملف النووي من أبرز محاور الصراع السياسي في طهران.
وبعد التوصل إلى الاتفاق النووي دشن الرئيس روحاني محاولات استثمار إنجازه لكسب الرأي العام لصالح المعتدلين والإصلاحيين، بعد شهور من الاستحقاقات الانتخابية (المقررة في فبراير 2016) على المستوى البرلماني، وانتخاب مجلس جديد لخبراء القيادة. كما بدأ التحرك من أجل ضمان مشاركة واسعة للمرشحين الإصلاحيين وعدم إقصائهم من قبل «لجنة صيانة الدستور». وفي هذا السياق أثارت تصريحات روحاني حول الجهة التي تنفذ الانتخابات، موجة من الغضب من قبل خصومه السياسيين وقادة الحرس الثوري والمرشد الأعلى.
حرب التصريحات بين المرشد الأعلى خامنئي، وقادة الحرس الثوري، اشتعلت بعد إعلان الاتفاق النووي وزيارة عدد من وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي إلى طهران. وتوج نشاط السياسة الخارجية الإيرانية، بعد اتفاق فيينا، بتبادل افتتاح السفارات بين طهران ولندن عقب انقطاع العلاقات الدبلوماسية لمدة أربعة أعوام، على إثر اقتحام السفارة البريطانية من قبل المتشددين وتطلعات رئيس الحكومة إلى استقطاب الشركات الأجنبية للاستثمار في إيران.
وبدوره، فرض المرشد الأعلى، خامنئي، سطوته على حكومة روحاني والتيارات المؤيدة له، خاصة بعد الاتفاق النووي عبر تحذيره من «تغلغل أعداء الثورة» و«استغلال الاتفاق النووي لتحريف مسار الثورة» و«الغزو الثقافي»، ودعوته إلى «الاقتصاد المقاوم» بدلا من فتح أسواق إيران أمام الدول الغربية، بعد رفع العقوبات.
وكانت تصريحات خامنئي كالعادة كلمة الرمز التي تليها عاصفة من التصريحات المؤيدة من قادة الحرس الثوري والمؤسسات الدينية ورجال الدين النافذين. ومن جانبه، اعتبر قائد الحرس الثوري، محمد علي جعفري، في أهم تصريح له العام الماضي، مرحلة ما بعد الاتفاق النووي «الفتنة الرابعة» في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
وكانت زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى طهران ولقاؤه مع المرشد خامنئي في 23 نوفمبر (تشرين الثاني)، على هامش قمة الدول المصدرة للغاز في العاصمة الإيرانية، من أبرز أحداث 2015 حيث ناقش الطرفان الأوضاع في المنطقة وسبل تعزيز العلاقات والتعاون في سوريا.

* سقوط قادة الحرس الثوري في سوريا
إقليميا، كشفت التطورات الميدانية في الحرب السورية معالم جديدة من حضور إيران العسكري عبر فيلق قدس الذراع الخارجية للحرس الثوري والميليشيات الموالية له. إذ سقط في 2015 عدد كبير من قيادات وعناصر الحرس الثوري في مختلف مناطق سوريا كما عثر على المزيد من الشواهد والأدلة على تورط الحرس الثوري في الحرب الأهلية السورية على خلاف ما تدعيه إيران حول مهمة قواتها «الاستشارية».
وكانت أقوى ضربة تلقاها الحرس الثوري، في الثامن من أكتوبر، حين قتل مستشار قائد الحرس الثوري وقائد «فيلق محمد رسول الله» في طهران، العميد حسين همداني، في معارك حلب، وهو أعلى قيادي عسكري يُقتل في سوريا. كما أنه يعتبر العقل المدبر في حرب الشوارع والميليشيات في الحرس الثوري. وبعد ذلك، وفي أقل من أسبوع، قُتل العقید حمید مختاربند، قائد لواء الحجة، وفرشاد حسوني، قائد لواء صابرین (نخبة القوات الخاصة في الحرس الثوري). كما قتل قائد فيلق 14 أصفهان، العقيد مسلم خيزاب، ونادر حميد، قائد قوات الباسيج.
وفي نوفمبر قُتل العقید عزت الله سلیماني، والعقید جبار عراقي، والعقید عبد الرشید رشوند، قائد الحرس الثوری (کتیبة الإمام الحسين في كرج). وكان قد قتل قبل ذلك، أي في يناير، المساعد الأيمن لقائد فيلق قدس، العميد محمد علي الله دادي، في غارة إسرائيلية على القنيطرة. وتشير الإحصائيات إلى أنه في نوفمبر وأکتوبر، سقط أكثر من 70 من عناصر الحرس الثوري أغلبهم في حلب.
وفي نهاية نوفمبر تناقلت وكالات الأنباء نقلا عن مصادر ميدانية سورية إصابة قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في هجوم مضاد جنوب غربي حلب، إلا أن الحرس الثوري، وعلى لسان المتحدث باسمه، نفى صحة تلك الأخبار. ولم يظهر سليماني منذ التقارير التي جرى تناقلها عن إصابته. وكانت وكالة بلومبرغ قد ذكرت في وقت لاحق أن الحرس الثوري الإيراني بدأ سحب قوات النخبة من العملية العسكرية التي تقودها روسيا في سوريا. وذكرت أن من بين الأسباب الرئيسية الخسائر الكبيرة التي تكبدتها القوات الإيرانية في سوريا.

* أزمات وتحديات داخلية
على المستوى الداخلي، اتسعت دائرة المتهمين بالفساد الاقتصادي في البلد، بالتزامن مع التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات. وشملت الاعتقالات مزيدا من رجال الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد. واعتقلت السلطات مساعده التنفيذي، حميد رضا بقايي، بعد أن دخل مساعده الأول، محمد رضا رحيمي، في وقت سابق، لقضاء عقوبة السجن بتهمة تجاوزات مالية كبيرة. كما أن جلسات محاكمة الاقتصادي الذي كان مقربا من إدارة نجاد، رجل الأعمال الإيراني بابك زنجاني، احتلت واجهة الصحافة الإيرانية وأثارت الرأي العام على الرغم من التكتم الشديد حول تعاونه مع الحرس الثوري لمراوغة العقوبات الدولية على إيران.
كما استدعت السلطة القضائية سعيد مرتضوي، الرئيس السابق لمنظمة التأمين الاجتماعي، بتهمة الفساد الاقتصادي والتجاوزات الإدارية في زمن الرئيس السابق. كان مهدي هاشمي نجل الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني، أبرز من دخلوا السجن لقضاء عقوبة عشرة أعوام بتهمة الفساد المالي والإداري. ولم تستبعد الصحافة الإيرانية طيلة 2015 إمكانية التحقيق واعتقال محمود أحمدي نجاد نفسه، بتهمة الفساد الاقتصادي.
وبيّنت ملفات الفساد الاقتصادي التي اعتقل على أثرها عدد كبير من المسؤولين المتورطين في الجمهورية الإسلامية التي تقترب من عقدها الرابع، تهما متنوعة مثل تلقي الرشى والاستيلاء على الأراضي الحكومية والاختلاس واختفاء منصة نفط إيرانية.

* مشاورات الكتل الانتخابية والمشاكل الاقتصادية
وعلى الصعيد السياسي الداخلي الذي تأثر كثيرا بمناخ المفاوضات والاتفاق النووي، بدأت التيارات السياسية بالمشاورات والتحرك بهدف تشكيل الكتل الانتخابية، والتحالف لخوض الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس خبراء القيادة، في فبراير المقبل. وتراهن التيارات السياسية الإصلاحية والمعتدلة على ما تحقق في فيينا وما تبعه من تطورات لتغيير تشكيلة البرلمان الذي تسيطر عليه أغلبية أصولية في الوقت الحاضر. كما تحاول تلك التيارات وضع بصمتها على تشكيلة مجلس خبراء القيادة، ليكون لها دور في التغيير المحتمل للمرشد الأعلى.
وفي المقابل حاولت التيارات الأصولية نبذ الخلافات والتحرك وتقريب الصفوف خشية تكرار خسارة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الاستحقاقات الانتخابية في شهر فبراير. وشهد منتصف الثاني من شهر ديسمبر تقديم أوراق المرشحين إلى هيئة الانتخابات التابعة للجنة صيانة الدستور، حيث شهد أول أيام التسجيل، تقدیم 897 مرشحا للانتخابات البرلمانية من بينهم 41 امرأة و144 مرشحا لانتخابات مجلس خبراء القيادة. ولم تختلف أوضاع المواطن الإيراني ومعاناته من العقوبات الدولية عن الأعوام السابقة. إذ رهن حسن روحاني جميع وعوده الاقتصادية برفع العقوبات وتنفيذ الاتفاق النووي. وتنوعت التقارير والإحصائيات الرسمية وغير الرسمية عن ارتفاع نسبة الفقر والبطالة والمشاكل الاجتماعية الأخرى. وتجاوزت «حياة التقسيط» في إيران، المسكن والسيارات، ووصلت إلى الخبز اليومي وفقا لما نشرته وسائل الإعلام الإيرانية. وتتفاخر حكومة الرئيس روحاني بسيطرتها على التضخم وتقليصه من نحو 40 في المائة في زمن نجاد، إلى نحو 15 في المائة.



وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
TT

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بإسرائيل، مطالبةً فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير، في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مما قد يزج بإسرائيل في أزمة دستورية.

وفي رسالة إلى نتنياهو، الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة غالي باهراف ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير، مستندة إلى أدلة تشير لتدخله المباشر في عمليات الشرطة، واتخاذ قرارات الترقيات بداخلها بناء على أسباب سياسية.

وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة بشأن ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر (أيلول) والنظر فيها، أم لا.

وفي رسالتها التي نشرها مكتبها، أيدت باهراف ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصياً في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

واستشهدت أيضاً برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو (تموز)، والتي جاء فيها أن بن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.

وقد أثارت رسالة باهراف ميارا رد فعل حاداً من بن غفير الذي دعا علناً إلى إقالتها، قائلاً إن طلبها تُحركه دوافع سياسية. ونفى الوزير ارتكاب أي مخالفات.

وحصل بن غفير على مهام واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة (كاخ) اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقد أدى (قانون الشرطة) الذي أقره الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة، وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.

وقال بن غفير إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيراً منتخباً. وقال منتقدون إن التعديلات منحت بن غفير سلطات شاملة على العمليات، وحوّلته إلى «رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة».

وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لـ«رويترز» إن التغييرات التي أجراها بن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.

وقال أمونون الكالاي، وهو سيرجنت سابق في الشرطة استقال في 2021: «يحاول الوزير بن غفير من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة».

ولم ترد شرطة إسرائيل ولا مكتب بن غفير على طلبات للتعليق على دور الوزير في تعيينات الشرطة أو التأثير في عملها.

وقاوم نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، دعوات سابقة لإقالة بن غفير. وإذا انسحب حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله، الخميس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة. ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.

ويقول بعض الخبراء القانونيين إن إسرائيل قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة بن غفير ورفض ذلك، حيث ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.

وقال عمير فوكس، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس: «لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع». وأضاف أن هذا قد يضع إسرائيل «في موقف خطير للغاية».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

موقف متشدد من الاحتجاجات

في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار لأسباب سياسية وراء قراره، وذلك بعد أن صرح علناً أنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة، على الرغم من طلبات بن غفير بذلك. وفي بيان بثه التلفزيون، قال إيشد إن «المستوى الوزاري» كان يتدخل بشكل صارخ في عملية اتخاذ القرار المهني.

ولم يرد مكتب بن غفير علناً على تعليقات إيشد. وكانت المحكمة العليا قد أمرت بن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير (كانون الثاني).

وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى «رويترز»، إن ثمة تغييراً طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير. وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أي اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو، بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.

وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات المناهضة للحكومة. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في يونيو (حزيران) أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجّه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم.

وقالت الشرطة، رداً على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة، إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات، ومنهم من هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.

الحرم القدسي

أدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت الحكومة في أغسطس (آب) على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة، دانييل ليفي، قال بن غفير إن المفوض الجديد سوف يتبع «أجندة صهيونية ويهودية»، ويقود الشرطة «وفقاً للسياسة التي وضعتها له».

ويشكل العرب ما يزيد قليلاً على 20 في المائة من سكان إسرائيل، ويتعرضون لمعدلات أعلى بكثير من جرائم العنف. ولم يحضر بن غفير ولا ليفي اجتماعاً دعا إليه نتنياهو في سبتمبر لمواجهة ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.

وخفف أمير أرزاني، الذي تم تعيينه قائداً لشرطة القدس في فترة تولي بن غفير منصبه، قيود الوصول إلى المسجد الأقصى، في مكان يطلق عليه اليهود اسم جبل المعبد، وهو أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.

وقال أحد كبار المسؤولين سابقاً عن إنفاذ القانون في القدس لـ«رويترز»، إنه في السابق عندما كان يحاول الوزراء الوصول إلى الحرم القدسي لممارسة الطقوس اليهودية كان كبار الضباط يطلبون تصريحاً من وزارة العدل لاعتقالهم على أساس أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الوطني.

وصعد بن غفير إلى الحرم القدسي عدة مرات منذ توليه منصبه دون أن يوقفه رجال الشرطة.

وقالت شرطة إسرائيل، في بيان، رداً على أسئلة من «رويترز» بشأن الإرشادات، إن أعضاء الكنيست يمكنهم طلب الوصول إلى الحرم القدسي عبر (حرس الكنيست)، وإن الموافقة تعتمد على تقييم أمني يجري في وقت قريب من موعد الزيارة المطلوبة.

وقال أحد المسؤولين السابقين، الذي خدم في فترة بن غفير وطلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة لمنصبه السابق، إن بن غفير لم يُمنع من الوصول إلى الحرم القدسي، حيث عُدّ أنه لا يشكل تهديداً.

أضرار طويلة الأمد

قال يوجين كونتوروفيتش، رئيس قسم القانون الدولي في منتدى كوهيليت للسياسات، وهو مركز أبحاث ذو توجه محافظ مقره القدس، إن الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا لرئيس الوزراء بإقالة الوزير قد ينطوي على تجاوز لحدود السلطة القضائية.

وأضاف: «إذا لم يكن لرئيس الوزراء الاختيار بشأن الوزراء الذين يعينهم أو يقيلهم فهو ليس رئيساً للوزراء، بل مجرد دمية في يد المحاكم». وأضاف أن المدعية العامة لم تحدد قوانين بعينها انتهكها بن غفير.

وطعنت (الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل)، وهي حملة تهدف إلى تعزيز معايير الديمقراطية، على قانون الشرطة لعام 2022 أمام المحكمة العليا.

وقال أوري هيس، المحامي في الحركة، إن القانون أعطى بن غفير سلطة خطيرة للتدخل في السياسة الإسرائيلية؛ لأنه يستطيع استخدام الشرطة لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.

وذكر يوآف سيغالوفيتش، وهو عضو في الكنيست عن حزب معارض وضابط إنفاذ قانون سابق ترأس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، إن التغييرات التي أجراها بن غفير يحتمل أن تسبب أضراراً لا رجعة فيها، وقد يستغرق تصحيحها سنوات.

وقال سيغالوفيتش: «ينبغي ألا يتمتع أي سياسي بسلطة على كيفية استخدام الشرطة؛ لأن الشرطة ليست مثل الجيش، فالشرطة تتعامل مع المواطنين؛ الشرطة تتعامل مع القضايا الأكثر حساسية».