معرض الشارقة لرسوم كتب الطفل يفتح باب المشاركة في دورته الخامسة

معرض الشارقة لرسوم كتب الطفل يفتح باب المشاركة في دورته الخامسة
TT

معرض الشارقة لرسوم كتب الطفل يفتح باب المشاركة في دورته الخامسة

معرض الشارقة لرسوم كتب الطفل يفتح باب المشاركة في دورته الخامسة

أعلنت هيئة الشارقة للكتاب عن فتح باب المشاركة في الدورة الخامسة من معرض الشارقة لرسوم كتب الطفل، التي ستنظم على هامش فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان الشارقة القرائي للطفل، الذي يقام خلال الفترة من 20 إلى 30 أبريل (نيسان) 2016 في مركز إكسبو الشارقة، وستستمر اللجنة المنظمة للمعرض في استقبال طلبات الرسامين من مختلف دول العالم، حتى الخامس عشر من شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.
ورصدت الهيئة جوائز قيمة للفائزين بالمراكز الثلاثة الأولى، بحيث يحصل الفائز الأول على مبلغ 8000 دولار أميركي، في حين يحصل الفائز الثاني على 6000 دولار أميركي، بينما يحصل الفائز الثالث على 4000 دولار أميركي، هذا إلى جانب ثلاثة جوائز تشجيعية أخرى تبلغ قيمة كل واحدة منها 1000 دولار أميركي.
وقالت هند لينيد، مديرة إدارة المعارض والمهرجانات في هيئة الشارقة للكتاب: «يأتي تنظيمنا لهذا المعرض الذي يعتبر الأضخم من نوعه على المستوى العربي والإقليمي وللعام الخامس على التوالي، في إطار رؤية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الهادفة دومًا للارتقاء بذائقة الطفل في كل المجالات، والساعية دومًا إلى توفير كل ما من شأنه أن يعزز اهتماماته بالجوانب الأدبية والثقافية، والتي تتبلور في توجيهاته المستمرة بضرورة تنظيم الفعاليات الثقافية، والمهرجانات الفنية والأدبية الخاصة بالطفل بأعلى المعايير، نظرًا لدورها الكبير في تنشئة أطفالنا بشكل سليم، كي يصبحوا أفرادًا فاعلين ومساهمين بشكل إيجابي في مجتمعاتهم».
وحول شروط المشاركة في المعرض الذي يختص بعرض وتقديم الرسوم الاحترافية الموجهة للأطفال بمختلف فئاتهم العمرية، قالت لينيد: «لضمان استقطاب أفضل الأعمال المطروحة على ساحة أدب الطفل، وضعت اللجنة المنظمة مجموعة من الشروط للمشاركة في هذا المعرض، وأهمها أن تكون جميع الأعمال التي يتم تقديمها أصلية، وألا يقل عددها عن ثلاثة أعمال وألا تزيد عن الستة، على أن تكون جميعها مأخوذة من قصة واحدة فقط، وتقدم على أوراق لا تتجاوز أبعادها 40 سنتيمترًا».
أما عن كيفية التقديم، فأشارت لينيد إلى أن للفنان مطلق الحرية في اختيار الألوان والخامات والتقنيات وموضوع العمل، على أن ترسل صور الأعمال بصيغة (jpg) على البريد الإلكتروني [email protected]، أو إرفاقها في قرص مدمج (CD)، وإرسالها إلى العنوان البريدي الخاص بهيئة الشارقة للكتاب، لافتة إلى أنه يجب على الرسام إرفاق سيرته الذاتية المختصرة بحيث لا تتجاوز 50 كلمة تتضمن البيانات الشخصية، مع موجز لأهم الأعمال والإنجازات والجوائز باللغتين العربية والإنجليزية على صيغة الوورد، وستخضع الأعمال المرشحة للتقييم من قبل لجنة فرز دولية تتميّز بكامل المهنية والاستقلالية ما يضمن نزاهة قراراتها.
وأكدت مديرة إدارة المعارض والمهرجانات في هيئة الشارقة للكتاب، على أن المشاركة في هذا المعرض لا تقف فقط عند حدود عرض الأعمال الذي يعتبر في حد ذاته ميزة إضافية للرسامين المشاركين، كون المعرض يحظى بشهرة عالمية كبيرة، بل تتعدى ذلك حيث ستتم طباعة كل الأعمال المعروضة، وكذلك مختصر السير الذاتية للرسامين وبيانات الرسوم المشاركة، مع بيانات التواصل مع الفنانين من أرقام هواتف والبريد الإلكتروني، مما يُساعد في صنع شبكة تواصل قوية تجمع الفنانين بعضهم ببعض من جهة، وبالناشرين المختصين بأدب الطفل في جميع أنحاء العالم من جهة أخرى.
وقد تميّزت الأعمال المعروضة خلال الدورات السابقة بالتنوع الأسلوبي والتقني، مما أسهم في تقديم مساحة مشاهدة وتفاعل ثرية أمام الرسامين المعنيين وطلاب الكليات الفنية من زوار المعرض، وعكست تلك الرسوم بشكل كبير قدرات الفنانين على التعبير عن أفكار قصصية وقيم وعادات وكائنات حية ومتخيلة. ونظرًا للنجاحات الكبيرة التي حققها المعرض خلال الدورات السابقة، يتوقع أن تشهد دورة هذا العام ازدياد حجم المشاركات، إلى جانب استقبال أعمال أكثر ثراءً وجذبًا للأطفال.
وكان معرض الشارقة لرسوم كتب الطفل قد انطلق في عام 2012 بدعم من الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بهدف تسليط الضوء على الرسوم المميزة التي يمكن رؤيتها في الكثير من كتب الأطفال، وقد استقطب خلال الدورات الأربع الماضية أكثر من 1500 فنان من 40 دولة، ويأتي هذا المعرض الفني الساعي إلى صدارة المشهد العالمي في مجال رسوم كتب الطفل الاحترافية، ليُكوِن لدى الأطفال والمشتغلين بفن صناعة الكتاب في العالم ذائقة بصرية مرتكزة على ملامسة مباشرة لنتاج الفنانين الذين يتم اختيارهم للمشاركة.



«كيركيغارد»... والحب المستحيل

ريجين أولسين
ريجين أولسين
TT

«كيركيغارد»... والحب المستحيل

ريجين أولسين
ريجين أولسين

كان أحدهم قد أطلق العبارة التالية: كيركيغارد فيلسوف كبير على بلد صغير الحجم. بمعنى أنه أكبر من البلد الذي أنجبه. وبالفعل، فإن شهرته أكبر من الدنمارك، التي لا يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة، وبالطبع أكبر من اللغة الدنماركية المحدودة الانتشار جداً قياساً إلى لغات كبرى كالفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية، ناهيك بالعربية. ولكن مؤلفاته أصبحت مترجمة إلى شتى لغات العالم. وبالتالي، لم تعد محصورة داخل جدران لغته الأصلية الصغيرة. لقد أصبحت ملكاً للعالم أجمع. هنا تكمن عظمة الترجمة وفائدتها. لا حضارة عظيمة من دون ترجمة عظيمة. والحضارة العربية التنويرية قادمة لا ريب، على أكتاف الترجمة والإبداع الذاتي في آنٍ معاً.

سورين كيركيغارد (1813 - 1855) هو مؤسس الفلسفة الوجودية المعاصرة، قبل هيدغر وسارتر بزمن طويل. إنه الممثل الأكبر للتيار الوجودي المسيحي المؤمن، لا المادي الملحد. كان كيركيغارد أحد كبار فلاسفة الدين في المسيحية، إضافة إلى برغسون وبول ريكور، مثلما أن ابن رشد وطه حسين ومحمد أركون هم من كبار فلاسفة الدين في الإسلام.

سورين كيركيغارد

لكن ليس عن هذا سأتحدث الآن، وإنما عن قصة حب كبيرة، وربما أكبر قصة حبّ ظهرت في الغرب، ولكن لا أحد يتحدث عنها أو يسمع بها في العالم العربي. سوف أتحدث عن قصة كيركيغارد مع الآنسة ريجين أولسين. كيف حصلت الأمور؟ كيف اشتعلت شرارة الحب، تلك الشرارة الخالدة التي تخترق العصور والأزمان وتنعش الحضارات؟ بكل بساطة، كان مدعواً إلى حفلة اجتماعية عند أحد الأصدقاء، وصادف أنها كانت مدعوة أيضاً. كانت صغيرة بريئة في الخامسة عشرة فقط، وهو في الخامسة والعشرين. فوقع في حبها على الفور من أول نظرة، وبالضربة القاضية. إنه الحب الصاعق الماحق الذي لا يسمح لك بأن تتنفس. ويبدو أنه كان شعوراً متبادلاً. وبعد 3 سنوات من اللقاءات والمراسلات المتبادلة، طلب يدها رسمياً فوافقت العائلة.

ولكنه صبيحة اليوم التالي استفاق على أمر عظيم. استفاق، مشوشاً مبلبلاً مرعوباً. راح ينتف شعر رأسه ويقول: يا إلهي، ماذا فعلت بنفسي؟ ماذا فعلت؟ لقد شعر بأنه ارتكب خطيئة لا تغتفر. فهو لم يخلق للزواج والإنجاب وتأسيس عائلة ومسؤوليات. إنه مشغول بأشياء أخرى، وينخر فيه قلق وجودي رهيب يكاد يكتسحه من الداخل اكتساحاً... فكيف يمكن له أن يرتكب حماقة كهذه؟ هذه جريمة بحقّ الأطفال الذين سوف يولدون وبحقّها هي أيضاً. ولذلك، فسخ الخطوبة قائلاً لها: أرجوك، إني عاجز عن القيام بواجبات الزوجية. أرجوك اعذريني.

ثم أردف قائلاً بينه وبين نفسه: لا يحق لي وأنا في مثل هذه الحالة أن أخرب حياة خطيبتي المفعمة بحب الحياة والأمل والمحبة، التي لا تعاني من أي مشكلة شخصية أو عقدة نفسية أو تساؤلات وجودية حارقة. وإنما هي إنسانة طبيعية كبقية البشر. أما أنا فإنسان مريض في العمق، ومرضي من النوع المستفحل العضال الذي لا علاج له ولا شفاء منه. وبالتالي، فواجب الشرف والأمانة يقتضي مني أن أدوس على قلبي وأنفصل عنها وكأني أنفصل عن روحي.

لكن عندما سمع بأنها تزوجت من شخص آخر جنّ جنونه وتقطعت نياط قلبه وهاجت عليه الذكريات. بل هرب من الدنمارك كلها لكيلا يسمع بالتفاصيل والتحضيرات وليلة العرس. هذا أكبر من طاقته على التحمل. وأصبح كالمجنون الهائم على وجهه في البراري والقفار. كيف يمكن أن يتخيلها مع رجل آخر؟ هل انطبقت السماء على الأرض؟ مجنون ليلى ما تعذب مثلنا.

الشيء المؤثر في هذه القصة هو أن خطيبته التي عاشت بعده 50 سنة تقريباً طلبت أن تدفن إلى جواره، لا إلى جوار زوجها الشرعي! فاجأ الخبر كثيرين. وكانت بذلك تريد أن تقول ما معناه: إذا كان القدر قد فرقني عنه في هذه الحياة الدنيا، فإني سألتحق به حتماً في الحياة الأخرى، حياة الأبدية والخلود. وكانت تعتبر نفسها «زوجته» برغم كل ما حصل. وبالفعل، عندما كان الناس يتذكرونها كانوا يقولون: خطيبة كيركيغارد، لا زوجة فريدريك شليجيل. وقالت: إذا لم يكن زوجي هنا على هذه الأرض، فسوف يكون زوجي هناك في أعالي السماء. موعدنا: جنة الخلد! هل هناك حب أقوى من هذا الحب؟ حب أقوى من الموت، حب فيما وراء القبر، فيما وراء العمر... الحب والإيمان. أين هو انتصارك يا موت؟

قصة حب تجمع بين كيركيغارد، مؤسس الفلسفة الوجودية، وفتاة شابة جميلة تصغره بعشر سنوات، لكن الفلسفة تقف حجر عثرة بينهما، فينفصل عنها وتظل صورتها تطارده طيلة حياته

اللقاء الأخير

كيف يمكن أن نفهم موقف كيركيغارد من حبيبته إن لم نقل معبودته ريجين أولسين؟ للوهلة الأولى يبدو أنه لا يوجد أي تفسير منطقي له. فقد قطع معها في أوج العلاقة الغرامية، دون أي سبب واضح أو مقنع. ويبدو أنها حاولت أن تراه لآخر مرة قبيل سفرها مع زوجها إلى بلاد بعيدة. أن تراه في الشارع كما لو عن طريق الصدفة. وعندما اصطدمت به، قالت له: «ليباركك الله، وليكن كل شيء كما ترغب». وهذا يعني أنها استسلمت للأمر الواقع نهائياً، وأنه لا عودة بعد اليوم إلى ما كان. تراجع كيركيغارد خطوة إلى الوراء عندما رآها حتى لكأنه جفل. ثم حياها دون أن ينبس بكلمة واحدة. لم يستطع أن يرد. اختنق الكلام في صدره. لكأنه يقول بينه وبين نفسه: هل يحق لمن يقف على الخطوط الأمامية لجبهة الفكر، لجبهة النار المشتعلة، أن يتزوج؟ هل يحق لمن يشعر بأن حياته مهددة أن ينجب الأطفال؟ أطفاله هم مؤلفاته فقط. هل يحق لمن يصارع كوابيس الظلام أن يؤسس حياة عائلية طبيعية؟ ما انفك كيركيغارد يحاول تبرير موقفه، بعد أن شعر بفداحة ما فعل مع ريجين. لقد اعتقد أنه انفصل عنها، وانتهى الأمر، فإذا بها تلاحقه إلى أبد الآبدين. ما انفك يلوم نفسه ويتحسر ويتعذب. لكأنه عرف أن ما فعله جريمة لا تغتفر. نعم، لقد ارتكب جريمة قتل لحب بريء، حب فتاة غضة في أول الشباب. من يستطيع أن يقتل العاطفة في أولها، في بداية انطلاقتها، في عنفوانها؟ طيلة حياته كلها لم يقم كيركيغارد من تلك الضربة: ضربة الخيانة والغدر. وربما لم يصبح كاتباً وفيلسوفاً شهيراً إلا من أجل تبريرها. لقد لاحقه الإحساس القاتل بالخطيئة والذنب حتى آخر لحظة من حياته. إذا لم نأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار فإننا لن نفهم شيئاً من فلسفة كيركيغارد. لقد أصبحت قصته إحدى أشهر قصص الحب على مدار التاريخ، بالإضافة إلى قصة دانتي وبياتريس، وروميو وجولييت، وأبيلار وهيلويز. ويمكن أن نضيف: مجنون ليلي، وجميل بثينة، وكثير عزة، وعروة وعفراء، وذا الرمة ومي... إلخ. العرب هم الذين دشنوا هذا الحب العذري السماوي الملائكي قبل دانتي وشكسبير بزمن طويل. ولماذا تنسون عنتر وعبلة؟ بأي حق؟

ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ

مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها

لمعت كبارق ثغرك المتبسم

بعد أن تجاوز فيلسوف الدنمارك تلك التجربة العاصفة، شعر وكأنه ولد من جديد، أصبح إنساناً جديداً. لقد انزاح عن كاهله عبء ثقيل: لا عائلة ولا أطفال ولا زواج بعد اليوم، وإنما معارك فكرية فقط. لقد طهره حب ريجين أولسين من الداخل. كشف له عن أعماقه الدفينة، وأوضح له هويته ومشروعه في الحياة. الحب الذي يفشل يحرقك من الداخل حرقاً ويطهرك تطهيراً. بهذا المعنى، فالحب الفاشل أفضل من الحب الناجح بألف مرة. اسألوا أكبر عاشق فاشل في العالم العربي. بعدها أصبح كيركيغارد ذلك الفيلسوف والكاتب الكبير الذي نعرفه. بالمعنى الأدبي للكلمة، وليس مفكراً فيلسوفاً فقط، بالمعنى النثري العويص الجاف. من ثم هناك تشابه كبير بينه وبين نيتشه مع الفارق، الأول مؤمن، والثاني ملحد. وأخيراً، لم ينفك كيركيغارد يحلل أعماقه النفسية على ضوء ذلك الحب الخالد الذي جمعه يوماً ما بفتاة في عزّ الشباب، تدعى ريجين أولسين. عبقريته تفتحت على أنقاض ذلك الحب الحارق أو المحروق. كان ينبغي أن تحصل الكارثة لكي يستشعر ذاته، ينجلي الأفق، يعرف من هو بالضبط. من كثرة ما أحبها تركها. لقد قطع معها لكي تظل - وهي العزيزة الغائبة - أشد حضوراً من كل حضور!