تلاحق ميليشيا مسلحة في غرب ليبيا اتهامات حقوقية متزايدة بارتكاب «انتهاكات جسيمة» ضد مهاجرين غير شرعيين من جنسيات متعددة، تشمل المصرية والسورية والعراقية، بالإضافة إلى ابتزاز أسرهم مالياً.
وتأتي هذه الاتهامات بالتزامن مع ترحيب بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالجهود المبذولة لمعالجة أوضاع حقوق الإنسان للمحتجزين، لا سيما ما يتعلق بالتصدي للاحتجاز التعسفي على أيدي السلطات في شرق البلاد وغربها.
ويقبع المهاجرون المحتجزون في مركز تابع لميليشيا تُعرف باسم «كتيبة الإسناد الأولى»، تحت قيادة محمد الأمين العربي كشلاف، المُلقّب بـ«القصب»، والمعروف أيضاً بقيادته ميليشيا «شهداء النصر»، التي أُدرجت على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي عام 2018، لدورها في تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، حسب حقوقيين، من بينهم المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا.

وتقول مؤسسة حقوق الإنسان في ليبيا إن المحتجزين «يُعاملون في ظروف اعتقال سيئة للغاية، تتجاوز كل الأطر القانونية، وهم من جنسيات متنوعة تشمل المصريين، والأكراد السوريين والعراقيين، والبنغلاديشيين».
وحسب بيان المنظمة الحقوقية، تتراوح الانتهاكات بين الاحتجاز التعسفي والابتزاز المالي لأسر المحتجزين، بهدف إجبارها على دفع مبالغ باهظة لإطلاق سراح أبنائها، وسط أنباء عن حالات وفاة بين مهاجرين من بنغلاديش «نتيجة التعذيب الجسدي».
وأظهرت تسجيلات مصوّرة بثتها المنظمة الحقوقية تكدس المحتجزين على الأرض داخل إحدى غرف الاحتجاز، على نحو يعكس حجم معاناتهم اليومية.
وتُعدّ مدينة الزاوية بغرب ليبيا، حيث يقع مركز الاحتجاز، ساحة مركزية للميليشيات المرتبطة بتهريب المهاجرين. وللمدينة أهمية استراتيجية لوجود أكبر مصفاة نفط في الغرب الليبي بها، ولأنها تربط بين حقول النفط والطرق الساحلية، فضلاً عن استخدامها ميناء لتصدير النفط.
ويقول رئيس «مركز بنغازي لدراسات الهجرة واللجوء» طارق لملوم، إن الانتهاكات في الزاوية «ليست تجاوزات فردية، بل نمط ممنهج من تهريب المهاجرين والاتجار بهم، تطور عبر السنوات إلى اقتصاد جريمة متكامل يشمل ثلاث مراحل: تهريب المهاجرين عبر البحر، اعتراضهم وإعادتهم، وأخيراً تحوُّل هذه الإعادات إلى شبكات احتجاز قسري وطلب فدية واستغلال».
ويضيف لملوم لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الشبكات، رغم إدراج قادتها على قوائم العقوبات الدولية، تواصل نشاطها في أغلب المدن الساحلية الليبية، من زوارة مروراً بالمنطقة الوسطى إلى أمساعد على الحدود المصرية، «مستفيدة من حماية اجتماعية وقبلية، وغطاء سياسي من مسؤولين وبرلمانيين، بالإضافة إلى تعاون جهات رسمية داخل الدولة».
ولا تتوافر في ليبيا إحصاءات رسمية دقيقة لعدد السكان والمهاجرين غير النظاميين، حيث يدخل آلاف منهم عبر الصحراء أو منافذ غير خاضعة للرقابة، في حين أعادت سلطات العاصمة في مطلع الشهر الحالي الحديث عن أن ليبيا «تعاني من وجود 3 ملايين مهاجر على أرضها، دخلوا خلال السنوات الأخيرة بطرق غير مشروعة».
وسبق أن قدّرت منظمات أوروبية عدد المهاجرين في ليبيا بنحو مليون و500 ألف مهاجر، من بينهم آلاف داخل مراكز الإيواء في غرب البلاد، وشرقها.

جاء ذلك بالتزامن مع ترحيب بعثة الأمم المتحدة بالجهود كافّة لمعالجة أوضاع حقوق الإنسان للمحتجزين، لا سيما التصدي للاحتجاز التعسفي وضمان إشراف مدني كامل على مراكز الاحتجاز.
ووصفت البعثة تشكيل اللجنة الوطنية المؤقتة لمتابعة أوضاع السجناء في بنغازي، وخطوة إنشاء اللجنة الحقوقية في طرابلس؛ بأنه «إيجابي»، مع الإشارة إلى الجهود المستمرة للنائب العام لتحسين أوضاع الاحتجاز وتعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون.
غير أن طارق لملوم عدَّ هذه الإجراءات «شكلية وغير كافية»، مؤكداً أن اللجان غالباً ما تنتهي دون محاسبة أو تفكيك الشبكات المتورطة.
وحسب رؤية الحقوقي الليبي فإن «المشكلة بنيوية؛ إذ تتداخل الجريمة المنظمة مع الأجهزة الأمنية والمجموعات المسلحة، وتتمتع بغطاء سياسي وقبلي»، وهو يرى أن وضع حد للانتهاكات «يتطلّب فصل الاحتجاز عن الجهات المتهمة بالاتجار، وفتح تحقيقات قضائية حقيقية تؤدي إلى إحالات للنيابة، وتجميد أي صفة رسمية للمتورطين، مع نشر نتائج التحقيقات».
وأضاف أنه من الضروري كذلك «وقف أي تعاون دولي مع الجهات المتورطة، وتحويل الملف من إطار أمني ضيق إلى إطار حقوقي وقضائي لمساءلة الفاعلين وقطع الغطاء السياسي عنهم».
وتكشف أحدث أرقام أعلنتها «المنظمة الدولية للهجرة» هذا الشهر عن إعادة 307 مهاجرين من البحر إلى ليبيا خلال أسبوع واحد، ليصل عدد المعادين منذ بداية العام إلى 26635، بينهم 2336 امرأة و965 طفلاً.





