«تكدس مراكز الاحتجاز» في ليبيا يعيد ملف السجناء للواجهة

وسط تنافس «الاستقرار» و«الوحدة» على متابعة أوضاع النزلاء

سجن معيتيقة في طرابلس (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)
سجن معيتيقة في طرابلس (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)
TT

«تكدس مراكز الاحتجاز» في ليبيا يعيد ملف السجناء للواجهة

سجن معيتيقة في طرابلس (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)
سجن معيتيقة في طرابلس (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)

دفعت الشكاوى المتصاعدة بخصوص «تكدس مراكز الاحتجاز»، وتردّي أوضاع السجناء، حكومتي شرق وغرب ليبيا إلى إعادة فتح ملف السجون، في ظل ضغوط حقوقية متزايدة، وتقارير دولية «توثق استمرار الاحتجاز التعسفي والانتهاكات خارج الأطر القانونية».

وتسارعت خطوات الحكومتين المتنافستين في التعامل مع هذا الملف الشائك خلال الأسبوع الماضي، في تحركات متقاربة التوقيت لفتت انتباه مراقبين. ففي شرق البلاد، أصدرت حكومة «الاستقرار» المكلفة من مجلس النواب، برئاسة أسامة حماد، قراراً، الخميس، بتشكيل لجنة مؤقتة تُعنى بمتابعة أوضاع السجناء ومراكز الاحتجاز في عموم البلاد، ومراجعة سلامة الإجراءات القانونية المتبعة بحق المحتجزين.

رئيس حكومة «الوحدة» «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)

وجاء القرار بعد 48 ساعة فقط من إعلان حكومة الوحدة الوطنية في غرب البلاد أنها بصدد دراسة إغلاق ودمج عدد من السجون، في خطوتين وُصفتا بأنهما «مهمتان نظرياً»، لكنهما تظلان مرهونتين بآليات تنفيذ حقيقية على الأرض.

وتأتي هذه التحركات وسط انتقادات دولية حادة ومستمرة لأوضاع حقوق الإنسان في السجون الليبية، كان أحدثها ما وثّقه تقرير للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في وقت سابق من هذا الشهر، بشأن وفاة 23 محتجزاً بين مارس (آذار) 2024 وأكتوبر (تشرين الأول) 2025، إلى جانب تسجيل حالات احتجاز تعسفي، وتعذيب وظروف احتجاز غير إنسانية.

وفي هذا السياق، رأى وزير الداخلية الليبي الأسبق، عاشور شوايل، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن قرار حكومة حماد «يتطلب آليات واضحة وصلاحيات كافية»، مشدداً على ضرورة الفحص الدوري لأوضاع السجناء، والإفراج الفوري عمّن تنطبق عليهم الشروط القانونية. وسلط شوايل الضوء على أن اللجنة تضم «خبرات قضائية وقانونية يمكن الاستفادة منها إذا توفرت الإرادة السياسية».

وجاء قرار حكومة حماد بعد أقل من أسبوعين من إشارة تقرير غوتيريش إلى احتجاز مئات الأشخاص في مراكز بشرق ليبيا، دون توجيه تهم رسمية، من بينهم محتجزون صدرت بحقهم أوامر قضائية بالإفراج لم تُنفّذ، فضلاً عن تقارير بشأن محاكمات عسكرية لمدنيين.

وتهدف لجنة حكومة «الاستقرار»، وفق قرار تشكيلها، إلى مراجعة أوضاع السجناء والموقوفين، والتحقق من سلامة الإجراءات القانونية، وضمان عدم وجود احتجاز خارج الأطر القضائية، إلى جانب متابعة تنفيذ الأحكام وأوامر الإفراج، ورصد أي انتهاكات محتملة.

ويصف حقوقيون، من بينهم رئيس منظمة ضحايا لحقوق الإنسان، ناصر الهواري، القرار بأنه «بارقة أمل طال انتظارها»، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «الاكتظاظ الشديد داخل السجون، ووجود محتجزين قضوا سنوات خلف القضبان دون عرض على النيابة، في حالات تُصنَّف كاختفاء قسري، إضافة إلى سجناء لم تُنفّذ بحقهم أوامر إفراج».

داخل سجن معيتيقة المركزي خلال زيارة لسجناء (الصفحة الرسمية للسجن)

وأعرب الهواري عن أمله في أن تبدأ اللجنة عملها فوراً، وأن تتوفر لها وسائل تواصل فعّالة، مع أهمية التواصل المباشر مع أسر السجناء، مؤكداً أن منظمته تلقت عشرات الشكاوى عقب الإعلان عن تشكيل اللجنة.

غير أن الباحث القانوني، هشام الحاراتي، أبدى قدراً من التحفّظ، إذ عدّ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن القرار «لا يزال تحت الاختبار»، وأن نجاحه مرتبط بمدى جدية الحكومة في التنفيذ، لا سيما في ظل سيطرة «الجيش الوطني الليبي» على عدد من السجون. وأشار إلى وجود محاولات لإعادة ترتيب المشهد الحقوقي في المنطقة الشرقية تعكس رغبة في الإصلاح، لكنها «لم تتبلور بالكامل بعد».

في المقابل، جاء قرار حكومة «الوحدة» في طرابلس، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بدمج وإلغاء بعض السجون بعد أيام من تقرير غوتيريش، الذي أشار إلى استمرار جهات أمنية تابعة لها، من بينها «اللواء 55» في «الاحتجاز التعسفي»، موثقاً «8 حالات اعتقال شملت صحافيين ومسؤولين حكوميين سابقين، ومعارضين فعليين أو محتملين، نفذتها أجهزة أمنية مختلفة، بينها جهاز الردع وإدارة التحقيقات الجنائية».

ويرى شوايل أن قرار حكومة الدبيبة «يمثل بداية جيدة رغم تأخره»، لكنه شدد على حاجته إلى آلية تنفيذ واضحة وجدول زمني محدد، خصوصاً في ظل تعقيدات المشهد الأمني، وسيطرة مجموعات مسلحة على مناطق واسعة من غرب البلاد.

ويعكس الانقسام السياسي والأمني في ليبيا واقع السجون، التي لا تخضع لسلطة أي من الحكومتين بشكل كامل؛ إذ تدير ميليشيات مسلحة عدداً منها، في ظل غياب أرقام رسمية موثوق بها حول أعداد المحتجزين في الشرق والغرب.

رئيس حكومة «الاستقرار» أسامة حماد (المكتب الإعلامي للحكومة)

ورغم ذلك، قاد مكتب النائب العام خلال العام الحالي عدة إجراءات قضائية لفرض الرقابة على السجون، شملت إصدار أوامر ضبط بحق مسؤولين أمنيين متورطين في انتهاكات، والإفراج عن 530 محتجزاً من سجن معيتيقة في طرابلس خلال مارس الماضي.

كما سبق أن أصدر الدبيبة قراراً بتشكيل لجنة لتسليم سجني معيتيقة وعين زارة للجهات الرسمية، وحصر وتصنيف أوضاع النزلاء، ضمن تنفيذ اتفاق أمني مع «جهاز الردع» لإخضاع السجون للرقابة القضائية. ويصف الهواري هذه الإجراءات بأنها «تحسّن جزئي في الملف الحقوقي بغرب البلاد»، لكنه يقر بعدم كفايتها لمعالجة جذور الأزمة.

وفي قراءة أوسع، يدرج الحاراتي قرارات الحكومتين ضمن «محاولات متزامنة لتحسين صورة ليبيا أمام المجتمع الدولي»، مذكّراً بأن «البلاد تخضع، بصفتها عضواً في عدد من المنظمات الدولية، لآليات مراجعة دورية، وتقدم تقارير إلى لجان أممية، بالتوازي مع تقارير منظمات المجتمع المدني التي توثق سنوياً انتهاكات واسعة».

ويخلص الحاراتي إلى أن القرارين يعززان، من حيث المبدأ، دور النائب العام وسلطته الرقابية، لكنه شدد على أن «العبرة ليست بصدور القرارات، بل بقدرتها على إحداث تغيير فعلي على الأرض»، في ظل استمرار القلق الدولي بشأن سجل حقوق الإنسان في ليبيا.


مقالات ذات صلة

تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

شمال افريقيا شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)

تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

أُقيمت في العاصمة الليبية طرابلس، السبت، مراسم تأبين رسمية وعسكرية مهيبة لرئيس أركان قوات حكومة «الوحدة» (المؤقتة)، محمد الحداد، ومرافقيه.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا تركيا أقامت مراسم عسكرية رسمية لوداع جثامين ضحايا طائرة الحداد ومرافقيه قبل نقلها إلى طرابلس السبت (الدفاع التركية - إكس)

تركيا تودّع ضحايا طائرة الحدّاد بمراسم عسكرية... وطرابلس تقيم تأبيناً رسمياً

تم نقل جثامين رئيس أركان الجيش الليبي محمد على الحداد ومرافقيه الذين كانوا على متن طائرة تحطمت ليل الثلاثاء الماضي عقب مباحثات رسمية في أنقرة

«الشرق الأوسط» (أنقرة - القاهرة)
شؤون إقليمية يؤدي المسؤولون الصلاة بجوار نعوش رئيس أركان الجيش الليبي محمد علي أحمد الحداد وسبعة مسؤولين آخرين الذين لقوا حتفهم إثر تحطم طائرتهم بعد نحو 30 دقيقة من إقلاعها من أنقرة متجهة إلى طرابلس وذلك خلال مراسم نقل الجثامين إلى ليبيا من أنقرة (رويترز) play-circle 00:32

وصول جثامين رئيس الأركان الليبي ومرافقيه إلى طرابلس

أفادت وزارة الدفاع التركية بأنّ جثامين رئيس الأركان الليبي ومرافقيه الذين قضوا في حادث تحطم طائرة قرب أنقرة ستُعاد إلى البلاد اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شمال افريقيا الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle

الاتفاق مع بريطانيا بعد اعتذار ألمانيا عن عدم تحليل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي

أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية أن ألمانيا اعتذرت عن عدم إجراء تحليل لبيانات الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة، التي كانت تقل رئيس الأركان.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا الحداد خلال حفل تخرج سابق لفوج جديد من الضباط في ثكنة الخمس العسكرية (رويترز)

ما هي تداعيات وفاة رئيس الأركان الليبي وتأثيرها على المؤسسة العسكرية؟

عدَّ المحلل السياسي، فرج فركاش، أن غياب رئيس الأركان الليبي، الفريق أول محمد الحداد، بهذا الشكل المفاجئ «يشكل ضربة قوية للمؤسسة العسكرية في غرب البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

بعثة أممية إنسانية تدخل الفاشر المنكوبة للمرة الأولى منذ 18 شهراً

جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز)
جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز)
TT

بعثة أممية إنسانية تدخل الفاشر المنكوبة للمرة الأولى منذ 18 شهراً

جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز)
جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز)

كشفت الأمم المتحدة عن وصول بعثة إنسانية أممية إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في أول دخول إنساني للمدينة منذ سيطرة «قوات الدعم السريع» عليها، بعد حصار طويل استمرَّ لأكثر من عام، خلّف أوضاعاً إنسانية كارثية. في غضون ذلك دانت قيادة الجيش التشادي، السبت، هجوماً شنَّته «قوات الدعم السريع» السودانية على بلدة حدودية داخل الأراضي التشادية؛ ما أسفر عن مقتل جنديَّين تشاديَّين وإصابة ثالث، ووصفت الهجوم بأنه «عدوان غير مُبرَّر» على سيادة تشاد.

وفي أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، أحكمت «قوات الدعم السريع» سيطرتها على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور، بعد حصار استمرَّ لأكثر من 18 شهراً، تخللته معارك عنيفة، وسط تقارير وأدلة على وقوع عمليات قتل جماعي، واختطاف، واغتصاب بحق المدنيين.

وفي هذا السياق، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن بعثة تقييم أممية وصلت إلى مدينة الفاشر بعد مفاوضات إنسانية مطولة، عادّاً هذه الخطوة «مؤشراً على انفراجة محدودة» في ملف إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة التي عانت حصاراً خانقاً. وأوضح المكتب أن البعثة ضمَّت وفداً من «برنامج الأغذية العالمي»؛ لتقييم الاحتياجات الغذائية العاجلة، وفريقاً من منظمة الصحة العالمية؛ لتقييم الأضرار التي لحقت بالمرافق الصحية واحتياجاتها الطارئة، إضافة إلى فريق من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) مختص بتقييم أوضاع الأطفال، والاحتياجات الإنسانية الملحّة.

ترحيب أميركي

من جهته، رحَّب كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، بوصول بعثة التقييم إلى الفاشر، عادّاً ذلك دليلاً على إسهام الدبلوماسية الأميركية في «إنقاذ الأرواح». وقال بولس، في تغريدة على منصة «إكس»، إن هذا الوصول الحاسم جاء بعد أشهر من المفاوضات عبر مسار يسَّرته الولايات المتحدة، وبجهود مشتركة مع «أوتشا»، وشركاء إنسانيين على الأرض.

مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي (أ.ف.ب)

ودعا بولس، الذي يشارك في جهود الوساطة الرامية إلى وقف الحرب في السودان، إلى إعلان هدنة إنسانية شاملة، مطالباً طرفَي النزاع بقبولها وتنفيذها فوراً «دون شروط»، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع مناطق السودان، كما حثّ المجتمع الدولي على زيادة التمويل لدعم استجابة «أوتشا». ويُعد وصول البعثة التقييمية الأممية إلى الفاشر أول دخول إنساني إلى المدينة منذ مايو (أيار) 2024.

وفي المقابل، أعلنت قوات «حكومة تأسيس» الموالية لـ«قوات الدعم السريع»، والتي تسيطر على إقليم دارفور، في بيان صدر أمس (السبت)، استعدادها الكامل لتأمين وتسهيل العمل الإنساني في إقليمَي دارفور وكردفان. وأفادت بأن زيارة وفد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) ودائرة الأمم المتحدة للسلامة والأمن (UNDSS) شملت مراكز النزوح، والمقار الأممية، وعدداً من المرافق الحيوية داخل مدينة الفاشر.

ووفقاً لبيان «تأسيس»، أكملت البعثة الأممية زيارتها للفاشر، ووصلت بسلام إلى محلية طويلة، دون صدور أي تعليق رسمي من الجيش السوداني بشأن دخول البعثة.

آلاف اللاجئين من دارفور يعيشون حالياً بمخيم أدري الحدودي في تشاد هرباً من الحرب (رويترز)

يُذكر أن الجيش السوداني ظل يرفض، لفترات طويلة، السماح بدخول المنظمات الإنسانية والمساعدات، عبر معبر إدري الحدودي مع تشاد، ما فاقم من الأزمة الإنسانية داخل المدينة، حيث واجه السكان نقصاً حاداً في الغذاء والدواء والخدمات الصحية. وكانت صحيفة «الشرق الأوسط» قد نقلت في وقت سابق عن مدير «برنامج الأغذية العالمي» أن الأمم المتحدة اضطرت إلى تقييد عمليات الإغاثة عبر تشاد باتجاه دارفور.

تهديد تشادي

في سياق ثانٍ، نفَّذت طائرة مسيّرة تابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي تخوض حرباً مفتوحة مع الجيش السوداني منذ أبريل (نيسان) 2023، هجوماً استهدف بلدة الطينة الواقعة على الحدود التشادية. وقال ضابط رفيع في الجيش التشادي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، إن هذه الحادثة تمثل المرة الأولى التي يتكبَّد فيها الجيش التشادي خسائر بشرية مباشرة منذ اندلاع الحرب في السودان.

وعدّت هيئة الأركان العامة التشادية الهجوم «متعمَداً ومقصوداً»، ويمثل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي، محذّرة جميع أطراف النزاع السوداني من أي تجاوز أو مساس بسيادة الأراضي التشادية. وأكد الجيش التشادي، في بيان رسمي، احتفاظه بـ«حق الرد بجميع الوسائل القانونية»، وبممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس في حال تكرار أي اعتداء، استناداً إلى المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة.

وتسيطر «قوات الدعم السريع» على معظم مناطق شمال وغرب إقليم دارفور، باستثناء جيوب محدودة تخضع لسيطرة جماعات قبلية محايدة. وكانت القوات قد أعلنت، الأربعاء الماضي، سيطرتها على بلدتَي أبو قمرة وأم برو في شمال دارفور، وهما منطقتان تقعان على الطريق المؤدي إلى بلدة الطينة التشادية.


مصر: «مُمارسات» مُلاك ضد مستأجرين تُفاقم الاعتراضات على «الإيجار القديم»

ممارسات ملاك ضد مستأجرين تفاقم الاعتراضات على الإيجار القديم (الشرق الأوسط)
ممارسات ملاك ضد مستأجرين تفاقم الاعتراضات على الإيجار القديم (الشرق الأوسط)
TT

مصر: «مُمارسات» مُلاك ضد مستأجرين تُفاقم الاعتراضات على «الإيجار القديم»

ممارسات ملاك ضد مستأجرين تفاقم الاعتراضات على الإيجار القديم (الشرق الأوسط)
ممارسات ملاك ضد مستأجرين تفاقم الاعتراضات على الإيجار القديم (الشرق الأوسط)

فاقمت ممارسات بعض الملاك ضد مستأجرين الاعتراضات المجتمعية على قانون «الإيجار القديم» الذي يثير جدلاً واسعاً في مصر تجدد إثر واقعة محاولة طرد شقيق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من شقته.

وما زال القانون يواجه منذ أن أقره مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) وصادق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في شهر أغسطس (آب) الماضي، اعتراضات مجتمعية وتحذيرات عبّر عنها نواب وشخصيات عامة بشأن مخاطر تتعلق بالسلم الاجتماعي؛ إذ يرتبط القانون بحياة نحو 6 ملايين مواطن يشغلون وحدات سكنية مؤجرة منذ عشرات السنين بمبالغ زهيدة، حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ويحدد القانون، الذي دخل حيز التنفيذ في مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، مدداً زمنية لإخلاء الوحدات المؤجرة طبقاً لقانون «الإيجار القديم»، وهي 7 سنوات للشقق السكنية، و5 سنوات للشقق المستخدمة في أغراض غير سكنية، فضلاً عن زيادة قيمة الإيجار بنسب متفاوتة، وعلى الرغم من تأكيدات حكومية بالالتزام بتوفير شقق بديلة للمستأجرين، فإن الجدل حول المخاطر الاجتماعية المترتبة على تطبيقه لم تهدأ.

وشهدت مصر خلال الفترة الماضية وقائع لمواجهات بين الطرفَين، أحدثها «محاولة طرد» طارق عبد الناصر (شقيق الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر) من شقته، ووفق وسائل إعلام محلية، السبت، حرر شقيق عبد الناصر محضراً بقسم شرطة العجوزة، اتّهم فيه مالك أحد العقارات بمنطقة المهندسين في الجيزة بإتلاف باب شقته ومحاولة طرده منها، على خلفية نزاع مرتبط بعقد إيجار قديم.

وذكر نجل الرئيس الراحل في المحضر، «أنه فُوجئ بإتلاف مالك العقار باب الشقة التي يقيم بها منذ سنوات طويلة بنظام الإيجار القديم، في محاولة لإجباره على تركها، رغم تمتعه بحق قانوني في الإقامة بموجب العقد المبرم بين الطرفَين». وأضاف أن «الواقعة جاءت في ظل خلافات سابقة مع المالك حول استمرار شغله للوحدة السكنية».

نواب يعتزمون التقدم بتعديلات جديدة إلى البرلمان المقبل (الشرق الأوسط)

ويرى رئيس «اتحاد المستأجرين» شريف الجعار، أن واقعة محاولة طرد شقيق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر «جرس إنذار» بشأن المخاطر الاجتماعية المتوقعة لتطبيق القانون، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «شقيق عبد الناصر شخصية مرموقة ومن كبار السن، ويوجد مثله الآلاف من أصحاب المعاشات والأرامل، كثير منهم شغلوا مراكز اجتماعية مرموقة، ولا يمكنهم تحمّل تكاليف شراء شقة جديدة».

وحسب الجعار فإن «الفترة الماضية شهدت وقائع عدة اعتدى فيها ملاك على مستأجرين لطردهم، مما يشكل خطراً على السلم المجتمعي»، مؤكداً أن الاتحاد «مستمر في اتخاذ الإجراءات القضائية في دعاوى نطعن فيها في دستورية بعض مواده، وتوجد 5 دعاوى أُحيلت بالفعل إلى المحكمة الدستورية».

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أثار مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي غضباً واسعاً، حيث ظهر فيه مالك عقار بمدينة السويس (شمال) يعتدي على مستأجر مسن تجاوز السبعين عاماً في الشارع أمام المارة لإجباره على ترك شقته.

التحذيرات من المخاطر الاجتماعية لتطبيق تعديلات «الإيجار القديم» دفعت عدداً من النواب إلى تأكيد اعتزامهم التقدم بتعديلات جديدة خلال البرلمان المقبل، وقال عضو مجلس النواب الدكتور فريدي البياضي لـ«الشرق الأوسط» إن «الاعتراضات على قانون الإيجار القديم تزداد، وتكرار وقائع الاعتداء على المستأجرين والمشادات مع الملاك تزداد حدتها وتهدد السلم الاجتماعي».

وحسب البياضي، فإن «تصاعد المخاوف من التأثيرات الاجتماعية لتطبيق القانون يعزّز فرص النواب الذين يرفضونه للتقدم بتعديلات جديدة خلال انعقاد البرلمان المقبل، وقد وضعنا هذا على أولوية أجندتنا التشريعية».

وتحدث عضو مجلس النواب الإعلامي مصطفى بكري، عن شكوى وصف صاحبها بشخصية «مرموقة متقاعدة»، يتعرّض لمضايقات من المالك للضغط عليه لإجباره على مغادرة الوحدة السكنية، حسب بكري، الذي قال عبر برنامجه «حقائق وأسرار» على قناة «صدى البلد»، مساء الجمعة، إن «هذه الشخصية تقيم في وحدة سكنية بنظام الإيجار القديم، والمالك الذي يسكن بالطابق العلوي يتعمّد إحداث ضوضاء مستمرة عبر الطَّرْق المتكرر على السقف؛ في محاولة للتضييق عليه».

وأشار إلى أن «المالك يمارس ضغوطاً مستمرة على المستأجر تتمثّل في (التخبيط ليل نهار، والشتائم، والتطاول) بهدف (التطفيش) وإجباره على ترك الشقة، حتى قبل انتهاء المهلة القانونية المقدرة بـ7 سنوات».


كيف استفاد المصريون من التراجع النسبي في سعر الدولار الأميركي؟

سوق العتبة الشعبية وسط القاهرة (الشرق الأوسط)
سوق العتبة الشعبية وسط القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

كيف استفاد المصريون من التراجع النسبي في سعر الدولار الأميركي؟

سوق العتبة الشعبية وسط القاهرة (الشرق الأوسط)
سوق العتبة الشعبية وسط القاهرة (الشرق الأوسط)

يستعد محمود محمد (31 عاماً)، وهو محامٍ شاب، لتجهيز شقته في منطقة 6 أكتوبر للزواج، ورغم ارتفاع الأسعار والعبء المادي الكبير الذي ينتظره، فإنه يشعر بارتياح جزئي مع استقرار الأسواق، وعدم تذبذبها بأسعار جديدة كل يوم، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أنتظر أن تتراجع بشكل أكبر، لكن المهم أن السلع والمواد متوفرة، وهذا سيوفر وقتاً وجهداً».

ولا تنفي شكاوى المواطنين من ارتفاع الأسعار، تحسن أحوال قطاعات اقتصادية عديدة مع استقرار سوق العملة، والتراجع النسبي الذي يشهده الدولار، ما انعكس إيجاباً على حجم عمليات الاستيراد والتصدير وتوفر السلع والخدمات، وكذلك على مستوى التضخم، وتوقعات تحسن الاقتصاد، وأيضاً على ملف الدَّيْن، وفق خبراء ومتخصصين.

وتراجع الدولار أكثر من جنيهين مسجلاً نحو 47.5 جنيه، السبت، مقارنة بنحو 50 جنيهاً خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وهو تراجع يتماشى مع إجمالي هذا العام؛ إذ سجل الدولار تراجعاً بقيمة 3.24 جنيه مقابل العملة المحلية؛ أي ما يعادل نسبة 6.5 في المائة، لينخفض من 50.90 جنيه للبيع في مطلع يناير (كانون الثاني) 2025، إلى 47.66 جنيه في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفقاً «للبنك المركزي المصري».

ويرى الخبير الاقتصادي خالد الشافعي أن استقرار سوق السلع واحد من أهم آثار تراجع الدولار، حتى لو كانت تراجعات طفيفة، موضحاً: «لم نعد نشهد الاضطراب الكبير في الأسعار، حين كان كل تاجر يسعّر السلعة بسعر مختلف مع نقص الدولار في السوق الرسمية، وسيطرة السوق السوداء».

وشهدت مصر أزمة في توفر الكثير من السلع مع نقص العملة الصعبة خلال الأعوام الماضية، حتى قررت الحكومة في مارس (آذار) 2024 تحرير سعر الصرف، ليرتفع الدولار من 30 جنيهاً في البنوك إلى 50 جنيهاً، مع عقد صفقات استثمارية لتوفير الدولار، ما قوّض السوق السوداء التي وصل فيها سعر الدولار إلى 70 جنيهاً في بعض الأحيان.

وأضاف الشافعي لـ«الشرق الأوسط» أن «تراجع الدولار انعكس إيجابياً على صورة مصر وقدرتها على السيطرة على العملة»، لافتاً إلى تراجع أسعار الخضراوات واللحوم، والكثير من السلع التي «لولا استقرار سوق العملة لوصل سعرها إلى أضعاف».

وزير التموين المصري يتفقد «سوق اليوم الواحد» في محافظة قنا لبيع السلع بأسعار مخفضة في فبراير الماضي (وزارة التموين المصرية)

ويفرق الباحث الاقتصادي في «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، محمد رمضان، بين قطاعات إنتاجية تأثرت إيجابياً بشكل سريع نتيجة التراجع النسبي للدولار، وأخرى ما زالت الآثار فيها غير ملحوظة أو بطيئة، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «أغلب التأثير مرتبط بأسواق الطعام المرتبطة بالاستهلاك السريع، والتي يدخل في إنتاجها مواد مستوردة، مثل سوق الدواجن واللحوم الحمراء التي تعتمد على الأعلاف المستوردة»، لافتاً إلى أن تراجع الأسعار في هذه الأسواق هو المؤثر الرئيسي في تراجع مستوى التضخم.

وبلغت نسبة التضخم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي نحو 12.3 في المائة، مقارنة بـ12.5 في المائة خلال أكتوبر (تشرين الأول).

وأضاف رمضان أن «أسواقاً أخرى تحتاج إلى وقت لظهور أثر التراجع فيها، مثل السلع المُعمرة والإلكترونيات والسيارات، والعقارات، والأخيرة تشهد ثباتاً في الأسعار لفترات طويلة؛ لذا لن ينعكس التراجع النسبي للدولار عليها بشكل سريع».

ويتفق معه الباحث الاقتصادي المتخصص في أسواق المال، محمود جمال سعيد، قائلاً إن «انخفاض سعر الدولار يخفف كلفة الاستيراد، ويحدّ من ضغوط الأسعار على السلع المتداولة دولياً، لكن أثره على التضخم يكون تدريجياً بسبب دورات التسعير والمخزون وعقود توريد تمت بأسعار أعلى».

والتمييز في حجم الأثر الإيجابي للتراجع النسبي للدولار يؤكده أيضاً رئيس شعبة السيارات في غرفة القاهرة التجارية، اللواء نور الدين درويش، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إنه «رغم الأثر الإيجابي لاستقرار سوق العملة في مصر بشكل عام مع توفر الدولار، ما ينعكس سريعاً على القطاعات التي تعتمد على الاستيراد مثل السيارات، فإن ركود السوق مع تراجع القوة الشرائية للمواطنين، يحرمان هذا القطاع من الشعور بالتحسن».

وأضاف درويش أن «القطاع لم يتعافَ بشكل كامل منذ (أزمة كورونا)، والتي ما إن انتهت حتى دخلنا في أزمة توفر الدولار، وبعدها ارتفعت أسعار الفائدة التي لا تشجع على شراء السيارات بالتقسيط من خلال قرض».

وكانت «لجنة السياسة النقدية» بالبنك المركزي المصري قررت، الخميس، خفض أسعار الفائدة بنسبة 1 في المائة، ليصبح سعرَا عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة 20 في المائة، و21 في المائة، على الترتيب.

المصريون لا يتحملون الزيادات المستمرة في الأسعار (الشرق الأوسط)

وعكْس سوق السيارات المُتأزمة، فإن سوق الملابس الجاهزة والتي تعتمد في 60 في المائة منها تقريباً على خامات مستوردة، وفق رئيس شعبة الملابس الجاهزة، خالد سليمان، تشهد نمواً، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «نحجز مكاناً في السوق العالمية، ونتوسع في أميركا وأوروبا وبعض دول الخليج».

وأوضح أن «توفر الدولار يؤثر إيجابياً في هذه الصناعة، ويعزز فرص اتساعها وزيادة التصدير»، مطالباً في الوقت ذاته بالاهتمام بتدريب العمالة بما يتناسب مع الخطط الطموحة في هذه السوق.

وارتفعت صادرات سوق الملابس الجاهزة المصرية، خلال الشهور السبعة الأولى هذا العام، بنسبة 26 في المائة، لتصل إلى 1.939 مليار دولار، مقابل 1.539 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وفق المجلس التصديري للملابس الجاهزة.

وكلما ارتفعت صادرات مصر ازدادت الوفرة من الدولار، ما ينعكس على استقرار سوق العملة وفرص تراجع الدولار، مثلها مثل السياحة، والاستثمار وتحويلات المصريين في الخارج، وفق الباحث محمود جمال سعيد، مشيراً إلى أن هذا «التحول الإيجابي» في تراجع سعر الدولار يخفف مباشرة من عبء خدمة الدين الخارجي.

وبلغ إجمالي الدين الخارجي لمصر 161.2 مليار دولار بنهاية يونيو (حزيران) 2025، فيما سددت البلاد نحو 38.7 مليار دولار كأقساط وفوائد خلال العام المالي 2024/2025.

وأضاف أن «انخفاض قيمة الدولار يقلل التكلفة بالجنيه المصري لسداد هذه الالتزامات، ما يخفف الضغوط على الموازنة العامة ويحسن الوضع المالي. وهذا التطورات انعكست على سوق المال، حيث حافظ مؤشر EGX30 على تماسكه فوق مستوى 41 ألف نقطة في ديسمبر 2025، مدعوماً بمشتريات المؤسسات الأجنبية، وهو ما يعكس تحسناً في التدفقات المالية، وتراجع الضغوط التضخمية المرتبطة بتكاليف الاستيراد».

وبحسب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، فإن هناك زيادة قدرها 20 في المائة بالصادرات غير البترولية خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن مصر استقبلت 18.8 مليون سائح هذا العام، فيما تشير إحصاءات حكومية إلى أن عدد السائحين الذين زاروا البلاد، العام الماضي، وصل إلى 15.7 مليون سائح.

ورغم كل هذه المؤشرات الإيجابية، فإن الباحث الاقتصادي في المبادرة المصرية، محمد رمضان، لا يتوقع أن نشهد قريباً تراجعات كبيرة لسعر الدولار، قائلاً: «أتوقع أن يظل يتذبذب بين 45 و50 جنيهاً صعوداً وهبوطاً، بفعل الكثير من التحديات التي ما زالت تواجه الاقتصاد المصري، فحتى لو انتهينا العام المالي المقبل من شروط صندوق النقد، فسنظل في حاجة لتطبيق سياسات تقشفية».