كيف ينسق المستوطنون الإسرائيليون على قمم التلال هجماتهم لطرد الفلسطينيين؟

ترفرف الأعلام الإسرائيلية عند مدخل مستوطنة إيفياتار الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة (رويترز)
ترفرف الأعلام الإسرائيلية عند مدخل مستوطنة إيفياتار الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة (رويترز)
TT

كيف ينسق المستوطنون الإسرائيليون على قمم التلال هجماتهم لطرد الفلسطينيين؟

ترفرف الأعلام الإسرائيلية عند مدخل مستوطنة إيفياتار الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة (رويترز)
ترفرف الأعلام الإسرائيلية عند مدخل مستوطنة إيفياتار الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة (رويترز)

تقع بؤرة أور مئير الاستيطانية الصغيرة التي تضم عدداً قليلاً من المساكن البيضاء الجاهزة في نهاية مسار ترابي قصير على تل يصعد من الطريق 60، وهو طريق رئيسي يشق الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل.

ومع مرور الوقت، تتحول مساكن متواضعة مشابهة إلى مشاريع إسكان إسرائيلية مترامية، ضمن خطة يقر أعضاء في حكومة إسرائيل بتنفيذها لمنع إقامة دولة فلسطينية.

هذا التوسع غالباً ما يشوبه العنف. فقد روت عائلة بدوية لـ«رويترز» أن مهاجمين ​نزلوا من أور مئير وألقوا زجاجات حارقة وأجبروها على مغادرة أرض قريبة مملوكة لفلسطينيين العام الماضي. وتخشى ألا تتمكن من العودة أبداً.

وتحتفي رسائل منشورة على قناة «أور مئير» على منصة «تلغرام» بطرد رعاة بدو، وتُظهر إصرار المستوطنين الجدد على ترسيخ سيطرة دائمة على ما يصفونها بأنها أراض «استراتيجية».

ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، كان هذا العام من بين الأعوام الأكثر عنفاً على الإطلاق فيما يتعلق بهجمات مدنيين إسرائيليين على فلسطينيين في الضفة الغربية؛ إذ تُظهر البيانات وقوع أكثر من 750 إصابة والانتشار السريع للبؤر الاستيطانية في أنحاء أراض يأمل الفلسطينيون أن تشكل قلب دولتهم المستقبلية.

صورة لمستوطنة إسرائيلية بشرق مدينة نابلس في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

وسجلت منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية غير الحكومية بناء 80 بؤرة استيطانية في 2025، وهو العدد الأكبر منذ أن بدأت المنظمة توثيقها في 1991. وفي 21 ديسمبر (كانون الأول)، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على إقامة 19 مستوطنة جديدة، بينها مستوطنات كانت تجمعات استيطانية في السابق. وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن الهدف هو عرقلة قيام دولة فلسطينية.

وعلى مدى عقود، أقامت مجموعات من المستوطنين تجمعات على أراضٍ في الضفة الغربية دون تفويض رسمي من السلطات الإسرائيلية. وأحياناً تهدم السلطات الإسرائيلية في الضفة الغربية مثل هذه التجمعات، لكنها غالباً ما تعود للظهور، وفي حالات كثيرة ينتهي الأمر بقبول إسرائيل لها بصفتها مستوطنات رسمية. ويدفع سموتريتش باتجاه إضفاء الطابع الرسمي على المزيد من البؤر الاستيطانية.

وتعدّ معظم دول العالم أن جميع أنشطة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية بموجب القانون الدولي المتعلق بالاحتلال العسكري. وتعارض إسرائيل هذا الرأي.

وجاء في منشور في سبتمبر (أيلول) لحساب يمثل مستوطني أور مئير: «منذ أن رسخنا وجودنا على الأرض، طردنا تسع بؤر بدوية غير قانونية، وأعدنا 6000 دونم إلى الأيدي اليهودية»، مستخدماً وحدة الدونم التي تعادل نحو 1000 متر مربع.

وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش يستعرض خريطة لتوسيع مستوطنة «معاليه أدوميم» في الضفة الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)

ولم تتمكن «رويترز» من التحقق بشكل مستقل من جميع الهجمات على البدو أو تحديد هوية من نشر بالنيابة عن سكان تجمع ‌أور مئير ⁠الذي تأسس قبل ​نحو عامين. ورفض ‌مستوطنون هناك التحدث إلى «رويترز».

ورداً على أسئلة «رويترز» بشأن تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية، حمَّل مسؤول إسرائيلي «أقلية هامشية» المسؤولية، وقال إن الهجمات الفلسطينية على إسرائيليين لا تحظى بتغطية كافية من وسائل الإعلام. ولم ترد السلطة الفلسطينية على طلبات للتعليق.

وتشير الرسائل على قناة «أور مئير» على تطبيق «تلغرام»، وهي قناة عامة، إلى خطة منظمة جيداً للسيطرة على الأراضي. ويدعم هذا الاستنتاج فحص أجرته «رويترز» لعشرات الرسائل في نحو اثنتي عشرة مجموعة أخرى على تطبيقي «تلغرام» و«واتساب» تمثل مجموعات مشابهة، إضافة إلى ثلاث مقابلات مع مستوطنين وجماعات مؤيدة للمستوطنين، وتقارير ميدانية قرب أور مئير ومستوطنة جديدة.

وقالت ميلينا أنصاري، باحثة منظمة «هيومن رايتس ووتش» المقيمة في القدس والتي يشمل عملها أبحاثاً عن المستوطنات في الضفة الغربية «تُظهر الأدلة أن هذا نمط منهجي من العنف».

وقالت عائلة مصابح البدوية إنها تعرضت لهجوم ليلاً في يونيو (حزيران) من جهة أور مئير. وكانت أنقاض منزلهم وحظيرة محترقة لا تزال مرئية لفريق من «رويترز» في ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وقال شحادة مصابح (39 عاماً)، الذي لجأ للعيش في قرية دير دبوان الفلسطينية القريبة، وقال: «إحنا كنا عايشين هون وقاعدين بأمان الله، نزلوا علينا المستوطنين عند شارع 60 من هاي (الناحية)... بلشوا يحرقوا ويكسروا ويخربوا.. ما خلولناش ولا إشي بالمرة».

ورداً على أسئلة بشأن الواقعة، قال الجيش الإسرائيلي لـ«رويترز» إن عشرات المدنيين الإسرائيليين أضرموا النار في ممتلكات في دير دبوان في الليلة المشار إليها. وأضاف أن جميع المشتبه بهم كانوا غادروا بحلول وقت ⁠وصول قوات الأمن. وقال مسؤول في مجلس دير دبوان لـ«رويترز» إن ما يصل إلى 60 مستوطناً شاركوا، فألقوا الحجارة وأحرقوا منزل عائلة مصابح وممتلكات أخرى، إضافة إلى سيارات. وأُصيب قرويون عدة جراء رشقهم بالحجارة.

وفي اتصال هاتفي، أبلغ مستوطن من أور مئير يُدعى إلكانا ناخماني مراسلي «رويترز» ألا يتقدموا على الطريق الترابي المؤدي إلى البؤرة من الطريق 60 ‌وألا يتواصلوا مرة أخرى.

ورد نخماني على طلب للتعليق من «رويترز»، لكنه لم يتطرق إلى القضايا التي أثارتها الأسئلة. وفي قناة «تلغرام»، اتهم مستوطنو أور مئير فلسطينيين بتسميم أغنامهم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وهو اتهام تنفيه عائلة مصابح.

وقالت منظمة «ييش دين» الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان إن اثنين في المائة فقط من مئات قضايا عنف المستوطنين التي وثقتها منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 انتهت بتوجيه اتهامات.

ولم تتمكن «رويترز» من تأكيد نتائج المنظمة. ولم ترد الشرطة والجيش الإسرائيليان على طلبات للتعليق.

ووفقاً للأمم المتحدة، قُتل أكثر من ألف فلسطيني في الضفة الغربية من السابع من أكتوبر 2023 إلى 17 أكتوبر 2025، معظمهم في عمليات نفذتها قوات الأمن وبعضهم نتيجة عنف المستوطنين. وفي الفترة نفسها، قُتل 57 إسرائيلياً في هجمات شنها فلسطينيون.

مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز)

تحويل تجمعات المستوطنين إلى مستوطنات

كانت مجموعة أور مئير واضحة بشأن أهدافها. ففي نوفمبر، نشر حساب أور مئير أنه يهدف إلى الاستقرار في «تلة استراتيجية قرب مستوطنة عوفرا»؛ سعياً لتأسيس «وجود استيطاني يهودي مستمر».

وقال درور إتكيس، الناشط الإسرائيلي في مجال السلام، إن بؤراً استيطانية أخرى تخدم الغرض ذاته؛ إذ تقطع أوصال الضفة الغربية و«تحد من إمكانية وجود فلسطينيين في تلك الأماكن».

ورغم تحركات من الحكومة للاعتراف بشرعية العشرات من المواقع التي كانت من قبل عشوائية، قال الجيش الإسرائيلي لـ«رويترز» في بيان إن أور مئير «غير قانونية وأخلتها قوات الأمن مرات عدة». لكن الجيش لم يقدم تفاصيل عن سبب عدّ هذا ​الموقع غير قانوني أو لماذا تم «إخلاؤه»، وهي اللفظة التي يستخدمها الجيش ليقصد بها إغلاق أو هدم بؤر استيطانية في الضفة الغربية.

وذكر موقع «أور مئير» الإلكتروني على الإنترنت أن المستوطنة عادت بمساعدة جمع تبرعات بلغت نحو مائة ألف شيقل (30 ألف دولار) بعد أحدث إخلاء في مارس (آذار).

وتشمل البؤر الاستيطانية السابقة التي أضفت عليها إسرائيل صفة المستوطنات الرسمية على مر السنين بؤراً أخلاها الجيش من قبل. وبدأت ⁠مستوطنة عوفرا أيضاً، التي تقع أيضاً على الطريق 60 إلى الشمال مباشرة من أور مئير، على شكل بؤرة استيطانية، لكنها تحولت الآن مستوطنة بتطوير كبير للمنازل.

وسأل منشور على حساب أور مئير على «تلغرام» في مارس بعد الإخلاء «لماذا نواصل ذلك؟»، ورد المنشور نفسه على السؤال الذي طرحه قائلا «كل المكاسب التي تحققت في الاستيطان جرت بهذه الطريقة. في البداية، ترفض الدولة قبول أي أنشطة على الأرض وتكافحها بضراوة، لكن بسبب إصرار المواطنين اضطرت في النهاية إلى قبولها».

في ديسمبر كانون الأول، قال سموتريتش إن 51الف و370 وحدة سكنية حصلت على موافقات في مستوطنات بالضفة الغربية منذ أن تولى منصبه في أواخر 2022، في إطار ما تصفه الأمم المتحدة بأنه أسرع وتيرة توسع في المستوطنات منذ أن بدأت مراقبة هذا الملف في 2017. ولم يرد مكتب سموتريتش على طلب للحصول على تعليق.

وفي 30 سبتمبر أيلول، نشر حساب أور مئير على تيلغرام خريطة تظهر موقع البؤرة الاستيطانية. ووضعت الخريطة علامات واضحة على منطقة كبيرة بحدود زرقاء تمتد إلى حافة دير دبوان. وقالت المجموعة إن المنطقة التي تشملها العلامة تخضع لسيطرة بؤرتهم الاستيطانية.

وذكر مجلس دير دبوان أن بلاغات وصلت عن وقوع أربعة هجمات على الأقل على فلسطينيين في نطاق تلك الحدود الزرقاء وأضاف أن الفلسطينيين لم يعد بمقدورهم الدخول إلى المنطقة بما شمل 250 دونما تتبع المجلس نفسه.

كما أظهرت الخريطة ثماني علامات سوداء أغلبها داخل الحدود الزرقاء وكتب عليها أنها «مواقع هجرها الاحتلال العربي» في إشارة إلى أماكن قيل إن البدو طردوا منها.

الطريق إلى غور الأردن

تحيط مستوطنات بالطريق 60 الذي يتقاطع معه الطريق 505 الممتد بين الغرب والشرق صوب غور الأردن وتنتشر أيضاً مستوطنات على جانبيه منها مستوطنة أفيتار قرب بلدة بيتا الفلسطينية.

وبدأت أفيتار على شكل تجمع صغير من الخيام في 2019. وأخلتها السلطات في 2021، لكنها حصلت على اعتراف الحكومة الإسرائيلية في 2024. ونسب ملكيئيل بارحاي، رئيس بلدية مستوطنة أفيتار، الفضل في ذلك لسموتريتش.

منظر عام لمستوطنة إسرائيلية في غور الأردن (رويترز)

وقال من المستوطنة، وهو يضع مسدساً في بنطاله ذكر أنه للحماية، إن المستوطنة لها أهمية حيوية لإبقاء الطريق 505 مفتوحاً؛ «لأن لدينا قرى عربية، قرى عربية معادية.. في الجوار».

وقال عضو في مجلس بلدية بيتا لـ«رويترز» إن مستوطنين من بؤر محيطة ومستوطنات منها أفيتار قتلوا 14 شخصاً في المنطقة المحيطة بالبلدة بين 2021 و2024. ولم يتسن لـ«رويترز» التحقق من عدد القتلى ولا المسؤولين عن مقتلهم.

وفي الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني)، شهدت «رويترز» هجوماً نفذه مستوطنون يحملون العصي والهراوات ويلقون حجارة ضخمة على فلسطينيين وهم يحصدون الزيتون قرب بيتا. وأصيب اثنان من طاقم «رويترز»، هما صحافية ومستشار أمني في الواقعة.

ونفى رئيس بلدية مستوطنة أفيتار مسؤولية المستوطنين عن الهجمات وألقى بها على الفلسطينيين.

وقال سامر يونس، وهو مزارع يعيش قرب أفيتار وأصيب بكسر في الساق في هجوم نفذه مستوطنون، إنه لن يترك الأرض مهما كانت العواقب.

وتابع قائلاً: «هذا مكاني... منزلي. أين أذهب؟». وهناك فوق تلة، تظهر بؤرة استيطانية أخرى عند أشجار الزيتون.


مقالات ذات صلة

نائب الرئيس الفلسطيني التقى الصفدي في عمّان لمناقشة أوضاع غزة والضفة

المشرق العربي جانب من شمال قطاع غزة (رويترز)

نائب الرئيس الفلسطيني التقى الصفدي في عمّان لمناقشة أوضاع غزة والضفة

قال حسين الشيخ، نائب الرئيس الفلسطيني، إنه التقى، الثلاثاء، وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وأجريا محادثات ركزت على جهود تثبيت وقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (عمان)
شؤون إقليمية مئات المستوطنين الإسرائيليين (أرشيفية - أ.ف.ب)

مستوطنون إسرائيليون يرشون أطفالاً فلسطينيين بالغاز المسيل للدموع

قال مسؤول فلسطيني اليوم الثلاثاء إن مستوطنين إسرائيليين هاجموا منزلاً فلسطينياً في جنوب الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال دورية في رام الله (أ.ف.ب)

إصابة 3 فلسطينيين برصاص إسرائيلي واعتقال العشرات في الضفة

أصيب 3 مواطنين فلسطينيين برصاص القوات الإسرائيلية بمدينة نابلس، فجر الثلاثاء، فيما شهدت مناطق متفرقة من الضفة الغربية حملة اعتقالات واسعة طالت عشرات الفلسطينيين

«الشرق الأوسط» (رام الله )
شؤون إقليمية من داخل بيت ريان محمد أبو معلا (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: نحقق في مقتل فتى فلسطيني بالضفة الغربية

قال الجيش الإسرائيلي إنه يحقق في واقعة مقتل فتى فلسطيني (16 عاماً) بالضفة الغربية برصاص جنود قالوا إنه ألقى ​حجراً عليهم.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
المشرق العربي والدة أحمد زيود خلال تشييع جثمانه خلال جنازته قرب جنين في الضفة الغربية اليوم (أ.ب)

مقتل 3 فلسطينيين بقصف إسرائيلي على شرق مدينة غزة

قُتل ثلاثة فلسطينيين، صباح اليوم الأحد، في قصف إسرائيلي استهدف حي الشجاعية شرق مدينة غزة، فيما قتل فتى وشاب برصاص الجيش الإسرائيلي في واقعتين منفصلتين بالضفة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

14 دولة تدعو إسرائيل إلى وقف التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية

مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

14 دولة تدعو إسرائيل إلى وقف التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية

مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

ندّدت 14 دولة، من بينها فرنسا وبريطانيا وكندا واليابان، الأربعاء، بإقرار إسرائيل الأخير إنشاء مستوطنات يهودية في الضفة الغربية المحتلّة، داعية الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عن القرار، وإلى الكفّ عن توسيع المستوطنات.

وجاء في بيان مشترك، نشرته وزارة الخارجية الفرنسية: «نحن، ممثلي ألمانيا وبلجيكا وكندا والدنمارك وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وآيرلندا وإيسلندا واليابان ومالطا وهولندا والنرويج وبريطانيا، نندد بإقرار المجلس الوزاري الأمني للحكومة الإسرائيلية إنشاء 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة».

وأضاف البيان: «نؤكد مجدداً معارضتنا أي شكل من أشكال الضم، وأي توسيع لسياسة الاستيطان»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ودعت الدول إسرائيل إلى «العدول عن هذا القرار، بالإضافة إلى ⁠إلغاء التوسع في ‌المستوطنات».

وأضاف ​البيان: «نذكر أن مثل هذه التحركات ⁠أحادية الجانب، في إطار تكثيف أشمل لسياسات الاستيطان في الضفة الغربية، لا ينتهك القانون الدولي فحسب، بل يؤجج أيضاً انعدام الاستقرار».


تتبّع مصير 55 من جلادي النظام السابق اختفوا مع سقوط الأسد في منافي الترف

صورة لقرية بارفيخا الفاخرة بالقرب من موسكو ديسمبر 2012 ويُقال إنها تستضيف بشار الأسد حالياً (نيويورك تايمز)
صورة لقرية بارفيخا الفاخرة بالقرب من موسكو ديسمبر 2012 ويُقال إنها تستضيف بشار الأسد حالياً (نيويورك تايمز)
TT

تتبّع مصير 55 من جلادي النظام السابق اختفوا مع سقوط الأسد في منافي الترف

صورة لقرية بارفيخا الفاخرة بالقرب من موسكو ديسمبر 2012 ويُقال إنها تستضيف بشار الأسد حالياً (نيويورك تايمز)
صورة لقرية بارفيخا الفاخرة بالقرب من موسكو ديسمبر 2012 ويُقال إنها تستضيف بشار الأسد حالياً (نيويورك تايمز)

توفّر الشقق السكنية في فندق «فور سيزونز» بالعاصمة الروسية موسكو غرف معيشة تتدلّى فيها ثريات كريستالية، وإطلالات مباشرة على مقر الكرملين، مع خدمة فندقية رفيعة المستوى قادرة على ترتيب كل شيء، من حضور العروض الافتتاحية في مسرح البولشوي إلى استئجار الطائرات الخاصة.

وتُسوَّق هذه المساكن، التي يصل إيجارها إلى 13 ألف دولار أميركي أسبوعياً، على أنها «مثالية للتجمعات العائلية، وحفلات الكوكتيل، والفعاليات التجارية». لكنها، في حالة بعض أكثر مجرمي الحرب المطلوبين في العالم، قد تكون بداية فاخرة لحياة المنفى.

صور متداولة على السوشيال ميديا لتحديد موقع مكان ماهر الأسد

وقد شوهد ماهر الأسد، البالغ من العمر 58 عاماً، شقيق بشار وقائد الفرقة الرابعة، التي كانت تبث الرعب في نفوس السوريين، في صالة الألعاب الرياضية بالفندق وهو يتمتم بكلمة «العار»، حسب مسؤول سابق. وفي الوقت نفسه، كان آخرون يناقشون مصيرهم على موائد الإفطار، حسب ثلاثة من مرافقي أفراد النظام المقيمين في الفندق.

وتمكّن تحقيق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» من تحديد أماكن وجود عدد كبير من كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين المرتبطين بأكثر فصول التاريخ السوري الحديث دموية، بمن فيهم علماء متورطون في تطوير أسلحة كيميائية، ورؤساء أجهزة استخبارات متهمون بممارسة التعذيب، كما كشف عن تفاصيل جديدة عن أوضاعهم الحالية وأنشطتهم الأخيرة.

انتهى حكم بشار الأسد الطويل والوحشي سريعاً لكنه وحاشيته المقربة وجدوا ملاذاً آمناً في روسيا (نيويورك تايمز)

وسعت الصحيفة الأميركية إلى تتبّع مصير 55 من قادة النظام السابق الذين اختفوا عند سقوط الأسد من السلطة، لتجد أن كثيرين منهم يعيشون في رفاهية أو في حالة اختفاء حذر خلال عامهم الأول في المنفى، وأن الغالبية الساحقة منهم أفلتوا، على ما يبدو، من أي مساءلة قانونية.

وحسب أقارب وأصدقاء ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أُقيمت حفلات عيد ميلاد فاخرة لبنات الأخوين الأسد في فيلا بموسكو وعلى متن يخت في دبي.

اللواء علي مملوك مع بشار الأسد (أرشيفية)

ويعيش علي مملوك، البالغ من العمر 79 عاماً، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات القوي، في شقة بموسكو على نفقة الدولة الروسية، ملتزماً العزلة ورافضاً استقبال معظم الزوار، وفقاً لشخصين مقرّبين منه.

أما غسان بلال، 59 عاماً، الذي يُعدّ أحد أبرز أركان شبكة المخدرات التابعة للنظام، فيقيم هو الآخر في موسكو، بينما يموّل نمط حياة مريحاً لأسرته في الخارج، من إسبانيا إلى دبي، حسب ثلاثة ضباط سابقين.

غير أن العديد من أعوان الأسد لم يحظوا بهذا الاستقبال المترف، فقد اضطر بعضهم إلى دفع رشى للصعود إلى طائرات شحن مكتظة متجهة إلى موسكو، ليُنقلوا بعدها إلى مساكن عسكرية. وكان من بينهم جميل حسن، 73 عاماً، مدير استخبارات سلاح الجو السابق المتهم بالإشراف على التعذيب المنهجي وإعدام المعتقلين، وفقاً لثلاثة أشخاص قالوا إنهم التقوه بعد وصوله. وتفرّق آخرون خارج روسيا، بين دبي ولبنان، بينما بقي بعضهم داخل سوريا متخفّياً.

في المقابل، ترك ضحايا أكثر من خمسة عقود من حكم عائلة الأسد يتساءلون عن أماكن المسؤولين عن بعض أبشع الجرائم في هذا القرن، وعن فرص مثولهم يوماً أمام العدالة.

كان الأشخاص الخمسة والخمسون الذين شملهم تحقيق «نيويورك تايمز»، رجالاً يتمتعون بنفوذ هائل، لكن بحضورٍ عامٍّ محدود. وقد أتاح لهم ذلك، على مدى عقود، إتقان فن إخفاء هوياتهم باستخدام أسماء مستعارة وجوازات سفر مزوّرة أو مشتراة، وجميعهم خاضعون لعقوبات دولية، فيما يواجه عدد منهم مذكرات توقيف دولية.

صورة لغسان بلال على جدار إحدى فيلاته بدمشق التي هُجرت بعد سقوط النظام في سوريا (نيويورك تايمز)

ولسدّ الثغرات المتعلقة بمصائرهم، قام صحافيو «نيويورك تايمز» بتفتيش فيلات مهجورة تعود للنظام، ومراجعة مصادر الإنترنت المفتوحة، والتشاور مع ناشطين ومحامين سوريين يسعون لملاحقة مضطهديهم السابقين. كما أُجريت مقابلات مع جهات إنفاذ قانون دولية وشخصيات من النظام السابق، وفي بعض الحالات تمت مواجهتهم بشكل مباشر.

وأسفر هذا الجهد عن تحديد أماكن وجود نصف هؤلاء فقط، ووجد الصحافيون أنه لم يُحتجز سوى شخص واحد، أما الآخرون فقد اختفوا عن الأنظار أو تركوا آثاراً ضئيلة للغاية.

وتحدث معظم مَن أُجريت معهم المقابلات شرط عدم الكشف عن هوياتهم، إما لانخراطهم في جهود سرية من أجل تحقيق العدالة، وإما خشية التعرّض للانتقام، سواء من شخصيات النظام السابق أو من ضحاياه.

ويؤكد محامون وناشطون يعملون على ملاحقة مرتكبي جرائم حقبة الأسد أن جهودهم تصطدم بغياب الإرادة السياسية، فالحكومة السورية الجديدة تركّز على ترسيخ سلطتها، فيما تتردد بعض الحكومات الأجنبية في تسليم حلفاء سابقين، أو تفضّل الاحتفاظ بالفارّين مصادرَ استخباراتية.

جولات تسوّق ومساكن تعود للحقبة السوفياتية

بالنسبة لبعض أفراد نخبة النظام السوري السابق، بدت الأشهر الأولى في موسكو كأنها سياحة منفى. فقد شوهد جمال يونس، 63 عاماً، المتهم بإصدار أوامر مباشرة بإطلاق النار على متظاهرين عُزّل، وهو يتجوّل على دراجة كهربائية قرب الملعب الوطني الروسي، في مقطع فيديو جرى تداوله على الإنترنت وتأكدت الصحيفة من صحته.

منظر لمركز «موسكو سيتي» للأعمال خلف جدار الكرملين في موسكو (رويترز)

كما شوهد وزير الدفاع السوري السابق علي عباس، 64 عاماً، ورئيس هيئة الأركان عبد الكريم إبراهيم، 62 عاماً، وكلاهما متهم بالتعذيب والعنف الجنسي خلال الانتفاضة السورية، وهما يتجولان في «المول الأوروبي» الفاخر المؤلف من ثمانية طوابق في موسكو.

ويعيش كفاح ملحم، 64 عاماً، المدير السابق لمكتب الأمن الوطني السوري، والمستشار المقرّب من الأسد، في فيلا كبيرة بموسكو مع صهره غسان إسماعيل، 65 عاماً، حسب شخصين على تواصل معه. ويُتهم الجنرالان السابقان في الاستخبارات بالإشراف على تعذيب واعتقال المتظاهرين.

وكان ملحم من القلة التي أمكن التواصل معهم للتعليق، إذ أرسل رداً مطوّلاً نفى فيه اتهامات ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، معتبراً أن انتهاكات النظام السابق «لا تُقارن» بجرائم قادة سوريا الجدد، الذين قادوا سابقاً تنظيماً تابعاً لتنظيم «القاعدة». وادعى أن التقارير الموثقة عن التعذيب والإعدامات الجماعية في سجون مثل صيدنايا «مفبركة». وعند سؤاله عن حياته في روسيا، اكتفى بالقول: «نعيش كمواطنين عاديين».

أما الضباط الذين اعتادوا السلطة والنفوذ، فقد وجدوا في المنفى الروسي واقعاً مهيناً، إذ فرضت روسيا قيوداً صارمة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتحدث علناً، كما حدّت من تحركات كثير من كبار المسؤولين عبر إجراءات أمنية مشددة.

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

ولم تردّ السلطات الروسية على استفسارات الصحيفة بشأن وجود مسؤولي النظام السوري السابق في البلاد. وبالنسبة إلى أكثر من 1200 ضابط سوري، فقد بدأ فصل أكثر قسوة عندما سارعوا، وأحياناً دفعوا رشى، للصعود إلى طائرات «إليوشن» المتجهة إلى موسكو من قاعدة روسية على الساحل السوري. وعند وصولهم، اضطروا إلى تقديم طلبات لجوء مؤقت، مما جعل كثيرين يشعرون بأن وضعهم القانوني هش.

ولم يُنقل هؤلاء إلى فنادق فاخرة، بل أُسكنوا في منشآت تعود إلى الحقبة السوفياتية، غالباً في غرف جماعية تضم ثلاثة أو أربعة أشخاص. واشتكى كثيرون من الطعام الروسي ومواعيد الوجبات الصارمة.

وفي ظل هذا الوضع، اندلعت تصفيات حسابات قديمة، ففي حادثة أثارت جدلاً واسعاً، تعرّض آصف الدكر، 60 عاماً، قائد الشرطة العسكرية المتهم بالإشراف على تعذيب السجناء، للضرب والبصق من قبل ضباط ناقمين، وفقاً لأربعة ضباط سابقين ومساعد لا يزال على تواصل معه.

وبعد أسابيع من المنفى، خُيّر الضباط بين العيش بحرية على نفقتهم الخاصة، والبقاء على إعانات الدولة وتوزيعهم في أنحاء روسيا. وقيل إن بعض مَن اختاروا الخيار الثاني نُقلوا إلى مناطق نائية مثل سيبيريا.

كشف تحقيق صحيفة «نيويورك تايمز» عن أماكن وجود كبار المسؤولين السوريين الذين فروا وعديد منهم ما زالوا أحراراً محميين بثرواتهم وبمجاملات الدول المضيفة (نيويورك تايمز)

في المقابل، نجح كثير من كبار القادة في تأمين شقق خاصة، غالباً فاخرة. ومن بين مَن لم يتمكن من ذلك في البداية اللواء أوس أصلان، 67 عاماً، المشتبه بإشرافه على عمليات قتل جماعي وقمع دموي للمدنيين.

وقد أُرسل أوس أصلان إلى مدينة قازان، الواقعة على بُعد نحو 450 ميلاً شرق موسكو، وفقاً لثلاثة أصدقاء وضابط زميل قالوا إنه أخبرهم بأنه لا يملك أي مدخرات يعتمد عليها.

غير أن الحياة المتواضعة التي فُرضت عليه سرعان ما دفعته إلى التراجع عن هذا المسار، على حد قولهم، إذ عاد بعد أشهر للظهور مجدداً في شقة فاخرة تُقدَّر قيمتها بملايين الدولارات في موسكو. وقال أحد أصدقائه في دمشق، مازحاً: «حاول أن يبدو فقيراً، لكنه لم يستطع الاستمرار. الآن يعيش أفضل أيام حياته».

صورة ممزقة لماهر الأسد ملقاة على الأرض في فيلته في بلدة يعفور (أ.ف.ب)

ومن بين هؤلاء الجنرال السابق غسان بلال، حسب ضابطين زميلين وصديق للعائلة. وقد زارت الصحيفة عقارين شاسعين قال الجيران إنهما يعودان للجنرال السابق غسان بلال، وكان أحدهما يضم مسابح، وحمّاماً تركياً، وسينما خارجية، إضافة إلى صور عائلية معلّقة على الجدران. وتتهمه العقوبات الأميركية والأوروبية بتسهيل تهريب مخدر الكبتاغون، وهو منبه شديد الإدمان يُقدَّر أنه درّ على النظام أكثر من خمسة مليارات دولار.

وفي أغسطس (آب)، أصدرت فرنسا مذكرة توقيف بحق بلال، متهمةً إياه وستة مسؤولين آخرين بإصدار أوامر باستهداف المدنيين خلال حصار وحشي لمدينة حمص عام 2012. كما اتهمهم المحققون بتدبير التفجير الذي أسفر عن مقتل المصور الفرنسي ريمي أوشليك، ومراسلة الحرب الأميركية ماري كولفن، في العام نفسه.

رئيس هيئة الأركان السورية السابق عبد الكريم إبراهيم (متداولة)

وتعيش زوجته وأبناؤه جزءاً من العام في إسبانيا، حيث تمتلك العائلة عقارات، وفقاً للضابطين وصديقين للعائلة، مؤكدين أن هذا الترتيب قائم منذ سنوات. وتدرس ابنة بلال في جامعة خاصة شمال مدريد، حسب أصدقاء العائلة، وتنشر على ما يبدو على مواقع التواصل الاجتماعي عن دراستها هناك، وقد شاهدها صحافي من «نيويورك تايمز» في أثناء زيارته للحرم الجامعي. ورفضت وزارة الخارجية الإسبانية الرد على طلب الصحيفة الحصول على تعليق، قائلةً إنها «لا تستطيع تقديم بيانات عن أشخاص بعينهم».

أما الجنرال ياسين ضاحي، البالغ من العمر 64 عاماً، فقد واجه مشكلات صحية ومالية في دبي، حسب إحدى بناته. وكان ضاحي، الذي تقاعد قبل سقوط النظام، يرأس الفرع 235 في إدارة المخابرات العسكرية بدمشق، المعروف بين السوريين باسم «فرع فلسطين» المخيف، بسبب التعذيب المنهجي وحالات الاختفاء القسري.

وانتظر ضاحي يومين لرحلة إجلاء روسية، لكنه، بسبب معاناته من مرض في القلب وخشيته على سلامته، فضّل بدلاً من ذلك الالتحاق بعائلته في دبي بتأشيرة سياحية انتهت صلاحيتها الآن، وفقاً لما قالته ابنته. وأضافت أنه، خوفاً من الترحيل، لم يتمكن من تلقي العلاج في أي مستشفى، وأنه «على وشك نفاد المال». وأشارت الصحيفة إلى أن ضاحي يخشى العودة إلى سوريا، جزئياً لأن صهره، وهو مهندس يعمل في القصر الرئاسي، قُتل فيما يبدو بعملية انتقام.

مطاردة الأشباح

توجد فئة أخرى من مسؤولي النظام السوري السابق: أولئك الذين لم يفرّوا. بعضهم متوارٍ عن الأنظار، وأحدهم على الأقل قيد الاحتجاز، فيما يعيش آخرون في العلن دون ضجيج.

ومن بين الجنرالات الذين قيل إنهم لا يزالون في سوريا، عصام حلاق، الذي أشرف على سلاح الجو السوري من عام 2010 وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2012، وهي الفترة التي بدأ فيها النظام استخدام الغارات الجوية ضد شعبه لقمع الاحتجاجات.

وبعد سقوط النظام، شكّل حلاق وعدد من الضباط المتقاعدين لجنة للمحاربين القدامى، وسعوا إلى التعاون مع القيادة السورية الجديدة، مقدمين خبراتهم التقنية في مجالات مثل صيانة الدبابات والطائرات لوزارة الدفاع الناشئة، حسب ثلاثة ضباط زملاء. غير أن هذا التعاون لم يدم طويلاً، إذ قررت الحكومة الجديدة بعد عدة أشهر، العمل فقط مع الضباط الذين تقاعدوا قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية عام 2011، وتقديم معاشات لهم.

وقال الضباط إن حلاق يعيش اليوم في فقر شديد، ويلزم شقته في دمشق خشية اعتقاله، وقد رفض، عبر وسيط، إجراء مقابلة.

ضابط واحد محتجز

ومن بين 55 شخصية من النظام حققت فيها الصحيفة الأميركية، لم يُعثر إلا على شخص واحد بدا أنه محتجز، هو طاهر خليل، البالغ من العمر 70 عاماً، والذي كان يرأس إدارة المدفعية والصواريخ، وأشرف، حسب الاتحاد الأوروبي، على استخدام الأسلحة الكيميائية وضرب مناطق مدنية.

ولسنوات طويلة، كان خليل أشبه بالشبح، إذ ظلت صورته وتفاصيل سيرته الذاتية شبه مجهولة للعامة. غير أن الصحيفة عثرت على صورته وتاريخ ميلاده ومسقط رأسه في ملفات حكومية.

وقادت هذه المعلومات الصحيفة إلى مدينة صافيتا، مسقط رأس خليل، الواقعة على بُعد نحو 90 ميلاً شمال غربي دمشق. وهناك قال مسؤول أمني محلي، اكتفى بذكر اسمه الحركي، إن خليل اعتُقل في فبراير (شباط) بعد أن حاول التخفي عبر تقديم نفسه بوصفه ضابطاً متقاعداً. وشارك المسؤول صورة لخليل في أثناء احتجازه، إلى جانب تفاصيل داعمة أخرى، مؤكداً أنه محتجز حالياً في دمشق.

ولم تعلن الحكومة السورية رسمياً اعتقال خليل، في مؤشر ربما إلى أنها لا تزال تتعامل بحذر مع كيفية معالجة مثل هذه الملفات.

طوّر برنامج الأسلحة الكيمياوية

في قلب حي دمشقي تاريخي، وتحت عرائش من النباتات المتسلقة، يقع مبنى حجري أنيق يعرفه كثير من السوريين، إذ ظهر مؤخراً كخلفية في مسلسل تلفزيوني شهير. لكن قلة فقط تعلم أنه أيضاً منزل عماد الأرمنازي، البالغ من العمر 81 عاماً، المدير السابق لمركز البحوث العلمية الذي طوّر برنامج الأسلحة الكيمياوية السوري. وقد تقاعد عام 2021، ويبدو أنه يعيش حياة مريحة.

قصف إسرائيلي لمركز البحوث العلمية «برزة» شمال دمشق 10 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

فتح الباب مرتدياً رداء الاستحمام، ودعا صحافياً من «نيويورك تايمز» إلى شقة ذات أرضيات رخامية مكسوّة بسجاد شرقي، وكان مستعداً للحديث عن كل شيء، من قصة حياته إلى تاريخ سوريا، باستثناء العمل الذي دفع 33 دولة إلى منعه من دخول أراضيها.

وحسب العقوبات الأميركية والأوروبية والبريطانية، لعب الأرمنازي دوراً رئيسياً في إنتاج الأسلحة الكيميائية التي استُخدمت ضد المدنيين السوريين.

وقال محققون في الأمم المتحدة إن الأرمنازي خضع لاستجواب من الوكالة الأممية المكلفة بتطبيق الحظر الدولي على الأسلحة الكيميائية، إلا أنه لم يُستجوب بشأن جرائم حرب محتملة.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت السلطات السورية قد استجوبته، رغم انضمامه في يوليو (تموز) إلى مجلس الأمناء في إحدى الجامعات السورية، وفقاً لمنشور على صفحة الجامعة في منصة «فيسبوك». ويُعد الأرمنازي واحداً من عدة مسؤولين بارزين من حقبة الأسد يبدو أنهم أحرار داخل سوريا، من دون توضيح رسمي عمّا إذا كانوا قد تمت تبرئتهم أو عقدوا صفقات تعاون مقابل التخفيف من العقوبة.

ضميره مرتاح

وقالت وزارة الإعلام السورية إن الحكومة لم تمنح حصانة لمسؤولي النظام السابق، لكنها لم تردّ على طلبات متكررة للحصول على معلومات إضافية بشأن أوضاع كبار المسؤولين أو التحقيقات المتعلقة بجرائمهم. وقال مسؤولان سوريان، طلبا عدم الكشف عن هويتيهما لأنهما غير مخولَين بالتحدث باسم الحكومة، إن أولوية الحكومة تتمثل في تقديم مَن أصدروا الأوامر أو نفذوا الهجمات إلى العدالة، لا العلماء الذين ساعدوهم.

لكن الأرمنازي «كان أكثر بكثير من مجرد موظف بيروقراطي»، حسب نضال شيخاني، مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا، وكذلك منظمة «Same Justice»، التي تبحث في انتهاكات حقوق الإنسان، موضحاً أنه كان «المهندس الرئيسي للمركز، سواء في طموحاته العلمية أو في إرثه الأكثر ظلمة».

وخلال زيارتين لمنزله، رفض الرجل البالغ من العمر 81 عاماً مراراً الحديث عن ماضيه، لكنه أصرّ على التأكيد على نقطة كررها تقريباً كل مسؤول سابق تواصلت معه الصحيفة، وهي أن «ضميره مرتاح».

* خدمة «نيويورك تايمز»

اقرأ أيضاً


مقتل 3 أشخاص في الساحل السوري خلال اشتباكات مع قوات الأمن

نقطة تفتيش تابعة لقوى الأمن الداخلي السوري في السويداء (رويترز)
نقطة تفتيش تابعة لقوى الأمن الداخلي السوري في السويداء (رويترز)
TT

مقتل 3 أشخاص في الساحل السوري خلال اشتباكات مع قوات الأمن

نقطة تفتيش تابعة لقوى الأمن الداخلي السوري في السويداء (رويترز)
نقطة تفتيش تابعة لقوى الأمن الداخلي السوري في السويداء (رويترز)

قُتل ثلاثة أشخاص، الأربعاء، خلال اشتباكات مع قوات الأمن في محافظة اللاذقية، معقل الأقلية العلوية في غرب سوريا، وفق ما أفاد الإعلام الرسمي.

وأفاد التلفزيون الرسمي عن مقتل ثلاثة أشخاص قال إنهم من «فلول النظام السابق»، في حين أوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن عناصر من قوات الأمن الداخلي اشتبكوا مع «مجموعة من المطلوبين الخارجين عن القانون في محيط مدينة جبلة بريف اللاذقية».

ومنذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق بشار الأسد قبل أكثر من عام، أعلنت السلطات السورية عن عمليات أمنية عدة ضد ما تسميه «فلول النظام».

ووفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية»، فمحافظة اللاذقية هي أكبر محافظة في منطقة الساحل السوري، وهي معقل الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.

وحصدت أعمال عنف على خلفية طائفية في مارس (آذار) نحو 1700 قتيل غالبيتهم الساحقة من العلويين، وفق وسائل إعلام سورية.

وفي الشهر الماضي، تظاهر الآلاف في مدينة اللاذقية، ومناطق أخرى ذات غالبية علوية، تنديداً باعتداءات متكررة استهدفت هذه الأقلية.

ويعد بسط الأمن أحد أبرز التحديات التي تواجه السلطات السورية منذ توليها الحكم، ولا سيما في مناطق الساحل التي تسجل فيها حوادث أمنية متكررة.

إسرائيل تستهدف سد المنطرة

وفي سياقٍ موازٍ، ذكر تقرير إخباري أن الجيش الإسرائيلي جدد اعتداءاته على الأراضي السورية، الأربعاء، حيث استهدف سد المنطرة في ريف القنيطرة الشمالي.

وأفادت قناة «الإخبارية» السورية باستهداف الجيش الإسرائيلي للسد بقنبلة من طائرة مسيّرة، «وذلك في إطار إجراءات تهدف إلى منع الاقتراب منه».

وأطلقت قوات الجيش الإسرائيلي أيضاً قنبلة ضوئية باتجاه تل كروم بريف القنيطرة.

واعتدت قوة إسرائيلية، في وقت سابق من اليوم، على أطفال ونساء في أثناء جمعهم للفطر في المنطقة الواقعة بين قريتي العدنانية ورويحينة في ريف القنيطرة الشمالي في جنوب سوريا.

وذكرت وكالة الأنباء السورية، اليوم، أن «قوة للاحتلال مؤلفة من سيارتين أطلقت قنابل دخانية تجاه الأطفال والنساء في أثناء قيامهم بجمع الفطر في المنطقة الواقعة بين القريتين».

وأشارت إلى أن «قوات الاحتلال توغلت، أمس، في مناطق عدة بريفي القنيطرة الشمالي والجنوبي، واعتقلت شابين لساعات ثم أفرجت عنهما».

و«تواصل إسرائيل سياساتها العدوانية وخرقها اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، عبر التوغل في الجنوب السوري، والاعتداء على المواطنين»، وفق الوكالة السورية.

وتطالب سوريا باستمرار بخروج القوات الإسرائيلية من أراضيها، مؤكدة أن جميع الإجراءات التي تتخذها في الجنوب السوري باطلة ولاغية، ولا ترتب أي أثر قانوني وفقاً للقانون الدولي، وتدعو المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته وردع ممارسات إسرائيل.