الصين في استراتيجية الأمن القومي الأميركية: استبعاد فوريّ وصراع مؤجّل

تشكيل بحري من سفن أميركية وأسترالية خلال مناورة في بحر الصين الجنوبي (أرشيفية - رويترز)
تشكيل بحري من سفن أميركية وأسترالية خلال مناورة في بحر الصين الجنوبي (أرشيفية - رويترز)
TT

الصين في استراتيجية الأمن القومي الأميركية: استبعاد فوريّ وصراع مؤجّل

تشكيل بحري من سفن أميركية وأسترالية خلال مناورة في بحر الصين الجنوبي (أرشيفية - رويترز)
تشكيل بحري من سفن أميركية وأسترالية خلال مناورة في بحر الصين الجنوبي (أرشيفية - رويترز)

لا تحتاج قراءة استراتيجية الأمن القومي التي كشفتها واشنطن في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) إلى تحليل عميق للغوص بين سطور توجهاتها الآسيوية، وتحديداً الصينية. بل يمكن تلخيصها بكلمتين: «استبعاد الصين»، وهذا لا يعني اتخاذ قرار استعدائها لأنه في الواقع اتُّخذ قبل سنوات والعمل على تنفيذه لا يتوقف، فالولايات المتحدة تضع في رأس سلّم أولوياتها تقييد نفوذ الصين على مستوى العالم.

كان متوقعاً صدور وثيقة الاستراتيجية في أغسطس (آب) أو سبتمبر (أيلول)، لكنه تأخر حتى الشهر الأخير من العام. ويُقال إن ذلك يعود إلى سعي وزير الخزانة سكوت بيسنت لتليين لغة الوثيقة تجاه الصين وتسهيل المحادثات التجارية. وقد دفع هذا كثراً لتوقع وثيقة أقل تصادمية، لكن ذلك لم يتحقق. فالنبرة العامة للوثيقة تعكس إجماعاً على التشدد حيال بكين في المكاتب والأروقة التي تُصنع فيها القرارات الاستراتيجية الأميركية.

في قراءة سريعة للوثيقة، لا تظهر منطقة المحيطين الهندي – الهادئ كنقطة محورية إلا في منتصف النَص تقريباً. وتلتزم الاستراتيجية بأن «تظفر الولايات المتحدة بالمستقبل الاقتصادي، وتمنع الصراع العسكري»، وأن تنافس بنشاط في المنطقة. وتعارض أي تغييرات أحادية للوضع الراهن في مضيق تايوان، وتدعم حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، وتؤيد مجموعة الرباعية (Quad) التي تضم الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان، وتلتزم العمل مع الحلفاء والشركاء في دول الجنوب.

المثير للاستغراب أن كوريا الشمالية «النووية» لا تَرِد في الوثيقة. كما لا تزال الطريقة التي تعتزم بها الإدارة تحقيق التوازن بين أهدافها الاقتصادية والاستراتيجية في هذه المنطقة من العالم غير واضحة، الأمر الذي يجعل الزيارة المقررة للرئيس دونالد ترمب إلى الصين في الربيع المقبل ذات أهمية حاسمة.

وحدة تايوانية في تدريب عسكري بالذخيرة الحية في 2 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)

أما بشأن الصين، فتدعو الاستراتيجية إلى استعادة التوازن فيما تراه علاقة اقتصادية غير عادلة. ويتماشى هذا الموقف إلى حد كبير مع التيار السائد في السياسة الأميركية تجاه منطقة الهندي - الهادئ، والذي يحظى بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

*أولويتان

ومن اللافت أن الصين لا تُذكر مباشرة عند مناقشة نصف الكرة الغربي، لكن بكين هي حتماً الهدف المقصود عندما تشير الوثيقة إلى «المنافسين غير القاريين» الذين يجب دفع نفوذهم خارج المنطقة. يضاف إلى ذلك التشديد على أن منع نشوب صراع حول تايوان هو أولوية أساسية.

وإذا دلّ التركيز على الصين على شيء، فإنما يُثبت أن الصراع الحقيقي الراهن والمقبل سيكون بين واشنطن وبكين، فيما أدوار القوى الأخرى ثانوية في أفضل الأحوال، مع احتلال روسيا موقع «المتقدّم بين متساوين». لكن التركيز رافقه تبدّل في اللهجة حيال العملاق الأصفر، فقد غابت كلمات سبق أن وصفت الصين بأنها «أخطر تحدٍ جيوسياسي تواجهه الولايات المتحدة»، كما جاء في استراتيجية إدارة الرئيس السابق جو بايدن. كذلك، لم تتضمن الوثيقة اللغة الأكثر حدّة التي وردت في استراتيجية الأمن القومي خلال الولاية الأولى لترمب، والتي قالت عن الصين عام 2017 إنها تتحدى «القوة والنفوذ والمصالح الأميركية».

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والجنرال ستيفن غيلاند في أكاديمية وست بوينت العسكرية بولاية ميريلاند (أ.ف.ب)

وبدلاً من ذلك، ركّزت الوثيقة الأخيرة على التنافس الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين بوصفه المحور الأساسي، مع إشارات محدودة للغاية إلى قضايا السلطوية أو انتهاكات حقوق الإنسان التي لطالما شكّلت عنصراً ثابتاً في تقارير الإدارات السابقة.

في هذا السياق، قال ديفيد ساكس، الباحث في شؤون آسيا لدى مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، لـ«سي إن إن»: «لا يوجد أي ذكر لصراع النفوذ مع الصين التي تُصوَّر إلى حدّ كبير على أنها منافس اقتصادي».

و يبدو أن التحوّل في النبرة، والتركيز على البعد الاقتصادي، لقيا ترحيباً في بكين. وعندما سُئل عن استراتيجية الأمن القومي خلال مؤتمر صحافي، شدّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، كوه جياكون، على فوائد «الاحترام المتبادل، والتعايش السلمي، والتعاون القائم على المنفعة المتبادلة».

وهذا التوجه ليس بعيداً عن دوالد ترمب، رجل الأعمال البراغماتي الذي يجيد لعبة شد الحبال والترغيب والتصلب، بهدف عقد الصفقات المجزية. وهكذا يعمل على مقايضة الرسوم الجمركية باتفاقات تجارية، وبيع الصين رقائق إلكترونية متقدمة مقابل الحصول على المعادن النادرة، فضلاً عن الحد من مستوى الانخراط مع تايوان بهدف طمأنة القيادة الصينية التي لم تتراجع عن سياسة «صين واحدة» الرامية إلى ضم الجزيرة بالحسنى أو بالقوة.

وفي المقابل تقوم إدارة ترمب بخطوات أخرى ضمن رؤية بعيدة المدى، من بينها الإعلان عن نظام دفاع صاروخي استراتيجي جديد تحت اسم «القبة الذهبية»، والالتزام ببيع أستراليا غواصات نووية، والتنسيق مع الحلفاء لتقليص الاعتماد التكنولوجي على الصين.

*مواجهة أم استيعاب؟

هل تسعى الولايات المتحدة إلى احتواء القوة الصينية أم إلى الاستعداد لمنافسة طويلة الأمد؟ هل تفكّ ارتباطها الاقتصادي بالصين وتخوض معها حرباً تجارية مفتوحة أم تعيد التفاوض على شروط الانخراط معها؟ هل ستواجه أم ستستوعب؟ حتى الآن، يبدو أن الجواب هو كل ذلك في آنٍ واحد.

مقاتلة صينية تحلق قرب الأجواء الفلبينية في أغسطس الماضي (رويترز)

هنا يجدر السؤال: إذا كانت سياسة «أميركا أولاً» تعني تقديم مصالح الشعب الأميركي على الالتزامات المتوارثة في إطار نظام دولي آخذ في التراجع، فما الذي يتطلبه ذلك تحديداً من الاستراتيجية الأميركية تجاه الصين؟

يبدو أن هناك رأيين في واشنطن، الأول لا يمانع خوض حرب باردة مع الصين لاحتوائها، والثاني متعقّل أكثر ويدرك أن الصين لم تعد قوة صاعدة، بل صارت قوة هائلة، تتمتع بتفوق اقتصادي وتكنولوجي وعسكري يفوق ما امتلكه الاتحاد السوفياتي في ذروة قوته. وهي لن تنهار، ولن تخضع للإرادة الأميركية.

والواضح أن الغلبة لم تُكتب لأحد الرأيين حتى الآن، بل إن ترمب قد يعتمد خطاً وسطياً بين الاثنين فيمضي بقية ولايته في أخذ ورد مع نظيره الصيني شي جينبينغ، وخلاف من هنا وتسوية من هناك.

أما على المدى الأبعد، فلا يمكن أن تستمر علاقة «التنافس المضبوط» بين الولايات المتحدة والصين. وبينما ينادي البعض ويسعى إلى «تعايشٍ طبيعي»، يشي المسار العام بمستقبلٍ يقوم على صراعٍ حاد وشرس من دون قرقعة سلاح، إلا إذا حدث ما ليس في الحسبان، مثل غزو صيني لتايوان أو حرب بين الصين وإحدى الدول المشاطئة لبحر الصين الجنوبي من حلفاء الولايات المتحدة.


مقالات ذات صلة

الإمارات والصين تبحثان تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة

الخليج الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي ونظيره الصيني وانغ يي خلال المباحثات في العاصمة أبوظبي (وام)

الإمارات والصين تبحثان تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة

بحثت الإمارات والصين، خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى أبوظبي يومي 12 و13 ديسمبر الحالي، مجمل العلاقات الثنائية وتعاون البلدين.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
آسيا لقطة جوية لسفينة تابعة لخفر السواحل الصيني تبحر بالقرب من منطقة متنازع عليها بينما تقوم طائرات تابعة لخفر السواحل الفلبيني بدوريات في بحر الصين الجنوبي (رويترز) play-circle

الفلبين: إصابة صيادين وتضرر قاربين جرَّاء هجوم صيني في منطقة متنازع عليها

أعلنت الفلبين عن إصابة 3 صيادين وتضرر سفينتَي صيد، جرَّاء إطلاق خفر السواحل الصيني مدافع المياه في منطقة متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي.

«الشرق الأوسط» (مانيلا)
العالم وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث (رويترز)

هيغسيث ونظيره الياباني: تصرفات الصين لا تخدم السلام الإقليمي

أعلنت طوكيو، اليوم (الجمعة)، أن وزيري الدفاع الياباني شينجيرو كويزومي، ونظيره الأميركي بيت هيغسيث، اتفقا خلال مكالمة هاتفية بينهما لبحث الأمن في المنطقة، على…

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الولايات المتحدة​ القوات الصينية تستعد لاستقبال الرئيس شي جينبينغ في هونغ كونغ خلال فعالية أقيمت عام 2017 (رويترز)

وثيقة سرية تحذر: الصين قد تتفوق على الجيش الأميركي في حال نشوب صراع بتايوان

كشف تقييم سري للغاية للحكومة الأميركية، عن أن الصين ستتفوق على الجيش الأميركي في حربٍ على تايوان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الخليج انعقاد الاجتماع الثالث للجنة الثلاثية السعودية الصينية الإيرانية المشتركة لمتابعة اتفاق بكين في طهران (الخارجية السعودية)

السعودية وإيران والصين لتوسيع التعاون الاقتصادي والسياسي

أعربت السعودية وإيران والصين عن تطلعها لتوسيع نطاق التعاون فيما بينها في مُختلف المجالات بما في ذلك المجالات الاقتصادية والسياسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

هجوم سيدني: الاستخبارات حققت سابقاً بصلة أحد المهاجمين بـ«داعش»

رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز كريس مينز (في الوسط) وكيلي سلون (على اليمين) زعيمة حزب المعارضة (الحزب الليبرالي) في نيو ساوث ويلز يستعدان لوضع أكاليل الزهور على نصب تذكاري لضحايا إطلاق النار خارج جناح بوندي في شاطئ بوندي بسيدني الاثنين 15 ديسمبر 2025 بعد يوم من وقوع الحادث (أ.ب)
رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز كريس مينز (في الوسط) وكيلي سلون (على اليمين) زعيمة حزب المعارضة (الحزب الليبرالي) في نيو ساوث ويلز يستعدان لوضع أكاليل الزهور على نصب تذكاري لضحايا إطلاق النار خارج جناح بوندي في شاطئ بوندي بسيدني الاثنين 15 ديسمبر 2025 بعد يوم من وقوع الحادث (أ.ب)
TT

هجوم سيدني: الاستخبارات حققت سابقاً بصلة أحد المهاجمين بـ«داعش»

رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز كريس مينز (في الوسط) وكيلي سلون (على اليمين) زعيمة حزب المعارضة (الحزب الليبرالي) في نيو ساوث ويلز يستعدان لوضع أكاليل الزهور على نصب تذكاري لضحايا إطلاق النار خارج جناح بوندي في شاطئ بوندي بسيدني الاثنين 15 ديسمبر 2025 بعد يوم من وقوع الحادث (أ.ب)
رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز كريس مينز (في الوسط) وكيلي سلون (على اليمين) زعيمة حزب المعارضة (الحزب الليبرالي) في نيو ساوث ويلز يستعدان لوضع أكاليل الزهور على نصب تذكاري لضحايا إطلاق النار خارج جناح بوندي في شاطئ بوندي بسيدني الاثنين 15 ديسمبر 2025 بعد يوم من وقوع الحادث (أ.ب)

أفادت هيئة الإذاعة الأسترالية (إيه بي سي) بأن جهاز الاستخبارات الأسترالي حقق قبل ست سنوات في صلات لأحد منفذي هجوم شاطئ بوندي بتنظيم «داعش».

وأعلنت الشرطة الأسترالية أن والداً يبلغ 50 عاماً ونجله البالغ 24 عاماً، قاما بإطلاق النار الأحد على محتفلين بعيد حانوكا على شاطئ شهير في سيدني؛ ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً وإصابة أكثر من 40 آخرين.

وذكرت وسائل الإعلام الأسترالية أن منفذي الهجوم هما الباكستاني ساجد أكرم الذي قُتل في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة، وابنه نافيد أكرم الذي يرقد الآن في المستشفى بحالة حرجة تحت حراسة الشرطة.

مشيعون يتفاعلون عند نصب تذكاري على شاطئ بوندي في سيدني 15 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

ونقلت هيئة الإذاعة الأسترالية عن مسؤول رفيع في عملية مكافحة الإرهاب المشتركة التي تحقق في هجوم بوندي، أن منظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية حققت في شبهات متعلقة بالابن عام 2019.

وأضافت أن نافيد أكرم كان يعتقَد أنه على صلة وثيقة بأحد أعضاء تنظيم «داعش» الذي ألقي القبض عليه في يوليو (تموز) 2019، وأدين بتهمة التخطيط لعمل إرهابي في أستراليا.

وذكرت الهيئة أن محققي مكافحة الإرهاب يعتقدون أن المسلحين اللذين نفذا هجوم شاطئ بوندي قد بايعا تنظيم «داعش».

وأفاد مسؤولون كبار لهيئة الإذاعة الأسترالية بالعثور على عَلمين لتنظيم «داعش» في سيارة المسلحين على الشاطئ.

وصرح المدير العام لمنظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية مايك بورغيس، للصحافيين، الأحد، بأن أحد المسلحين «كان معروفاً لدينا، لكن ليس من منظور أنه يشكل تهديداً فورياً». وأضاف: «لذا؛ من الواضح أننا في حاجة إلى أن ننظر في ملابسات ما حدث هنا».

وقالت شرطة نيو ساوث ويلز إنها لا تستطيع تأكيد تقرير هيئة الإذاعة الأسترالية.

وأوضحت منظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية أنها «لا تعلق على الأفراد أو التحقيقات الجارية».

حضر رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز مؤتمراً صحافياً مع رئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة جيمس مارابي بعد توقيع معاهدة بوكبوك في مبنى البرلمان بكانبرا 6 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

رئيس وزراء أستراليا يقترح قوانين

أكثر صرامة على الأسلحة النارية

في غضون ذلك، اقترح رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، الاثنين، فرض قوانين وطنية أكثر صرامة بشأن الأسلحة النارية بعد أن خلف إطلاق نار في شاطئ بوندي بيتش بسيدني 15 قتيلاً على الأقل. وقال ألبانيز إنه سيقترح قيوداً جديدة، تشمل الحد من عدد الأسلحة النارية التي يمكن للمالك المرخص الحصول عليها. وتابع ألبانيز للصحافيين: «الحكومة مستعدة لاتخاذ أي إجراء ضروري. ويشمل ذلك الحاجة إلى قوانين أسلحة نارية أكثر صرامة». وأضاف: «ظروف الناس يمكن أن تتغير. يمكن أن يتطرف الناس على مدى فترة من الزمن. لا ينبغي أن تكون التراخيص دائمة».

وقالت الشرطة الأسترالية إن المسلحين اللذين قتلا 15 شخصاً خلال احتفال يهودي على شاطئ بوندي في سيدني هما أب باكستاني الأصل وابنه، وذلك في الوقت الذي بدأت فيه أستراليا الحداد على ضحايا أسوأ واقعة عنف مسلح تشهدها البلاد منذ نحو 30 عاماً.

وأضافت الشرطة في مؤتمر صحافي أن الأب البالغ من العمر 50 عاماً قُتل في موقع الهجوم ليرتفع عدد القتلى إلى 16، بينما يرقد ابنه (24 عاماً) في حالة حرجة بالمستشفى. وكشفت هيئة الإذاعة الأسترالية ووسائل إعلام محلية أخرى عن هوية الاثنين، وقالت إن الأب هو ساجد أكرم وابنه نافيد أكرم. ووصف المسؤولون إطلاق النار بأنه هجوم معادٍ للسامية.

وقالت الشرطة إن 40 شخصاً ما زالوا يتلقون العلاج في المستشفى بعد الهجوم، من بينهم شرطيان في حالة خطيرة وإن كانت مستقرة.

وتراوحت أعمار الضحايا بين عشرة أعوام و87 عاماً. وقال شهود إن إطلاق النار الذي وقع على الشاطئ الشهير في أمسية حارة استمر نحو 10 دقائق، ودفع المئات من رواد الشاطئ للتفرق على الرمال والهروب إلى الشوارع والحدائق القريبة. وقالت الشرطة إن نحو ألف شخص كانوا يشاركون في احتفال عيد حانوكا اليهودي والذي أقيم في حديقة صغيرة قريبة من الشاطئ. ولا تزال تحقيقات الشرطة جارية وتمت زيادة عدد أفرادها في المناطق اليهودية.

وزير الحكم المحلي في ولاية نيو ساوث ويلز رون هونيغ (يسار) وحاكمة الولاية مارغريت بيزلي (يسار) وزعيمة المعارضة، كيلي سلون (يمين) ورئيس وزراء الولاية كريس مينز (يمين) يضعون الزهور على نصب تذكاري في شاطئ بوندي بمدينة سيدني 15 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

وقالت السلطات إن عدد القتلى كان سيصبح أكبر بكثير لولا تدخل أحد المارة، الذي ذكرت وسائل إعلام محلية أنه صاحب محل فواكه يدعى أحمد الأحمد ويبلغ من العمر 43 عاماً. وأظهرت لقطات مصورة الرجل وهو يهاجم أحد المسلحين من الخلف ويشتبك معه وينتزع البندقية من يده.

من جهته، وصف رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز الهجوم بأنه «لحظة حالكة على أمتنا»، وقال إن الشرطة والأجهزة الأمنية تجري تحقيقات دقيقة لمعرفة دوافع الهجوم. وزار ألبانيز شاطئ بوندي صباح الاثنين لوضع الزهور قرب موقع الهجوم.

وأضاف: «ما شهدناه بالأمس كان عملاً شريراً محضاً... عملا معادياً للسامية... عملاً إرهابياً على أرضنا في موقع أسترالي له رمزية».

وتابع: «الجالية اليهودية تتألم اليوم. واليوم يقف جميع الأستراليين إلى جانبهم ويقولون (نحن معكم). سنفعل كل ما يلزم للقضاء على معاداة السامية. إنها آفة وسنستأصلها معا». وأشار ألبانيز إلى أن الكثير من زعماء العالم بمن فيهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تواصلوا معه وشكرهم على تضامنهم.

وزير الصحة في ولاية نيو ساوث ويلز رايان بارك يضع الزهور على نصب تذكاري في شاطئ بوندي بمدينة سيدني 15 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

وقال وزير الداخلية الأسترالي توني بيرك إن الأب ساجد أكرم كان قد وصل إلى أستراليا عام 1998 بتأشيرة طالب، بينما ابنه من مواليد أستراليا.

وأدان رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، الاثنين، «الهجوم الإرهابي» الذي وقع في شاطئ بوندي بيتش، ووصفه بأنه «عمل شر محض»، في الوقت الذي أكدت فيه الشرطة مقتل 16 شخصاً على الأقل في إطلاق النار الذي وقع يوم الأحد. وفتح مسلحان النار على عائلات في شاطئ سيدني في اليوم الأول من مهرجان حانوكا اليهودي. وقالت شرطة نيو ساوث ويلز إن 16 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم، من بينهم أحد المسلحين، وأصيب 40 آخرون في الهجوم. وقال ألبانيز في مؤتمر صحافي إن اليوم كان يجب أن يكون «احتفالاً مبهجاً» في بوندي، لكنه «تلطخ إلى الأبد» بما حدث.

وقال إن أستراليا ستبذل «كل ما هو ضروري للقضاء على» معاداة السامية. وتابع: «لن تخضع أستراليا أبداً للانقسام أو العنف أو الكراهية، وسنتجاوز هذا معاً. نرفض أن نسمح لهم بتقسيمنا كأمة». وأضاف: «سنخصص كل مورد مطلوب للاستجابة لهذا الأمر». وتابع: «بالأمس كان حقاً يوماً مظلماً في تاريخ أمتنا. لكننا كأمة أقوى من الجبناء الذين فعلوا ذلك».

يضع المشيعون الزهور على نصب تذكاري في شاطئ بوندي بمدينة سيدني 15 ديسمبر 2025. وتعيش أستراليا حالة حداد بعد أن فتح مسلحون النار على شاطئ بوندي ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً على الأقل في هجوم استهدف احتفالات الجالية اليهودية بعيد حانوكا 14 ديسمبر (إ.ب.أ)

وقال رئيس وزراء نيو ساوث ويلز، كريس مينز، إن أستراليا في حاجة إلى «إرسال رفض قوي وواضح» لمعاداة السامية بجميع أشكالها.

وتابع: «أينما كانت، نحن في حاجة إلى محاربة معاداة السامية. إنها سامة. إنها سرطانية داخل أي مجتمع. وكما ترون من الليلة الماضية، فإنها تؤدي

إلى تداعيات مدمرة لشعب بلدنا».

ويشكل هجوم الأحد الواقعة الأخطر في سلسلة من الهجمات التي وصفت بأنها معادية للسامية والتي استهدفت كنساً يهودية وبنايات وسيارات في أستراليا منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

والجالية اليهودية في أستراليا قليلة العدد، لكنها مندمجة بقدر كبير في المجتمع الأوسع، ويعيش في البلاد نحو 150 ألف شخص يعرّفون أنفسهم بأنهم يهود من أصل عدد السكان البالغ 27 مليون نسمة.

وتشير التقديرات إلى أن نحو ثلثهم يقيمون في الضواحي الشرقية لسيدني، بما في ذلك بوندي.

وقال أليكس ريفيتشين، الرئيس التنفيذي المشارك للمجلس التنفيذي لليهود الأستراليين، في مقابلة أجرتها معه «سكاي نيوز»: «إذا كنا استُهدفنا عمداً على هذا النحو، فإن ذلك يمثل مستوى لم يكن أي منا ليتخيله مطلقاً. هذا أمر مروع». وأضاف أن مستشاره الإعلامي أصيب في الهجوم.

ووقائع إطلاق النار على أعداد كبيرة نادرة الحدوث في أستراليا، وهي واحدة من أكثر دول العالم أماناً. وعدد القتلى في هجوم الأمس يجعله أسوأ واقعة من نوعها في البلاد منذ عام 1996، عندما قتل مسلح 35 شخصاً في موقع سياحي في ولاية تسمانيا بجنوب البلاد.

ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الهجوم بأنه «جريمة قتل بدم بارد»، مشيراً إلى أنه حذَّر ألبانيز من معاداة السامية قبل أن تعترف أستراليا، إلى جانب بريطانيا وكندا وفرنسا، بدولة فلسطينية في سبتمبر (أيلول).

وقال نتنياهو إنه بعث برسالة إلى ألبانيز في أغسطس (آب)، قال فيها: «دعوتك إلى إقامة دولة فلسطينية تصبّ الزيت على نار معاداة السامية، وتُكافئ إرهابيي (حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية)/حماس، وتشجع أولئك الذين يهددون يهود أستراليا، وتغذي كراهية اليهود التي تستشري في شوارعكم الآن». وقال مجلس الأئمة الوطني الأسترالي في بيان: «أعمال العنف والجرائم هذه لا مكان لها في مجتمعنا. يجب أن يحاسب المسؤولون عنها بشكل كامل وأن يواجهوا كامل قوة القانون».


محكمة في هونغ كونغ تدين قطب الأعمال جيمي لاي بقضية أمنية

جيمي لاي (أ.ف.ب)
جيمي لاي (أ.ف.ب)
TT

محكمة في هونغ كونغ تدين قطب الأعمال جيمي لاي بقضية أمنية

جيمي لاي (أ.ف.ب)
جيمي لاي (أ.ف.ب)

أدانت المحكمة العليا في هونغ كونغ، اليوم الاثنين، رجل الأعمال والناشط المؤيد للديمقراطية جيمي لاي بتهمة التآمر مع قوات أجنبية، في أبرز محاكمة تشهدها المدينة، بموجب قانون الأمن القومي الذي فرضته الصين، والذي قد يؤدي إلى سجنه مدى الحياة.

وأثارت القضية التي شكلت نقطة فاصلة انتقادات دولية تتعلق بمدى استقلالية القضاء في هونغ كونغ، وسط حملة قمع استمرت لسنوات للحقوق والحريات في المركز المالي العالمي، بعد الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في عام 2019 التي عدَّتها بكين تحدياً لحكمها.

وبينما يَعدّ أنصار لاي قطب الأعمال، البالغ من العمر 78 عاماً، مناضلاً من أجل الحرية، تَعدّه بكين العقل المدبر للاحتجاجات ومتآمراً يعمل من أجل فرض عقوبات أميركية على هونغ كونغ والبر الرئيسي. وترفض السلطات الصينية الاتهامات الموجهة لها بتقويض سيادة القانون في المدينة.

وقالت القاضية إستر توه، في قاعة المحكمة المكتظة: «ليس هناك شك» في أن لاي «كان يضمر استياءه وكراهيته للصين».

وأمضى لاي، مؤسس صحيفة «أبل ديلي» المغلقة حالياً وأحد أبرز منتقدي قيادة الحزب الشيوعي الصيني، خمس سنوات في السجن، ويواجه مجموعة كبيرة من الدعاوى القضائية، بموجب التشريعات الأمنية الواسعة التي سنّتها بكين رداً على احتجاجات 2019.

استياء صيني

من جانبها، قالت الصين، اليوم، إنها مستاءة بشدة وتُعارض ما وصفته بأنه حملة تشويه وافتراءات تستهدف النظام القضائي في هونغ كونغ؛ في إشارة إلى الانتقادات التي وجّهتها دول أخرى لحكم الإدانة الصادر بحق لاي، على خلفية أنشطته المؤيدة للديمقراطية.

ولم تذكر وزارة الخارجية الصينية اسم أي دولة، لكنها قالت إنها تحثّ الدول المعنية على احترام سيادة الصين والنظام القانوني لهونغ كونغ. وقال المتحدث باسم الوزارة قوه جيا كون، للصحافيين: «نحث الدول المعنية على... عدم الإدلاء بتصريحات غير مسؤولة بشأن محاكمة القضايا القضائية في هونج كونج، وعدم التدخل في القضاء أو في الشؤون الداخلية للصين بأي شكل من الأشكال».

ومن المقرر عقد جلسة استماع قبل النطق بالحكم، حيث يمكن للاي أن يلتمس فيها الرأفة في 12 يناير (كانون الثاني) المقبل. وقال محاميه ستيفن كوان إن لاي سيقرر ما إذا كان سيطعن ضد قرار المحكمة بعد النطق بالحكم.

وأُدين لاي، الذي يعاني مشاكل صحية؛ بما في ذلك مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، بتهمتين بالتآمر مع قوات أجنبية، وتهمة واحدة بالتآمر لنشر مواد تحريضية. وكان قد دفع ببراءته من جميع التهم الموجهة إليه. يأتي الحكم في نهاية عامٍ شهد اختفاءً شبه تام للمعارضة الديمقراطية في هونغ كونغ تحت ضغوط من بكين، خصوصاً بعد أن صوَّت الحزب الديمقراطي على حل نفسه أمس.


الادعاء في كوريا الجنوبية: يون حاول استفزاز بيونغ يانغ لشن عدوان

الرئيس الكوري الجنوبي السابق يون سوك يول (رويترز)
الرئيس الكوري الجنوبي السابق يون سوك يول (رويترز)
TT

الادعاء في كوريا الجنوبية: يون حاول استفزاز بيونغ يانغ لشن عدوان

الرئيس الكوري الجنوبي السابق يون سوك يول (رويترز)
الرئيس الكوري الجنوبي السابق يون سوك يول (رويترز)

قال ممثل خاص للادعاء، اليوم الاثنين، إن الرئيس الكوري الجنوبي السابق يون سوك يول حاول استفزاز كوريا الشمالية لشن عدوان عسكري على بلاده، لتبرير إعلان الأحكام العرفية في ديسمبر (كانون الأول) 2024، وللقضاء على المعارضين السياسيين.

وأوضح المدّعي الخاص جو أون-سوك، في إحاطة صحافية، أن فريقه وجَّه اتهامات إلى 24 شخصاً، مِن بينهم يون وخمسة أعضاء في حكومته، بسبب مزاعم عن ضلوعهم في تمرد، خلال تحقيقه الذي استمر ستة أشهر.

وقال: «نعلم جيداً من التجارب التاريخية أن المبررات التي يقدمها مَن هم في السلطة لتبرير تمرد ليست سوى واجهة، والهدف الوحيد منها هو احتكار السلطة والحفاظ عليها».

وأضاف أن فريقه خلص إلى أن الرئيس السابق بدأ الاستعدادات لفرض الأحكام العرفية في أو قبل أكتوبر (تشرين الأول) 2023؛ أيْ قبل أكثر من عام من محاولته الفاشلة في ديسمبر 2024.

وقال إن فريقه أكد أن يون ووزير الدفاع في عهده دبّرا مخططاً يعود إلى أكتوبر 2023 استهدف تعليق صلاحيات البرلمان، واستبدل به هيئة تشريعية طارئة.

وتابع: «لخلقِ مبرر لإعلان الأحكام العرفية حاولا استدراج كوريا الشمالية لشن عدوان مسلَّح، لكنهما فشلا لأن كوريا الشمالية لم تردَّ عسكرياً».

كان فريق ممثل الادعاء الخاص قد اتهم سابقاً يون وقادة عسكريين في عهده بإصدار أوامر بتنفيذ عملية سرية بطائرات مسيَّرة فوق كوريا الشمالية لتأجيج التوتر بين الجارتين.