اكتشاف وميض كوني هائل يعود إلى 13 مليار سنة

رصد «انفجار غاما» المرتبط بانهيار نجم ضخم قبل نحو 13 مليار سنة (أ.ب)
رصد «انفجار غاما» المرتبط بانهيار نجم ضخم قبل نحو 13 مليار سنة (أ.ب)
TT

اكتشاف وميض كوني هائل يعود إلى 13 مليار سنة

رصد «انفجار غاما» المرتبط بانهيار نجم ضخم قبل نحو 13 مليار سنة (أ.ب)
رصد «انفجار غاما» المرتبط بانهيار نجم ضخم قبل نحو 13 مليار سنة (أ.ب)

رصد القمر الاصطناعي الفرنسي الصيني «سفوم» SVOM في مارس (آذار) الماضي «انفجار غاما» المرتبط بانهيار نجم ضخم قبل نحو 13 مليار سنة، ومن شأن هذا الوميض القوي الآتي من أعماق الكون تزويد الأوساط العلمية بمعلومات عن تاريخه.

ويقول برتران كوردييه، الرئيس العلمي لمشروع «سفوم» في الهيئة الفرنسية للطاقات البديلة والطاقة الذرية، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنّ «هذا الاكتشاف نادر جداً، فهو خامس أبعد انفجار لأشعة غاما يُرصَد على الإطلاق» و«الأكثر دقة من ناحية الضوء الذي جمعناه والقياسات التي أجريناها».

أُطلقت مهمة «سفوم» (المرصد الفضائي متعدد الأطياف للأجسام الفلكية المتغيرة) في يونيو (حزيران) 2024، وتهدف إلى اكتشاف وتحديد مواقع هذه الظواهر الكونية ذات القوة الهائلة.

تحدث انفجارات أشعة غاما عادة بعد انفجار نجوم ضخمة (تزيد كتلتها على كتلة الشمس عشرين مرة) أو اندماج النجوم الكثيفة. يمكن لهذه الانفجارات الإشعاعية ذات السطوع الهائل أن تُطلق طاقة تعادل أكثر من مليار مليار شمس مثل شمسنا.

يوضح كوردييه الذي شارك في دراستين عن هذا الاكتشاف نشرتا الثلاثاء في مجلة «أسترونومي آند أستروفيزيكس»، أنها «الظواهر الكونية التي تنبعث منها الكميات الأكبر من الطاقة».

الجيل الأول من النجوم

تُتيح دراسة انفجارات أشعة غاما التقدّم في مسائل «الفيزياء الأساسية»، مثل محاولة «فهم كيفية إطلاق هذه الكمية من الطاقة، وما الآليات المؤثرة» في ذلك.

ويقول كوردييه: في انفجارات أشعة غاما «تتسارع المادة إلى سرعات تُقارب سرعة الضوء. إنها ظروف فيزيائية لا يُمكننا إعادة إنتاجها على الأرض، ولكن يُمكننا رصدها في المختبرات الكونية».

تُستخدم هذه الإشارات شديدة السطوع أيضا كأنها «مسبارات»، إذ تُضيء كل المادة التي تمرّ بها قبل أن تصل إلى الأرض. ويقول كوردييه: «نحن بحاجة ماسة إلى وميض بهذه الشدة لنتمكن من قياس» الظروف الفيزيائية للكون في عصور بعيدة جداً، مضيفاً أنها «الطريقة الوحيدة للقيام بذلك مباشرةً».

في 14 مارس، عندما تلقوا تنبيهاً عبر جوالاتهم، أدرك العلماء المُناوبون في مهمة «سفوم» بسرعة أنهم يتعاملون مع حدث كبير. ثم أقنعوا طواقم التلسكوبات الأخرى بإعادة توجيه عدساتها إلى منطقة الانبعاث.

بعد انفجار لأشعة غاما استمر بضع عشرات من الثواني، أصدر الجسم المسؤول عنه، لفترة أطول ولكن بكثافة متناقصة، أطوالاً موجية أخرى: أشعة سينية، وبصرية، وأشعة تحت الحمراء، وراديوية. ويتّسم هذا «الانبعاث اللاحق» بأهمية كبيرة لتحديد موقع المصدر بدقة ودراسة طبيعته.

وتوصل العلماء إلى أنّ الإشارة بُعثت «عندما كان الكون في بداياته»، أي قبل 700 مليون سنة تقريباً. ويقول كوردييه إنّ «الفوتونات التي وصلت إلى أجهزتنا قطعت 13 مليار سنة».

وبحسب كوردييه، فإن عصر «الأجيال الأولى من النجوم» التي تشكلت بعد الانفجار العظيم من «مادة بدائية تتكون أساساً من الهيليوم خصوصاً الهيدروجين» أنتجت هذه النجوم العناصر الثقيلة الأولى (الحديد، والكربون، والأكسجين...)، وأدّت دوراً أساسياً في تطور الكون.

ولإحداث هذا الانفجار الهائل، ربما كانت كتلة النجم المنهار «أكبر بمائة مرة من كتلة الشمس»، بحسب عالم الفيزياء الفلكية الذي يأمل أن يتمكّن «سفوم» من رصد «ربما حدث أو حدثين» من هذا القبيل سنوياً.

ويكمن التحدي في ربط كل التفاصيل في سلسلة من عمليات رصد الانبعاثات اللاحقة.

بعد تنبيه 14 مارس، «مرت 17 ساعة قبل أن يغيّر التلسكوب العملاق جداً (VLT) الموجود في تشيلي اتجاهه»، بحسب كوردييه الذي يضيف: «خلال تلك الفترة، انخفضت شدة الرصد. الهدف هو تحسين كفاءتنا. إذا وصلنا مبكراً، فسنحصل على بيانات أفضل».


مقالات ذات صلة

«سويوز إم إس - 27» تعود إلى الأرض... وعلى متنها رائدا فضاء روسيان وأميركي

يوميات الشرق رائد الفضاء جوني كيم من «ناسا» ورائدا الفضاء سيرغي ريجيكوف وأليكسي زوبريتسكي من «روسكوزموس» داخل كبسولة الفضاء (رويترز)

«سويوز إم إس - 27» تعود إلى الأرض... وعلى متنها رائدا فضاء روسيان وأميركي

أعلنت وكالة الفضاء الروسية «روسكوسموس» اليوم (الثلاثاء)، أن مركبة الفضاء «سويوز إم إس - 27» عادت إلى الأرض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الألمانية ميشائيلا بينتهاوس (سبيس دوت كوم)

لإبراز أهمية الدمج... ألمانية على كرسي متحرك تستعد للتحليق إلى الفضاء

تستعد الألمانية ميشائيلا بينتهاوس، البالغة من العمر 33 عاماً، للتحليق قريباً إلى الفضاء لتصبح أول شخص مصاب بشلل نصفي يخوض هذه التجربة.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)
تكنولوجيا سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

كشف تقرير جديدة عن أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، يتطلع إلى بناء أو تمويل أو شراء شركة صواريخ لمنافسة الملياردير إيلون ماسك في سباق الفضاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق جاريد إسحاقمان مرشح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمنصب مدير وكالة الفضاء الأميركية (رويترز)

رائد فضاء ملياردير يسعى إلى قيادة «ناسا»... وإعادة البشر إلى القمر

حث الملياردير الذي قام بالسير في الفضاء، جاريد إسحاقمان، أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، اليوم الأربعاء، على التحرك بسرعة بشأن ترشحه لقيادة وكالة الفضاء الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«ساعة الأعضاء»: حين تكشف الخوارزميات لحظة شيخوخة كل عضو

«ساعة الأعضاء»: حين تكشف الخوارزميات لحظة شيخوخة كل عضو
TT

«ساعة الأعضاء»: حين تكشف الخوارزميات لحظة شيخوخة كل عضو

«ساعة الأعضاء»: حين تكشف الخوارزميات لحظة شيخوخة كل عضو

لم يعد سؤال الطب في 2025 هو: كيف يشيخ الإنسان؟ بل أصبح: أي عضوٍ يشيخ أولاً؟ وكيف نلتقط همسه قبل أن يتحول إلى مرض؟

ففي نيويورك ولندن وسان دييغو، تراكَمت نتائج 3 دراسات كبرى نُشرت في مجلات مرموقة، مثل: «نيتشر»، و«لانسيت ديجيتال»، و«نيتشر ميديسن»، لتقلب فهمنا للشيخوخة. لم يعد الجسد يُرى كياناً واحداً يتقدَّم في العمر بوتيرة متساوية؛ بل كمنظومة من الساعات البيولوجية المستقلة، لكل عضو عقاربُه وخطُّه الزمني الذي لا يشبه سواه.

والمذهل أن هذه الساعات لا تُقرأ من الأشعة ولا من خزعات الأنسجة؛ بل من بروتينات دقيقة تنساب في بلازما الدم بصمت يشبه الهمس؛ بروتينات لا تظهر في التحاليل التقليدية، ولكنها -حين تتناولها الخوارزميات- تتحول إلى لغة متكاملة تُخبر الطبيب: أي عضو يتقدَّم نحو الضعف، وأي عضو يدخل مرحلة الشيخوخة المبكرة، وأي مرض سيظهر بعد 3 أو 5 أو 10 سنوات... إن لم نتدخل. إنه انتقال من التشخيص إلى استباق الزمن نفسه. فالذكاء الاصطناعي لم يعد يحلل ما نراه؛ بل ما لم نره بعد.

حين يتحوَّل الدم إلى خريطة تكشف العمر الحقيقي لكل عضو

لم يعد الدم مجرد ناقل للأكسجين والهرمونات؛ بل أصبح أرشيفاً خفيّاً يخزن العمر الحقيقي لكل عضو. وقد اعتمد العلماء في هذه الدراسات على تحليل آلاف البروتينات التي تعمل كـ«توقيعات جزيئية» لكل نسيج، تشبه بصمة الأصابع.

وبناءً على هذه التوقيعات، طوَّر الباحثون خوارزمية واسعة الطيف، قادرة على قراءة العمر البيولوجي لـ11 عضواً رئيسياً، من الدماغ والقلب والكليتين، وصولاً إلى الرئتين والعضلات والكبد. وتقارن الخوارزمية هذه البروتينات بخريطة معيارية، فتحدد أي عضو يتقدم نحو الشيخوخة بمعدل أسرع من الطبيعي، حتى لو بدت جميع الفحوص سليمة.

دماغ أكبر عمراً وقلب أصغر سناً

وهكذا ظهرت مفارقة لافتة: قد يكون شخصان في العمر نفسه يعيشان زمنين مختلفين تماماً. فقد يحمل أحدهم قلباً أصغر من عمره بخمس سنوات، بينما يعيش الآخر بدماغٍ أكبر من عمره الزمني بثلاث أو عشر سنوات. وقد تُظهر البروتينات أن الكليتين تتجهان نحو الضعف -في صمت- من دون أي عرض ظاهر.

إنها خريطة جديدة للصحة، لا تعتمد على الأعراض ولا الألم؛ بل على لغتها الداخلية التي يلتقطها الذكاء الاصطناعي قبل الجميع.

لماذا تتسارع ساعات بعض الأعضاء؟

تكشف النتائج أن الشيخوخة ليست حدثاً واحداً يبدأ في لحظة معينة؛ بل هي تفكك بطيء يبدأ قبل المرض بسنوات طويلة. بعض الأعضاء -لأسباب وراثية أو التهابية أو نمط حياة- تبدأ «العدَّ السريع» قبل غيرها. هذا التسارع هو أول إنذار مبكر لأمراض مثل: الخرف، وقصور القلب، والسكري، والفشل الكلوي، والأمراض المناعية.

«ستانفورد» ترسم خريطة العمر الدقيقة

في دراسة حديثة تُعد من أهم إضافات العام، نشر البروفسور طوني ويس– كوراي وفريقه في جامعة ستانفورد بحثاً موسعاً في مجلة «نيتشر ميديسن» (Nature Medicine) بتاريخ 3 يونيو (حزيران) 2025. وحلَّل الباحثون فيه أكثر من 5200 بروتين بلازمي، لرسم خريطة دقيقة للعمر البيولوجي لـ14 عضواً بدلاً من 11.

وبيَّنت النتائج أن بعض الأعضاء يُظهر تسارعاً في الشيخوخة قبل 7 إلى 10 سنوات من التشخيص السريري. فتسارع عمر الدماغ يزيد خطر الخرف بنسبة 67 في المائة، بينما يرتبط تسارع عمر القلب برفع خطر قصور القلب بنحو 45 في المائة.

كما كشفت الدراسة اختلافات جوهرية في أنماط الشيخوخة بين الرجال والنساء؛ إذ تبين أن البروتينات تُعبِّر عن «إيقاعات» مختلفة بين الجنسين، لم تكن معروفة سابقاً.

وبهذا منحت «ستانفورد» مفهوم «ساعة الأعضاء» دقة أعلى واتساعاً أكبر، ودفعت الطب خطوة نحو اللحظة التي يمكن فيها قراءة المرض قبل ظهوره.

التطبيقات السريرية... من التنبؤ إلى الوقاية الاستباقية

ليست «ساعة الأعضاء» مجرد معرفة عمر بيولوجي؛ بل أداة سريرية تعمل قبل المرض لا بعده. وتفتح أمام الأطباء 4 مسارات جديدة:

1- اكتشاف المرض قبل ظهوره بسنوات: الخوارزميات قادرة على التقاط الانحرافات الخفية في إيقاع الأعضاء، ما يتيح تشخيصاً مبكراً قبل 5– 10 سنوات من العلامات الأولى للخرف أو قصور القلب أو الفشل الكلوي.

تصميم علاجات شخصية تُخاطب العضو نفسه لا عمر المريض

2- لم يعد العلاج يعتمد على العمر الرسمي؛ بل على «العمر الحقيقي» لكل عضو. فقد يملك مريضٌ في الخامسة والخمسين قلباً عمره 40 أو دماغاً عمره 65 سنة.

إعادة تعريف الفحص الدوري ليصبح قراءة لإيقاع الجسد

3- تتحول زيارة المتابعة إلى قراءة ديناميكية للزمن الداخلي، يرصد فيها الطبيب سرعة شيخوخة العضو، ويتدخل حين يبدأ التسارع.

4- حماية المرضى من الانهيار المفاجئ عبر تحديد (العضو الأضعف): تُمكن هذه الخريطة الطبيب من معرفة العضو الأكثر عرضة للانهيار قبل ظهور أي أعراض، ما يسمح بتدخل وقائي يغير مسار المرض.

وهكذا ينتقل الطب من رد الفعل إلى طب استباقي يرى ما سيحدث... قبل أن يحدث.

حين تتلاقى الخوارزمية مع حكمة الطب وتتكلم الساعات الخفية للجسد

يستعيد هذا التحول كلمات ابن سينا، حين شبَّه الجسد بمدينة تتعاون فيها الأعضاء؛ مدينة تعمل بنظام لا يراه إلا من يعرف لغته. واليوم يتضح أن لهذه المدينة ساعات داخلية لا يسمع دقاتها إلا الذكاء الاصطناعي، القادر على اكتشاف خلل الزمن قبل أن يعمَّ الخراب.

وهنا تتضح الخلاصة: إن «ساعة الأعضاء» ليست دراسة عابرة؛ بل بداية لطبٍّ جديد يتعلم الإصغاء إلى الزمن. طبٍّ يعرف متى يبدأ المرض قبل أن يتجسد، وينقذ المريض قبل أن يطلب النجدة، ويقرأ العمر الحقيقي للجسد... لا الرقم البارد في الهوية.


الذكاء الاصطناعي يُوسّع الأفق... ويضيّقه من دون بصيرة نافذة

الذكاء الاصطناعي يُوسّع الأفق... ويضيّقه من دون بصيرة نافذة
TT

الذكاء الاصطناعي يُوسّع الأفق... ويضيّقه من دون بصيرة نافذة

الذكاء الاصطناعي يُوسّع الأفق... ويضيّقه من دون بصيرة نافذة

الذكاء الاصطناعي موجود في كل مكان، فهو يُغذّي نقاشات مجالس الإدارة، ويُوجّه الأولويات، ويُحدّد الوصول إلى المعلومات، ويُحفّز تجارب المستهلكين، كما كتبت لويزا لوران(*).

رؤى أوضح مقابل نقاط ضعف قيادية

لكن بينما يَعِد الذكاء الاصطناعي برؤى أكثر وضوحاً وسرعة في اتخاذ الإجراءات، فإنه يُسرّع أيضاً من ظهور نقاط ضعف يُعاني منها القادة بالفعل.

المفارقة هي أنه يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُوسّع الأفق، لكن إذا استُخدم دون بصيرة صحيحة، فإنه يُضيّقه. وعندما تتلاقى هذه الجوانب السلبية من نقاط الضعف مع سرعة تبني الذكاء الاصطناعي في العمل فإن العواقب تتضاعف.

لقد رأيتُ هذا يتجلّى في مختلف القطاعات -من خلال أدواري القيادية في «غوغل»، و«ميرسك Maersk»، و«دياغيو Diageo»، وفي تقديم المشورة للمديرين التنفيذيين الذين يُشكّلون بعضاً من كبرى المؤسسات في العالم. إن النمط واضح: التكنولوجيا لا تتوقف عند نقاط الضعف، بل بدلاً من تنبيهنا إليها فإنها تمحو آثارها -حتى تنزلق الميزة التنافسية بهدوء.

تقليص نقاط الضعف بالذكاء الاصطناعي

إليكم ثلاث طرق يوسع بها الذكاء الاصطناعي نقاط الضعف وكيفية تقليصها.

1. البيانات من دون سياق- راحة زائفة. يتخذ كل ذكاء اصطناعي شكله، بما أمكنه الوصول إليه. وإن كان الذكاء الاصطناعي التوليدي يسترشد بالاحتمالية، فإن الذكاء الاصطناعي الوكيل يعمل بناءً على البيانات التي تم تدريبه عليها. وكلاهما لا يفيد إلا بقدر السياق الذي يمكنه رؤيته.

هنا تظهر أول نقطة ضعف: يخطئ القادة في اعتبار مخرجات الذكاء الاصطناعي واقعاً بحد ذاته، متناسين أن النظام محدود بمدخلاته. قد تتوهج لوحة المعلومات باللون الأخضر، أو قد يقدم الذكاء الاصطناعي إجابات دقيقة -لكن الدقة من دون سياق راحة زائفة.

قد يبدو هذا تحدياً مألوفاً، حيث يمكن أن يجعل الاعتماد على مؤشرات الأداء الرئيسية الثابتة التقدم الداخلي يبدو مقنعاً، ولكنه يفشل في ربطه بالتحولات الحقيقية في السوق.

إن تطبيق الذكاء الاصطناعي على هذه المقاييس سيعزز هذا الاختلال. فإذا طُبقت قواعد العمل على مستوى منخفض جداً في المؤسسة أو العملية، فسيحدث نقص في التحسين. وفي سياق الذكاء الاصطناعي، يتفاقم هذا على نطاق واسع، مما يُقيد عدم الكفاءة في كل قرار آلي.

* كيفية معالجة نقاط الضعف: انتقلْ من التحقق من صحة ما تتابعه بالفعل إلى استكشاف ما لم تره بعد. تعاملْ مع البيانات على أنها مجال للاختبار، لا بوصفها لوحة معلومات للتأكيد. اسألْ: أين تظهر التناقضات؟ وأين تتعارض الإشارات؟ وأين تكشف أطراف النظام عن شيء مختلف عن المركز؟ تتقلص النقاط العمياء عندما يكون القادة فضوليين بما يكفي لاستكشاف الشذوذ بدلاً من تفسيره.

2. الاستعانة بمصادر خارجية للحكم تُضعف القيمة الأساسية. تظهر نقطة ضعف سلبية (عمياء) أخرى متنامية عندما تُلقى مسؤولية كبيرة على الأنظمة الخارجية أو الشركاء.

الذكاء الاصطناعي قوي، لكنه ليس محايداً. إذا استعان القادة بمصادر خارجية لإصدار الأحكام دون الاستفادة من خبراتهم الخاصة، فإنهم يخاطرون بتفريغ القيمة ذاتها التي تُميّز أعمالهم.

فكّر في الأمر بهذه الطريقة: لديك معرفة شخصية، ومعرفة جماعية داخل شركة أو مؤسسة، ومعرفة عالمية. تسعى الشركات بطبيعتها إلى ربط الذكاء الجماعي والاستفادة منه، فلماذا، عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي، يُهمل الكثيرون ضرورة مشاركة المعرفة ووضعها في سياقها وتحديثها بنشاط للحفاظ على قيمتها؟

قد تُحقق إدارة التكاليف من خلال الاستعانة بمصادر خارجية لمراكز الاتصال وفورات ملموسة، لكنها تُحوّل أيضاً رؤى العملاء القيّمة خارج نطاق العمل.

* كيفية معالجة الجوانب السلبية: مع أن الذكاء الاصطناعي ضروري للكفاءة والعمليات المستقبلية، إلا أن الاستراتيجية يجب أن تُعطى الأولوية. اعرف عرضك -القيمة الحالية والمستقبلية- وابنِ نهجك في الذكاء الاصطناعي بناءً على ذلك، وليس على توافر البرامج المُدربة مسبقاً، أو أسعار الشركاء، أو سهولة استخدام ما يقدمه الآخرون. اسأل: مَن يستفيد من البيانات التي تحتفظ بها؟ ومَن لديه حق الوصول إلى البيانات التي قد تساعدك على النمو؟ في العديد من القطاعات، سيصبح هذا أساساً لنماذج إيرادات جديدة وشراكات أعمق -أو سبيلاً للتخلص من تلك التي تفتقر إلى الوضوح الاستراتيجي.

3. الفخ المعرفي وراء الراحة الخوارزمية

حتى مع وجود بيانات واسعة ومتطورة ووضوح استراتيجي قوي، لا يزال الذكاء الاصطناعي قادراً على حصر القادة في حلقات من المتاهات. لقد صُممت الخوارزميات للتعلم من الأنماط، لكن الأنماط ليست مثل الرؤى؛ فهي تُعزز، افتراضياً، ما هو الأكثر تمثيلاً، وليس ما هو أكثر ما تتعرف عليه البصيرة النافذة.

الذكاء الاصطناعي يعكس اليقين الذي يتوق إليه القادة، مُسرّعاً من سرعة ترسيخ الافتراضات غير المُختبرة لتتحول إلى استراتيجية. والنتيجة هي تضييق في الرؤية -أكثر إقناعاً، وأسرع حركة، وأصعب كشفاً بالبصر. إذا تُركت دون رادع، هكذا تجد المؤسسات نفسها عالقة في أنماط مألوفة بينما يُعيد المنافسون تعريف السوق من حولهم.

* كيفية معالجة الجوانب السلبية: يكمن الحل في البقاء على أرض الواقع بما يكفي لملاحظة متى يصبح اليقين راحةً بدلاً من أن يكون حقيقة. هذا يعني التساؤل واستبعاد الافتراضات التي لم تعد تُجدي نفعاً، والسماح بإعادة اختبار الرواية في ضوء واقع اليوم والغد.

الضعف هو إشارة إلى مواضع عدم تحديث الافتراضات. دعْ هذه النقاط تطفو على السطح، واعترف بما يتطلبه الأمر لتغيير رأيك، وكن فضولياً بشأن ما يمكن أن يناسبك، واستكشف اتجاهات ناشئة جديدة لتشكيل إطار جديد. القادة الذين يجسدون هذا الموقف يوسعون مجال رؤيتهم ويمنعون الذكاء الاصطناعي من ترسيخ النقاط العمياء وتحويلها إلى استراتيجية.

الذكاء الاصطناعي يختبر القيادة

الخيط الذي يربط النقاط العمياء الثلاث هو نفسه: الذكاء الاصطناعي لا يلغي حدود الحكم البشري، بل يضخِّمها. إنه يُعزز ما إذا كانت الشركة منسجمة أم مجزأة، منعزلة أم متناغمة، سواء كان القادة فضوليين أم راضين، سواء كانت الاستراتيجية نشطة أم سلبية.

والاختبار الحقيقي لا يكمن في سرعة التبني، بل في الوعي الذي يُحدثه القادة -هل يستطيعون البقاء منفتحين بما يكفي لتحدي ما يبدو مؤكداً، مع التمسك بما يُحدد قيمتهم حقاً؟ يتطلب ذلك بناء منصة للتواصل، حيث تُغذي وجهات النظر المتنوعة النظام -ما يربط بين الأفراد والبيانات- ويضمن ثقافة وصول إلى البيانات لا يُرحَّب فيها بالاستكشاف نحو طموح مشترك فحسب، بل يُتوقع منه أيضاً. وهذا يُمهد الطريق ليس فقط لاستخدام الذكاء الاصطناعي، بل للنمو معه.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


منهج جينومي جديد يُسرّع تشخيص الأمراض النادرة في بريطانيا

منهج جينومي جديد يُسرّع تشخيص الأمراض النادرة في بريطانيا
TT

منهج جينومي جديد يُسرّع تشخيص الأمراض النادرة في بريطانيا

منهج جينومي جديد يُسرّع تشخيص الأمراض النادرة في بريطانيا

يشهد علم الجينوم نقلة نوعية غير مسبوقة مع ظهور منهجين متكاملين أحدثا فرقاً ملموساً في حياة مئات العائلات التي تكافح لفهم الأسباب الحقيقية وراء حالات وراثية نادرة.

منهج جينومي

وفي حين أعلن علماء معهد ويلكوم سانغر وجينوميكس إنغلاند في المملكة المتحدة عن تطوير منهج جينومي قادر على كشف طفرات بنيوية معقّدة طالما استعصت على الفحوص التقليدية، أظهرت دراسة ثانية من مستشفى «غريت أورموند ستريت» في لندن أن إدخال تسلسل الجينوم الكامل ضمن خدمات هيئة الصحة البريطانية NHS ساعد الأطفال المصابين بالأمراض النادرة على الوصول إلى التشخيص والرعاية المناسبة بشكل أسرع من أي وقت مضى.

وترسم هذه التطورات المتزامنة ملامح مرحلة جديدة في فهم الجينوم البشري، قائمة على رؤية أوسع للطفرات الوراثية وقدرة أعلى على تفسير الحالات المعقدة التي كانت تُعدّ «لغزاً طبياً» لسنوات طويلة.

كشف الطفرات البنيوية وإعادة رسم حدود التشخيص

تركز الاختبارات الجينية التقليدية على الطفرات الصغيرة التي تصيب قاعدة واحدة في الحمض النووي لكنها غالباً ما تُخفق في كشف الطفرات البنيوية Structural Variants وهي تغيّرات واسعة تشمل حذفاً أو تكراراً أو إعادة ترتيب لمقاطع طويلة من الجينوم تزيد على 50 قاعدة.

وقد تكون هذه الطفرات السبب الأساسي لاضطرابات عصبية أو نمائية أو جسدية لكنها تظل «غير مرئية» عندما يُحلَّل الجينوم على شكل مقاطع صغيرة متفرقة.

وقد شبّه الباحثون الأمر مجازياً بمحاولة قراءة كتاب تمزقت جُمله إلى قصاصات صغيرة قد نفهم جزءاً من القصة لكن الصورة الكاملة تبقى ناقصة.

مشروع «مائة ألف جينوم»

من هنا جاء المنهج الجديد الذي اعتمد على تحليل بيانات 13 ألفاً و700 فرد من الآباء والأطفال ضمن مشروع مائة ألف جينوم. ومن خلال خوارزميات متقدمة تمكن الفريق من اكتشاف 1870 طفرة بنيوية، كثير منها لم يكن قابلاً للكشف سابقاً. كما اتضح أن واحدة من كل ثماني طفرات معقّدة ومتشابكة وهي الأصعب رصداً بالفحوص السريرية التقليدية.

وقاد هذا التحليل العميق إلى تحديث أو تقديم تشخيصات جديدة لـ145 طفلاً بينهم نحو 60 يحملون طفرات بنيوية معقدة لم يكن بالإمكان اكتشافها من قبل.

وقال الدكتور هيونتشول جونغ المؤلف الأول للدراسة من معهد ويلكوم سانغر في المملكه المتحده في الورقة البحثية المنشورة في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025 عبر دورية Nature Communications إن هذا المنهج يتيح لنا رؤية بنية الجينوم بعمق غير مسبوق. ولم نعد نكتفي بمعرفة وجود حذف أو تكرار بل نفهم كيفية تفاعل هذه التغيّرات معاً وكيف تؤثر على بيولوجيا المريض.

وأضاف أن هذه الخطوة تفتح الباب أمام عصر جديد في تشخيص الأمراض الوراثية النادرة وتفسيرها. ونحن الآن نرى بنية الجينوم بطريقة لم تكن ممكنة سابقاً. ولم نعد نبحث فقط عمّا إذا كان هناك حذف أو تكرار بل نفهم كيف تتفاعل هذه التغيّرات معاً وتؤثر على وظيفة الجينات.

التشخيص المبكر... قوة تُعيد الأمل للعائلات

وفي موازاة هذا التقدّم العلمي اللافت كشفت دراسة حديثة أخرى من مستشفى غريت أورموند ستريت للأطفال في لندن ونُشرت في Genetics in Medicine في 2 ديسمبر (كانون الأول) 2025 عن نتائج تحمل بارقة أمل لآلاف العائلات. وقد بيّنت الدراسة أن اعتماد تسلسل الجينوم الكامل ضمن خدمات هيئة الصحة البريطانية لم يُسرّع فقط عملية التشخيص بل رفع دقته بشكل ملحوظ في حالات كانت تُعَدّ من أكثر الأمراض ندرة وتعقيداً.

وحلّل الباحثون بيانات 500 طفل خضعوا للفحص عبر خدمة الطب الجينومي وقارنوها ببيانات 2.000 طفل من مشروع «الجينومات المائة ألف». وكانت المفاجأة أن معدل التشخيص ارتفع من 22 في المائة إلى 29 في المائة، وأن الأطفال باتوا يحصلون على تشخيص واضح قبل عامين كاملين من العمر الذي كان يحدث فيه ذلك سابقاً وهي فترة حاسمة في حياة طفل يعاني من مرض وراثي غامض.

ووصفت الدكتورة إيما ويكلينغ استشارية الوراثة السريرية والمسؤولة عن الدراسة هذا التطور بأنه «تحوّل جذري في مسار الرعاية». وقالت إن الرؤى التي قدمها مشروع المائة ألف جينوم مكّنتنا من إعادة تشكيل خدماتنا، إذ إن التشخيص المبكر لا يمنح العائلات وضوحاً فحسب بل يمكّننا من التدخل في اللحظة المناسبة ومنح الأطفال أفضل فرصة ممكنة للرعاية والعلاج.

وأوضحت ويكلينغ أن قوة هذا الفحص لا تكمن فقط في نتائجه الأولية، بل أيضاً في إمكانية إعادة تحليل البيانات مستقبلاً كلما كشفت الأبحاث عن تغيّرات جينية جديدة. مضيفة أن هذا يعني أن العائلات التي لا تمتلك اليوم خيارات علاجية قد تحصل غداً على إجابات... وربما علاجات.

بهذا التقدم يبدو أن علم الجينوم لا يقدّم تشخيصاً مبكراً فحسب بل يفتح باباً واسعاً للأمل ولرحلة جديدة تقود إلى فهم أدقّ وعلاج أسرع للأطفال الأكثر هشاشة.

مستقبل الطب الجينومي

يجمع المنهجين: منهج كشف الطفرات البنيوية المعقدة، والتشخيص المبكر عبر تسلسل الجينوم الكامل، خيط واحد؛ هو الرغبة في بناء صورة أكثر شمولاً لجينوم الإنسان.

هذه الصورة الموسّعة ستسمح بفهم أفضل لمسار الأمراض النادرة وتوقع المضاعفات قبل حدوثها ثم تصميم علاجات شخصية ودقيقة، وأخيرا إعادة تحليل البيانات مستقبلاً مع اكتشاف طفرات جديدة.

وتؤكد البروفسورة دام سو هيل كبيرة المسؤولين العلميين في هيئة الصحة البريطانية أن الطب الجينومي يمنح العائلات بارقة أمل ويقدم للأطفال تشخيصاً أوضح وأسرع، وهو ما يفتح الباب لرعاية أكثر فاعلية.

ومع تطور أدوات تحليل الجينوم يصبح من الواضح أن النظر إلى ما هو أبعد من الطفرات الصغيرة وإلى الطفرات البنيوية الواسعة قد يكون المفتاح لفهم ما ظل لسنوات خارج نطاق التفسير العلمي.

ولكثير من العائلات، فإن مجرد الحصول على إجابة هو نقطة تغيير كبرى وبداية رحلة جديدة نحو فهم الواقع وتخفيف القلق ووضع خطوات واضحة للمستقبل.