في اجتماع وصفه البيت الأبيض بـ«التاريخي»، يستضيف الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخميس، زعيمي رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بول كاغامي، وفيليكس تشيسكيدي، لتوقيع «اتفاقيات واشنطن للسلام والازدهار» بعد اتفاقية سابقة وقعت في يونيو (حزيران) الماضي. ومن المُقرّر أن يجتمع ترمب بشكل منفصل مع زعيم رواندا ثم مع زعيم الكونغو قبل إجراء محادثات ثلاثية، لتنظّم الإدارة الأميركية بعد ذلك حفل توقيع المرحلة الثانية من اتفاق السلام في مقر المعهد الأميركي للسلام، الذي أطلقت عليه الخارجية الأميركية اسم «معهد دونالد ترمب للسلام».
ويقول محللون إن الدبلوماسية الأميركية نجحت في وقف تصعيد القتال في شرق الكونغو، لكنها فشلت حتى الآن في حلّ القضايا الأساسية. فقد سيطرت حركة «23 مارس» (M23)، المدعومة من رواندا، في وقت سابق هذا العام على أكبر مدينتين في شرق الكونغو في هجوم خاطف أثار مخاوف من اندلاع حرب أوسع، كما نقلت وكالة «رويترز».
المعادن النادرة
ووفقاً للبيان الرسمي للبيت الأبيض، سيؤدّي الاتفاق إلى تحديد شروط الشراكات الاقتصادية بين الدول الثلاث، مع التركيز على جذب «مليارات الدولارات» من الاستثمارات الأميركية في قطاعات التنتالوم والذهب والكوبالت والنحاس والليثيوم – وهي المعادن التي تُشكِّل عماد صناعات التكنولوجيا والطاقة النظيفة.

ويقول محللون إن إدارة ترمب تستهدف إنهاء الحرب بين البلدين والاستجابة لحاجة الكونغو إلى الدعم الأمني في مقابل الوصول على المعادن النادرة، وقطع الطريق على هيمنة الصين التي تسيطر حالياً على نحو 70 في المائة من تعدين المعادن الأرضية النادرة عالمياً، و90 في المائة من معالجتها.
ومن المقرر أن تستضيف غرفة التجارة الأميركية فعالية الخميس تجمع قادة الأعمال الأميركيين مع الوفود الكونغولية والرواندية لمناقشة فرص الاستثمار في المعادن والطاقة والسياحة.
تفاؤل حذر
أعربت رواندا عن تفاؤل حذر. وقال وزير الخارجية الرواندي أوليفييه ندوهونغيريهي في مقابلة مع «رويترز»، إن «الاتفاق يُمثِّل فرصة لإنهاء الصراع نهائياً»، مشيداً بترمب لتقديمه «حافزاً اقتصادياً» يدفع عجلة السلام. وكرّر ندوهونغيريهي موقف رواندا الرسمي بنفي دعمها لحركة «23 مارس»، ووصف الوجود الرواندي في شرق الكونغو بـ«إجراءات دفاعية» ضد «القوات الديمقراطية لتحرير رواندا» (FDLR)، وهي جماعة تتكوَّن من فلول ميليشيات الهوتو.

لكن الواقع على الأرض يُفنِّد هذه الرواية الرسمية، حيث تشير عدة تقارير إلى تبادل الجيش الكونغولي وحركة «23 مارس» الاتهامات بانتهاك وقف إطلاق، مع استخدام طائرات مقاتلة ومُسيَّرات هجومية ضد التجمعات المدنية في مقاطعة كيفو الجنوبية. وأفاد خبراء الأمم المتحدة بوجود قرابة 4000 جندي رواندي يُدعمون حركة «23 مارس»، مما أدَّى إلى نزوح آلاف السكان، وفاقَم أزمة إنسانية شَرَّدَت ملايين.
فرص النجاح
ورغم الجهود الأميركية، يخشى مراقبون من ألا يؤدي الاتفاق إلى تغيير فوري في الأزمة الإنسانية على الأرض. ويرون أن نجاح إدارة ترمب في التوصل إلى اتفاق سلام بين البلدين سيكون فرصة حقيقية للاستقرار الاقتصادي، لكنه يُواجِهُ تحدِّيات هائلة، ولا سيّما بعد فشل اتفاقيات سابقة، بما فيها تلك الموقعة في يونيو (حزيران) ونوفمبر (تشرين الثاني) مع «إم 23» في قطر.
لكن إذا نجحَ الاتفاق، فقد يحول شرق الكونغو إلى مركز تعدين عالمي، مُعززاً الشراكة الأميركية - الأفريقية.

وفي بيانين متبادلين يوم الثلاثاء، اتهم جيش الكونغو ومتمردو «M23» بعضهما بعضاً بانتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار القائمة التي جرى تجديدها الشهر الماضي. وفي مؤتمر صحافي في واشنطن يوم الأربعاء، حمّل المسؤول الكونغولي باتريك مويايا الحركة مسؤولية القتال الأخير، قائلاً إنه «دليل على أن رواندا لا تريد السلام».
ولا يُتوقَّع أن تشارك حركة «M23» في اجتماع واشنطن، كما أنها غير مُلزَمة بأي اتفاق بين الكونغو ورواندا. وقال جيسون ستيرنز، الخبير الإقليمي والأستاذ المساعد في جامعة سيمون فريزر الكندية: «لقد نجحت الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، في وضع حدٍّ مؤقت للنزاع حتى لا يستمر في التصاعد... كل ما فعلته حقاً هو تجميده، بينما لم تُحلّ القضايا الجوهرية. ولا يبدو أننا نقترب من حلّها»، كما نقلت عنه وكالة «رويترز».
وتنفي رواندا دعمها لحركة «M23». وتقول كيغالي إن قواتها تعمل دفاعاً عن النفس ضد ميليشيات الهوتو المرتبطة بإبادة 1994 الجماعية في رواندا. وأفادت مجموعة خبراء تابعة للأمم المتحدة، في تقرير صدر في يوليو (تموز)، بأن رواندا تمارس قيادة وسيطرة على المتمردين.
من جانبها، تقول حركة «M23» إنها تقاتل لحماية مجتمعات التوتسي في شرق الكونغو. وتمثل مكاسب الحركة أحدث فصول التنافس العرقي في مناطق الكونغو الحدودية مع رواندا، وهو مصدر صراع مستمر منذ ثلاثة عقود. وقد كلّفت حربان مدمرتان في منطقة البحيرات الكبرى بين عامي 1996 و2003 ملايين الأرواح. وأدّى أحدث جولات القتال إلى مقتل آلاف الأشخاص وتشريد مئات الآلاف.

