يعيش عشرات الآلاف من المرضى السودانيين في مصر، بعد فرارهم من الحرب السودانية، رهن مبادرات إغاثة دولية «محدودة»، وجهود حكومية مصرية لرعايتهم، في ظل ظروف صعبة، جراء تراجع التمويل الإنساني للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي قلصت دعمها للاجئين، وطالبي اللجوء في مصر.
ووصل نحو مليون ونصف مليون سوداني إلى مصر منذ اندلاع الحرب. وترتب على أزمة «التمويل الإنساني للمفوضية السامية» عدم قدرة عشرات الآلاف من المرضى المسجلين لدى المفوضية على الوصول إلى الرعاية الصحية الحيوية، وخدمات حماية الطفل، وأشكال المساعدة الأساسية الأخرى، في حين تكثف الحكومة المصرية بالتعاون مع السفارة السودانية وجهات ومنظمات صحية محلية ودولية جهودها لتقديم الخدمات الطبية العاجلة.
وفي مايو (أيار) الماضي عززت مصر تعاونها مع «منظمة أطباء بلا حدود» لتقديم الرعاية الصحية في المناطق الأكثر احتياجاً، وتعزيز جهود الاستجابة السريعة في حالات الطوارئ، والتنسيق في مجال تقديم الرعاية الصحية للاجئين.

وقال المستشار الطبي بسفارة السودان في القاهرة، خضر فيصل أبو بكر، لـ«الشرق الأوسط» إن «وزارة الصحة المصرية تشترك مع الملحقية الطبية في العديد من مشاريع العلاج المقدمة إلى الوافدين السودانيين، من بينها مشروع رعاية مرضى القصور الكلوي للسودانيين في مصر، وهو مشروع بتمويل من مركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية، وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية إلى جانب الحكومة المصرية، وهو يرعى الآن 1000 مريض يتلقون العلاج في محافظات مصرية مختلفة بشكل مجاني».
وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المفوضية بالتعاون مع شركات طبية مصرية خاصة تقدم خدمة التأمين الطبي عبر بطاقات التخفيض العلاجية»، وهي يتم منحها للوافدين مجاناً، وتقدم تخفيضات علاجية تصل إلى 70 في المائة داخل أكثر من 4000 مزود خدمة ما بين مستشفيات، وعيادات، ومراكز طبية، ومراكز أشعة، وتحاليل.
وتتيح وزارة الصحة المصرية علاج المرضى السودانيين في المستشفيات الحكومية، ومعاملتهم مثل المصريين. كما دخل القطاع الخاص على خط تقديم الدعم، إذ اتفقت السفارة السودانية في مايو الماضي مع إحدى شركات الخدمات الطبية الخاصة لتقديم علاج مخفض إلى المرضى السودانيين الوافدين إلى مصر.
ووفق مستشار وزير الصحة المصري لشؤون الرعايات والطوارئ، شريف وديع، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فإن مصر «قدّمت الرعاية الطبية لنحو 300 ألف سوداني مقيمين على أراضيها منذ اندلاع الحرب، إضافةً إلى تقديم نحو 50 ألف جرعة من اللقاحات، والطعوم».
تتكامل الجهود المصرية مع مبادرة «أطباء بلا حدود» لعلاج المرضى السودانيين، والتي تعمل بالشراكة مع مؤسسة «أم حبيبة» في محافظة أسوان، جنوب مصر، منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، لتقديم رعاية طبية مجانية عبر عيادات متنقلة للسودانيين في 5 مواقع مختلفة في جميع أنحاء المحافظة. تشمل الخدمات رعاية الاستشارات العامة، والأمراض غير المعدية، والصحة الإنجابية، بالإضافة إلى الرعاية الصحية النفسية، وأنشطة التوعية الصحية.
تقول أسماء، وهي من السودانيين المستفيدين من المبادرة، والبالغة (64 عاماً)، إنها غادرت السودان في 19 مايو 2023، بعد شهر من اندلاع الحرب، بحثاً عن ملاذ آمن مع اثنين من أبنائها (في عمر 19 و23 عاماً آنذاك) في دراو، وهي قرية تقع على بعد 40 كيلومتراً شمال مدينة أسوان، في جنوب مصر.
وتعاني أسماء من السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، والأوعية الدموية. اضطرت لمغادرة السودان عند بدء الحرب، لأنها لم تعد قادرة على العثور على الرعاية الصحية في الخرطوم، وذلك عقب عملية قسطرة القلب التي كان عليها إجراؤها هناك.
وعلى مدار الأشهر الثمانية الماضية، دأبت أسماء على زيارة العيادات المتنقلة التي تديرها «أطباء بلا حدود» بالشراكة مع مؤسسة «أم حبيبة» لتقديم الرعاية الطبية المجانية، لمتابعة حالتها الصحية، وتلقي العلاج اللازم. تقول أسماء: «أنا ممتنة جداً لهذه الخدمات الطبية المجانية، ولجودة الرعاية التي أتلقاها هنا. لم أعد أقلق بشأن فواتيري الطبية، مع قلة المال الذي أملك».
وتعيش أسماء اليوم في شقة مستأجرة في دراو مع ابنيها. وبينما تشعر بالامتنان لجيرانها، وسكان دراو الذين استضافوهم، وفتحوا أبوابهم لهم، إلا أن وضعهم المالي لا يزال صعباً. تسترجع أسماء حياتها في الخرطوم قائلة: «اضطر أفراد عائلتي القلائل الذين ما زالوا في الخرطوم لبيع كثير من ممتلكاتنا هناك لدعمنا مالياً هنا. كنا نمتلك عدة متاجر لأعمالنا التجارية، والآن تغيرت أحوالنا جميعاً».

أما خالد (61 عاماً)، فهو من ضمن المستفيدين من المبادرة، حيث يعاني من أعراض مزمنة، ويتابع علاجه مع طبيب في دراو.
ورغم كون خالد مسجلاً بشكل قانوني في مصر، فإنه يحد من تحركاته في البلاد لتقتصر على حالات الطوارئ فقط، خوفاً من الوصمة، والمضايقات التي يكثر تكرارها. يقول خالد: «السكان في دراو أحسنوا استقبالنا، وهم يعاملوننا بطيبة، لكن يمكن لحوادث فردية مثل هذه أن تقع، وقد تكون مزعجة».
بدوره يتلقى حسن (65 عاماً)، وأصله من ولاية الجزيرة، وسط شرق السودان، العلاج في العيادة المتنقلة في بلدة نصر النوبة، الواقعة على بعد 75 كيلومتراً شمال مدينة أسوان، في جنوب مصر، حيث يعاني حسن من السكري.
يقول حسن: «أجريت عملية جراحية في السودان، والجرح لا يلتئم بشكل صحيح، لذا يحتاج لمتابعة يومية. اضطررت لمغادرة السودان لعدة أسباب أحدها نقص العلاج، سواء للسكري، أو للجرح».
وقال المستشار الطبي بسفارة السودان في القاهرة إن السفارة تقدم بالتعاون مع الجهات الحكومية المصرية خدمة التوجيه، والاستشارات للمرضى، لتوجيههم نحو سبل العلاج الأسلم، والأفضل، مع وجود سوق كبيرة للسياحة العلاجية بالبلاد، إلى جانب التنسيق مع وزارة الصحة المصرية في إطار التعاون بين البلدين لتقديم رعاية للمرضى السودانيين في المستشفيات الحكومية، ومعاملتهم مثل المريض المصري من حيث التكلفة.
وأشار أبو بكر إلى مبادرات في طريقها للتطبيق لرعاية مرضى السكري من السودانيين الوافدين إلى مصر بالتعاون مع الاتحاد الدولي للسكرى، وكذلك مبادرة أخرى لرعاية مرضى الأورام بالتعاون مع دولة قطر، وبالتعاون مع الحكومة المصرية.
وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، استقبل نائب رئيس الوزراء المصري وزير الصحة والسكان، الدكتور خالد عبد الغفار، وزير الصحة السوداني، هيثم إبراهيم عوض الله، لبحث سُبل تعزيز التعاون الصحي بين البلدين، وتناول «آليات تعزيز التعاون في مجالات مكافحة الأوبئة، ودعم النظام الصحي السوداني، والاستجابة للطوارئ».
وفي ذلك الحين أكدت مصر استعدادها لتقديم دعم شامل يشمل توفير 200 ألف علبة ألبان صناعية شبيهة بلبن الأم، و200 أسطوانة أكسجين، إلى جانب التعاون في القطاع الدوائي، ومكافحة الأمراض المتوطنة.









