أكّدت الفنانة التونسية عفاف بن محمود أنها لم تتوقع فوزها بجائزة أفضل ممثلة في «مهرجان القاهرة السينمائي»، مشيرة في حوارها مع «الشرق الأوسط» إلى أن استقبال الجمهور المصري للفيلم كان مذهلاً، وأن حصولها على الجائزة وسط منافسة أعمال عربية عدة شكّل مفاجأة أسعدتها. وأضافت أن الفيلم يحمل رسائل إنسانية عميقة، من أبرزها أهمية الإيمان بالقضاء والقدر.
وفازت بن محمود بجائزة أفضل ممثلة في مسابقة «آفاق السينما العربية» بالدورة 46 من «مهرجان القاهرة السينمائي» عن دورها في فيلم «الجولة 13»، الذي تجسد فيه شخصية أمّ ينهار عالمها بعد اكتشاف إصابة طفلها الوحيد بمرض السرطان، وترافقه في رحلة العلاج القاسية حتى يفارق الحياة بين يديها. وقد أشادت لجنة التحكيم بالأداء الذي قدّمته في الفيلم.
وربطت الفنانة التونسية في كلمتها خلال حفل ختام المهرجان بين دورها أماً تفقد ابنها الوحيد، وبين فيلم «صوت هند رجب» الذي يتناول قصة طفلة فلسطينية قُتلت برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدة أن «أهل غزة يعيشون هذا الفقد يومياً».

وتوضح عفاف أن «الفيلم يفيض بالمشاعر الموجعة والمواقف الصادمة»، لافتة إلى أن تصوير المشاهد لا يجري عادة بالتسلسل الزمني المعروض على الشاشة، إذ قد يُصوَّر أصعب مشهد في الأيام الأولى للتصوير. وتذكر أنها أدّت مشهد صدمة الأم عند معرفتها بحقيقة مرض طفلها في نهاية الفيلم، وتقول إنها «بكت كثيراً بعد هذا المشهد».
وترى عفاف أن على الممثل أن يحافظ دائماً على الإحساس المناسب لكل موقف، من دون مبالغة أو تقصير، مضيفة: «في كل مرة يقول فيها المخرج (أكشن)، لا بدَّ أن يكون إحساسي متسقاً تماماً مع طبيعة المشهد».
وتشير عفاف إلى أن الرسالة غير المباشرة للفيلم تتمثل في أهمية الإيمان بالقضاء والقدر عند مواجهة ما لا يملك الإنسان حياله شيئاً؛ فهل يختار السخط أم التسليم لحكمة الله؟ وهو ما تجسده شخصية الأم التي تحاول التماسك رغم فجيعتها بفقدان طفلها، وصدمتها أيضاً في زوجها الذي لم يتحمل وقع الخبر.
كما لفتت إلى تعاونها مع الفنان حلمي دريدي، الذي أدّى دور الزوج، مثنية على أدائه بقولها: «هو ممثل بارع، وقد تعاملنا مع الطفل (هادي) كما لو كنا عائلة حقيقية». وأرجعت هذا التناغم إلى المخرج محمد علي النهدي الذي أتاح لهم الوقت الكافي للتعايش معاً ومع الشخصيات والعمل من دون ضغوط، ما جعل أداء كل ممثل أكثر عمقاً واستعداداً.
وعلى الرغم من وصف بعضهم لعفاف بأنها «صاحبة شخصية قوية في الواقع»، فإنها تؤكد أهمية تجرد الممثل من نفسه في كل دور يؤديه. وتقول: «عشت مع (سامية)، بطلة الفيلم، بكل تفاصيلها، ورأيتها امرأة قوية ومؤمنة. لقد واجهت الموقف القاسي بقوة فرضتها اللحظة، فالنساء عادة يتمتعن بقدرة كبيرة على التحمل؛ يمررن بصعوبات كثيرة ويتولين مسؤوليات عدَّة تجعل منهن قادرات على مواجهة التحديات».
وتتحدث الممثلة التونسية عن الصعوبات التي واجهتها خلال التصوير قائلة: «الأصعب كان التعامل مع مراحل مرض الابن، فالفيلم يعبر عن رحلة نحو الموت، وعن كيفية مواجهة الفقد حين يطول أعز ما نملك. الزوجان يفقدان طفلهما الوحيد، وهو فقد يطيح باستقرار الأسرة وسعادتها».
ولا ترى عفاف أن الفيلم كئيب، بل تعدّه عملاً واقعياً وصادقاً، لافتة إلى أن نسبة إصابة الأطفال بالسرطان ليست قليلة. وتضيف: «الفنان بطبيعته أكثر حساسية تجاه ما يحيط به، والفيلم يقدم دراما اجتماعية عميقة تُلامس مشاعر المشاهد».

وتشير عفاف إلى أن الطفل هادي بن جابورية، الذي جسّد شخصية «صبري»، يبشر بموهبة كبيرة؛ فعلى الرغم من مواجهته الكاميرا للمرة الأولى، فإنه استطاع أن يفهم علاقته بها، والتزم بالحضور في مواعيد التصوير، وكان أول من يصل إلى موقع العمل، ويأتي جاهزاً وقد حفظ دوره جيداً. وتوضح أنه ظل متماسكاً طوال التصوير، إلى أن جاء مشهد حلاقة شعره لإظهار تطوّر المرض، وهو مشهد تأثر به كثيراً وبكى بعده.
وتجمع عفاف بن محمود بين التمثيل والكتابة والإخراج، وعن شروطها في العمل الفني، تقول: «ليست شروطاً بقدر ما هي اختيارات؛ فأنا أحرص على العمل مع أشخاص أثق بهم، ويهمني أن تكون الشخصية التي أؤديها مكتوبة بإتقان حتى أتمكن من العمل عليها وتقديمها بأفضل صورة. فكيف يمكن إتقان الأداء إذا لم تكن الشخصية مكتوبة جيداً؟».
وتُعدّ عفاف من أبرز الممثلات التونسيات، وقد قدمت أعمالاً في الإخراج والتأليف والإنتاج مع زوجها المنتج والمخرج المغربي خليل بن كيران. وكانت قد شاركت قبل عامين في مهرجاني «فينيسيا» و«البحر الأحمر السينمائي» بفيلم «كواليس» الذي كتبته، وقامت ببطولته، وشاركت زوجها في إخراجه. وتشير عفاف إلى مشروع سينمائي جديد يجمعهما معاً، تعمل حالياً على كتابته.




