بعد إعادة فتح فروع بعض البنوك... لماذا تبقى أزمات غزة الاقتصادية على حالها؟

خطوة إيجابية لكنها «غير كافية»

مظاهر الدمار في غزة كما تبدو في لقطة مأخوذة من داخل حدود «الخط الأصفر» في حي الشجاعية بالجانب الشرقي من مدينة غزة يوم الأربعاء (رويترز)
مظاهر الدمار في غزة كما تبدو في لقطة مأخوذة من داخل حدود «الخط الأصفر» في حي الشجاعية بالجانب الشرقي من مدينة غزة يوم الأربعاء (رويترز)
TT

بعد إعادة فتح فروع بعض البنوك... لماذا تبقى أزمات غزة الاقتصادية على حالها؟

مظاهر الدمار في غزة كما تبدو في لقطة مأخوذة من داخل حدود «الخط الأصفر» في حي الشجاعية بالجانب الشرقي من مدينة غزة يوم الأربعاء (رويترز)
مظاهر الدمار في غزة كما تبدو في لقطة مأخوذة من داخل حدود «الخط الأصفر» في حي الشجاعية بالجانب الشرقي من مدينة غزة يوم الأربعاء (رويترز)

رغم أن بعض البنوك التابعة لسلطة النقد الفلسطينية أعادت فتح بعض فروعها داخل قطاع غزة، لا يزال نضال عواد، الموظف في السلطة الفلسطينية، يدفع لبعض التجار وأصحاب محلات الصرافة عمولة تتراوح من 18 إلى 20 في المائة مقابل الحصول على سيولة نقدية.

ويتساءل عواد (49 عاماً)، وهو من سكان دير البلح بوسط القطاع: «ما قيمة عمل البنوك ما دام لا تتوفر فيها السيولة؟».

ومنذ الأيام الأولى لدخول وقف إطلاق النار الأخير حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعادت ثلاثة بنوك فتح ستة فروع على الأقل في وسط القطاع ومدينة غزة، لكن عملها يقتصر على أمور مثل فك الحجز عن حسابات مجمدة، أو تفعيل التطبيق الإلكتروني، وغيرهما من الإجراءات الإدارية التي لا تشمل فتح حسابات أو الإيداع أو السحب في ظل عدم توفر السيولة بالقطاع.

وعلى الرغم من أن هذه الخطوة أعادت لعجلة الحياة الاقتصادية المتوقفة في غزة قدراً من الدوران بعد حرب إسرائيلية طاحنة استمرت نحو عامين، تكبد فيها الاقتصاد الفلسطيني خسائر فادحة قلبت ظروف الحياة بالقطاع رأساً على عقب، فإنها توصف بأنها ما زالت «غير كافية».

طفلان يلهوان داخل مخيم للنازحين في مدرسة بحي الرمال في مدينة غزة يوم الأربعاء (أ.ف.ب)

وفي حين يقر عواد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن نسبة العمولة عن توفير السيولة النقدية من التجار ومكاتب الصرافة انخفضت من 40 إلى نحو 20 في المائة أو أقل قليلاً، بعدما وصلت في بعض فترات الحرب إلى 52 في المائة، فإنه يشير إلى أن معظم الأموال المتوفرة أوراق تالفة أو بالكاد تكون صالحة للتداول. حتى العملات ذات الفئات الصغيرة (الفكة)، لم تعد متوفرة.

أمل مرتبط بحلول سياسية

منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر 2023، وإسرائيل تمنع دخول أي أموال نقدية إلى غزة، مما فرض على أبناء القطاع ظروفاً اقتصادية قاسية زادت من ضراوة الأوضاع، خاصةً بعد سرقة البنوك وتدمير بعض مقارها، ونهب آلات الصراف الآلي، ما كبَّد البنوك خسائر مالية فادحة قدرت بمليارات الدولارات.

وتقول فاطمة أبو صفية، وهي من سكان مدينة غزة ونزحت إلى دير البلح بوسط القطاع، إن بعض التجار كانوا يتعاملون بأوراق البنكنوت التي تشوبها بعض المشاكل البسيطة، إلا أن هذا توقف عندما علموا أن البنوك لن تقبل إيداع أي أموال من هذا النوع أو تبديلها؛ ما زاد من الأزمات القائمة أصلاً.

وتضيف: «كنا نأمل في أن يتحسن الوضع، وأن تكون هناك معالجة حقيقية لجذور الأزمة المالية في مناطق قطاع غزة كافة، من خلال اتخاذ إجراءات لإدخال الشيقل الإسرائيلي والعملات الأجنبية إلى البنوك؛ إلا أنه يبدو أن ذلك مرتبط بالحلول السياسية المستقبلية».

أطفال يأكلون داخل خيمة في مدرسة تؤوي نازحين في حي الرمال بمدينة غزة يوم الأربعاء (أ.ف.ب)

لكنها تحدثت عن بعض الإيجابيات الناجمة عن فتح فروع البنوك، ومن بينها الإسهام في خفض نسبة العمولة بنحو 20 في المائة مما كانت عليه. كما أشارت إلى أن التطبيقات المصرفية الإلكترونية خففت أيضاً عن السكان خاصةً بعد فتح المعابر ودخول البضائع، حتى وإن كان بقدر أقل مما كان يدخل في مراحل سابقة.

ولفتت إلى غلو الأسعار عند الدفع عبر التطبيقات الإلكترونية، في حين تكون أهدأ عند السداد نقداً.

ملف إعادة الإعمار

ويقول مسؤول في أحد البنوك التابعة لسلطة النقد الفلسطينية إن القطاع المصرفي لا يدخر جهداً في مساعدة أهالي القطاع بالحد الأقصى من الإمكانيات المتاحة، لافتاً إلى أن تدمير معظم الفروع وتدمير بنيتها التحتية صعَّبا من مهمة عودة الحياة المصرفية إلى ما كانت عليه.

ولفت المسؤول، الذي فضَّل عدم الإفصاح عن هويته، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى صعوبة الأوضاع الأمنية، وانهيار البنية التحتية المصرفية من خزائن وأجهزة كمبيوتر وافتقار لخدمات الإنترنت والأجهزة المكتبية وغيرها، مما يحول دون قدرة البنوك على فتح نافذة للإيداع أو السحب.

وأعرب المسؤول عن أمله تحسن الواقع المصرفي تدريجياً خلال الفترة المقبلة، بما يتيح للسكان أقصى قدر ممكن من الخدمات؛، وأكد أن تطوير عمل البنوك مرتبط بملف إعادة الإعمار، مشيراً إلى الحاجة القصوى لإنشاء بنية تحتية جديدة.

نازحون إلى جوار منازلهم المدمرة في خان يونس بجنوب قطاع غزة يوم الأربعاء (إ.ب.أ)

ويصف الخبير الاقتصادي ماهر الطباع عودة بعض فروع البنوك إلى العمل بأنها «خطوة إيجابية بعد عامين من الحرب، تعرض خلالها القطاع المصرفي لعملية تدمير ممنهجة، وحصار من نوع آخر، بحرمان ومنع دخول وخروج السيولة النقدية لاستبدالها، إلى جانب تدمير مقاره وسرقتها وحرقها».

وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إسرائيل تفرض حصاراً مالياً على قطاع غزة بهدف التضييق على سكانه، ما زاد من الأزمات التي كان القطاع يعاني منها بالأساس منذ سنوات».

واستطرد قائلاً: «الخطوات الإسرائيلية المتخذة خلال الحرب تسببت بفقدان السيولة النقدية واهتراء العملات الورقية المتوفرة نتيجة عدم استبدالها بعملات جديدة، ما أفرز مشاكل وأزمات خانقة مثل عدم توفر الفكة، والسحب النقدي بعمولة أو فائدة مالية، وكلها أسباب أضافت على كاهل المواطنين أعباء اقتصادية جديدة».

وأشار إلى أن سلطة النقد حاولت خلال الفترة السابقة محاربة هذه الظاهرة، وأوقفت مئات الحسابات التي تتعامل بالعمولات والفوائد، لكن «عودة القطاع المصرفي للعمل بشكل طبيعي تحتاج إلى ضغوط دولية لتحسين واقع الحياة الاقتصادية».


مقالات ذات صلة

«تفاهمات» جديدة لـ«إعمار غزة» أمام الوسطاء

العالم العربي منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«تفاهمات» جديدة لـ«إعمار غزة» أمام الوسطاء

بدأ وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مناقشات دراسة أولية بشأن إعادة الإعمار في القطاع، في أعقاب تأخر عقد مؤتمر القاهرة بشأن التعافي المبكر.

محمد محمود (القاهرة)
المشرق العربي وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)

ساعر: «حماس» تحاول ترسيخ سيطرتها على غزة... ولن نقبل ذلك

قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، اليوم (الأحد)، إن حركة «حماس» الفلسطينية لا تعمل على نزع سلاحها.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري عناصر من «حماس» وأعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر وسط الأنقاض في مدينة غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري نزع سلاح «الخط الأصفر»... ورقة ضغط تهدد المرحلة الثانية من «اتفاق غزة»

ترقب جديد لتطورات مشاورات ستمتد لـ«أسابيع مقبلة» بين وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حسب مخرجات لقاء رباعي بمدينة ميامي الأميركية.

محمد محمود (القاهرة )
المشرق العربي عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل في خان يونس خلال عمليات البحث عن جثامين ضحايا الحرب على غزة يوم السبت (إ.ب.أ)

انهيار مبانٍ على رؤوس قاطنيها... أحد جوانب حرب غزة القاتمة

انهار 20 مبنى ومنزلاً على الأقل بمدينة غزة في غضون 10 أيام؛ ما تسبب بوفاة ما لا يقل عن 15 فلسطينياً، بينهم أطفال ونساء.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي أطفال ينتظرون الحصول على نصيبهم من الطعام بمخيم النصيرات في غزة (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: ندعو لدخول الإمدادات والمعدات الطبية الأساسية لغزة

رحب مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الأحد، بالتقدم الذي أُحْرِزَ بشأن المجاعة في غزة، لكنه أوضح أن هذا التقدم لا يزال هشاً للغاية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

لبنان: انطلاقة «غير آمنة» لمشروع «استعادة الودائع»

مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
TT

لبنان: انطلاقة «غير آمنة» لمشروع «استعادة الودائع»

مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)

عكستِ الاعتراضات على مشروع قانون استعادة الودائع المجمدة منذ عام 2019 في لبنان، انطلاقةً غير آمنةٍ له، إذ بدأتِ الحكومة بمناقشة المسودة، بالتزامن مع اعتراضات سياسية من قوى ممثلة بالحكومة وخارجها، وانتقادات عميقة من قبل «جمعية المصارف»، فضلاً عن تحركات شعبية نُظمت بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء.

وأكد الرئيس اللبناني جوزيف عون أنّه لا يقف مع أي طرف ضدّ آخر، وأنّ النقاش يجب أن يتم تحت قبة البرلمان، فيما دافع رئيس الحكومة نواف سلام عن المسودة، وشدّد على أنَّ مشروع قانون الفجوة المالية واقعي وقابل للتنفيذ، مؤكداً أنَّ أي تأخير في إقراره قد يضر بثقة المواطنين والمجتمع الدولي.

وبرزتِ اعتراضات قانونية على إدراج مواد ذات «مفعول رجعي» لضرائب واقتطاعات وتعديلات في القيم الدفترية للمدخرات المحوّلة بعد عام 2019، والعوائد المحصّلة على الودائع في سنوات سابقة.


مواجهات في حلب توقع قتلى وجرحى

نقل المصابين إلى مشفى الرازي  جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
نقل المصابين إلى مشفى الرازي جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
TT

مواجهات في حلب توقع قتلى وجرحى

نقل المصابين إلى مشفى الرازي  جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
نقل المصابين إلى مشفى الرازي جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)

قتل شخصان وأصيب 6 مدنيين بينهم امرأة وطفل بجروح جراء اشتباكات اندلعت في مدينة حلب شمال سوريا بين القوات الحكومية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تزامنت مع زيارة وفد تركي إلى دمشق، في وقت توشك مهلة تنفيذ بنود اتفاق 10 مارس (آذار) بين «قسد» والسلطات على الانتهاء.

وفي حين تبادل الطرفان الاتهامات بالتسبّب في اندلاع الاشتباكات، أفادت مصادر في واشنطن لـ«الشرق الأوسط»، بأن المبعوث الأميركي توم برّاك وقائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر، يجريان اتصالات لتهدئة الاشتباكات لمنع تصعيد يستفيد منه «داعش»، وقوى إقليمية معادية.

واتهمت أنقرة ودمشق «قسد» بالمماطلة في تنفيذ الاتفاقية الموقعة في 10 مارس الماضي، وأكدتا رفض أي محاولات للمساس بوحدة سوريا واستقرارها.

جاء ذلك في مؤتمر صحافي بدمشق ‌بعد محادثات بين وفد تركي رفيع المستوى ‌والرئيس السوري ​أحمد الشرع ‌ووزير الخارجية أسعد الشيباني وآخرين، وقال الشيباني إن دمشق لم تلمس «أي مبادرة أو إرادة جادة» من «قسد» لتنفيذ الاتفاق، لكنها اقترحت في الآونة الأخيرة عليهم طريقة أخرى لدفع العملية قدماً.


ائتلاف السوداني يطرح مبادرة لحسم رئاسة وزراء العراق

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
TT

ائتلاف السوداني يطرح مبادرة لحسم رئاسة وزراء العراق

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)

يعتزم ائتلاف «الإعمار والتنمية»، الذي يترأسه محمد شياع السوداني، رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية، طرحَ «مبادرة سياسية شاملة» لحسم منصب رئاسة الوزراء.

وذكر إعلام «تيار الفراتين»، الذي يتزعمه السوداني، في بيان، أمس، أنَّ ائتلاف «الإعمار» يعمل على «بلورة مبادرة سياسية متكاملة» تهدف إلى كسر حالة الانسداد السياسي، مشيراً إلى أنَّ تفاصيلها ستُطرح أمام قوى «الإطار التنسيقي» في اجتماعه المرتقب.

إلى ذلك، قال العضو في ائتلاف «الإعمار والتنمية» قصي محبوبة لـ«الشرق الأوسط» إنَّ «المبادرة ستكون عبارة عن شروط الائتلاف لاختيار رئيس الوزراء»، دون ذكر تفاصيل.

من ناحية ثانية، رحب مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلى العراق، في تدوينة عبر منصة «إكس» بإعلان بعض الفصائل المسلحة استعدادها لبحث نزع سلاحها، لكنَّه شدّد على «أن يكون نزع السلاح شاملاً، وغير قابل للتراجع».