لماذا تُولي مصر اهتماماً كبيراً بمشروع «تلال الفسطاط»؟

شهد زيارات متكررة لرئيس الحكومة

حدائق الفسطاط تطل على القلعة في القاهرة التاريخية (رئاسة مجلس الوزراء)
حدائق الفسطاط تطل على القلعة في القاهرة التاريخية (رئاسة مجلس الوزراء)
TT

لماذا تُولي مصر اهتماماً كبيراً بمشروع «تلال الفسطاط»؟

حدائق الفسطاط تطل على القلعة في القاهرة التاريخية (رئاسة مجلس الوزراء)
حدائق الفسطاط تطل على القلعة في القاهرة التاريخية (رئاسة مجلس الوزراء)

تولي مصر اهتماماً كبيراً بمشروع حديقة «تلال الفسطاط»، وسط القاهرة التاريخية، وقد شهد المشروع زيارات متكررة لرئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، وزيارات متتالية من وزير الإسكان المصري، شريف الشربيني، أحدثها السبت، للوقوف على آخر تطورات المشروع، فما سبب اهتمام مصر الكبير بحديقة تلال الفسطاط؟

المشروع الذي يقبع وسط القاهرة التاريخية على مساحة 500 فدان، أقيم في مكان كان يستخدم سابقاً مكباً للنفايات، إلا أن الحكومة المصرية سعت لتحويله إلى حديقة بمواصفات عصرية، وفي الوقت نفسه لتستفيد من الأماكن السياحية المحيطة به كوجهة للسياحة الثقافية.

وخلال زيارته الأحدث للمشروع، اطَّلع وزير الإسكان على مستجدات الموقف التنفيذي لعناصر ومكونات مشروع حدائق تلال الفسطاط، ونسب الإنجاز بالمنطقة الاستثمارية، ومنطقة النهر، ومنطقة المغامرة، والمنطقة التراثية، والتلال، وأعمال المسطحات الخضراء، ومختلف مكونات المشروع الأخرى، وفق بيان لوزارة الإسكان، السبت.

اهتمام مصري بحديقة تلال الفسطاط (رئاسة مجلس الوزراء)

ومشروع «حدائق تلال الفسطاط» بمنطقة مصر القديمة بمحافظة القاهرة، يجاور المتحف القومي للحضارة المصرية وبحيرة عين الصيرة ومجمع الأديان وجامع عمرو بن العاص.

وبحسب البيان، تنقسم منطقة التلال إلى 3 تلال متباينة الارتفاعات، يمر بينها الممر المائي (النهر)، وتتدرج في مجموعة من المصاطب، تبدأ من حافة النهر، وتنتهي حتى قمة التلة، حيث تجعل من قمة التلال مطلات على المشروع والمنطقة المحيطة وقلعة صلاح الدين والأهرامات. وتضم «تلة القصبة»، المنشأة على مساحة 13 ألف متر مربع، فندقاً سياحياً ومباني خدمية ومواقف سيارات وبحيرة صناعية، ومدرجات ومناطق جلوس مطلة على الشلال، وكوبرى مشاة للربط، وكافيتريا، وشلالاً، و«تلة الحفائر» الجاري العمل بها لتصبح مزاراً أثرياً متكاملاً للسياحة الثقافية، من خلال الكشف عن بقايا مدينة الفسطاط على مساحة نحو 47 فداناً، للوصول إلى التكوين المعماري للمدينة الأثرية وترميمها، فيما تضم «تلة الحدائق التراثية» مدرجات ومباني للزوار ومطاعم وبرجولة خشبية تطل على البحيرة.

وتابع وزير الإسكان، خلال جولته بالمشروع، موقف الأعمال بمنطقة الأسواق، التي تتضمن منطقة تجارية بمساحة 60 ألف متر مربع، بهدف تنشيط السياحة ودعم اقتصاد الدولة وتنشيط الحرف اليدوية والتراثية، وأبرزها أعمال الزجاج، والسيراميك، والشمع، والغزل والنسيج.

وعدّت أستاذة العمارة والتصميم العمراني بكلية الهندسة جامعة القاهرة، الدكتورة سهير زكي حواس، أن سبب الاهتمام الكبير بحديقة تلال الفسطاط يكمن في موقعها وسط مبانٍ تراثية وأماكن أثرية، هي عوامل للجذب السياحي.

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «محيط حديقة التلال الفسطاط يشمل القاهرة التاريخية، وهي منطقة مسجلة كآثار وتراث عالمي في اليونيسكو، وتتحول إلى منطقة جذب سياحي، بها مشروعات تطوير ومتاحف تم افتتاحها، مثل متحف الحضارة المصرية، بالإضافة إلى مشروعات سكنية أقيمت في النطاق لجذب فئات اجتماعية متميزة».

رئيس الوزراء في لقاء سابق بحديقة تلال الفسطاط (رئاسة مجلس الوزراء)

وقال رئيس الوزراء، في زيارة سابقة للحديقة، إن «هذا المكان هدية لكل المصريين بإنشاء أكبر حديقة مركزية على مستوى الشرق الأوسط، كما يتميز هذا المكان بالجمع بين الأصالة والحضارة، وحرصنا أن يكون طابع المباني في هذا المكان مستوحى من طابع الحضارة المصرية، فعلى بعد خطوات في جزء من هذه الحديقة، نجد متحف الحضارات، وجامع عمرو بن العاص، أول جامع ينشأ في قارة أفريقيا، وبجانبه مجمع الأديان والكنيسة المُعلقة، والمعبد اليهودي، لذلك نحن نتحدث عن منطقة ستكون بؤرة الحضارة والثقافة والترفيه لكل المصريين».

ولفتت أستاذة العمارة والتصميم إلى أن «حديقة عملاقة بهذا الشكل بها مشاريع ترفيهية وفنادق وما إلى ذلك من خدمات ستكون بمنزلة رئة جديدة للمنطقة بعيداً عن التلوث والزحام، فهي مفيدة جداً لاستثمار الفراغ العام المفتوح والمنسق، الذي يحتوي على عناصر جمالية وتراثية تدعمه كمقصد سياحي».

وأكّدت أن هذا المشروع يذكرنا بحديقة الأزهر التي استغرق إنشاؤها نحو 20 عاماً، فالحدائق تأخذ مسار نمو مختلفاً عن المسار العمراني، وأضافت أن «تلال الفسطاط تم إنجاز كثير من مراحلها، وأتمنى مراعاة المناطق الأثرية التي حولها والاستفادة منها، كعناصر مكملة للمشهد الجمالي، وإطلالة الحديقة كجزء من المشهد المتكامل بين الجديد والقديم».

وأشارت إلى أن المنطقة قبل 3 سنوات كانت تعاني من ظروف غير آدمية، وكانت تتجمع فيها المخلفات، وتم نقل الأهالي لأماكن آمنة، حتي هذه اللحظة فإن التكلفة التي أنفقتها الدولة على هذه المنطقة تجاوزت 10 مليارات جنيه، بما تضمنه ذلك من توفير السكن البديل، وأعمال البنية الأساسية ذات الحجم الكبير التي تم تنفيذها، إلى جانب إنشاء المباني التي ستستخدم في المشروعات الترفيهية.

وترى المتخصصة في العمارة والتراث، الدكتورة فاتن سليمان، أن «مشروع تلال الفسطاط من أهم المشروعات التي تقام في وسط القاهرة، ويعدّ متنفساً لأهالي القاهرة، خصوصاً أنه يقام على مساحة ضخمة نحو 500 فدان». وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ترجع أهمية المشروع إلى أنه يقع في واحدة من أهم المناطق التراثية في مصر، وأقدم العواصم الإسلامية لمصر، وهي منطقة الفسطاط، ويضم محيطه عدداً من المناطق الهامة، مثل متحف الحضارة المصرية وجامع عمرو بن العاص ومنطقة مجمع الأديان».

وأشارت إلى أن «التنوع الذي يشهده المشروع، وما يتضمنه من مناطق ترفيهية؛ مطاعم وفندق ومناطق ألعاب ومغامرات، يجعله ذا طابع استثماري يدرّ دخلاً على الدولة. وفي الوقت نفسه يكون متنفساً لأهالي القاهرة».


مقالات ذات صلة

مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

يوميات الشرق جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)

مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

تواصل مصر خطتها لإحياء وتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، وفق أحدث المعايير العالمية والدولية، مع العمل على وصلهما ببعضهما.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من حديقة المسلة بعد تطويرها (الهيئة المصرية للاستعلامات)

حديقة المسلة التراثية في حلة جديدة بالقاهرة الخديوية

اكتست حديقة المسلة التراثية بحي الزمالك، وسط العاصمة القاهرة، بحلة جديدة بعد تجديدها ضمن مشروع تطوير القاهرة الخديوية.

محمد الكفراوي (القاهرة)
صحتك نبتة صغيرة تظهر إلى جانب سرير داخل غرفة نوم (بيكسيلز)

ما أفضل 6 نباتات لتزيين غرفة النوم؟

يهوى الكثير من محبي النباتات والزراعة وضع بصمة خضراء داخل منازلهم؛ حيث لا يكتفون بالاهتمام بالأشجار والأزهار في الحدائق الخارجية أو الشرفات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق جزيرة النباتات بأسوان تضم العديد من الأشجار المعمرة (الشرق الأوسط)

مصر لتسجيل أشجارها النادرة والمعمرة تراثاً طبيعياً

ضمن مشروع لتوثيق الأشجار المعمرة والنادرة وحمايتها، تسعى مصر إلى إعداد سجل وطني لهذه الأشجار، في إطار جهود وزارة الثقافة للحفاظ على التراثين المادي وغير المادي.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق حدائق القناطر تشهد إقبالاً كبيراً خلال العيد (وزارة الري المصرية)

الحدائق النيلية تجتذب الآلاف في إجازة عيد الفطر بمصر

شهد العديد من الحدائق النيلية في القاهرة إقبالاً كبيراً خلال أيام عيد الفطر، وأعلنت وزارة الري المصرية عن تطوير العديد من الحدائق التابعة لها.

محمد الكفراوي (القاهرة )

«متحف باكثير»... يستعيد روائع الأديب اليمني الكبير برؤية معاصرة

العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
TT

«متحف باكثير»... يستعيد روائع الأديب اليمني الكبير برؤية معاصرة

العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)

استعاد العرض المسرحي «متحف باكثير» جانباً من روائع الأديب اليمني المصري علي أحمد باكثير في القاهرة، بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ115 لميلاده.

العرض الذي أُقيم على خشبة المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية، مساء الاثنين، كان ضِمن فعالية ثقافية وفنية عكست حضور اسمه المتجدد في الوجدان العربي، نظّمتها مؤسسة «حضرموت للثقافة» السعودية، بالشراكة مع «ضي للثقافة والإعلام».

لم تقتصر الاحتفالية، التي نُظّمت تحت عنوان «علي أحمد باكثير... 115 عاماً من التأثير»، على استدعاء السيرة الإبداعية للأديب الكبير، بل سعت إلى تحويل إرثه الأدبي إلى فعل حي على خشبة المسرح بوصفه أحد الفضاءات الأساسية التي شكّلت مشروعه الإبداعي، من خلال العرض الذي استمر لنحو 80 دقيقة، حيث قُدِّم من دراماتورج وإخراج أحمد فؤاد، برؤية تقوم على فكرة المتحف بوصفه مساحة جامعة، تتجاور فيها العصور والشخصيات والأفكار، وتتحول فيها النصوص الأدبية إلى لوحات حية نابضة بالحركة والصوت.

المخرج أحمد فؤاد قدّم العرض بصورة بصرية جذابة (الشركة المنتجة)

اعتمد العرض على استلهام عدد كبير من أعمال علي أحمد باكثير، التي تحولت عبر العقود إلى نصوص مسرحية وسينمائية مؤثرة، من بينها «وا إسلاماه» و«الشيماء»، إلى جانب مسرحيات مثل «جلفدان هانم» و«قطط وفئران» و«الحاكم بأمر الله»، وغيرها من الأعمال التي كشفت عن انشغاله الدائم بالتاريخ والهوية والإنسان.

ومن خلال هذا التنوع، تنقّلَ العرض بين العصور الفرعونية والإسلامية والحديثة، مستحضراً شخصيات تاريخية وأسطورية ومتخيلة، في معالجة درامية سعت إلى إبراز الأسئلة الكبرى التي شغلت الكاتب؛ من الحرية والعدل، إلى الصراع بين السلطة والضمير، وعبر فتاة شابة من جيل «زد» تدخل متحفاً يضم عدداً من الشخصيات التي قدّمها.

يقول أحمد فؤاد، مؤلف العرض ومُخرجه، لـ«الشرق الأوسط»، إن عرض «متحف باكثير» جاء انطلاقاً من إيمان عميق بأهمية إعادة تقديم أعمال علي أحمد باكثير بصيغة مسرحية معاصرة تتيح للجمهور، اليوم، الاقتراب من عالمه الفكري والإنساني دون حواجز زمنية، مشيراً إلى أن اختيار فكرة المتحف كان المدخل الأنسب للتعامل مع هذا الإرث المتنوع؛ نظراً لما تزخر به أعمال باكثير من شخصيات تنتمي إلى عصور وخلفيات مختلفة، من مصر القديمة، مروراً بالتاريخ الإسلامي، وصولاً إلى الشخصيات المتخيَّلة والمعاصرة.

وأضاف أن «العرض صُمِّم على هيئة قاعات متحفية متجاورة، ينتقل بينها المتفرج، بحيث تقوده الأحداث في مسار درامي واحد، تتقاطع داخله الشخصيات والأفكار، في محاولةٍ للكشف عن الخيط الإنساني المشترك الذي يربط هذه العوالم المتباعدة ظاهرياً».

العرض قُدّم على مدار 80 دقيقة على خشبة المسرح الكبير بالأوبرا (الشركة المنتجة)

وأوضح فؤاد أنه اعتمد في بناء العرض على دراسة وقراءة عدد كبير من نصوص باكثير، قبل الاستقرار على اختيار 12 نصاً مسرحياً كُثِّفت وأُعيدت صياغتها داخل بنية واحدة. وعَدّ «التحدي الأكبر تمثل في ضغط الزمن، ومحاولة تجميع هذا الكم من الأعمال في إطار جذاب بصرياً ودرامياً، دون الإخلال بالفكرة الأساسية لكل نص؛ لأن الهدف كان تقديم عرض نوعي، قريب من المتفرج، يُعيد طرح سؤال عن باكثير وقدرته المتجددة على مخاطبة الحاضر».

ووفق الناقد الفني المصري، محمد عبد الرحمن، فإن عنوان عرض «متحف باكثير» قد يوحي، منذ الوهلة الأولى، بطابع وثائقي تقليدي، إلا أن التجربة المسرحية جاءت مغايرة تماماً لهذا الانطباع، وقال، لـ«الشرق الأوسط»: «استطاعت التجربة أن تحصد إعجاب الجمهور بفضل طبيعتها المختلفة واعتمادها الواضح على الحركة فوق خشبة المسرح، كما أن تعدد الشخصيات وتنوعها، والتنقل بينها بسلاسة، منح العرض حيوية خاصة، وخلق حالة من التفاعل المستمر مع المتلقي، بعيداً عن الجمود أو السرد المباشر».

العرض نال إشادات من الحضور (الشركة المنتجة)

وأضاف عبد الرحمن أن «عناصر العرض الفنية جاءت متوازنة، إذ اتسم الحوار بالجاذبية والقدرة على الإمتاع دون إسهاب أو خطابية، مدعوماً بمتعة بصرية واضحة على مستوى الحركة والتشكيل المسرحي»، لافتاً إلى أن الموسيقى لعبت دوراً أساسياً في تكوين المناخ العام للعمل؛ لاعتمادها على إرث أعمال باكثير.

وخلال الاحتفالية أُعلن إطلاق جائزة سنوية تحمل اسم علي أحمد باكثير، تبلغ قيمتها 10 آلاف دولار أميركي، وتُمنح في مجالات عدّة تعكس تنوع تجربته الإبداعية، من بينها الشعر، والكتابة المسرحية، والرواية، والترجمة الأدبية، والنقد الأدبي، في خطوة تستهدف دعم الإبداع العربي وتشجيع الأصوات الجديدة، بجانب تكريم أسماء عدد من الفنانين الذين ارتبطت أعمالهم به، منهم أحمد مظهر، ولبنى عبد العزيز، وسميرة أحمد، وحسين رياض.


مطاعم أميركية تقدم وجبات أصغر لإرضاء مستخدمي علاجات إنقاص الوزن

لينا أكسماشر في مطعم «لو بوتي فيلاج» (أ.ف.ب)
لينا أكسماشر في مطعم «لو بوتي فيلاج» (أ.ف.ب)
TT

مطاعم أميركية تقدم وجبات أصغر لإرضاء مستخدمي علاجات إنقاص الوزن

لينا أكسماشر في مطعم «لو بوتي فيلاج» (أ.ف.ب)
لينا أكسماشر في مطعم «لو بوتي فيلاج» (أ.ف.ب)

لطالما كانت لينا أكسماشر من كبار مرتادي المطاعم في نيويورك إلى أن بدأت تتناول دواء «أوزمبيك» لإنقاص الوزن فلم يعد في وسعها تناول ما لذّ وطاب، غير أنها وجدت حلّاً لهذه المعضلة في مطاعم تقدّم وجبات أصغر تلبية لحاجات هذه الفئة من الزبائن.

وما زالت لينا السويدية الأصل والبالغة من العمر 41 عاماً تصرّ على «مخالطة الناس» وارتياد المطاعم، حتّى لو أنها لم تعد تأكل كالسابق.

وقد سهّل عليها أحد مطاعمها المفضّلة «لو بوتي فيلاج» (القرية الصغيرة) الأمر، وبات كمطاعم كثيرة غيره يقدّم وجبات بكمّيات أصغر وأسعار أقل.

ويعزى هذا القرار إلى الإقبال الكثيف الذي تشهده في الولايات المتحدة أدوية إنقاص الوزن الحديثة التطوير المستخدمة لمعالجة البدانة والسكّري.

وبحسب استطلاع أجراه مركز الأبحاث «كاي إف إف» المتخصّص في مسائل الصحة في نوفمبر (تشرين الثاني)، يلجأ أميركي واحد من كلّ ثمانية إلى هذه العلاجات المسوّقة تجارياً تحت أسماء «أوزمبيك» أو «ويغوفي» أو «مونجارو» والتي أوصت «منظمة الصحة العالمية» أخيراً بها.

والاثنين، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (إف دي إيه) على نسخة أولى بالأقراص من «ويغوفي» الذي يوفّر عادة كغيره من هذه العلاجات على شكل محلول قابل للحقن.

وبفضل هذه التقنية المتطوّرة التي تقوم على محاكاة عمل الهرمون الهضمي «جي إل بي-1» الضابط للشهيّة، فُتحت سوق لتلبية حاجات ملايين الأشخاص الراغبين في خسارة الوزن.

وقال أريستوتل هاتسييوريو الذي يملك خمسة مطاعم في نيويورك: «لاحظت أن الناس باتوا يأكلون كمّيات أصغر بكثير»، مخلّفين الكثير من الطعام في أطباقهم.

تقليص حجم الوجبات

وفي ظلّ هذه التغيّرات، بادر رجل الأعمال إلى تقليص حجم الوجبات مع كمّيات أصغر وعدد أقلّ من المأكولات والمشروبات.

وشهدت قوائم الأطعمة المقلّصة هذه نجاحاً كبيراً، بحسب هاتسييوريو، في أوساط مستخدمي علاجات إنقاص الوزن وأيضا الزبائن الراغبين في عدم دفع مبالغ كبيرة لتناول وجبات في المطاعم في مدينة معروفة بغلاء المعيشة الفاحش.

أطباق طعام في مطعم «لو بوتي فيلاج» (أ.ف.ب)

وما زال تناول «أوزمبيك» وغيره من العلاجات المخفّضة للوزن محدود النطاق في الولايات المتحدة بسبب الأسعار المرتفعة لهذه العقاقير. غير أنه من المتوقع أن تصبح هذه العلاجات ميسورة الكلفة على نحو متزايد، وقد تعهّد الرئيس دونالد ترمب شخصياً بذلك.

ويُحدث الاستخدام المتزايد لهذه العلاجات تحوّلاً في العادات الغذائية في البلاد، بحسب ماريون نستله اختصاصية علم التغذية في جامعة نيويورك التي قالت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «عندما يصبح الطعام الذي لطالما كان من أكبر ملذّات الحياة عدوّاً، تتغيّر المعادلة برمّتها».

«معجزات»

صحيح أن هذه العلاجات غالباً ما تترافق مع آثار جانبية، غير أنها أحدثت «معجزات» للبعض، بحسب نستله.

غير أن الأستاذة الجامعية حذّرت من أن الآثار بعيدة المدى لهذه المنتجات ليست معروفة بعد، سواء على الصعيد الجسدي أو الاجتماعي، إذ يشكّل الاستخدام الواسع النطاق لهذه العلاجات «تجربة بشرية كبيرة».

وأقرّت لينا أكسماشر بأنها تتوقّف أحيانا عن تناول «أوزمبيك» كي «تستمتع أكثر بالحياة». وقالت: «أريد أن أشعر بالجوع وأتناول ما يحلو لي».

وقد ساعدها تناول «أوزمبيك» على اكتساب عادات حميدة، مثل ممارسة الرياضة بوتيرة أكبر واستهلاك الكحول بكميّة أقلّ.

واعتبرت ماريون نستله أنه لا ضير في تقديم وجبات أصغر في الولايات المتحدة، بغضّ النظر عن العلاجات الرائجة لخفض الوزن.

وأكّد أريستوتل هاتسييوريو أن هذه الوجبات المقلّصة «قد تكون الأنسب حجماً» للزبائن.


«شتاء طنطورة»... تجربة ثقافية بين تاريخ العلا ومستقبلها الواعد

أهالي العُلا يحتفون بفعالية «الطنطورة» تقليداً ثقافياً ارتبط بتنظيم المواسم وبداية مربعانية الشتاء (واس)
أهالي العُلا يحتفون بفعالية «الطنطورة» تقليداً ثقافياً ارتبط بتنظيم المواسم وبداية مربعانية الشتاء (واس)
TT

«شتاء طنطورة»... تجربة ثقافية بين تاريخ العلا ومستقبلها الواعد

أهالي العُلا يحتفون بفعالية «الطنطورة» تقليداً ثقافياً ارتبط بتنظيم المواسم وبداية مربعانية الشتاء (واس)
أهالي العُلا يحتفون بفعالية «الطنطورة» تقليداً ثقافياً ارتبط بتنظيم المواسم وبداية مربعانية الشتاء (واس)

شتاء ثقافي يمدُّ جسوراً معرفية وإثرائية بين الماضي بقيمته الثمينة المحفورة على صخور العلا، والمستقبل الواعد الذي تتطلع إليه المدينة التاريخية، حيث تفتح أبوابها كل شتاء لتروي قصصها، وتكشف أسرارها.

الموسم الثقافي السنوي، الذي اختار اسم «شتاء طنطورة»، تستضيفه بلدة العلا القديمة في المدينة المنورة شمال غربي السعودية، وسُمّي هذا المهرجان الاستثنائي نسبة إلى «طنطورة»، الساعة الشمسية التقليدية في قلب البلدة القديمة، التي اعتمدها أهل العلا لمعرفة الوقت والاحتفال بدخول المربعانية وبداية موسم الزراعة.

تعامد ظل عمود من طين أمام حجر مغروس يحدث مرة واحدة سنوياً ولمدة وجيزة (واس)

يضم المهرجان سلسلة من الفعاليات والتجارب التي تحتفي بالتراث العريق، والثقافة المحلية الأصيلة، والفنون التقليدية، ويستقطب آلاف الزوار الذين يتدفقون لاكتشاف أسرار المواقع التاريخية التي تُمثِّل كُتباً مفتوحة على التاريخ الحي، بدءاً بالحِجر (مدائن صالح)، بمقابرها النبطية الضخمة المنحوتة في الصخر، منذ كانت عاصمة نبطية جنوبية، مروراً بالبلدة القديمة التي تظهر تطور العمارة المحلية، مروراً بوادي دادان عاصمة مملكتي دادان ولحيان، وصولاً إلى جبل عكمة المعروف بـ«المكتبة المفتوحة» وآلاف النقوش الأثرية المنتشرة فيه.

تقول أمل الجهني، إحدى رواة التاريخ في موقعي دادان وجبل عكمة، إن زوار العلا من داخل السعودية وخارجها لا تغادرهم الدهشة أبداً، ويعودون مراراً لاستكشاف مزيد من أسرارها وآثارها.

«الطنطورة»... تقليد يعكس دورة الحياة

برنامج ثقافي يعرض تنوّع الفنون والموروثات الشعبية ويعكس عمق ذاكرة المجتمع المحلي (واس)

وفي موعد يتكرَّر كل عام، التأم أهالي العلا، الاثنين، لإحياء تقليد ثقافي موروث، يعتمد على الساعة الشمسية التقليدية (مزولة)، أو ما يعرف بـ«الطنطورة» التي كانت تُحدِّد مواقيت الفصول ودخول المواسم الزراعية، حين كان أهالي وسكان العُلا قديماً يعتمدون عليها لتنظيم دورة العمل الزراعي وتنظيم الحياة اليومية.

عند تعامد ظل عمود من الطين يقف على أحد مباني البلدة القديمة أمام حجر مغروس في الأرض، وهو حدث يحدث مرة واحدة سنوياً ولمدة وجيزة، يعلن الأهالي رسمياً دخول مربعانية الشتاء في العلا، وهي فترة يشتد فيها البرد وتستمر 40 يوماً، ومن هنا جاء الاسم.

أمسيات مميّزة تتضمّن عروض فنية تراثية تقام طوال الموسم في البلدة القديمة (واس)

وعلى الرغم من التوقف عن استخدام الطنطورة أداة لضبط أوقات الحياة في الزمن المعاصر، بقي هذا التقليد مستمراً للاحتفاء بقيمته الثقافية والتاريخية لأهالي العلا، حيث تتهيأ الفرصة لاستعادة طيف من الماضي القديم بذكرياته وتفاصيله التي بقيت في ذاكرة الأجيال عبر العقود.

ليالي البلدة القديمة... فن وتراث

تُقدِّم ليالي البلدة القديمة أمسيات فنية وتراثية مميزة طوال موسم «شتاء طنطورة»، تقام بين البلدة القديمة وقلعة العلا التاريخية، وبين التكوينات الصخرية المذهلة خلف مدرّج البلدة القديمة، مع إطلالات ساحرة على قلعة العلا التي يعود تاريخها إلى القرن العاشر الميلادي، حيث يستمتع الزوار بعروض فنية مستوحاة من ذكريات البلدة القديمة وتراث واحة العلا العريق.

وفي داخل قلعة العلا التاريخية، تُحاكى أجواء احتفالات الأعراس التقليدية، مع إطلالات بانورامية على البلدة القديمة ليلاً، لتعكس الهوية الثقافية للعلا وثراءها الحضاري، وتمنح الزائر تجربة حيَّة في قلب المشهد التراثي للمكان.

العُلا تحتفي بفعالية «الطنطورة» ضمن تقليد ثقافي سنوي (واس)

على مسرح «ليالي البلدة القديمة»، يُنظَّم برنامج ثقافي متنوع يُبرز الفنون الشعبية والموروثات المحلية، ويعكس عمق الذاكرة الثقافية للمجتمع المحلي.

ولا تكتمل زيارة البلدة القديمة دون الجولات التفاعلية داخل 3 منازل مُرمَّمة، ومزوّدة بتقنيات سمعية وبصرية، لتسليط الضوء على العادات والتقاليد المحلية. تستعرض هذه الجولات محطات مميزة من حياة المجتمع المحلي، مثل مراسم الزواج، وذكريات الطفولة، وحكايات كبار السن الغنية بالحكمة، لتمنح الزائر تجربة ثقافية وإنسانية متكاملة.