مشروع قومي مصري لـ«ضبط النيل» بعد أزمة الفيضان الإثيوبي

يتضمن إنتاج خرائط رقمية حديثة لقاع النهر وجانبيه وفرعيه

«الهلال الأحمر المصري» في مهمة إنقاذ منازل وأرض مصرية غمرتها مياه فيضان النيل قبل نحو شهر (مجلس الوزراء المصري)
«الهلال الأحمر المصري» في مهمة إنقاذ منازل وأرض مصرية غمرتها مياه فيضان النيل قبل نحو شهر (مجلس الوزراء المصري)
TT

مشروع قومي مصري لـ«ضبط النيل» بعد أزمة الفيضان الإثيوبي

«الهلال الأحمر المصري» في مهمة إنقاذ منازل وأرض مصرية غمرتها مياه فيضان النيل قبل نحو شهر (مجلس الوزراء المصري)
«الهلال الأحمر المصري» في مهمة إنقاذ منازل وأرض مصرية غمرتها مياه فيضان النيل قبل نحو شهر (مجلس الوزراء المصري)

عقب أزمة الفيضان التي اتهمت مصر «سد النهضة» الإثيوبي بالتسبب فيها، أطلقت الحكومة المصرية مشروعاً قومياً يهدف إلى «ضبط مياه النيل»، يتضمن إنتاج خرائط رقمية لقاع النهر وجانبيه وفرعيه، ويهدف إلى تعزيز قدرته الاستيعابية، ومواجهة أي طوارئ، والتعامل مع حالات الفيضانات.

ودشّنت أديس أبابا مشروع «سد النهضة» في 9 سبتمبر (أيلول) الماضي، وسط اعتراضات من مصر والسودان للمطالبة باتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات «تشغيل السد»، بما لا يضرّ بمصالحهما المائية.

وبعد أيام من تدشين السد، غمرت مياه فيضان نهر النيل عدداً من المدن السودانية، كما شهدت قرى مصرية عدة -خصوصاً في محافظتَي البحيرة والمنوفية- ارتفاعاً غير مسبوق في منسوب مياه النهر، ما أدّى إلى غمر مساحات من أراضي طرح النهر والأراضي الزراعية، فضلاً عن تضرر عدد من المنازل. وأعلنت الحكومة المصرية آنذاك أن سوء إدارة «سد النهضة» كان وراء ما وصفته بـ«الفيضان المصطنع».

سد النهضة الإثيوبي بعد تدشينه (إ.ب.أ)

وخلال اجتماع بوزارة الموارد المائية والري المصرية، الثلاثاء، تحدّث الوزير هاني سويلم عن «المشروع القومي لضبط مياه النيل»، قائلاً إنه «يهدف إلى استعادة القدرة الاستيعابية لمجرى نهر النيل لضمان توفير الاحتياجات المائية المطلوبة للمنتفعين ومواجهة أي طوارئ، والتعامل مع حالات الفيضان».

وأوضح، في إفادة رسمية، أن المشروع «يتضمن إنتاج خرائط رقمية حديثة لقاع ونهر النيل وجانبيه وفرعيه، ورفع وحصر وتوثيق أراضي طرح النهر جنباً إلى جنب مع الأملاك العامة لنهر النيل».

ويتضمن المشروع، حسب إفادة «الري»، «حصر جميع أشكال التعديات على مجرى النهر باستخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل صور الأقمار الاصطناعية والتصوير الجوي والتطبيقات الرقمية، بما يمكّن مسؤولي الوزارة من تحديد مواقع التعديات بدقة، وحدود المنطقتين، المحظورة والمقيدة، على جانبي النهر»، وكذلك «التأكد من التزام الأفراد والمستثمرين بالاشتراطات الصادرة عن وزارة الموارد المائية والري فيما يخص الأعمال التي يتم تنفيذها على جانبي النهر، وتنفيذ أعمال التطوير لأي كورنيش أو ممشى طبقاً للنماذج التي وضعتها الوزارة من دون التأثير سلباً على القطاع المائي لنهر النيل».

وزير الري المصري الدكتور هاني سويلم خلال اجتماع مع قيادات الوزارة لمناقشة مشروع «ضبط مياه النيل» (وزارة الري المصرية)

ويأتي المشروع المصري وسط زيادة المخاوف من تأثيرات «سد النهضة»، وتكرار الفيضان الذي أثّر على مصر والسودان نتيجة تصريف المياه من «السد» الإثيوبي بكميات كبيرة.

وعقب الفيضان الإثيوبي، حمّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إثيوبيا مسؤولية ما وصفه بـ«الإدارة غير المنضبطة» لـ«سد النهضة»، مؤكداً أن «أديس أبابا أضرّت بدولتي المصب (مصر والسودان)».

وقال السيسي خلال «أسبوع القاهرة الثامن للمياه»، في الثاني عشر من الشهر الحالي: «مرّت أيام قليلة على بدء تدشين (السد) الإثيوبي، وثبت بالدليل الفعلي صحة مطالبتنا بضرورة وجود اتفاق قانوني وملزم لأطرافه لتنظيم تشغيل هذا (السد)».

وأضاف: «في الأيام القليلة الماضية، تسببت إثيوبيا من خلال (إدارتها غير المنضبطة للسد) في إحداث أضرار بدولتي المصب، نتيجة التدفقات غير المنتظمة التي جرى تصريفها دون أي إخطار أو تنسيق مع دولتي المصب».

وحسب وزير الري المصري، يتضمن «المشروع القومي لضبط نهر النيل» وفرعيه، 3 محاور هي: إنتاج خرائط رقمية حديثة لقاع نهر النيل وجانبيه وفرعيه، وحصر ورفع الأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف وأراضي طرح النهر، وإزالة التعديات التي تؤثر على تدفق المياه بنهر النيل».

متابعة مصرية يومية لتدفق مياه نهر النيل (وزارة الري المصرية)

وفي رأي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، يُحقق المشروع المصري أهدافاً مهمة للحفاظ على الموارد المائية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن المشروع «يُسهم في الحفاظ على مياه النيل من حيث الكمية والجودة، ويرفع ويعظم كفاءة استخدامها بأفضل الطرق، كما يُقلل هدر المياه ويرشّد استهلاكها».

وأكد «رغم امتلاء خزان بحيرة سد النهضة مجدداً، ليصل المخزون إلى نحو 64 مليار متر مكعب في الوقت الحالي، فإن مخاطر حدوث فيضان مرة أخرى خلال الموسم الحالي قلّت كثيراً، لأن كمية الأمطار التي تهطل على الهضبة الإثيوبية أصبحت أقل كثيراً، لكن المشكلة ستظل قائمة وأكثر خطورة في المواسم المقبلة».

وخلال مناقشة تفاصيل «ضبط مياه النيل»، أكّد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن المشروع يأتي «في إطار رؤية الدولة المصرية لحماية الموارد المائية وضمان استدامتها»، وقال في إفادة رسمية عقب اجتماعه مع وزير الري، الاثنين، «تأكيداً لأهمية نهر النيل في تحقيق الأمن المائي والتنمية المستدامة، جاءت الحاجة إلى تنفيذ مشروع يهدف إلى تطوير وتحسين إدارة مياهه».

ويرى المستشار الأسبق لوزير الري المصري، خبير المياه، الدكتور ضياء الدين القوصي، أن «استخدام التكنولوجيا سيُعزز قدرة مصر على إدارة مواردها المائية».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «تكنولوجيا المسح عن طريق الأقمار الاصطناعية لنهر النيل ومحيطه توفر معلومات وبيانات محدثة لحظياً، وتعطي إنذاراً مبكراً لأي مشكلة وقت حدوثها ليتم التعامل معها فوراً».


مقالات ذات صلة

وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

العالم العربي وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)

وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن بلاده لن تتساهل أو تتسامح مع أي مساس أو إضرار بمياه نهر النيل «الذي تعتمد عليه مصر اعتماداً كاملاً».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه

خاص وزير الخارجية المصري لـ«الشرق الأوسط»: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»

حاورت «الشرق الأوسط» وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي، بمكتبه بالعاصمة الإدارية الجديدة، حول عدد من الملفات التي تضطلع بها القاهرة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الري المصري هاني سويلم يتابع إجراءات تحديث مراكز التنبؤ والرصد في اجتماع الأربعاء (وزارة الموارد المائية والري المصرية)

تحديث مصري لنماذج التنبؤ ورصد المياه المقبلة من منابع النيل

تواصل الحكومة المصرية إجراءات متابعة تدفقات مياه نهر النيل بعد أن تعرضت أراضٍ زراعية للغرق خلال الأشهر الماضية.

أحمد جمال (القاهرة)
العالم العربي سد النهضة الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

«سد النهضة»: التصعيد المصري - الإثيوبي يتواصل ويفاقم التوترات

تصعيد متواصل بين مصر وإثيوبيا بشأن نزاع «سد النهضة»، وسط تحذيرات من تفاقم التوترات.

أحمد جمال (القاهرة)
شمال افريقيا سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

صعّدت إثيوبيا لهجتها ضد مصر على خلفية نزاع «سد النهضة» متهمة إياها بالسعي إلى «احتكار نهر النيل» استناداً لاتفاقيات أُبرمت خلال «حقبة استعمارية».

أحمد جمال (القاهرة)

وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
TT

وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)

قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن بلاده لن تتساهل أو تتسامح مع أي مساس أو إضرار بمياه نهر النيل «الذي تعتمد عليه مصر اعتماداً كاملاً».

وأضاف عبد العاطي في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية جنوب السودان مونداي سيمايا كومبا أن مصر ليست لديها أي مشكلات مع دول حوض النيل «باستثناء دولة واحدة في حوض النيل الشرقي»، في إشارة إلى إثيوبيا.

وافتتحت إثيوبيا في سبتمبر (أيلول) الماضي «سد النهضة» الضخم على نهر النيل الذي بدأت تشييده في 2011، وهو مشروع بلغت تكلفته مليارات الدولارات، وتعدّه مصر تهديداً لحقوقها التاريخية في مياه أطول أنهار أفريقيا.

من جانب آخر، قال وزير الخارجية المصري إنه ناقش مع نظيره في جنوب السودان أهمية الوصول إلى تهدئة في السودان، والتوصل لهدنة إنسانية وإطلاق عملية سياسية شاملة.

ويخوض الجيش السوداني حرباً ضد «قوات الدعم السريع» منذ أبريل (نيسان) 2023 أشعلها صراع على السلطة خلال مرحلة انتقالية كان من المفترض أن تفضي إلى إجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني.


مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
TT

مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)

سجَّلت تحويلات المصريين في الخارج «رقماً قياسياً» جديداً خلال الأشهر الـ10 السابقة، مقتربة من الـ34 مليار دولار (الدولار نحو 48 جنيهاً)، بنسبة زيادة 42.8 في المائة عن الفترة نفسها من عام 2024، وبينما تحتفي الحكومة والبنك المركزي، بزيادة التحويلات التي تعدّ أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في البلاد، يرى خبراء أنها «تظل غير كافية لسد احتياجات الدولة من النقد الأجنبي».

ووجَّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الحكومة والبنك المركزي إلى زيادة الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة خلال الفترة المقبلة، خلال اجتماع مع رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، ومحافظ البنك المركزي حسن عبد الله، ووزير المالية أحمد كجوك، الأحد.

ووفق عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب محمود الصعيدي، فإن «أي زيادة في تحويلات المصريين بالخارج تعني زيادة موارد الدولة من العملة الصعبة، ما يمكِّنها من زيادة احتياطاتها من النقد الأجنبي، الذي وصل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى 50.215 مليار دولار».

وأشار الصعيدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «مصادر النقد الأجنبي الأخرى وهي السياحة، وقناة السويس، والاستثمار، والتصدير تشهد تحسناً هي الأخرى».

مؤتمر مصري يستعرض جهود الدولة في رعاية أبنائها بالخارج... أغسطس الماضي (وزارة الخارجية المصرية)

ووفق البنك المركزي، حقَّقت تحويلات المصريين العاملين بالخارج «تدفقات قياسية خلال الأشهر الـ10 الأولى من عام 2025، خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول)، لتسجِّل نحو 33.9 مليار دولار، مقابل نحو 23.7 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق».

وأضاف البنك المركزي، في بيان الأحد، «على المستوى الشهري، ارتفعت التحويلات خلال شهر أكتوبر 2025 بمعدل 26.2 في المائة، لتسجل نحو 3.7 مليار دولار، مقابل نحو 2.9 مليار دولار خلال شهر أكتوبر 2024».

وبينما يعدّ النائب البرلماني زيادة تحويلات المغتربين إنجازاً يُحسب للحكومة، التي «استطاعت القضاء على السوق السوداء، وأصبحت تحويلات المصريين بالخارج تتدفق عبر القنوات الرسمية»، يشكك خبيرا الاقتصاد خالد الشافعي ووائل النحاس في «قدرة هذه التحويلات على سد احتياجات الدولة من العملة الصعبة».

واتخذت الحكومة في مارس (آذار) 2024، قراراً بتعويم الجنيه، ارتفع بموجبه سعر الدولار رسمياً في البنوك إلى 50 جنيهاً بعدما كان يسجل نحو 30 جنيهاً، وانعكس ذلك على تحجيم السوق السوداء للعملة الصعبة.

ويرى الشافعي أن زيادة تحويلات المصريين تظل دون المأمول، وغير قادرة هي أو المصادر الأخرى للدولار على سد احتياجات مصر من العملة الصعبة، «ما دام هناك دين على الدولة، وعجز في الموازنة العامة، فذلك يعني أن الأزمة ما زالت قائمة».

وارتفع الدين الخارجي لمصر بنحو 6 مليارات دولار منذ بداية 2025، ليصل إلى 161.2 مليار دولار في نهاية الرُّبع الثاني من العام، أي يونيو (حزيران) الماضي، وفق بيانات رسمية.

وزير العمل المصري يلتقي الجالية المصرية في إيطاليا خلال زيارته... ديسمبر 2025 (وزارة العمل المصرية)

يتفق معه الخبير الاقتصادي وائل النحاس، قائلاً إن «تحويلات المصريين في الخارج تحقق نوعاً من الوفرة في المعروض النقدي بالسوق المصرية، تكفي لسد فوائد الدين، لكن لا تكفي لسد أصل الدين، أو تقلل حجم الأزمة الاقتصادية، التي تحتاج إلى زيادة موارد الدولة الدولارية التي تقوم بالأساس على نشاط خاص بها مثل عوائد قناة السويس، أو تصدير معادن وغيرها، أو نتاج صناعة وطنية».

وعدّ النحاس أن «البيانات الرسمية مرة تتحدث عن التحويلات بالسنة المالية، وأخرى بالسنة الميلادية، في محاولة للتركيز على هذه الزيادات بوصفها إنجازاً».

ويتساءل النحاس: «بالنظر إلى عدد المصريين العاملين في الخارج لو قدرناه بـ10 ملايين مصري، فيعني أن متوسط التحويل من كل مصري شهرياً نحو 300 دولار، والتي يحولها عادة لأهله في الداخل، فأين ادخارات هؤلاء؟»، مشيراً إلى أن «حجم التحويلات مقارنة بأعداد المصريين يكشف عن أن جزءاً منهم ما زال يفضِّل قنوات أخرى لادخار أمواله».

ويوجد أكثر من 11 مليون مصري في الخارج حتى عام 2022، وفق الجهاز المركزي للإحصاء.

أما الشافعي، فيرى أن الحكومة تحتاج إلى العناية بملف المغتربين بصورة أكبر، سواء من خلال طرح أوعية ادخارية واستثمارية لاجتذابهم بعوائد مرتفعة، أو تقديم تسهيلات على الاستثمار وفتح مشروعات متوسطة وصغيرة، بالإضافة إلى العمل على زيادة أعدادهم ومعها زيادة الموارد الدولارية.

وظهرت توجهات حكومية لافتة خلال الشهور الماضية لفتح أسواق عمل للعمالة المصرية، حيث زار وزير العمل المصري محمد جبران قبل يومين إيطاليا «لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات التشغيل، والتدريب المهني، ونقل العمالة»، وفق بيان للوزارة. ويرى الشافعي أن هذا التوجه «جاء متأخراً».

وزير الخارجية المصري خلال اجتماع مع وفد للجالية المصرية في اليونان (وزارة الخارجية)

ويقول الشافعي: «غالبية المصريين في الخارج سافروا بجهودهم الشخصية، ولم تعمل الحكومة سابقاً بشكل فعال في هذا الملف»، مطالباً بإنشاء مراكز تأهيل للمصريين الذين يرغبون في العمل بالخارج بداية من العامل، وحتى رئيس مجلس الإدارة، والعلماء، وفتح أسواق لهذه العمالة. وعلق: «وقتها ستقفز التحويلات إلى 100 مليار دولار وأكثر وليس فقط 39».

ويتخوف النحاس من أن «زيادة تحويلات المغتربين وموارد السياحة وكلها موارد رغم أهميتها في تحقيق وفرة دولارية في السوق، لكنها تظل غير متينة، وقابلة لأن تشهد هزات في أي وقت، ومعها عودة أزمة العملة الصعبة».

بالتزامن، وجَّه الرئيس المصري الحكومة، الأحد، إلى «تسريع مسار الاستدامة المالية، وتعزيز الانضباط المالي، وتحسين هيكل المديونية، والتركيز على زيادة مستويات الاحتياطي من النقد الأجنبي».


«النواب» المصري يغادر القاهرة نهائياً إلى العاصمة الجديدة

مجلس النواب المصري الجديد في العاصمة الإدارية (مجلس النواب)
مجلس النواب المصري الجديد في العاصمة الإدارية (مجلس النواب)
TT

«النواب» المصري يغادر القاهرة نهائياً إلى العاصمة الجديدة

مجلس النواب المصري الجديد في العاصمة الإدارية (مجلس النواب)
مجلس النواب المصري الجديد في العاصمة الإدارية (مجلس النواب)

ودّع مجلس النواب المصري مقره التاريخي في قلب القاهرة نهائياً، بعد أن ظل على مدى نحو 160 عاماً شاهداً على تحولات سياسية وتاريخية مفصلية في مصر. وانتقل المجلس بكامل موظفيه إلى مقرّه الجديد بالعاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة)، ليُسجل مرحلة جديدة من عمر الحياة البرلمانية المصرية، بحسب مراقبين.

وبدأت أمانة مجلس النواب وكامل الموظفين مباشرة أعمالهم في مقرهم الجديد، الأحد، بعد أن غادر آخر موظف المبنى القديم يوم الخميس الماضي، في حين أشار المستشار أحمد عزت مناع، الأمين العام لمجلس النواب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قرار تخصيص أصول المبنى القديم لمجلس النواب متروك للدولة المصرية واستراتيجيتها في هذا الشأن، ولم يتم الإعلان عنه بعد».

وكان مجلس النواب عقد أولى جلساته التجريبية بمقره الجديد في أبريل (نيسان) 2024، ألقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمة خلال مراسم أداء اليمين الدستورية لرئاسته لفترة جديدة. في حين لا يزال مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) يواصل انعقاده داخل المبنى التاريخي بوسط القاهرة، وفق مناع.

السيسي يلقي كلمة بمقر مجلس النواب الجديد في أبريل 2024 (الرئاسة المصرية)

وتقول الحكومة المصرية إن «هذا الانتقال تتويج لجهود استمرت عقوداً لتحديث البنية البرلمانية في مصر وتوفير بيئة عمل متكاملة تتواكب مع التطور العمراني للعاصمة الجديدة».

ومع ذلك تبقى أنظار مصريين معلقة بالمبنى القديم لمجلس النواب، الذي يصفه الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، بأنه «شاهد عيان وسجل تاريخي حيّ».

ويبرز عفيفي لـ«الشرق الأوسط» ارتباط هذا المبنى بـ«تطور الحياة البرلمانية في مصر منذ عهد الأسرة العلوية، ونشأة مجلس شورى النواب كأول برلمان مصري عام 1866، مروراً بمجلس النواب، ثم مجلس الأمة بعد ثورة يوليو (تموز)، وصولاً إلى مجلس الشعب في عهدَي الرئيسين السابقين أنور السادات وحسني مبارك، ثم مجلس النواب بصيغته الحالية».

ويضيف: «المبنى لم يكن مجرد مقر إداري، بل عاصر تحولات تاريخية وسياسية وتشريعية كبرى، وشكّل محطة مهمة في رسم ملامح النظام النيابي عبر عقود متتالية».

ويقع المبنى التاريخي في «شارع قصر العيني» بوسط القاهرة، وكان مخصصاً في البداية لنظارة الأشغال العمومية، واستضاف أول اجتماع رسمي لمجلس شورى القوانين والجمعية التشريعية في 26 ديسمبر (كانون الأول) 1881.

ويعد مبنى مجلس النواب بالعاصمة الإدارية الجديدة من أكبر مقار البرلمانات في الشرق الأوسط؛ إذ أقيم على مساحة 26 فداناً (109 آلاف م²). وتتسع القاعة الرئيسية لـ1000 عضو، وتعلوه قبة بارتفاع 65 متراً وقطر 55 متراً.

ويتكون المبنى من ثلاثة أجنحة رئيسية، ويضم قاعات استماع، ومركزاً إعلامياً، ومركز معلومات وتدريب، ومباني خدمية تشمل مركزاً طبياً وشرطة ومسجداً وإطفاء.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال جلسة تأدية اليمين الدستورية بمقر مجلس النواب الجديد في أبريل 2024 (الرئاسة المصرية)

ويتزامن الانتقال مع قرب إسدال الستار على أطول وأكثر انتخابات نيابية جدلاً في تاريخ مصر الحديث؛ إذ تستعد الهيئة الوطنية للانتخابات لإجراء إعادة لانتخابات 49 دائرة، سبق أن جرى إلغاء نتائجها بسبب أحكام قضائية أو قرار من الهيئة الوطنية للانتخابات نتيجة «مخالفات وشبهات تزوير»، في حين يُنتظر إعلان النتائج النهائية يوم 10 يناير (كانون الثاني) المقبل.

وتُجرى جولة الإعادة لـ30 دائرة سبقت إعادة الانتخابات فيها عقب إلغائها في المرحلة الأولى، على أن تُجرى خارج مصر يومَي 31 ديسمبر الحالي و1 يناير المقبل، في حين ستُجرى داخل البلاد يومَي 3 و4 يناير.

أما بالنسبة لـ19 دائرة سبق أن أعيد الاقتراع فيها بعد إلغاء نتائجها، فهي موزعة على 7 محافظات، وتتنافس على 35 مقعداً برلمانياً، وستُجرى انتخاباتها خارج مصر يومَي 24 و25 ديسمبر، وداخل البلاد يومَي 27 و28 ديسمبر.

كما يترقب مرشحون برلمانيون خاسرون وأنصارهم قرار المحكمة الإدارية العليا بجلسة الاثنين، للفصل في 32 طعناً على نتائج 30 دائرة انتخابية أعيد التصويت فيها بعد إلغاء نتائجها ضمن المرحلة الأولى من الانتخابات.