«داء الكلب» يفتك باليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين

عودة «بق الفراش» إلى صنعاء بعد عقود من اختفائها

مشرفو النظافة الحوثيون يلجأون إلى ابتزاز السكان مقابل التخلص من الكلاب (إعلام حوثي)
مشرفو النظافة الحوثيون يلجأون إلى ابتزاز السكان مقابل التخلص من الكلاب (إعلام حوثي)
TT

«داء الكلب» يفتك باليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين

مشرفو النظافة الحوثيون يلجأون إلى ابتزاز السكان مقابل التخلص من الكلاب (إعلام حوثي)
مشرفو النظافة الحوثيون يلجأون إلى ابتزاز السكان مقابل التخلص من الكلاب (إعلام حوثي)

يواجه اليمنيون في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية مخاطر صحية متزايدة في ظل انتشار عدد من الأمراض والأوبئة بفعل الإهمال والانتشار الواسع لمسبباتها من الحشرات والحيوانات، حيث توفي خلال الشهر الحالي 5 أطفال في العاصمة المختطفة صنعاء ومحافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء) متأثرين بداء الكَلب.

وبينما تحدثت تقارير طبية صادرة عن جهات صحية تسيطر عليها الجماعة الحوثية عن وفاة 3 أطفال في ذمار متأثرين بداء الكلب، ذكرت مصادر طبية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن طفلين توفيا خلال الأسبوع الماضي بعد أسابيع من تعرض أحدهما لعضة كلب والآخر لخدوش تسببت بها قطة ضالة.

وبينت المصادر أن والد أحد الطفلين لجأ إلى مستشفى عمومي، وطلب حصول نجله على المصل المضاد لداء الكلب، غير أن الأطباء أبلغوه بعدم توفره، وحاولوا طمأنته بأن القطة لا تتسبب بهذا المرض، وأن الخدوش التي تسببت بها غير غائرة ولا يمكن أن تنقل أي فيروس.

وفي الحالة الثانية، وبحسب نفس المصادر، عجزت عائلة الطفل، الذي تعرض لعضة كلب ضال، عن الحصول على المصل المضاد للمرض بسبب عدم توفره في المستشفيات، ومساومتها بتوفيره مقابل مبلغ مالي كبير يصل إلى قرابة 225 دولاراً (120 ألف ريال حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار يساوي 535 ريالاً).

من تشييع طفل توفي بعد أسابيع من إصابته في هجوم كلب عليه في صنعاء (فيسبوك)

ولم تتمكن العائلة من الحصول على المصل- بحسب المصادر - إلا بعد عدة أيام، وحينها كانت أعراض المرض بدأت بالظهور على الطفل.

كما شهدت مدينتا صنعاء ومعبر التابعة لمحافظة ذمار مطلع الشهر الحالي وفاة طفلين آخرين بعد تعرضهما لعضّات كلاب يُعتقد أنها مسعورة، في وقت تتزايد فيه التحذيرات من انتشار الكلاب والحيوانات الضالة في مختلف المناطق والأحياء في المدن والأرياف، وغياب دور الجهات الرسمية الخاضعة للجماعة الحوثية في مكافحتها.

كما توفي طفل الشهر الماضي في صنعاء بعد عض كلب له، ولم يعط له المصل المضاد للمرض بسبب ادعاء مالك الكلب بحصول كلبه على لقاح.

إهمال وابتزاز

أعلن مستشفى عمومي في ذمار عن تسجيل وفاة 3 أطفال بداء الكلب خلال الفترة من مطلع العام الحالي، وحتى نهاية أغسطس (آب) الماضي، مع تحذيرات من تفاقم الوضع.

تجمعات كبيرة للكلاب في أحياء وشوارع صنعاء تثير فزع السكان (فيسبوك)

وقال مدير المستشفى الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية إن المحافظة تسجل أكثر من 400 حالة عض شهرياً.

وكشفت مصادر محلية مطلعة في صنعاء عن ممارسات ابتزاز تلجأ إليها تلك الجهات في حال طلب منها السكان مواجهة تزايد أعداد الكلاب وهجومها عليهم وأطفالهم وعائلاتهم، وتعرض أشخاص للعض.

وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن المشرفين الحوثيين على النظافة والتحسين في صنعاء يفرضون على أهالي أي حارة تطلب تخليصها من الأعداد المتزايدة من الكلاب مبالغ مالية كبيرة تصل في بعض الأحيان إلى قرابة ألف دولار (500 ألف ريال يمني).

وقالت المصادر إن سكان حارة في جنوبي صنعاء جمعوا قرابة 500 دولار (250 ألف ريال) بحسب طلب أحد مشرفي النظافة والتحسين، ليفاجأوا بطلبه زيادة تقدر بـ 100 دولار (50 ألف ريال) بسبب تأخرهم في جمع المبلغ الذي طلبه، مع تحذيرهم بأن تأخرهم مرة أخرى سيتسبب بغرامة أخرى.

التسميم هو الوسيلة الوحيدة المتبعة لمكافحة انتشار الكلاب في صنعاء (فيسبوك)

وانتقدت مصادر أخرى طرق الجماعة الحوثية في مكافحة انتشار الكلاب، محذرة من لجوئها إلى استخدام السم، والذي لا تعد نتائجه مضمونة، لكون بعض الكلاب تشعر بتحسس سريع للسموم التي يجري تقديمها لها، فلتجأ إلى لفظ المأكولات التي تم دس السم فيها، وهو ما يعرض حيوانات أخرى مثل الماشية لتناولها.

ونبهت إلى أن الكثير من الكلاب تتفرق بعد تجمعها لتناول الأطعمة المسمومة التي قُدِّمت لها، وتموت في مناطق وشوارع وأزقة متفرقة، ولا تجد من ينتشلها، مما يعرض السكان للمزيد من المخاطر الصحية والبيئية عند تحلل جثثها.

واستغربت من عدم امتلاك هذه الجهات لوسائل مكافحة الكلاب الضالة، واكتفائها بعمليات التسميم التي لا تعد وسيلة مهنية، وتفتقر للمسؤولية الأخلاقية والإنسانية.

وأشارت إلى أن صناديق النظافة لا تعمل على تنظيف الشوارع من القمامة والنفايات التي تتجمع الكلاب حولها، برغم فرضها جبايات كبيرة على مختلف الأنشطة التجارية وحتى البنايات السكنية.

الكلاب في مدينة يريم التابعة لمحافظة إب تجبر العائلات على منع أطفالها من الخروج (فيسبوك)

أما الجهات الصحية التي تسيطر عليها الجماعة، فهي لا تؤدي أي أدوار من شأنها مواجهة انتشار السعار بين الكلاب، وعلى رأس ذلك تنفيذ حملات التطعيم للحد من انتشار المرض، كما تشير المصادر.

بعثة البق

في غضون ذلك انتشرت حشرة بق الفراش المعروفة محلياً باسم «الكتن» في العديد من أحياء صنعاء خلال الأشهر الماضية الأيام الماضية، وتسببت في بث القلق بين السكان من مخاطرها الصحية والبيئية.

وطبقاً لشهادات السكان، اضطرت العشرات من المساجد إلى الإغلاق وتوقفت العديد من المقاهي عن استقبال الزبائن لحين الانتهاء من أعمال التنظيف أو استبدال الأثاث بسبب الانتشار المهول للحشرة، بعد تعرض العشرات للسعاتها المسببة للألم الشديد.

ويربط اليمنيون عهود حكم أسلاف الحوثيين (الأئمة) قبل الثورة عليهم في ستينيات القرن الماضي، بانتشار هذه الحشرة، ويطلقون عليها «عهود الكتن» في إشارة إلى الأوضاع المعيشية والصحية الصعبة التي عاشها أجدادهم، وبعد زوال ذلك الحكم بسنوات اختفت هذه الحشرة تدريجياً، وطوال عقود أصبحت مجرد ذكرى حتى عادت للانتشار أخيراً.

تراكم النفايات أحد أهم أسباب انتشار وتجمع الكلاب في الأحياء السكنية (فيسبوك)

واضطر السكان في الأحياء الواقعة جنوبي صنعاء إلى التخلص من أثاث منازلهم أو إتلافها بعد عجزهم عن التخلص من هذه الحشرة التي تتكاثر بسرعة في طيات الملابس وثنيات الفراش وتحت الوسائد، في حين لم تقدم الجماعة الحوثية أي مساعدات للتخلص منها.

كما لم تقدم الجهات الصحية والبيئية التي يديريها الحوثيون أي بيانات أو توجيهات للسكان بشأن مواجهة هذه الحشرة، خصوصاً وأن انتشارها طارئ على السكان، ويلجأ الكثير منهم إلى استخدام مبيدات حشرية تشكل خطراً عليهم.

ومن المرجح أن تتسبب هذه الحشرة بالعدوى الجلدية الناتجة عن بكتيريا ثانوية وطفح جلدي وحكة وردود فعل تحسسية إلى جانب المشكلات النفسية مثل القلق والاكتئاب واضطرابات النوم.


مقالات ذات صلة

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

الخليج أسرى يلوِّحون بأيديهم لدى وصولهم إلى مطار صنعاء في عملية تبادل سابقة (أرشيفية- رويترز)

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن أطراف النزاع في اليمن اختتمت، الثلاثاء، اجتماعاً استمر 11 يوماً في سلطنة عمان.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تشييع قيادي حوثي توفي بشكل غامض في إب وسط تكهنات باغتياله جراء خلافات مالية (إعلام حوثي)

الانفلات الأمني يفتك بمناطق سيطرة الحوثيين

تشهد مناطق سيطرة الجماعة الحوثية تسارعاً غير مسبوق في الإعدامات الميدانية للمدنيين، وعلى خلفيات مناطقية، وتسبب الانفلات الأمني في حوادث اغتيال عدد من القيادات

وضاح الجليل (عدن)
مسلح حوثي يراقب تجمعاً لرجال القبائل في صنعاء (إ.ب.أ)

انفلات الثأر القبلي يكشف زيف مزاعم الحوثيين باحتواء الصراعات

تصاعدت حوادث الثأر والعنف القبلي في مناطق الحوثيين على الرغم من ادعاءاتهم تبني سياسات للصلح وإنهاء النزاعات التي يستغلونها لتعزيز نفوذهم وجني مزيد من الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي دعا عدد من السفراء الأجانب لخفض التصعيد وتسوية الخلافات بالحوار في اليمن (السفارة البريطانية)

دعوات دولية لخفض التصعيد وتسوية الخلافات بالحوار في اليمن

العليمي:«الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي تمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية وتهديداً مباشراً لوحدة القرار الأمني، والعسكري».

عبد الهادي حبتور (الرياض)

صراع حوثي على موارد الصحة يُفاقم معاناة المرضى

مبنى المستشفى الجمهوري الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى المستشفى الجمهوري الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
TT

صراع حوثي على موارد الصحة يُفاقم معاناة المرضى

مبنى المستشفى الجمهوري الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى المستشفى الجمهوري الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)

تفاقمت معاناة المرضى في العاصمة اليمنية المختطفة، صنعاء، مع استمرار التوقف شبه الكلي للعمل في هيئة المستشفى الجمهوري، ثاني أكبر المستشفيات الحكومية في العاصمة؛ نتيجة احتدام الصراع الداخلي بين قيادات الجماعة الحوثية على المناصب وتقاسم الإيرادات، وفق ما كشفته مصادر طبية لـ«الشرق الأوسط».

وأدى هذا الصراع إلى شلل واسع في الخدمات الصحية؛ ما يحرم مئات المرضى يومياً من الحصول على الرعاية والعلاج، وسط اتهامات متكررة للجماعة بتسخير خدمات المستشفى، وغيره من المرافق الصحية، لمصلحة أسر قتلاها وجرحاها العائدين من الجبهات.

وأفادت المصادر بأن النزاع يتجدَّد بين قيادات حوثية تدير ما تُسمى «هيئة الزكاة»، وأخرى في وزارة الصحة التابعة للحكومة غير المعترف بها، على خلفية تعيينات إدارية داخل المستشفى، ومحاولات فرض نفوذ على إدارته وموارده. وأكدت أن هذا الصراع انعكس بصورة مباشرة على مستوى الخدمات، التي تراجعت إلى حدٍّ وصفه العاملون بأنه «الأسوأ منذ سنوات».

ودقَّت مصادر عاملة في هيئة المستشفى الجمهوري ناقوس الخطر للمرة الثالثة خلال فترة وجيزة، محذِّرة من استمرار توقف معظم الخدمات الطبية المقدَّمة للمرضى؛ بسبب ما وصفتها بـ«تدخلات خارجية» في شؤون المستشفى، والسعي إلى إجراء تغييرات إدارية جديدة، تشمل استبدال كادر طبي يفتقر للخبرة والكفاءة بآخر مؤهَّل.

مرضى ومراجعون أمام مركز الطوارئ التابع للمستشفى الجمهوري في صنعاء (فيسبوك)

وأوضح عاملون في القطاع الصحي لـ«الشرق الأوسط» أن المستشفى، الذي ظلَّ لسنوات يقدِّم خدماته حتى في أقسى ظروف الحرب، بات اليوم شبه عاجز عن العمل، ولا يستطيع توفير أبسط الاحتياجات من أدوية ومستلزمات طبية للمرضى الوافدين إليه من صنعاء ومناطق مجاورة.

وحذَّروا من أن استمرار الخلاف قد يقود إلى شلل كامل في عمل المستشفى، محمِّلين الجماعة الحوثية مسؤولية تحويل مؤسسة خدمية حيوية إلى ساحة صراع على النفوذ والإيرادات.

اتهامات بالفساد

كانت «هيئة الزكاة» الحوثية، وهي الجهة التي تقدِّم جزءاً من التمويل للمستشفى، قد طالبت في وقت سابق بإقالة مدير المستشفى، محمد جحاف، متهمةً إياه بالفساد والاستئثار بالمناصب. غير أن وزير الصحة في الحكومة غير الشرعية رفض مطلب الإقالة، ما صعَّد من حدة الصراع بين الجناحَين، وألقى بظلاله الثقيلة على سير العمل داخل المستشفى.

أسِرَّة فارغة من المرضى في المستشفى الجمهوري الخاضع للحوثيين بصنعاء (إكس)

ويتهم أطباء عاملون في المستشفى الهيئةَ الحوثيةَ بتعمد وقف المخصصات المالية المرصودة للمستشفى، بذريعة وجود فساد مستشرٍ في إداراته وأقسامه، في حين يرى هؤلاء أن إيقاف التمويل يُستخدم ورقة ضغط سياسية وإدارية، يدفع ثمنها المرضى والفئات الأشد فقراً.

ويرى ناشطون في صنعاء أن هذا الخلاف يعكس حالة الفوضى المتنامية في المؤسسات الخاضعة لسيطرة الجماعة، حيث تطغى المحسوبية والولاءات على حساب المعايير المهنية والاحتياجات الإنسانية، وسط عجز واضح لدى قيادة الجماعة عن معالجة الفساد والإهمال المتراكمَين.

تدهور مستمر

يتزامن هذا الصراع بين قادة الجماعة الحوثية مع تحذيرات دولية من تدهور غير مسبوق في الوضع الصحي باليمن. فقد أكد تقرير مشترك حديث صادر عن «منظمة الصحة العالمية»، و«مجموعة البنك الدولي» أن أكثر من نصف السكان باتوا خارج مظلة الرعاية الصحية الأساسية، في واحدة من أسوأ الأزمات الصحية عالمياً نتيجة سنوات الحرب والانهيار المؤسسي.

وأوضح التقرير أن نسبة تغطية الخدمات الصحية في اليمن لا تتجاوز 43 في المائة من إجمالي السكان، ما يعني أن نحو 57 في المائة من اليمنيين محرومون من حقهم في الحصول على خدمات صحية أساسية، تشمل الوقاية والعلاج والرعاية المستمرة. وحذَّر من أن استمرار التدهور دون حلول جذرية ودعم دولي مستدام ينذر بكارثة إنسانية أوسع، قد تدفع البلاد إلى مستويات أكثر خطورة من الانهيار الصحي.

وأشار التقرير إلى أن اليمن لا يزال يشهد تفشياً واسعاً للأوبئة والأمراض، إلى جانب الارتفاع الحاد في معدلات سوء التغذية، وازدياد الاحتياجات المرتبطة بالصحة النفسية والأمراض غير السارية، في ظل قدرات محدودة على الاستجابة.

أطفال يمنيون يتلقون اللقاحات على أيدي عاملين صحيين (الأمم المتحدة)

ولفت إلى أن الأزمة لا تقتصر على ضعف الخدمات، بل تمتد إلى العبء المالي القاسي، حيث يواجه 30.1 في المائة من السكان صعوبات اقتصادية تحُول دون قدرتهم على تحمّل تكاليف العلاج، في بلد يتجاوز عدد سكانه 40 مليون نسمة، ويعاني من تدهور حاد في مستوى الدخل والمعيشة.

وأدى الصراع المستمر إلى شلل شبه كامل في البنية التحتية الصحية، وتحولت الاستجابة الطارئة إلى العمود الفقري للنظام الصحي بدلاً من الخدمات المستدامة. كما تسبب العنف وانعدام الاستقرار في إغلاق نحو نصف المرافق الصحية أو تشغيلها بقدرات محدودة، إلى جانب حرمان العاملين في القطاع الصحي من رواتبهم؛ ما دفع كثيراً من الكوادر إلى ترك وظائفهم أو الهجرة، وعمّق الفجوة في تقديم الخدمات الطبية.

وأكد التقرير أن نحو 16.4 مليون يمني باتوا محرومين كلياً من الوصول إلى الرعاية الصحية، في مشهد يعكس حجم الانهيار الذي يعيشه القطاع الصحي، ويضع حياة ملايين المرضى رهينةً لصراعات داخلية لا تكترث بثمنها الإنساني.


هل قلصت مصر وجودها العسكري في سيناء إثر ضغوط إسرائيلية؟

رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
TT

هل قلصت مصر وجودها العسكري في سيناء إثر ضغوط إسرائيلية؟

رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)

أكد مصدر مصري مُطلع لـ«الشرق الأوسط»، أن «القوات المصرية في سيناء موجودة من أجل حفظ الأمن القومي المصري، وهو أمر لا تقبل فيه القاهرة مساومة أو إغراء»، مشدداً على أنه «لم يتم سحب جندي واحد من هناك هذه الفترة تحت أي ضغوط كما يتردد».

وأوضح المصدر: «هذا الأمر يرتبط بتقدير الموقف الخاص بالأجهزة الأمنية المصرية وما تراه فيما يخص أمن البلاد وحدودها مع منطقة تشهد حرباً ضروساً منذ عامين، ومحاولات من جانب إسرائيل لدفع هذه الحرب نحو الأراضي المصرية، ولا يرتبط الأمر أو يخضع لأي قضايا أخرى أو صفقات، وإلا كانت مصر قبلت بإغراءات أكبر في مسألة التهجير أو تصفية القضية الفلسطينية».

وأضاف: «التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن تقليص القوات في سيناء هي ذاتها التي تشكو وتحذر يومياً من زيادة الوجود العسكري المصري هناك»، ونوه بأن «هناك بنوداً مستحدثة بين البلدين على اتفاقية السلام تسمح لمصر بهذا الوجود حفظاً لأمنها وقت الحاجة».

كانت منصة «bhol» الإسرائيلية نشرت أن وزير الطاقة إيلي كوهين أشار إلى وجود رابط مباشر بين صفقة الغاز الكبرى مع مصر، وإعادة تمركز القوات المصرية في سيناء، ونقلت المنصة أن «إذاعة الجيش الإسرائيلي» سألت عن سبب عدم تضمين الصفقة بنداً صريحاً ينظم تحركات الجيش المصري في سيناء، فرد كوهين قائلاً: «إذا قرأتم التقارير التي نُشرت الأسبوع الماضي عن انسحاب قوات مصرية من شبه جزيرة سيناء، فاعلموا أن هذا التصرف لم يأت من فراغ».

التقارير الإسرائيلية نقلت عن كوهين قوله إن أحد أسباب تأجيل الصفقة لأربعة أشهر كان مرتبطاً بما وصفه بـ«مسألة السلام مع مصر»، وهو تعبير يُفهم منه القلق الإسرائيلي إزاء الالتزام المصري بأحكام اتفاق كامب ديفيد بشأن الوجود العسكري في سيناء.

هذه الأنباء تلقفها مدونون معارضون للحكومة المصرية وأخذوا يرددونها مع تأكيدات على تقليص القوات المصرية في سيناء بضغوط من إسرائيل، فيما رد عليهم مدونون محسوبون على السلطات بمصر بأن كل الدلائل تشير إلى خطة لزيادة تمترس القوات في سيناء.

السيسي يلتقي نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة 2017 (رويترز)

كان رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان رد على تلك الأحاديث، عبر تصريحات إعلامية، مؤكداً بشكل قاطع أنه «لم يتم تقليص عدد القوات المصرية الموجودة في سيناء، وأن صفقة الغاز تجارية بحتة وليس لها أي بعد سياسي، وتمت بين شركات وليس بين الحكومات»، مشيراً إلى أنه «في الوقت الذي تحدث فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن الصفقة فإن مصر لم يصدر عنها أي تصريح بخصوص الصفقة مما يشير إلى أن الأمر ليس ضاغطاً على القاهرة بأي شكل من الأشكال، وكل ما يتردد من الجانب الإسرائيلي متناقض ومحاولة لإيجاد نصر زائف أمام الرأي العام هناك».

كان موقع «أكسيوس» الإخباري أفاد في سبتمبر (أيلول) الماضي بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طلب من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الضغط على مصر لتقليص «الحشد العسكري الحالي» في سيناء، وفقاً لما ذكره مسؤول أميركي ومسؤولان إسرائيليان، حسب الموقع.

ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين زعمهما أن مصر «تُنشئ بنية تحتية عسكرية -بعضها يمكن استخدامه لأغراض هجومية- في مناطق لا يُسمح فيها إلا بالأسلحة الخفيفة بموجب المعاهدة»، في إشارة إلى معاهدة السلام الموقعة بين البلدَيْن عام 1979.

لكن مدير إدارة الشؤون المعنوية بالجيش المصري سابقاً اللواء سمير فرج قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر ملتزمة باتفاقية السلام تماماً، ولم تخرق أي بند بها على عكس إسرائيل ووجودها المخالف على الحدود المصرية، والوجود العسكري المصري في سيناء هو لحماية الأمن القومي المصري وحفظ أمن الحدود وفق ما تكفله اتفاقية السلام والبنود والآليات المستحدثة عليها».

وشدد على أنه «لم يتم تقليل أو تقليص القوات المصرية في سيناء بسبب صفقة الغاز أو غيره، وهذه أقاويل ترددها حكومة نتنياهو لمحاولة خلق شماعات أمام الرأي العام هناك وتصوير نفسها على أنها هي التي تحافظ على أمن إسرائيل وبدونها ستتعرض إسرائيل للانهيار».

وأكد أن «مصر لم تعلن حتى الآن موقفها بشأن مطالب أميركا بعقد اتفاق بين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وليس منطقياً أنهم هم من يطلبون اللقاء ثم يقال إن مصر تستجيب لضغوطهم أو مطالبهم، منوهاً بأن «القاهرة كانت تؤمن بأن صفقة الغاز ستتم في نهاية المطاف لأنها تحقق المصلحة لإسرائيل بالقدر نفسه الذي تحققه لمصر، وهي تمت بين شركات وليس بين حكومات».

وأعلن نتنياهو، مساء الأربعاء الماضي، عن المصادقة رسمياً على صفقة تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، بقيمة إجمالية بلغت 112 مليار شيقل (نحو 35 مليار دولار)، قائلاً: «صدقنا مع مصر على أكبر صفقة غاز في تاريخ قطاع الطاقة الإسرائيلي»، مبيناً أن الصفقة «إنجاز كبير لإسرائيل».

وأوضح نتنياهو أن قرار المصادقة على هذه الصفقة المليارية جاء بعد مشاورات مكثفة لضمان تحقيق كافة المصالح الأمنية العليا لإسرائيل، مشدداً في الوقت ذاته على أنه سيمتنع عن ذكر التفاصيل لاعتبارات أمنية ولحساسيتها، مكتفياً بالتأكيد على أنه تمت المصادقة على الصفقة بشكل كامل.


عودة شكاوى «نقص» الأدوية في مصر... والحكومة تطمئن المواطنين

هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
TT

عودة شكاوى «نقص» الأدوية في مصر... والحكومة تطمئن المواطنين

هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)

بعد جولة على عدد من صيدليات الحي الذي تعيش فيه، لم تستطع المصرية الخمسينية ليلى عبد الله، إيجاد أحد أصناف دواء ضغط الدعم، فنصحها أحد أصدقائها بالاتصال بـ«هيئة الدواء» أو الذهاب إلى صيدلية الإسعاف الحكومية بوسط القاهرة، فاضطرت لإرسال أحد أقاربها لإحضار الدواء من هناك.

ومع تكرار شكاوى «نقص» بعض الأدوية أو عدم توافرها بسهولة، أصدر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري، الاثنين، بياناً ينفي فيه «نقص أدوية البرد والأمراض المزمنة بالأسواق».

وأوضح المركز في بيان صحافي: «بالتواصل مع هيئة الدواء المصرية، أفادت بأن أدوية علاج البرد، والأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، فضلاً عن الأدوية المحتوية على مواد وفيتامينات تعمل على تقوية المناعة خلال موسم الإنفلونزا، متوافرة بالأسواق بشكل منتظم وطبيعي، مع تعدد البدائل الدوائية المتاحة من إنتاج أكثر من شركة».

وحسب «المركز الإعلامي»، فإن «هيئة الدواء المصرية تقوم بمتابعة دورية ومستمرة لموقف توافر الأدوية الحيوية، وتتخذ إجراءات فورية للتعامل مع أي شكاوى تتعلق بنقص الأدوية»، موضحاً أنه «في حال مواجهة أي صعوبة في الحصول على أي دواء حيوي، يمكن للمواطنين التواصل مع الخط الساخن لهيئة الدواء للإبلاغ عن نقص الأدوية».

وشهدت مصر العام الماضي أزمة في توافر بعض الأصناف، وأقر رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في سبتمبر (أيلول) العام الماضي بـ«وجود نقص في 580 دواء بالسوق المصرية»، مشيراً خلال زيارته مجموعة من مصانع الأدوية حينها إلى «العمل على توفير نحو 470 دواء منها». وبالفعل بدأت الأزمة في الخفوت مع بداية العام الحالي.

المصرية ليلى عبد الله، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «رغم تحسن الوضع وقلة حدة الأزمة، فإن أصنافاً من الأدوية ما زالت غير متوافرة بسهولة».

الأمر ذاته يقره الموظف الأربعيني طارق إبراهيم، الذي يعيش في حي السيدة زينب بالقاهرة، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الوضع أفضل كثيراً عما كان عليه قبل عامين، لكن توجد أصناف نجدها بصعوبة، حتى البدائل غير متوافرة».

عودة شكاوى نقص الأدوية في مصر (وزارة الصحة)

ويرى المدير التنفيذي لـ«جمعية الحق في الدواء» (جمعية أهلية)، محمود فؤاد، أن «نقص الأدوية لم يعد بالحدة التي كان عليها من قبل، لكنه أيضا ما زال موجوداً».

ويقول فؤاد لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة تمكنت من حل جانب كبير من المشكلة، ونجحت في توفير أدوية الأمراض المزمنة، لكن هذه الأدوية يتم توفيرها فقط من خلال صيدليات (الإسعاف) المملوكة للدولة، وعددها 24 صيدلية فقط في كل المحافظات، وما زال كثير من الأصناف غير متوافر».

وحسب فؤاد، فإنه «رغم استقرار سعر الدولار (يعادل 47.5 جنيه) فإن شركات الأدوية أعربت عن رغبتها أكثر من مرة في زيادة الأسعار، وهو ما رفضته هيئة الدواء المسؤولة عن التسعير، على أساس أن تكلفة الإنتاج لم تتغير».

من جهتها، ترى عضوة «لجنة الصحة» بمجلس النواب (البرلمان)، الدكتورة إيرين سعيد، أن «النقص يعود إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الدواء لأسباب أخرى، غير سعر الدولار، منها ارتفاع أسعار الخدمات والمرافق، مثل البنزين والوقود والكهرباء، وزيادة الحد الأدنى للأجور».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «زيادة تكلفة الإنتاج خفض هامش ربح الشركات، لذلك تطالب برفع الأسعار، وعندما لا تستجيب هيئة الدواء تقوم بعض الشركات بإيقاف بعض خطوط الإنتاج؛ لأن هامش الربح أصبح أقل».

وفي رأيها: «يجب على الحكومة أن تعيد الاهتمام بشركات قطاع الأعمال التي تعمل في صناعة الدواء؛ لضمان عدم تأثر الأسواق، خصوصاً بالنسبة للأدوية الاستراتيجية».

اجتماع وزير الصحة خالد عبد الغفار لبحث متطلبات تطوير صناعة الدواء (وزارة الصحة المصرية)

وتزامن الحديث عن «نقص» بعض أصناف الأدوية مع تحركات حكومية مكثفة لضمان توافر الأصناف كافة، وعقد نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، الدكتور خالد عبد الغفار، اجتماعاً، الاثنين، مع ممثلي قطاعات وهيئات الدولة المعنية، لبحث سبل دعم شركات التصنيع الدوائي وتمكينها، وإعداد ورقة عمل متكاملة لتعزيز الإنتاج المحلي، وتوطين صناعة المركبات الحيوية والبيولوجية.

وأكد المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور حسام عبد الغفار، في إفادة رسمية، الاثنين، أن الاجتماع ركز على إعداد ورقة عمل تضم المتطلبات الفعلية لتطوير الصناعات الدوائية وقابليتها للتنفيذ على أرض الواقع، مع التركيز على تمكين الشركات المصنعة، وتحفيز الاستثمار المحلي، وطرح حزم استثمارية جديدة في مجالات الأدوية واللقاحات والصناعات الحيوية، كما تناول آليات «الاستفادة من الحوافز الاستثمارية لدعم صناعة الدواء، وبحث الإجراءات التي يمكن أن تقدمها الدولة لتشجيع الاستثمارات، وتعزيز كفاءة الشركات المصنعة وزيادة قدرتها التنافسية».

ويوجد في مصر 172 مصنعاً للدواء، منها 15 مصنعاً دخلت الخدمة آخر 3 سنوات، بالإضافة إلى 120 مصنعاً لمستحضرات التجميل، و116 مصنعاً للمستلزمات والأجهزة الطبية، و4 مصانع لإنتاج المواد الخام والمستحضرات الحيوية التي تدخل في صناعة الدواء، وفق تصريحات لرئيس الحكومة المصرية العام الماضي.