«أسوأ من البدء من الصفر»... ما حجم مهمة إعادة إعمار غزة؟

صورة التقطتها طائرة مسيرة تظهر الدمار الذي لحق بغزة جراء الحرب (رويترز)
صورة التقطتها طائرة مسيرة تظهر الدمار الذي لحق بغزة جراء الحرب (رويترز)
TT

«أسوأ من البدء من الصفر»... ما حجم مهمة إعادة إعمار غزة؟

صورة التقطتها طائرة مسيرة تظهر الدمار الذي لحق بغزة جراء الحرب (رويترز)
صورة التقطتها طائرة مسيرة تظهر الدمار الذي لحق بغزة جراء الحرب (رويترز)

بينما عاد آلاف من سكان غزة إلى أحيائهم بعد وقف إطلاق النار، كان العديد منهم يعلم بالفعل أن منازلهم قد دُمرت.

وبحسب شبكة «بي بي سي» البريطانية، فإن احتمال إعادة بناء المنازل والشركات وجميع المؤسسات والخدمات اللازمة لعودة الحياة الطبيعية في غزة أمر مرهق بكل المقاييس؛ إذ تُقدّر الأمم المتحدة الأضرار بنحو 70 مليار دولار.

ويقول البروفسور أندرياس كريغ، خبير أمن الشرق الأوسط في كلية كينغز كوليدج لندن: «الأمر أسوأ من البدء من الصفر. هنا لا تبدأ من الرمال، بل من الأنقاض».

ومن جهته، يقول جاكو سيلييه، الممثل الخاص لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للفلسطينيين، إن مستوى الدمار في القطاع «يقترب الآن من 84 في المائة. وفي بعض أجزاء غزة، مثل مدينة غزة، يصل إلى 92 في المائة».

لقد خلّف هذا الدمار كميات هائلة من الأنقاض. وتشير تقييمات «بي بي سي» المستندة إلى بيانات الأقمار الاصطناعية الحديثة إلى احتمال وجود أكثر من 60 مليون طن من الأنقاض في غزة تنتظر إزالتها، من أجل البدء في إعادة إعمار غزة.

إزالة الأنقاض

ملايين الأطنان من الأنقاض المتناثرة الآن في قطاع غزة ليست مجرد أكوام من الخرسانة والمعادن الملتوية، بل تحتوي أيضاً على رفات بشرية وقنابل غير منفجرة.

وقال فيليب بوفرات، المدير التنفيذي السابق لشركة «جي سي بي»، وهي شركة بريطانية تُصنع معدات البناء والزراعة: «من منظور السلامة والإنسانية، أول ما يجب فعله هو جعل المواقع التي تم قصفها آمنة».

وأضاف: «تلي ذلك عملية فرز وفصل وسحق الأنقاض. وبعد إزالة مواد، مثل البلاستيك والفولاذ، يمكن طحن الخرسانة المتبقية وإعادة استخدامها. سيشكل هذا أساسات البناء، ولكن جهود البناء ستتطلب استيراد كميات ضخمة من المواد».

جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (رويترز)

وأكمل قائلاً: «لن يتم ذلك عن طريق الشاحنات التي تعبر الحدود. أول ما نحتاج إلى فعله هو بناء ميناء عميق، لأنه عندها يمكننا جلب آلاف الحاويات».

وأشار بوفرات إلى أنه، عند الانتهاء من تطهير المواقع وتنظيفها، يمكن حينها استعادة الخدمات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء».

المياه والصرف الصحي

تُعدّ المياه النظيفة حاجة ملحة وعاجلة لسكان غزة. ووفقاً لتقديرات «اليونيسف»، فقد تضرر أو دُمّرت أكثر من 70 في المائة من مرافق المياه والصرف الصحي الـ600 في القطاع منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وتُعدّ معالجة مياه الصرف الصحي أمراً بالغ الأهمية لمنع تراكم مياه الصرف الصحي وانتشار الأمراض. وقد أفاد الأطباء بأن غزة تعاني من معدلات مرتفعة من أمراض الإسهال، التي قد تودي بحياة الأطفال. بالإضافة إلى خطر الإصابة بالكوليرا في بعض المناطق.

وفي صور الأقمار الاصطناعية، يُمكنك رؤية الأضرار التي لحقت بالأبراج الحيوية لمحطة الشيخ عجلين لمعالجة مياه الصرف الصحي، وهي المكونات الرئيسية المستخدمة في معالجة مياه الصرف الصحي.

فلسطينيون يملأون عبوات المياه من أنبوب مكسور وسط مبانٍ مدمرة في مدينة غزة (أ.ب)

وتوجد ست محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي في غزة. وقال ماهر نجار، نائب مدير مصلحة مياه بلديات الساحل (CMWU)، التي تُشرف وتُدير إصلاحات البنية التحتية للمياه في غزة: «جميعها مُتضررة».

وأضاف أنه منذ بداية الحرب، تعرقلت أعمال الإصلاحات بشكل كبير، بسبب الهجمات الجوية والمدفعية الإسرائيلية ونقص الأدوات. وتعرضت بعض المرافق للهجوم مرة أخرى بعد إصلاحها.

وإلى جانب مرافق معالجة مياه الصرف الصحي، يوجد في غزة محطات منفصلة تُوفر مياه شرب نظيفة، وقد تعرضت هي الأخرى لأضرار جسيمة.

فقي مايو (أيار) الماضي، دُمرت محطة تحلية مياه البحر التي كانت تُغذي شمال غزة ومدينة غزة.

وقال نجار: «نحن نتحدث عن آبار مياه وشبكات وخزانات وخطوط نقل مدمرة. من الصعب جداً أن نعرف من أين نبدأ. في البداية نحتاج على الأقل إلى 50 مليون دولار لإعادة نحو 20 في المائة من الخدمات للسكان».

وأضاف: «الخسارة الإجمالية تُقدَّر بنحو مليار دولار، وربما أكثر».

السكن

خلال الحرب، يُقدّر مركز الأمم المتحدة للأقمار الاصطناعية (يونوسات) أن نحو 283 ألف منزل وشقة سكنية في جميع أنحاء غزة قد تضررت أو دُمرت.

لكن من المرجح أن تكون هذه الأرقام أقل من الواقع، لأنها لا تشمل العمليات العسكرية الأخيرة في مدينة غزة، مثل الدمار الذي لحق بحي الشيخ رضوان.

وصرحت بلدية مدينة غزة بأن 90 في المائة من طرقها قد تضررت أيضاً.

فلسطينيون يتجمعون خارج مبنى مدمر في خان يونس بقطاع غزة (رويترز)

ووفقاً لشيلي كولبيرتسون، وهي باحثة سياسات بارزة في «مؤسسة راند البحثية»، ومقرها واشنطن، فإن إعادة بناء مساكن غزة «قد تستغرق عقوداً».

وقالت: «بعد القصف الإسرائيلي لغزة عامي 2014 و2021. كانت عملية إعادة بناء المساكن بطيئة لأن إسرائيل لم تسمح بدخول الكثير من مواد البناء».

وأضافت: «إذا أُعيد البناء الآن بنفس الطريقة التي تمت بها إعادة البناء في عامي 2014 و2021، فسيستغرق الأمر 80 عاماً. لكن إذا كان هناك تخطيط جيد، فقد يستغرق الأمر وقتاً أقل».

وتابعت: «التخطيط الجيد يتمثل في تصميم مخيمات يمكن تحويلها إلى أحياء سكنية، ومساعدة الناس على العودة إلى منازلهم المتضررة وإعادة بنائها».

الطاقة

كان نظام الكهرباء في غزة يعاني من ضغوط شديدة قبل الحرب الحالية. وكان انقطاع التيار الكهربائي أمراً شائعاً.

وتاريخياً، كان معظم إمداد الكهرباء في غزة يأتي من خطوط الكهرباء المتصلة بإسرائيل، ومن محطة توليد الكهرباء التي تعمل بالديزل في غزة، مع إضافة بعض الألواح الشمسية على أسطح المنازل والمرافق العامة في السنوات الأخيرة.

ومنذ 11 أكتوبر 2023، شهدت غزة انقطاعاً شبه كامل في الكهرباء بعد أن قطعت إسرائيل الكهرباء الخارجية.

لكن بالنسبة لمحطة تحلية المياه في جنوب غزة، التي توفر مياه الشرب النظيفة، فقد أعادت إسرائيل توصيل إمدادها بها في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، ثم قطعته مرة أخرى في 9 مارس (آذار) 2025. قبل أن تعيد توصيلها مرة أخرى.

وأصبحت محطة توليد الكهرباء في غزة معطَّلة عن العمل بسبب نقص الوقود، وتعرضت مرافق الطاقة الشمسية لأضرار واسعة النطاق.

ومع انقطاع التيار الكهربائي بشكل كبير، اعتمدت الخدمات الأساسية على مولدات ديزل محدودة، والألواح الشمسية المتبقية.

وقدر تقييم مشترك أجراه البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في وقت سابق من هذا العام أن أكثر من 80 في المائة من أصول توليد وتوزيع الكهرباء إما دُمرت أو أصبحت معطلة منذ بدء الحرب، بتكلفة أضرار تُقدر بأكثر من 494 مليون دولار.

وأفادت شركة توزيع كهرباء غزة (GEDCO)، المسؤولة عن إدارة إمدادات الكهرباء في جميع أنحاء قطاع غزة، بأن 70 في المائة من مبانيها ومنشآتها دُمرت منذ أكتوبر 2023.

الزراعة

أظهرت صورة أقمار اصطناعية لمنطقة شرق جباليا، اطلعت عليها «بي بي سي»، كيف أُبيدت 4 كيلومترات مربعة من المحاصيل (يُحتمل أنها أشجار زيتون وحمضيات) خلال الحرب.

ويمر عبر الأرض المدمرة طريق أو مسار أنشأه الجيش الإسرائيلي، على الأرجح لتسهيل الوصول إلى المناطق الشمالية من مدينة غزة المجاورة.

ووجد تحليل أجراه البروفسور هي ين، من جامعة ولاية كينت، أن 82.4 في المائة من المحاصيل السنوية وأكثر من 97 في المائة من محاصيل الأشجار في قطاع غزة قد تضررت منذ بدء الحرب وحتى 10 أغسطس (آب) من هذا العام.

وأدى تراجع الزراعة، إلى جانب القيود المطولة على المساعدات، إلى انعدام حاد في الأمن الغذائي طوال فترة الصراع، وبلغ ذروته بإعلان المجاعة في مدينة غزة، سبتمبر (أيلول).

ويعزو مركز الأمم المتحدة للأقمار الاصطناعية «يونوسات»، هذا التراجع إلى «تأثير أنشطة مثل التجريف، ونشاط المركبات الثقيلة، والقصف بالقنابل، وغيرها من العوامل المرتبطة بالصراع».

ويقول بوفرات إنه لكي تتعافى الزراعة، يجب تطهير الأرض من القنابل والقذائف والألغام غير المنفجرة «بشكل عاجل للغاية».

ويضيف: «إذا تمكنوا من زراعة محاصيلهم بأنفسهم، فسيتمكنون من إطعام أنفسهم، وكلما أسرعنا في ذلك كان ذلك أفضل».

التعليم

كان نحو نصف سكان غزة قبل الحرب دون سن 18 عاماً، لذا فإن إعادة بناء المدارس أمر ضروري لأي عودة إلى الحياة الطبيعية.

وأصبحت المباني المدرسية ملاجئ للنازحين الفلسطينيين طوال فترة النزاع، وكثيراً ما استهدفتها قوات الجيش الإسرائيلي بذريعة أنها تضم ​​مراكز «قيادة وسيطرة» لـ«حماس» والجماعات التابعة لها.

وتقول وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي كانت تدير 288 مدرسة في غزة، إن 91.8 في المائة من إجمالي المباني المدرسية ستحتاج إلى «إعادة بناء كاملة أو أعمال تأهيل كبرى لتعود للعمل مجدداً».

ولم تسلم مؤسسات التعليم العالي من القصف.

على سبيل المثال، في ديسمبر (كانون الأول) 2023، قصفت القوات الإسرائيلية جامعة الأزهر جنوب مدينة غزة. ويُعد الموقع الآن جزءاً من ممر نتساريم، إحدى المناطق العسكرية العديدة التي أنشأها الجيش الإسرائيلي خلال الحرب. كما حدث المصير نفسه لجامعة الإسراء في غزة.


مقالات ذات صلة

«أونروا»: تمديد الأمم المتحدة عمل الوكالة يعكس تضامناً عالمياً مع اللاجئين الفلسطينيين

المشرق العربي خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب) play-circle

«أونروا»: تمديد الأمم المتحدة عمل الوكالة يعكس تضامناً عالمياً مع اللاجئين الفلسطينيين

وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم (الجمعة)، على تمديد عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لمدة 3 سنوات إضافية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
تحليل إخباري يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات حول التنفيذ.

محمد محمود (القاهرة)
المشرق العربي ياسر أبو شباب في صورة نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية (أرشيفية)

خليفة «أبو شباب» يتعهد بمواصلة مقاومة «حماس»

أكدت «القوات الشعبية» التي كان يتزعمها ياسر أبو شباب، مقتله خلال محاولته فض نزاع عائلي، مشددةً على أنه لم يكن لحركة «حماس» أي علاقة بظروف مقتله.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

يُتوقع أن يُسلم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو، للرئيس الأميركي دونالد ترمب "جائزة الفيفا للسلام" عند إجراء قرعة كأس العالم يوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)

إسرائيل: إقرار موازنة تخدم الاستيطان بالضفة

طلبت وزارة الدفاع الإسرائيلية 144 مليار شيقل وحصلت على 112 بما يزيد بنحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«أونروا»: تمديد الأمم المتحدة عمل الوكالة يعكس تضامناً عالمياً مع اللاجئين الفلسطينيين

خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب)
خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب)
TT

«أونروا»: تمديد الأمم المتحدة عمل الوكالة يعكس تضامناً عالمياً مع اللاجئين الفلسطينيين

خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب)
خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب)

وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم (الجمعة)، على تمديد عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لمدة 3 سنوات إضافية، في خطوة قال مفوض الوكالة، فيليب لازاريني، إنها تعكس تضامناً عالمياً واسعاً مع اللاجئين الفلسطينيين.

وقال لازاريني، في منشور على «إكس»، إن قرار الأمم المتحدة «هو أيضاً إقرار بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات الإنسانية والتنموية للاجئي فلسطين، إلى حين التوصُّل إلى حل عادل ودائم لمعاناتهم المستمرة منذ عقود».

وزعمت إسرائيل، أوائل العام الماضي، أن 12 من موظفي «أونروا» شاركوا في الهجوم الذي شنَّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وأشعل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؛ مما دفع دولاً عدة، من بينها الولايات المتحدة إلى تعليق تمويل الوكالة.

وخلصت مراجعة، صدرت في وقت لاحق من ذلك العام أجرتها مجموعة عمل أممية، إلى أن إسرائيل لم تقدِّم أدلةً على مزاعمها بأنَّ موظفين في «أونروا» أعضاء في جماعات إرهابية.

وتأسست «أونروا» في 1949 بعد إعلان قيام إسرائيل على الأراضي الفلسطينية في العام السابق، وتقدم خدمات تعليمية وصحية، ومساعدات للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا.


تقرير: سفير أميركا لدى الأمم المتحدة يبدأ غداً جولة تشمل إسرائيل والأردن

السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
TT

تقرير: سفير أميركا لدى الأمم المتحدة يبدأ غداً جولة تشمل إسرائيل والأردن

السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)

أوردت وكالة «بلومبرغ» أن السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، سيبدأ، غداً (السبت)، جولة في الشرق الأوسط تستمر أربعة أيام تشمل إسرائيل والأردن.

وقالت الوكالة إن والتز سيلتقي أثناء زيارته لإسرائيل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس إسحاق هرتسوغ.

ويلتقي أثناء زيارته للأردن بالملك عبد الله الثاني ووزير الخارجية أيمن الصفدي لمناقشة دور الأردن في تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.


فرنسا: نظرة إيجابية إلى التحولات في سوريا رغم النواقص والصعوبات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

فرنسا: نظرة إيجابية إلى التحولات في سوريا رغم النواقص والصعوبات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)

في قراءتها للوضع في سوريا، بعد مرور عام على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وفراره إلى موسكو، تختار باريس المقاربة الإيجابية، رغم وجود تحفظات وعلامات استفهام حول مستقبل البلاد. هي تفضل قطعاً رؤية الكأس نصف الملآنة على الكأس نصف الفارغة. وتريد باريس أن تؤكد، بداية، أنها كانت سبّاقة في مواكبة الوضع في سوريا منذ الأيام الأولى؛ حيث أرسلت وفداً دبلوماسياً إلى سوريا بعد 9 أيام فقط على سقوط دمشق بأيدي فصائل المعارضة السابقة، فيما كان وزير خارجيتها، جان نويل بارو، أول من زار العاصمة السورية (مع نظيرته الألمانية) يوم 3 يناير (كانون الثاني). وكانت المحطة الثالثة في تحرك باريس باتجاه دمشق انعقاد مؤتمر لدعم سوريا في العاصمة الفرنسية بداية شهر فبراير (شباط).

تُوّج الحراك الدبلوماسي الفرنسي بزيارة الرئيس أحمد الشرع إلى باريس يوم 7 مايو (أيار)، وكان الرئيس إيمانويل ماكرون أول رئيس غربي يلتقيه الشرع. وخلاصة كل ذلك أن باريس «قررت الانخراط إلى جانب النظام الجديد في دمشق رغبة منها في التأثير عليه ودفع العملية الانتقالية في الاتجاه الصحيح المتلائم مع مصالح السوريين والمصالح الفرنسية الأمنية والإقليمية». وتشدد باريس على أهمية إضفاء نوع من الشرعية على الشرع من خلال استقباله في قصر الإليزيه ومناشدة ماكرون لرفع العقوبات التي كانت تخنق سوريا.

الأولويات الفرنسية في سوريا

بناءً على ما سبق، دارت الأولويات الفرنسية حول 4 محاور أولها المحور الأمني وأول مكوناته العمل على دفع سوريا إلى الانضمام إلى التحالف الدولي في الحرب ضد «داعش»، الأمر الذي تم رسمياً في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. والغرض من ذلك منع عودة الحركات والتنظيمات المتشددة. ويتوازى ذلك مع اهتمامين: التخلص من الأسلحة الكيماوية التي ما زالت تمتلكها سوريا ومحاربة إنتاج وتهريب المخدرات. ورغم أن هذا النشاط ما زال قائماً جزئياً، فإن باريس ترى أن السلطات السورية حققت «نتائج مهمة» في محاربته.

يتمثل المحور الثاني في دعم العملية الانتقالية، وأبرز معالمها تمسك باريس بأن تشمل جميع المكونات المجتمعية الإثنية والدينية، انطلاقاً من مبدأ قوامه أن الاستقرار «لا يمكن توافره إن لم يشعر كل مكوّن بالأمن ويتمتع بكامل الحقوق». وفي هذا السياق، تؤكد باريس أنها لعبت دوراً مهماً في التقريب بين «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المُشكَّلة في غالبيتها من الأكراد، وبين نظام الحكم في دمشق، وكان باكورة مساهمتها توقيع اتفاق مارس (آذار) الماضي الذي أُلحق باتفاق آخر نهاية الشهر الماضي. لكن باريس تعترف بأن «الوضع لم يسوَّ» كلياً بين الجانبين، رغم أنه تم تجنب وقوع اشتباكات واسعة بينهما. وتنظر باريس بكثير من الأسى، من جهة، لما حصل في شهر مارس الماضي من انتهاكات في منطقة الساحل العلوية، وما تبعها في يوليو (تموز) في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية. وفي الحالتين كان هناك دور لعناصر من السلطات السورية في هذه الأحداث التي أدانتها باريس وأكدت ضرورة محاسبة المسؤولين عنها انطلاقاً من مبدأ عدم الإفلات من العقاب.

متظاهرون في مدينة حماة الجمعة 5 ديسمبر بمناسبة الذكرى الأولى لسقوط نظام الرئيس بشار الأسد (رويترز)

ويندرج تحت المحور الأمني الانتهاكات المتلاحقة التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي السورية، وهي انتهاكات تدينها فرنسا. وأشارت المصادر الدبلوماسية إلى أن باريس دعمت الجهود الأميركية للتوصل إلى اتفاقات أمنية بين سوريا وإسرائيل، وأنها، لهذا الغرض، استضافت لقاءات متعددة جمعت وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بحضور المبعوث الأميركي توم برّاك. ولا تنسى باريس الدور الذي تقوم به لترسيم الحدود اللبنانية ــ السورية التي لم ترسّم منذ استقلال البلدين عن فرنسا في أربعينات القرن الماضي. يبقى أن باريس تشدد على أمرين إضافيين: الدعم الذي وفّرته للسكان إنسانياً وتربوياً واقتصادياً، من جهة، ومن جهة ثانية تفعيل التعاون الثقافي.

عقدة «المشاركة الجماعية»

رغم النظرة الإيجابية الإجمالية الفرنسية، فإن باريس لا تكتم قلقها سواء بشأن الأحداث الأمنية المتنقلة أو لصعوبة إعادة إطلاق الاقتصاد وعدم اكتمال عملية الانتقال السياسية. كذلك تتوقف باريس مطولاً عند عقدة «المشاركة الجماعية» لكل الأطراف في بنية الدولة السورية الجديدة وعلاقة المكوّنات ببعضها، وهي تنطلق من مبدأ تحديد «المعايير» الواجب الأخذ بها. وبرأيها أن الأخذ بالمعايير الأوروبية يبيّن بلا شك النواقص والعيوب وهذه كثيرة أكان بالنسبة لعلاقة المركز مع الأقليات أو بالنسبة للتعيينات في المراكز الحكومية والعسكرية أو بالنسبة لآلية الانتخاب النيابية والسلطات المعطاة للرئاسة أو لحضور المرأة أو لسيطرة السلطات على الأجهزة الأمنية وكذلك بالنسبة للعمل من أجل العدالة الانتقالية الضرورية.

ورغم ذلك كله تعتبر باريس أن العملية الانتقالية بكل شوائبها جاءت أقل درامية مما كان متوقعاً، وأن المخاوف من قيام «جمهورية إسلامية» لا تحترم الأقليات وحقوق المرأة ولا التوجهات الليبرالية لم تتحقق. والخلاصة التي كونتها باريس هي أنه يمكن النظر إلى الوضع السوري من مختلف الزوايا وهي نظرة تؤكد أن ثمة «أموراً إيجابية في العملية الانتقالية».

وتؤكد المصادر أن باريس على حوار متواصل مع السلطات السورية، بما في ذلك ما يخص استكمال أعضاء مجلس النواب والمقاعد المخصصة للنساء والدستور الانتقالي والعدالة الانتقالية وقانون الأحزاب... وكلها مسائل بالغة الأهمية في نظر فرنسا.

وتنظر باريس بقلق، بحسب المصادر الدبلوماسية، لما تقوم به إسرائيل في سوريا. وتؤكد المصادر أن موقف باريس «واضح ويقوم على دعوة إسرائيل لسحب قواتها من الأراضي التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد والعودة إلى خط فك الاشتباك لعام 1974». وتضيف المصادر أن باريس أعربت مراراً عن قلقها من التطورات الجارية وأن هناك مصادر قلق للطرفين يتعين التعامل معها. وتبدو باريس سعيدة بأن الملف السوري يحظى بنوع من الإجماع الدولي باعتبار أن «سوريا مستقرة تعد ضرورة للتوازنات الإقليمية والدولية». وتبدو باريس كذلك سعيدة بالانخراط الأميركي إلى جانب استقرار سوريا بما في ذلك ما تقوم به إسرائيل في هذا البلد والذي يهدد الحكومة السورية.