أوروبا تتهم الروس بتصعيد مخاطر «المواجهة المباشرة»

ترمب قد يناقش مع بوتين تزويد كييف بـ«توماهوك»… وموسكو تلوّح بـ«عواقب»

تضرر مبانٍ سكنية جراء غارة عسكرية روسية في بلدة كوستيانتينيفكا الواقعة على خط المواجهة في إقليم دونيتسك الأحد (رويترز)
تضرر مبانٍ سكنية جراء غارة عسكرية روسية في بلدة كوستيانتينيفكا الواقعة على خط المواجهة في إقليم دونيتسك الأحد (رويترز)
TT

أوروبا تتهم الروس بتصعيد مخاطر «المواجهة المباشرة»

تضرر مبانٍ سكنية جراء غارة عسكرية روسية في بلدة كوستيانتينيفكا الواقعة على خط المواجهة في إقليم دونيتسك الأحد (رويترز)
تضرر مبانٍ سكنية جراء غارة عسكرية روسية في بلدة كوستيانتينيفكا الواقعة على خط المواجهة في إقليم دونيتسك الأحد (رويترز)

اتجّه التوتر بين موسكو وعواصم أوروبية إلى مزيد من التدهور، في غياب آليات للحوار لتهدئة الموقف، وتفاقم مخاطر اتساع رقعة المعارك. واتهم الاتحاد الأوروبي، روسيا، بتأجيج الوضع ودفعه نحو حافة المواجهة المباشرة، في حين أعلنت بولندا أنها عملياً في «حالة حرب» مع روسيا.

بولندا: نحن في حرب فعلية

وقال سلافومير تشيكيفيتش، رئيس مكتب الأمن القومي البولندي، إن بلاده «في حالة حرب فعلية مع روسيا». ورأى في مقابلة صحافية نُشرت الاثنين، أن «روسيا لم تعد مجرد دولة تهديد (...) نحن في حالة حرب فعلية». وتابع تشيكيفيتش أن «الهجمات الهجينة» على دول الاتحاد الأوروبي، مثل توغلات الطائرات المسيّرة في المجال الجوي ومحاولات اختراق أنظمة المياه وغيرها من البنى التحتية الحيوية، دبّرها مخربون.

واتهمت السلطات البولندية روسيا مراراً، بالتورط في هجمات بمسيّرات حارقة استهدفت مواقع داخل البلاد، وأعمال تخريب، وتجسس. وفي وقت سابق، قال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك إن بلاده أسقطت طائرات مسيّرة روسية في أجواء بولندا، ووصف الوضع بأنه خطير.

وفي وقت لاحق، صرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأن أكثر من عشر طائرات مسيّرة شاركت في هجوم. وتعرضت الدنمارك، والنرويج، وإستونيا ولاتفيا لاحقاً لهجمات مماثلة. لكن موسكو نفت صلتها بالأمر، وأكدت أن الأوروبيين لم يقدموا أدلة على أن المسيّرات المجهولة روسية المنشأ.

وقال القائم بالأعمال الروسي في وارسو، أندريه أورداش، إن «بولندا لم تقدم أي دليل على الأصل الروسي المزعوم للطائرات المسيّرة التي أُسقطت فوق أراضيها»، في حين أكدت وزارة الدفاع الروسية أنه لم يتم استهداف أي أهداف داخل بولندا خلال غارة جوية روسية ضخمة على منشآت صناعة الدفاع الأوكرانية ليلة العاشر من سبتمبر (أيلول). ووصف الناطق الرئاسي الروسي دميتري بيسكوف، «مزاعم الأوروبيين» بأنها «فارغة ولا أساس لها من الصحة».

وفي تطور يُنتظر أن يرمي بثقله على العلاقات المتوترة مع أوروبا، أعلنت السلطات اللاتفية أنها طلبت من 841 مواطناً روسياً مغادرة البلاد بحلول الاثنين، بعد فشلهم في تجديد إقاماتهم في الوقت المحدد.

ورأى الكرملين أن الخطوة تعكس تصعيداً جديداً ضد الروس في البلدان الأوروبيين، وزاد أنه «يمكن للمواطنين الروس العودة إلى وطنهم، روسيا، وبناء حياتهم هنا».

وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيا لدى لقائه مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس في كييف الاثنين (إ.ب.أ)

ردع عسكري أوروبي

في السياق ذاته، اتهمت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، الاثنين، روسيا بأنها «تُخاطر بإشعال الحرب» بعد تزايد اختراقات مُسيّرات وطائرات عسكرية روسية المجال الجوي الأوروبي.

وعزز حلف شمال الأطلسي (ناتو) دفاعاته على طول حدوده الشرقية متهماً موسكو باختبار الدفاعات الجوية للحلف من خلال توغل مُسيّرات في كثير من الدول الأعضاء وتحليق طائرات عسكرية في المجال الجوي الإستوني. وقالت كالاس خلال زيارة إلى كييف: «في كل مرة تنتهك فيها مسيّرة أو طائرة روسية مجالنا الجوي، هناك خطر بالتصعيد، سواء كان ذلك عن قصد أم لا. روسيا تُخاطر بإشعال الحرب»، داعية أوروبا إلى تعزيز قدراتها الدفاعية. وأضافت: «لإبعاد شبح الحرب، علينا أن نحوِّل قوة أوروبا الاقتصادية ردعاً عسكرياً».

وتتمحور زيارة كالاس لكييف حول الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا، وخاصة البنية التحتية للكهرباء، في الوقت الذي استأنفت فيه روسيا هجماتها على محطات الطاقة قبل حلول فصل الشتاء.

وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيا لدى اجتماعه مع مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس في كييف الاثنين (إ.ب.أ)

واضطرت أوكرانيا، الاثنين، إلى تقنين الكهرباء في سبع مناطق وسط البلاد وشرقها إثر الهجمات. وقال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيغا خلال مؤتمر صحافي مشترك مع كالاس: «يريد العدو التأثير على معنويات شعبنا... هذا تصرف خبيث، خصوصاً على أعتاب فصل الشتاء». وقالت كالاس أيضاً إن الاتحاد الأوروبي دعم تسليم صواريخ «توماهوك» الأميركية بعيدة المدى إلى أوكرانيا. وأضافت: «نرحب بكل ما يُقوّي أوكرانيا ويُضعف روسيا».

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قال الأحد، إنه قد يُبلغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين أن أوكرانيا قد تحصل على صواريخ كروز إذا لم تُنهِ موسكو الحرب. ومن جانبها، قالت موسكو إن تزويد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك» سيُمثّل تصعيداً كبيراً.

وعلّق الكرملين على حديث ترمب بالقول إنه «لا توجد حتى الآن اتفاقات واضحة لإجراء محادثة هاتفية بين الرئيسين الروسي والأميركي». وأضاف بيسكوف أن «الولايات المتحدة على دراية تامة بتوقف الاتصالات بين موسكو وكييف، ولكن من الممكن ترتيبها بسرعة. إذا رغب الرئيسان».

رجال الإطفاء يعملون في موقع تعرَّض لغارة عسكرية روسية على مشارف أوديسا الاثنين (رويترز)

عواقب وخيمة

بدوره، حذر نائب سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري مدفيديف، الاثنين، من أن توريد صواريخ «توماهوك» الأميركية لأوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى «عواقب وخيمة على الجميع، وخاصة على الرئيس الأميركي نفسه».

وقال ميدفيديف، وهو من أبرز «الصقور» والذي لم يتردد في السخرية من ترمب مراراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إن من المستحيل التمييز بين صواريخ «توماهوك» التقليدية وتلك المزودة برؤوس نووية بمجرد إطلاقها.

وكان بوتين قد أكد أن تزويد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك» التي يبلغ مداها 2500 كيلومتر، وقادرة على ضرب أي موقع داخل روسيا، بما في ذلك موسكو، من شأنه أن «يُدمر تماماً العلاقات بين موسكو وواشنطن». وفي حديثه قبل أيام، خلال اجتماع لنادي فالداي الدولي للنقاش، أشار الرئيس الروسي إلى أن «صواريخ (توماهوك) أسلحة قوية، لكنها لن تُغير الوضع في ساحة المعركة». وأكد أيضاً أن استخدام هذه الصواريخ دون المشاركة المباشرة للعسكريين الأميركيين أمر مستحيل، وأن هذا من شأنه أن يمثل مرحلة جديدة تماماً من التصعيد، بما في ذلك في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن أوكرانيا ستستخدم صواريخ «توماهوك» فقط لأغراض عسكرية ولن تستهدف بها المدنيين في روسيا إذا زودتها الولايات المتحدة بها. وأعلن ترمب ليل الأحد - الاثنين أنه ناقش مسألة توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، بما في ذلك صواريخ «توماهوك»، مع فولوديمير زيلينسكي. وأعرب عن ثقته في أن الرئيس الروسي سيوافق على تسوية النزاع الأوكراني، وإلا، كما قال، فإن واشنطن ستسلم صواريخ «توماهوك» إلى كييف. وأشار ترمب إلى أنه سيناقش هذا الأمر مع بوتين.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: خطة السلام لا تلزمنا بالتخلي رسمياً عن السعي للانضمام إلى «الناتو»

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي: خطة السلام لا تلزمنا بالتخلي رسمياً عن السعي للانضمام إلى «الناتو»

كشف الرئيس الأوكراني، في تصريحات نُشرت، أن المقترح الجديد لإنهاء الحرب الذي تفاوضت عليه كييف وواشنطن لا يُلزم كييف بالتخلي عن «الناتو».

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رجل إنقاذ يعمل على إخماد نيران اندلعت جراء القصف الروسي الثلاثاء (أ.ب)

ضربات روسية واسعة النطاق على أوكرانيا

تشنّ روسيا ضربات على أوكرانيا كل ليلة تقريباً، مستهدفةً بشكل خاص البنى التحتية للطاقة، خصوصاً خلال فصل الشتاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ حاكم ولاية لويزيانا جيف لاندري يتحدث في البيت الأبيض بينما الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستمع في الخلفية يوم 24 مارس 2025 (إ.ب.أ)

عين ترمب على غرينلاند مجدداً واشتعال أزمة دبلوماسية مع الدنمارك

أشعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاصفة دبلوماسية جديدة مع الدنمارك بإعلانه تعيين حاكم ولاية لويزيانا، جيف لاندري، مبعوثاً خاصاً إلى غرينلاند.

هبة القدسي (واشنطن)
أوروبا السيارة التي قتل فيها الجنرال فانيل سارفاروف (56 عاماً) وسط منطقة سكنية في موسكو الاثنين (رويترز)

مقتل ضابط روسي كبير بانفجار سيارة في موسكو

قُتل جنرال في هيئة الأركان العامة للجيش الروسي في انفجار سيارة في جنوب موسكو، وذلك بعد ساعات فقط من إجراء مندوبين روس وأوكرانيين محادثات منفصلة في ميامي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» مارك روته (إ.ب.أ)

أمين عام «الناتو»: ترمب الوحيد القادر على إجبار بوتين على إبرام اتفاق سلام

أشارت تقديرات مارك روته، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلى أن الحلف بمقدوره الاعتماد على الولايات المتحدة في حال الطوارئ.

«الشرق الأوسط» (برلين)

استطلاع: غالبية الروس يتوقعون انتهاء حرب أوكرانيا في 2026

عمال يزيلون الأنقاض من سطح مبنى سكني متضرر بشدة عقب غارة جوية بطائرة مسيرة في كييف (أ.ف.ب)
عمال يزيلون الأنقاض من سطح مبنى سكني متضرر بشدة عقب غارة جوية بطائرة مسيرة في كييف (أ.ف.ب)
TT

استطلاع: غالبية الروس يتوقعون انتهاء حرب أوكرانيا في 2026

عمال يزيلون الأنقاض من سطح مبنى سكني متضرر بشدة عقب غارة جوية بطائرة مسيرة في كييف (أ.ف.ب)
عمال يزيلون الأنقاض من سطح مبنى سكني متضرر بشدة عقب غارة جوية بطائرة مسيرة في كييف (أ.ف.ب)

كشف «المركز الروسي لدراسات الرأي العام» لاستطلاعات الرأي، اليوم (الأربعاء)، أن غالبية الروس يتوقعون انتهاء الحرب في أوكرانيا عام 2026، في إشارة إلى أن الكرملين ربما يجري اختباراً لقياس ردّ فعل الرأي العام على تسوية سلمية محتملة، مع تكثيف الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع، وفقاً لوكالة «رويترز».

وخلال عرض نهاية العام الذي قدّمه ‌المركز، قال ميخائيل ‌مامونوف، نائب رئيس المؤسسة، إن 70 في المائة ‌من ⁠المشاركين ​في الاستطلاع، ‌البالغ عددهم 1600 شخص، يرون أن عام 2026 سيكون «أكثر نجاحاً» لروسيا من هذا العام، بينما ربط 55 في المائة منهم هذا الأمل باحتمال نهاية ما تسميه روسيا «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا.

وقال مامونوف، في العرض التقديمي، إن «السبب الرئيسي للتفاؤل هو احتمال الانتهاء من العملية العسكرية الخاصة وتحقيق الأهداف المعلنة، بما يتماشى مع المصالح الوطنية التي حددها الرئيس».

وفي استطلاعات الرأي ⁠السابقة لنهاية العام، أكّد المركز على التفاف المجتمع الروسي حول الرئيس فلاديمير بوتين وأهدافه ‌العسكرية في أوكرانيا، لكنه لم يقدم أرقاماً لنسبة ‍السكان الذين يتوقعون انتهاء الحرب.

وتقترب الحرب ‍الأوكرانية، التي بدأت في فبراير (شباط) 2022، من دخول عامها الخامس، ‍لكن من الصعب قياس المستوى الحقيقي للضيق الشعبي بسبب الصراع نظراً للضوابط الصارمة التي تفرضها الدولة على المعارضة.

وأشار مامونوف إلى الهجوم المستمر للجيش الروسي في أوكرانيا، وتردد الولايات المتحدة في تمويل أوكرانيا، وعدم قدرة الاتحاد الأوروبي على أن يحلّ ​محل الولايات المتحدة بالكامل مالياً وعسكرياً، باعتبارها عوامل رئيسية وراء احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام في نهاية المطاف.

وأضاف أن إعادة ⁠إدماج قدامى المحاربين الذين شاركوا في «العملية العسكرية الخاصة» في المجتمع وإعادة إعمار المناطق التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا، وكذلك المناطق الحدودية الروسية، بعد انتهاء الأعمال العسكرية، تعتبر الأولويات الرئيسية.

ويؤيد نحو ثلثي الروس محادثات السلام، وهي أعلى نسبة منذ بداية الحرب، وفقاً لمؤسسة ليفادا المستقلة لاستطلاعات الرأي، التي توصف بأنها «عميل أجنبي» بموجب القانون الروسي خلال الصراع.

وقال الكرملين، اليوم (الأربعاء)، إنه تم إطلاع بوتين على الاتصالات التي أجراها مسؤولون روس مع مبعوثي الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن المقترحات الأميركية لاتفاق سلام محتمل، وإن موسكو ستحدد موقفها الآن.

وأفاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في ‌22 ديسمبر (كانون الأول)، أن المفاوضات التي أجريت مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية بهدف إنهاء الحرب مع روسيا «اقتربت جداً من نتيجة حقيقية».


زيلينسكي «منفتح» على إنشاء منطقة اقتصادية حرة بشرق أوكرانيا

عناصر إطفاء يحاولون إخماد حريق سببته ضربة جوية روسية على زابوريجيا يوم 24 ديسمبر 2025 (رويترز)
عناصر إطفاء يحاولون إخماد حريق سببته ضربة جوية روسية على زابوريجيا يوم 24 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

زيلينسكي «منفتح» على إنشاء منطقة اقتصادية حرة بشرق أوكرانيا

عناصر إطفاء يحاولون إخماد حريق سببته ضربة جوية روسية على زابوريجيا يوم 24 ديسمبر 2025 (رويترز)
عناصر إطفاء يحاولون إخماد حريق سببته ضربة جوية روسية على زابوريجيا يوم 24 ديسمبر 2025 (رويترز)

في تطوّر لافت على مسار مفاوضات إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، أكّد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، استعداده لسحب القوات من منطقة دونباس؛ القلب الصناعي شرق البلاد، «إذا سحبت روسيا قواتها أيضاً»، وإذا تحوّلت المنطقة إلى «منطقة منزوعة السلاح» و«اقتصادية حرة» تخضع لرقابة قوات دولية. وأضاف، وفق وكالة «أسوشييتد برس» أن هذا المقترح، الذي من شأنه معالجة إحدى العقبات الرئيسية أمام إنهاء الحرب، يجب أن يُطرح أيضاً على استفتاء شعبي. كما ذكر زيلينسكي أن ترتيباً مشابهاً قد يكون ممكناً للمنطقة المحيطة بمحطة زابوريجيا النووية، الخاضعة حالياً للسيطرة الروسية.

وكان زيلينسكي يتحدث إلى الصحافيين، الثلاثاء، لشرح خطة شاملة من 20 نقطة صاغها مفاوضون من أوكرانيا والولايات المتحدة خلال الأيام الماضية بولاية فلوريدا، مشيراً إلى أن كثيراً من التفاصيل لا يزال قيد البحث.

وانخرط مفاوضون أميركيون في سلسلة محادثات منفصلة مع أوكرانيا وروسيا منذ أن قدّم الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الشهر الماضي، خطة لإنهاء الحرب؛ في مبادرة عُدّت على نطاق واسع أنّها تصُبّ في مصلحة موسكو التي غزت جارتها قبل نحو 4 سنوات. ومنذ ذلك الحين، عملت أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون على تعديل الخطة لتكون أقرب إلى موقف كييف.

ويُعدّ تقرير مصير إقليم دونباس الأوكراني، الذي استولت روسيا على غالبيته العظمى، إضافة إلى كيفية إدارة أكبر محطة نووية في أوروبا، من أشد النقاط تعقيداً في المفاوضات.

تأنٍّ روسي

وقال المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، الأربعاء، وفق وكالة أنباء «إنترفاكس»، إن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اطّلع على نتائج المحادثات التي جرت بين المفاوضين الأميركيين والروس في ميامي نهاية الأسبوع الماضي. وقال بيسكوف إن روسيا تصوغ الآن موقفها بينما تظل على تواصل مع المسؤولين الأميركيين، مؤكداً أن موسكو لن تعلق علانية على الجوانب التي لم تُحلّ بعدُ من الخطة. وأضاف أن موقف روسيا معروف للولايات المتحدة منذ مدة طويلة.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدّث في سان بطرسبرغ يوم 21 ديسمبر 2025 (رويترز)

من جهتها، ذكرت وكالة «بلومبرغ» نقلاً عن مصدر مطلع، الأربعاء، أن روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حربها مع أوكرانيا، بما في ذلك فرض مزيد من القيود على القدرات العسكرية لكييف. وقال المصدر المُقرّب من الكرملين إن روسيا تَعدّ خطة السلام الأميركية المؤلفة من 20 بنداً «نقطةَ انطلاق» فقط لمزيد من المفاوضات؛ وذلك لافتقارها إلى بنود تراها موسكو في غاية الأهمية، وعدم إجابتها عن كثير من التساؤلات.

وأضاف: «في حين أن روسيا تنظر إلى الوثيقة الحالية على أنها خطة أوكرانية إلى حد كبير، فإنها ستدرسها بهدوء».

ولم تُبدِ روسيا أي إشارة إلى استعدادها للموافقة على سحب قواتها من الأراضي التي استولت عليها. بل تُصرّ موسكو على أن تتخلى أوكرانيا عمّا تبقى لديها من أراضٍ في إقليم دونباس، وهو ما ترفضه كييف. وقد سيطرت روسيا على معظم إقليم لوغانسك، ونحو 70 في المائة من إقليم دونيتسك، وهما الإقليمان اللذان يشكلان معاً منطقة دونباس.

وأقرّ زيلينسكي بأن مسألة السيطرة على المنطقة تُمثّل «أصعب نقطة» في المفاوضات، وقال إن هذه القضايا تنبغي مناقشتها على مستوى القادة. وإضافة إلى تأكيده ضرورة طرح الخطة على استفتاء شعبي، قال زيلينسكي إن نشر قوة دولية في المنطقة سيكون أمراً جوهرياً.

وبشأن محطة زابوريجيا النووية، فقد اقترحت الولايات المتحدة إنشاء «كونسورتيوم» يضم أوكرانيا وروسيا، بحيث يمتلك كل طرف حصة متساوية مع غيرها. وردّ زيلينسكي باقتراح مشروع مشترك بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، يكون للأميركيين فيه حق تقرير كيفية توزيع حصتهم، بما في ذلك منح جزء منها لروسيا. وأكّد زيلينسكي أن الولايات المتحدة لم توافق بعد على المقترحات الأوكرانية المضادة.

وقال: «لم نتوصل إلى توافق مع الجانب الأميركي بشأن أراضي منطقة دونيتسك ومحطة زابوريجيا النووية». وأضاف: «لكننا قرّبنا بشكل كبير معظم المواقف بعضها من بعض. ومن حيث المبدأ، تم التوصل إلى توافق بشأن جميع البنود الأخرى في هذا الاتفاق بيننا وبينهم».

المنطقة الاقتصادية الحرة

قال زيلينسكي إن إنشاء منطقة اقتصادية حرة في دونباس سيتطلب مناقشات صعبة بشأن مدى تراجع القوات وأماكن تمركز القوات الدولية. وأكد أن الاستفتاء ضروري؛ «لأن الناس عند ذلك يمكنهم أن يختاروا ما إذا كان ذلك يناسبهم أم لا». وأضاف أن إجراء مثل هذا التصويت سيستغرق 60 يوماً، وأنه يجب أن تتوقف خلالها الأعمال القتالية.

زيلينسكي داخل مكتبه الرئاسي في كييف يوم 23 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

ويقترح «مشروع الصيغة الأميركية - الأوكرانية» أيضاً انسحاب القوات الروسية من مناطق دنيبروبتروفيسك وميكولايف وسومي وخاركيف. ويتصور زيلينسكي أن تتمركز قوات دولية على خط التماس داخل المنطقة الاقتصادية الحرة لمراقبة تنفيذ الاتفاق. وقال: «نظراً إلى غياب الثقة بالروس، ولأنهم خرقوا وعودهم مراراً، فإن خط التماس الحالي يتحول عملياً إلى خط منطقة اقتصادية حرة، ويجب أن تكون فيها قوات دولية لضمان ألا يدخلها أحد تحت أي ذريعة؛ لا (الرجال الخضر الصغار) ولا جنود روس متنكرون في زي مدني».

إدارة محطة زابوريجيا

اقترحت أوكرانيا أن تكون مدينة إنرهودار المحتلة، وهي أقرب مدينة إلى محطة زابوريجيا النووية، منطقة اقتصادية حرة منزوعة السلاح، وفق زيلينسكي. وقال إن هذه النقطة تطلّبت 15 ساعة من المناقشات مع الولايات المتحدة، من دون التوصل إلى اتفاق.

وفي الوقت الراهن، تقترح الولايات المتحدة أن تُدار المحطة بشكل مشترك من أوكرانيا والولايات المتحدة وروسيا، بحيث يسيطر كل طرف على 33 في المائة من المشروع؛ وهي خطة وصفها زيلينسكي بأنها «غير واقعية تماماً». وقال متسائلاً: «كيف يمكن إقامة تجارة مشتركة مع الروس بعد كل ما حدث؟».

واقترحت أوكرانيا بدلاً من ذلك أن تُدار المحطة عبر مشروع مشترك مع الولايات المتحدة، يتمكن فيه الأميركيون من تحديد كيفية توزيع الطاقة الناتجة عن حصتهم البالغة 50 في المائة. وأضاف زيلينسكي أن تشغيل المحطة مجدداً يتطلب استثمارات بمليارات الدولارات، بما في ذلك إعادة تأهيل السد المجاور.

الضمانات الأمنية

تتضمن الصيغة قيد الإعداد تأكيد حصول أوكرانيا على «ضمانات أمنية قوية»، تُلزم شركاءها بالتحرك في حال تجدّد العدوان الروسي، بما يحاكي «المادة الخامسة» من «ميثاق حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، التي تنص على أن أي هجوم عسكري على أحد أعضاء الحلف يُعدّ هجوماً على الجميع.

جانب من لقاء جمع الرئيس ترمب بنظيره الأوكراني وقادة أوروبيين في البيت الأبيض يوم 18 أغسطس 2025 (أ.ب)

وقال زيلينسكي إن وثيقة منفصلة مع الولايات المتحدة ستُحدّد هذه الضمانات بشكل واضح، وستُفصّل الشروط التي سيوفَّر بموجبها الأمن، لا سيما في حال شنّ هجوم روسي جديد، كما ستُنشِئ آلية لمراقبة أي وقفٍ لإطلاق النار. وأوضح أن هذه الوثيقة ستُوقَّع بالتزامن مع الاتفاق الرئيسي لإنهاء الحرب.

وتتضمن المسودة بنوداً أخرى، من بينها الإبقاء على قوام الجيش الأوكراني عند 800 ألف جندي في زمن السلم، وأن تصبح أوكرانيا عضواً في «الاتحاد الأوروبي» بحلول تاريخ محدد. وتقليص حجم الجيش الأوكراني أحد المطالب الرئيسية لروسيا.

الانتخابات ودعم الاقتصاد

تقترح الوثيقة تسريع اتفاقية تجارة حرة بين أوكرانيا والولايات المتحدة، فيما ذكر زيلينسكي أن واشنطن تسعى إلى إبرام اتفاق مماثل مع روسيا.

وترغب أوكرانيا في الحصول على وصول تفضيلي قصير الأمد إلى السوق الأوروبية، إضافة إلى حزمة مساعدات تشمل إنشاء صندوق تنمية للاستثمار في قطاعات عدة؛ من بينها التكنولوجيا، ومراكز البيانات، والذكاء الاصطناعي، وكذلك قطاع الغاز.

مواطن أوكراني يتفقد نتائج ضربة روسية في زابوريجيا جنوب شرقي أوكرانيا يوم 19 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

وتشمل بنود أخرى توفير أموال لإعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحرب عبر وسائل مختلفة، من بينها المنح والقروض وصناديق الاستثمار. وقال زيلينسكي: «ستتاح لأوكرانيا فرصة تحديد أولويات توزيع حصتها من الأموال في الأراضي الخاضعة لسيطرتها». وسيكون الهدف جذب 800 مليار دولار من خلال رؤوس الأموال والمنح والقروض ومساهمات القطاع الخاص.

كما تنص مسودة المقترح على أن تُجري أوكرانيا انتخابات بعد توقيع الاتفاق. وكان من المقرر أن تنتهي ولاية زيلينسكي الممتدة 5 سنوات في مايو (أيار) 2024، لكن الانتخابات أُجّلت بسبب الحرب الروسية. وقد استغل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هذا الأمر للتشكيك في شرعية الحكومة الأوكرانية - رغم أن التأجيل كان قانونياً - كما أصبح ذلك مصدر توتر مع ترمب.

وتطالب أوكرانيا أيضاً بالإفراج الفوري عن جميع الأسرى المحتجزين منذ عام 2014، وإعادة المحتجزين المدنيين والسجناء السياسيين والأطفال إلى أوكرانيا.


تقرير: روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حرب أوكرانيا

صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)
صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)
TT

تقرير: روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حرب أوكرانيا

صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)
صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)

ذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، نقلاً عن مصدر مطلع اليوم (الأربعاء)، أن روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حربها مع أوكرانيا، بما في ذلك فرض مزيد من القيود على القدرات العسكرية لكييف.

وقال المصدر المقرب من الكرملين، إن روسيا تعتبر خطة السلام الأميركية المؤلفة من 20 بنداً «نقطة انطلاق» فقط لمزيد من المفاوضات، وذلك لافتقارها إلى بنود تراها موسكو في غاية الأهمية، وعدم إجابتها عن كثير من التساؤلات.

وأضاف: «في حين أن روسيا تنظر إلى الوثيقة الحالية على أنها خطة أوكرانية إلى حد كبير، فإنها ستدرسها بهدوء».

وفي وقت سابق اليوم، قال الكرملين إن موسكو ستواصل اتصالاتها مع واشنطن عبر القنوات القائمة قريباً بشأن التسوية الأوكرانية، فيما أوصى مجلس الاتحاد الروسي وزارة الخارجية بالعمل على إقامة حوار مع الولايات المتحدة.

ونقلت وكالة «سبوتنيك» عن الكرملين قوله إن المبعوث الرئاسي الروسي كيريل دميترييف، قدّم تقريراً مفصلاً إلى الرئيس فلاديمير بوتين، حول نتائج محادثاته في الولايات المتحدة، مضيفاً أن موسكو ستصوغ موقفها بشأن التسوية بناء على المعلومات الواردة من دميترييف.

وكان مسؤولون أميركيون قد عقدوا مطلع هذا الأسبوع، اجتماعات في مدينة ميامي حول الشروط الممكن تنفيذها لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية التي اندلعت في فبراير (شباط) 2022. وضمت المحادثات مسؤولين أوكرانيين وأوروبيين، وشملت عقد اجتماعات منفصلة مع دميترييف.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس (الثلاثاء)، إن محادثات ميامي تمخضت عن عدة مسودات وثائق «تتضمن على وجه الخصوص ضمانات أمنية لأوكرانيا، وخططاً للتعافي وإطار عمل أساسياً لإنهاء هذه الحرب».

وفي سياق متصل، أوصى مجلس الاتحاد الروسي وزارة الخارجية اليوم، بالعمل على استعادة العلاقات مع الولايات المتحدة بالكامل «مع مراعاة المصالح الروسية».

وأفادت قناة «آر تي» التلفزيونية بأن المجلس أوصى «الخارجية» الروسية أيضاً «بالعمل على إقامة حوار مع الولايات المتحدة مع مراعاة أهمية التوصل إلى تسوية دائمة في أوكرانيا».