انتهاء حرب غزة يُعَقِّد خيارات الحوثيين العسكرية

زعيم الجماعة أعلن الجاهزية لكل المستجدات

الحوثيون نجحوا في مهادنة الولايات المتحدة لكن مواجهتهم مع إسرائيل ما تزال مفتوحة (أ.ف.ب)
الحوثيون نجحوا في مهادنة الولايات المتحدة لكن مواجهتهم مع إسرائيل ما تزال مفتوحة (أ.ف.ب)
TT

انتهاء حرب غزة يُعَقِّد خيارات الحوثيين العسكرية

الحوثيون نجحوا في مهادنة الولايات المتحدة لكن مواجهتهم مع إسرائيل ما تزال مفتوحة (أ.ف.ب)
الحوثيون نجحوا في مهادنة الولايات المتحدة لكن مواجهتهم مع إسرائيل ما تزال مفتوحة (أ.ف.ب)

رغم فقدان الحوثيين ورقة التعبئة الداخلية ومبررات أنشطتها العسكرية خارج الجغرافيا اليمنية؛ فإن الجماعة أظهرت نيات للاستمرار في التصعيد لأسباب مرتبطة بنفس الصراع، في حين يرى مراقبون أن خيارات الجماعة زادت تعقيداً.

ففي أعقاب توقيع اتفاق إنهاء الحرب في قطاع غزة منذ عامين، أعلن عبد الملك الحوثي، شروع جماعته في رصد ومراقبة الأحداث، مبدياً عزمها على التعليق واتخاذ المواقف تجاه أي مستجد فيها يتطلب ذلك، واستمرار حالة الجهوزية لمراقبة تنفيذ الاتفاق، ملمحاً إلى دورها فيما سماه «الفشل الإسرائيلي» في تحقيق الأهداف.

خلال خطابه الأسبوعي، تباهى الحوثي بتنفيذ 1835 عملية، ما بين صواريخ باليستية ومجنحة وفرط صوتية وطائرات مسيرة، وزوارق حربية، منذ بدء الحرب في غزة، ولجأ إلى التحذير من توجه إسرائيل لعمل عسكري جديد، وهو ما يستدعي (وفق قوله) استمرار الإعداد لجولات مقبلة من الصراع، رغم إعلان وقف إطلاق النار، وعدّ ما جرى خلال العامين الماضيين جولة واحدة منه.

عَكَسَ الخطاب رغبة الجماعة في استمرار التصعيد العسكري ضد إسرائيل، من خلال إشارة زعيمها إلى أن عدم تحقق النتائج المرجوة من اتفاق وقف إطلاق النار سيكون دافعاً لمواصلة ما سماه «مسار الدعم والإسناد».

عناصر حوثيون يرقصون بصنعاء في احتفالية باسم «تتويج عامين من نصرة فلسطين» (أ.ف.ب)

ويصعب التنبُّؤ بتصرفات وتحركات الجماعة الحوثية في الوضع الراهن، وفقاً لحديث علي الصراري مستشار رئيس الوزراء اليمني لـ«الشرق الأوسط»، فانتهاء الحرب في غزة وضعها في مأزق، بعد أن كانت ادعاءاتها لمناصرة سكان القطاع ساعدتها في ترتيب أوضاعها الداخلية وحشد المقاتلين وتوسيع نفوذها الداخلي، وكانت من أكثر الجهات التي استفادت من هذه الحرب.

ويضيف المستشار اليمني أنه من المهم بالنسبة للجماعة أن تسعى إلى تجنب المزيد من الهجمات الإسرائيلية والأميركية، رغم أنها ستظل خاضعة للقرار الاستراتيجي للنظام الإيراني الذي يشترط على حلفائه حمايته في المقام الأول، والذي لا يزال يحافظ على بعض نفوذه في المنطقة، ولا يريد التخلي عن البحر الأحمر كورقة ضغط وابتزاز في مواجهة الولايات المتحدة.

ومن المرجَّح، طبقاً للصراري، وهو أيضاً قيادي في الحزب الاشتراكي اليمني، أن يسعى الحوثيون إلى محاولة إعادة إحياء خريطة الطريق الأممية للحل السلمي في اليمن، التي لم يجرِ التفاوض حولها بسبب التصعيد العسكري الحوثي خارج اليمن. ورغم أن الوضع قد تغير. ولم يعد بالإمكان العمل بتلك الخريطة، فإن الجماعة ستسعى من خلال تهديدها الإقليمي في سبيل ذلك.

اليمنيون يتهمون الحوثيين بالإضرار بهم ويتهكمون من مزاعمهم حول نصرة الفلسطينيين (رويترز)

وكان هانس غروندبرغ مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تقدم نهاية 2023 بخريطة طريق للحل السلمي في اليمن، إلا أن النشاط العسكري للجماعة الحوثية في البحر الأحمر وهجماتها ضد إسرائيل عطل إمكانية البدء في تنفيذها.

ورطة عسكرية

تُعدّ الأوضاع الداخلية عاملاً مهماً في موقف الجماعة الحوثية بعد انتهاء الحرب في غزة؛ حيث ستجد نفسها غير قادرة على التعبئة تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين، وبحاجة لتبرير استمرار الأزمات المعيشية والخدمية وانقطاع رواتب الموظفين العموميين.

ويذهب فارس البيل، الأكاديمي والباحث السياسي اليمني إلى أن الجماعة تشعر بورطة عسكرية وسياسية بعد اتفاق التهدئة في غزة، لفقدانها مبررات مغامراتها العسكرية التي تشكل خط دفاع أولياً للنظام الإيراني، وتخدم طموحاته ورغباته من تصعيد وتهديد وابتزاز للغرب واستنزافه في المنطقة.

الحوثيون بدأوا عملياتهم ضد الملاحة الدولية باختطاف السفينة «غالاكسي ليدر» قبل قرابة عامين (أ.ب)

وبحسب إفادة البيل لـ«الشرق الأوسط»، فإن الجماعة الحوثية هربت بنشاطها العسكري ضد إسرائيل والملاحة في البحر الأحمر من تبعات السخط الشعبي عليها، وعادت بمبرر تلك المواجهة إلى ممارسة الحشد العسكري الذي تراجع بسبب الهدنة الداخلية، ووجدت فرصتها لعسكرة الحياة وتشديد قبضتها الأمنية والسيطرة الداخلية ومضاعفة نهب الأموال العامة والخاصة وممارسة الابتزاز داخلياً وخارجياً.

وبسبب مغامرات الجماعة، فإن المعادلة اختلفت عمّا كانت عليه سابقاً؛ حيث ذهبت الجماعة (بحسب البيل) أبعد مما يجب، وخسرت دعماً من أطراف دولية كانت تتوقع منها التحول إلى حالة سياسية، وعوضاً عن ذلك أصبح عليها ثأر من إسرائيل لا يمكن تجاهله، وخسرت التفاوض السياسي، وأودت باليمنيين إلى المحرقة، ولم ينفع معها التعاطف الشعبوي والبطولات الزائفة.

إعادة تموضع

حشدت الجماعة أنصارها وأتباعها، الجمعة الماضي، في مختلف مناطق سيطرتها، تحت دعوى «تتويج عامين من نصرة فلسطين»، وزعمت في خطابها المصاحب لتلك الفعاليات أنها بمساهمتها في إسناد الفلسطينيين، تمكنت من تطوير قدراتها العسكرية على كل المستويات، وتحقيق حضور في الساحة العالمية.

الجماعة الحوثية زعمت أنها طورت من قدراتها العسكرية خلال مواجهتها مع إسرائيل (أ.ف.ب)

ويضع الباحث اليمني محمد عبد المغني احتمالين لتوجهات الجماعة بعد إعلان وقف إطلاق النار في غزة؛ فقد تذهب نحو التهدئة المؤقتة وإنهاء نشاطها العسكري بسبب سقوط الهالة الدعائية المتمثلة في ذريعة مناصرة غزة، أو «استمرار تهديداتها تحت ذريعة الجاهزية للعودة في حالة تعثر تنفيذ الاتفاق»، كما ورد في تصريحات زعيمها عبد الملك الحوثي.

وفقد الحوثيون فعلاً مبرراتهم المباشرة، لكنهم لم يفقدوا مبرراتهم الاستراتيجية والسياسية، وفقاً لحديث عبد المغني لـ«الشرق الأوسط»، لأنهم في المجمل يستخدمون الصراع وقتالهم منذ سنوات أداةَ ضغطٍ سياسية لتقوية موقفهم وموقف إيران؛ سواء في مفاوضات مستقبلية على المستوى الداخلي أو الإقليمي، فهذه المبررات أصبحت جزءاً من مشروع سياسي وآيديولوجي مرتبط بالنظام الإيراني.

وتبعاً لذلك، فإن التنبؤ بأي تحرك للجماعة لا بد أن يرتبط (بحسب عبد المغني) بموقف إيران، وحتى لو انتهت الحرب تماماً في غزة، فإنها ستبحث عن مبررات جديدة لاستمرارها في التصعيد.

عناصر حوثيون يؤيدون قرار زعيمهم استئناف الهجمات على إسرائيل في مارس الماضي (غيتي)

وفي حين يتوقع أن تتجه الجماعة إلى مرحلة إعادة تموضع، والمحافظة على وتيرة منخفضة من التصعيد، ومحاولة الوصول إلى توازن بين التهدئة الإقليمية والحفاظ على سيطرتها الداخلية واستمرار انتهاكاتها بحق السكان، يرى أن ذلك سيشمل بقاء البحر الأحمر ورقة ابتزاز وضغط بيد إيران، ولكن بشكل محسوب لتجنب ردود فعل دولية قاسية.

وبعد أن كانت تستخدم الجماعة الحوثية أنشطتها العسكرية لتحقيق رغبتها في التحول إلى قوة مؤثرة في المنطقة، ستواجه (طبقاً لعبد المغني) خطر فرض العزلة السياسية، بعد أن ظهر تغير، وإن كان غير كبير، في الموقف الأوروبي تجاهها بعد عمليتها الأخيرة في البحر الأحمر، التي استهدفت سفينة هولندية.


مقالات ذات صلة

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

الخليج جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

رحبت السعودية بالاتفاق الذي وُقّع عليه في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، وعدته خطوةً مهمةً تُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج أسرى يلوِّحون بأيديهم لدى وصولهم إلى مطار صنعاء في عملية تبادل سابقة (أرشيفية- رويترز)

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن أطراف النزاع في اليمن اختتمت، الثلاثاء، اجتماعاً استمر 11 يوماً في سلطنة عمان.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تشييع قيادي حوثي توفي بشكل غامض في إب وسط تكهنات باغتياله جراء خلافات مالية (إعلام حوثي)

الانفلات الأمني يفتك بمناطق سيطرة الحوثيين

تشهد مناطق سيطرة الجماعة الحوثية تسارعاً غير مسبوق في الإعدامات الميدانية للمدنيين، وعلى خلفيات مناطقية، وتسبب الانفلات الأمني في حوادث اغتيال عدد من القيادات

وضاح الجليل (عدن)
مسلح حوثي يراقب تجمعاً لرجال القبائل في صنعاء (إ.ب.أ)

انفلات الثأر القبلي يكشف زيف مزاعم الحوثيين باحتواء الصراعات

تصاعدت حوادث الثأر والعنف القبلي في مناطق الحوثيين على الرغم من ادعاءاتهم تبني سياسات للصلح وإنهاء النزاعات التي يستغلونها لتعزيز نفوذهم وجني مزيد من الموارد.

وضاح الجليل (عدن)

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
TT

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)

قالت حركة «حماس» إن وفداً بقيادة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية التقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة اليوم الأربعاء، وبحث معه مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب، والأوضاع السياسية، والميدانية.

وذكرت «حماس» في بيان أن الحية أكد لوزير الخارجية التركي التزام الحركة ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، محذراً من استمرار «الاستهدافات، والخروقات» الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة، والتي قال إنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وتقويض التفاهمات القائمة».

وفيما يتعلق بالأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، أشار الحية إلى أن المساعدات الإغاثية التي تدخل القطاع «لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات»، موضحاً أن 60 في المائة من الشاحنات التي تسمح إسرائيل بدخولها هي شاحنات لبضائع تجارية، وليست مساعدات إنسانية.

وأكد الحية أن ذلك «يحرم الشريحة الكبرى من أبناء شعبنا من الحصول على احتياجاتهم الأساسية من غذاء، ودواء، وخيام بشكل إغاثي عاجل».

وتناول اللقاء أيضاً التطورات في الضفة الغربية، والقدس، حيث أكد وفد «حماس» على خطورة الممارسات «الإجرامية» الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية، والمسيحية.

كما ناقش الجانبان مسار تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة «المخططات» التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، بحسب بيان «حماس».


العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
TT

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)

شدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور رشاد العليمي، على رفضه القاطع لأي محاولات لتفكيك الدولة في بلاده، أو فرض وقائع أحادية خارج المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، مؤكداً أن حماية المركز القانوني للدولة، ووحدة القرار السياسي تمثلان أولوية وطنية لا تقبل المساومة.

وفي إشارة إلى تصعيد مجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة، حذّر العليمي من أن أي مساس بوحدة الدولة سيقود إلى فراغات أمنية خطيرة، ويقوض جهود الاستقرار، ليس في اليمن فحسب، بل على أحد أهم خطوط الملاحة الدولية.

جاءت تصريحات العليمي خلال استقباله في الرياض، الأربعاء، سفيرة فرنسا لدى اليمن كاترين قرم كمون، حيث جرى بحث مستجدات الأوضاع المحلية، وفي المقدمة التطورات في المحافظات الشرقية، والدور المعول على المجتمع الدولي في دعم جهود التهدئة التي تقودها السعودية، وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة.

وأشاد العليمي - حسب الإعلام الرسمي - بالدور الفرنسي الداعم لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية، وبموقف باريس الثابت إلى جانب وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه، على النحو الوارد في بيان مجلس الأمن الدولي الصادر، الثلاثاء. كما جدّد تقديره للعلاقات التاريخية بين البلدين، معرباً عن ثقته باستمرار الدعم الفرنسي المتسق مع مبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وتطرق اللقاء - وفق ما أوردته وكالة «سبأ» الحكومية - إلى التحديات المتشابكة التي تواجهها القوى الوطنية في مسار استعادة الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، في ظل الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي خارج الأطر الدستورية ومرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

تحذير من المخاطر

أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني أن الدولة ستقوم بواجباتها كاملة في حماية مركزها القانوني، مشدداً على أن هذا المسار يتطلب موقفاً دولياً أكثر وضوحاً لدعم الإجراءات الدستورية والقانونية التي تتخذها مؤسسات الشرعية. وأشاد في هذا السياق بالتوصيف المُقدَّم للأزمة اليمنية الوارد في إحاطة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

وحذّر العليمي من أن أي تفكك داخلي سيعزز نفوذ الجماعات المتطرفة، ويخلق بيئات رخوة للجريمة المنظمة، مؤكداً أن أمن البحر الأحمر وخليج عدن يبدأ من استقرار الدولة اليمنية، وليس من شرعنة كيانات موازية أو مكافأة أطراف منقلبة على التوافق الوطني.

حشد في عدن من مؤيدي المجلس الانتقالي الجنوبي الداعي إلى الانفصال عن شمال اليمن (رويترز)

وأوضح أن ضبط النفس الذي مارسته القيادة خلال السنوات الماضية لم يكن تعبيراً عن ضعف، بل كان التزاماً وطنياً ومسؤولية سياسية لتجنُّب مزيد من العنف، وعدم مضاعفة معاناة الشعب اليمني، واحتراماً لجهود الأشقاء والأصدقاء الرامية إلى خفض التصعيد.

وجدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي التزام المجلس بحل عادل للقضية الجنوبية، يستند إلى الإرادة الشعبية، والانفتاح على الشراكات السياسية، وخيارات السلام، مع التأكيد على الرفض القاطع لتفكيك الدولة أو فرض الأمر الواقع بالقوة.

وفي سياق متصل، جدّد الاتحاد الأوروبي التزامه القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، ودعمه لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية. وأعلن الاتحاد، في بيان، الأربعاء، تأييده للبيان الصادر عن أعضاء مجلس الأمن، مؤكداً دعمه لجهود المبعوث الأممي إلى اليمن، والعمل من أجل سلام مستدام وازدهار دائم للشعب اليمني.

ودعا الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف إلى خفض التصعيد، وتعزيز الجهود الدبلوماسية، مرحباً بالاتفاق الذي جرى التوصل إليه في مسقط بشأن مرحلة جديدة لإطلاق سراح المحتجزين.

كما أدان الاتحاد الأوروبي بشدة استمرار احتجاز الحوثيين لموظفين أمميين وعاملين في منظمات إنسانية ودبلوماسية، مطالباً بالإفراج الفوري وغير المشروط عنهم.


«اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)
نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)
TT

«اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)
نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)

يُشكّل الاتفاق الذي أبرمته الحكومة اليمنية في مسقط مع الجماعة الحوثية لتبادل نحو 2900 أسير ومحتجز من الطرفين اختباراً جديداً لمدى مصداقية الجماعة في إغلاق أحد أكثر الملفات الإنسانية تعقيداً، بعد سنوات من التعثر والفشل.

فعلى الرغم من الترحيب الواسع بالاتفاق محلياً ودولياً، فإنه لا تزال الشكوك تحيط بآليات التنفيذ، في ظل غياب القوائم النهائية، واستمرار الغموض حول مصير القيادي في حزب «الإصلاح» محمد قحطان، المختطف منذ قرابة عشرة أعوام.

وحسب مصادر قريبة من المحادثات، فإن الاتفاق الذي رعاه مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، وبمساندة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لا يتجاوز في هذه المرحلة كونه اتفاقاً مبدئياً، يفترض تنفيذه خلال فترة لا تتجاوز شهراً.

العبء الأكبر يقع على الوسطاء لإنجاح الصفقة اليمنية لتبادل الأسرى (إعلام حكومي)

وأوضحت جهات مطلعة على مسار التفاوض لـ«الشرق الأوسط» أن البند الأول من الاتفاق يقتصر على إطلاق سراح أسرى تابعين لتحالف دعم الشرعية، إضافة إلى القيادي محمد قحطان، فيما لا تزال بقية تفاصيل الصفقة، وأسماء المشمولين بها، خاضعة لمقايضات ومفاوضات لاحقة بين الأطراف والوسطاء.

وأشارت المعطيات ذاتها إلى أن ما تم التوصل إليه حتى الآن لا يعني حسم الملف، إذ لطالما ارتبطت جولات التفاوض السابقة بمطالب حوثية معقدة، شملت إدراج أسماء مقاتلين مفقودين في الجبهات، تزعم الجماعة أنهم أسرى لدى الحكومة، من دون تقديم أدلة على ذلك، فضلاً عن رفضها المتكرر إدراج أسماء مختطفين مدنيين بحجة أنهم «قيد القضاء».

تغيّر المفاوضين

رأت الأوساط القريبة من المفاوضات أن ترؤس ممثل الحوثيين في اللجنة العسكرية، يحيى الرزامي، لفريق المفاوضين عن الجماعة، بدلاً من عبد القادر المرتضى، أسهم في تهيئة الأجواء للتوصل إلى هذا الاتفاق المبدئي.

وذكرت أن المرتضى، المتهم بالتورط في تعذيب بعض المعتقلين، كان سبباً رئيسياً في إفشال عدة جولات تفاوض سابقة، بسبب تشدده وإصراره على شروط وصفت بغير الواقعية.

مخاوف حكومية يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

وأضافت تلك الأوساط أن وجود الرزامي على رأس فريق الحوثيين سهّل النقاشات، ومهّد للاتفاق على مبدأ تبادل شامل للأسرى والمعتقلين من الطرفين، وإن كان ذلك لا يزال مشروطاً بمدى التزام الحوثيين بتعهداتهم، وصدق نواياهم في تقديم معلومات دقيقة وموثوقة حول المحتجزين.

في المقابل، أبدت الحكومة اليمنية، وفق التقديرات نفسها، مخاوف جدية من سعي الحوثيين إلى إفراغ الاتفاق من مضمونه الإنساني، عبر المماطلة، أو إعادة طرح الشروط ذاتها التي أفشلت محاولات سابقة.

وتؤكد هذه المعطيات أن نجاح الصفقة مرهون بجدية الحوثيين في الوفاء بالتزاماتهم، والكشف الكامل عن مصير جميع المختطفين، وفي مقدمتهم محمد قحطان.

قحطان وعقدة الثقة

يظل مصير القيادي في حزب «الإصلاح» محمد قحطان من أبرز العوائق أمام المضي قدماً في تنفيذ الاتفاق. فعلى الرغم من إدراج اسمه ضمن المرحلة الأولى من الصفقة، فإن مصيره لا يزال مجهولاً منذ اعتقاله في عام 2015 من إحدى النقاط الأمنية عند مدخل مدينة إب. وحتى اليوم، لم يفصح الحوثيون عما إذا كان الرجل لا يزال على قيد الحياة أم لا.

وحسب المصادر، فإن هذا الغموض قوض تفاهمات سابقة، وأدى إلى إفشال جولات تفاوض سابقة، بعد أن اشترط الحوثيون الحصول على ثلاثين أسيراً في حال كان قحطان حياً، أو ثلاثين جثة إذا ثبت مقتله.

وترى الجهات المعنية بالملف أن هذا السلوك يثير شكوكاً كبيرة حول مصير الرجل، بعد أكثر من عشر سنوات وثمانية أشهر على إخفائه قسراً، ويضعف فرص بناء الثقة اللازمة لإنجاح بقية مراحل اتفاق التبادل.

وتؤكد المصادر أن نجاح أي صفقة تبادل لا يمكن أن يتحقق دون معالجة ملف قحطان بوضوح وشفافية، بوصفه قضية إنسانية وسياسية في آن واحد، واختباراً حقيقياً لمدى التزام الحوثيين بالقانون الدولي الإنساني.

مراحل التنفيذ

وفقاً للتفاهمات المعلنة، فقد جرى الاتفاق على تنفيذ الصفقة عبر ثلاث مراحل رئيسية. المرحلة الأولى تشمل إطلاق سراح أسرى تحالف دعم الشرعية، إضافة إلى القيادي محمد قحطان. وفي المرحلة الثانية، التي تبدأ بعد نحو أسبوع، سيتم تشكيل لجنة مشتركة للقيام بزيارات ميدانية إلى أماكن الاحتجاز، وتوثيق أسماء جميع المحتجزين على ذمة الصراع.

وبعد ذلك، ترفع اللجنة القوائم التي تم التحقق منها إلى مكتب المبعوث الأممي الخاص باليمن واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ليجري اعتمادها رسمياً والشروع في تنفيذ عملية التبادل. أما المرحلة الثالثة، فستُخصص لملف «الجثامين»، وتشمل تبادل جثامين القتلى، والبحث عن رفات المفقودين في مناطق المواجهات، وصولاً إلى إغلاق هذا الملف المؤلم.

وتشير المصادر إلى أنه تم الاتفاق على عدد المشمولين بالصفقة من الطرفين، على أن يتم التوافق على أسمائهم خلال شهر، إضافة إلى انتشال جميع الجثامين من مختلف الجبهات وتسليمها عبر الصليب الأحمر. كما اتُفق على تشكيل لجان لزيارة السجون بعد تنفيذ الصفقة، وحصر من تبقى من الأسرى، تمهيداً لإطلاقهم.

وسيكون العبء الأكبر، حسب المصادر، على الوسطاء الدوليين، وفي مقدمتهم مكتب المبعوث الأممي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، لضمان تنفيذ الاتفاق، ومنع أي طرف من الالتفاف عليه، ووضع آلية زمنية واضحة تبدأ بتجميع الأسرى والمختطفين في نقاط محددة، ومطابقة القوائم، وتحديد يوم البدء بعملية التبادل.