عودة الحياة إلى «أسواق بيروت»: الاقتصاد يلتقي الذاكرة

المدينة تستعيد واجهتها التجارية الشاهدة على الخراب والنهضة

مشهد يروي قصة مدينة تعرف كيف تولد من رمادها (الجهة المُنظِّمة)
مشهد يروي قصة مدينة تعرف كيف تولد من رمادها (الجهة المُنظِّمة)
TT

عودة الحياة إلى «أسواق بيروت»: الاقتصاد يلتقي الذاكرة

مشهد يروي قصة مدينة تعرف كيف تولد من رمادها (الجهة المُنظِّمة)
مشهد يروي قصة مدينة تعرف كيف تولد من رمادها (الجهة المُنظِّمة)

ضجَّ ليل الخميس البيروتيّ بالتذكُّر، كما ضجَّ بالضوء والاحتفال. فالعاصمة اللبنانية استعادت بعضاً من قلبها المفقود. في وسط المدينة، التي لطالما مثَّلت أسواقها الأناقة، تجمَّع الناس حول حلم قديم استفاق بعد انقطاع، ليشهدوا حفل إعادة إطلاق المكان الذي كان يوماً رمزاً للازدهار، ثم تحوّل إلى ثقل يتوارى بين ركام الانفجار، وخراب التاريخ.

برعاية رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، وحضور اللبنانية الأولى نعمت عون، عادت الحياة إلى الأزقّة التي كانت يوماً تضجّ بخطى العابرين. وجوه السياسيين والفنانين والدبلوماسيين والإعلاميين بدت كأنها تبحث في الضوء عن بيروتها المفقودة؛ تلك المدينة التي امتهنت عناد الموت، وابتسمت في وجهه كما فعلت ذلك المساء.

لحظة إطلاق الأسواق وسط تصفيق وحفاوة (الجهة المُنظِّمة)

صعد سلام إلى المنصّة وقال: «ليست إعادة الحياة إلى أسواق مجرّد عودة إلى النشاط الاقتصادي. هي استعادة لنبض العاصمة وروحها التي قاومت كلّ الصعاب عبر العقود وانتصرت». بدا كأنه يُعبِّر عمّا في خاطر المدينة. فالأسواق التي عرفت الحرب ثم العافية، شهدت الانفجار الكبير والوباء والركود، واليوم تقف مجدداً لتؤكد إصرارها الأبدي على النهوض.

استعاد رئيس الحكومة ذاكرة المكان حين كانت هذه الأسواق «ساحة للمعارك، ثم رمزاً لنهضة ما بعد الحرب». أراد القول إنّ وسط المدينة هذا لا ينبغي أن يُقاس بالحجر والعمران فحسب، لأنه «مرآة الوطن، كلّما ازدهر، ازدهر لبنان معه». وتابع: «الحديث عن أسواق بيروت لا يكتمل من دون التوقُّف عند بُعدها العمراني والثقافي، فهي لم تُبنَ على أرض جديدة، وإنما على النسيج نفسه الذي احتضن تاريخ المدينة لآلاف السنوات». ثم ختم: «بيروت ليست مدينة مساكن ومحلّات. هي مدينة ناس وذاكرة وإرادة، ومهما اشتدّت العواصف، فستبقى مدينة الحياة، مدينة اللقاء، مدينة المستقبل».

المدينة تطوي صفحة الألم (الجهة المُنظِّمة)

اجتمع إلى جانبه رئيس مجلس إدارة «سوليدير» ناصر الشمّاع، ومديرها العام زياد أبو جمرة، ومدير «أسواق بيروت» أديب النقيب. ضغطوا معاً على زرّ الإطلاق، فانفجرت السماء فوقهم بالألوان والليزر والألعاب النارية. بدا المشهد مثل احتفال رمزيّ بعودة الروح إلى مدينة عصيّة على الهزيمة.

دقائق الألعاب النارية لم تمرَّ خفيفة على الذاكرة. فصوت الانفجار، مهما كان ملوَّناً، يوقظ في الدواخل وحشية الحرب الإسرائيلية في مثل هذه الأيام من الخريف، حين كان الليل يهتزّ على وَقْع الغارات. ولعلَّ أهل المدينة خرجوا إلى الشرفات، تأمّلوا السماء، واستعادوا قسوة تلك الليالي، لكنهم رأوا في ألوان الضوء ما بدَّد ظلالها. فالألعاب النارية أضاءت الأفق لتُعلن طيَّ صفحة الحروب، وبألوانها حملت وعداً بأيام أكثر سلاماً.

توالت الكلمات، وكلّها حملت طبقات من الوجع والأمل. قال الشمّاع إنّ «أسواق بيروت شاهد حيّ على صمود العاصمة، وعلى إرادة أبنائها في النهوض مهما اشتدَّت الصعاب». اختصرت عبارته فلسفة المدينة التي تكتب تاريخها كلّ مرة من جديد، كما لو أنّ الخراب امتحان دائم لوجودها. ثم أضاف: «لبنان يُوجّه اليوم رسائل واضحة إلى العالم، يؤكّد فيها أنّ مسار النهوض قد انطلق فعلاً، ومرحلة إعادة البناء تمضي بثبات وثقة».

بين الحاضرين، وقف رئيس مجلس إدارة مجموعة «آيشتي» طوني سلامة، ليقول: «إذا ظلَّ قلب لبنان، وعاصمته بيروت، نابضاً بالصمود، فنحن لا نزال بألف خير». أكدت كلمته استحالة إطفاء عناد هذه المدينة التي تشتهي الحياة كما يشتهي البحر موجه.

عودة «أسواق بيروت» إلى الضوء بعد سنوات من الغياب (الجهة المُنظِّمة)

في السياق نفسه، تحدَّث رئيس مجلس إدارة مجموعة «أزاديا» وسيم ضاهر، قائلاً: «احتفالنا رمز لنهضة المدينة، وبداية فصل جديد في مسيرتها. أسواق بيروت كانت وستبقى القلب الخافق للعاصمة، والمكان الذي يُجسّد روحها، وحيويتها، وعشقها الدائم للحياة». بدا كأنّ كلّ جملة منه محاولة لالتقاط لحظة نادرة تتمثَّل في ولادة الرجاء من تحت الأنقاض.

أما رئيس بلدية بيروت إبراهيم زيدان، فحمَّل كلمته نبرة الوفاء والعتب معاً. قال: «نلتقي في لحظة مليئة بالرمز والعزيمة، نُعيد فيها افتتاح أسواق بيروت التي شهدت على تاريخ العاصمة وتحدّياتها؛ من الدمار الاقتصادي إلى فاجعة المرفأ». ثم رفع صوته: «حاول البعض طمس معالم النجاح والفرح في مدينتنا، لكنّ إرادة أهل بيروت كانت وستبقى أقوى». وختم بدعوة حملت روح المدينة: «استثمروا في بيروت، وكونوا شركاء في إعادة الحياة إلى قلبها النابض. بيروت تستحق، وأهلها يستحقون».

بين كلمة وأخرى، كان الناس يلتفتون حولهم إلى الأزقّة التي عادت تتلألأ، والواجهات التي استعادت زينتها بعد أعوام من الغبار. ليست الموسيقى والأضواء وحدهما ما أعادا إلى المكان روحه، وإنما ذاكرة الناس أنفسهم أيضاً؛ أولئك الذين غابوا ثم عادوا ليجدوا فيه محاكاة دافئة لِما بقي في قلوبهم.

ورغم الطابع التجاري للحفل، فقد تجاوزه إلى ما يُشبه البيان الرمزي لمدينة تنهض من كبوتها. فعودة «أسواق بيروت» إلى العمل لا تُحصَر بالترويج لمشروع اقتصادي. هي مساحة تُعيد وصل التجارة بالذاكرة والحياة بالمدينة. كأنّ بيروت، على طريقتها المعهودة، تقول مرة أخرى إنها ابنة النار والماء، تنجو من الرماد لتتّقد من جديد.


مقالات ذات صلة

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

يوميات الشرق كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور...

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق صقلية في مراياها المتكسّرة (متروبوليس)

الأخوان تافياني في «متروبوليس»... سينما تُنصف مكانة الإنسان في العالم

الفنّ يستطيع أن يُحوّل القرية النائية والمزرعة الفقيرة والسجن المُغلق إلى مساحات مفتوحة على أسئلة عن الحرّية والسلطة والذنب والذاكرة...

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق حفل تُشارك فيه النساء رحلة تُحرّرهنّ من أحكام المجتمع (كوين أوف فتنيس)

حفل «ملكة الصحة» يكسر الأحكام المُسبقة بحق النساء

حفل تُشارك خلاله نساء قصصهنّ مع التنمُّر والوجع الطويل الذي خبّأنه خلف ملابس فضفاضة وأبواب مغلقة...

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق أسواق بيروت تتزيَّن في مناسبة عيد الميلاد (الشرق الأوسط)

لبنان ينشغل باستقبال الأعياد بموازاة زيارة البابا التاريخية

تحت عبارة «بيروت إلى الأبد» المكتوبة بأحرف حمراء كبيرة، وقف اللبنانيون يلتقطون الصور للذكرى في أسواق بيروت...

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق خطى لا تنظر إلا إلى الأمام (بيروت ماراثون)

جونية ركضت قصصها... 10 آلاف مُشارك صنعوا نهاراً استعاد فيه اللبنانيون أنفسهم

كان الركض نوعاً من الإجابة المُشتركة عن سؤال كيف نستعيد أنفسنا في بلد من دون أمان؟ هذا الاستفهام الصعب الذي لا يكفُّ اللبنانيون على التهرُّب من صياغته.

فاطمة عبد الله (بيروت)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.