60 قتيلاً بهجوم لـ«الدعم السريع» على مخيم للنازحين في الفاشر

«الصحة العالمية»: المستشفى الوحيد في المدينة تعرّض للهجوم 3 مرات هذا الشهر

ملجأ يحمي فيه النازحون أنفسهم من القصف في الفاشر بالسودان (رويترز)
ملجأ يحمي فيه النازحون أنفسهم من القصف في الفاشر بالسودان (رويترز)
TT

60 قتيلاً بهجوم لـ«الدعم السريع» على مخيم للنازحين في الفاشر

ملجأ يحمي فيه النازحون أنفسهم من القصف في الفاشر بالسودان (رويترز)
ملجأ يحمي فيه النازحون أنفسهم من القصف في الفاشر بالسودان (رويترز)

قُتل أكثر من 60 شخصاً، اليوم (السبت)، في هجوم بطائرة مسيّرة لـ«قوات الدعم السريع»، استهدف مخيماً للنازحين في مدينة الفاشر المحاصرة بشمال دارفور بالسودان، وفقاً لمنظمة محلية.

وقالت «تنسيقية لجان مقاومة الفاشر»، وهي مجموعة محلية معنية بتوثيق انتهاكات الحرب، في بيان: «للمرة الثانية صباح السبت، (قوات الدعم السريع) تقصف مركز إيواء... بحي درجة (في الفاشر)، وتَسبَّب القصف في قتل 30 شخصاً». وبحسب البيان الذي نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية»، ما زالت هناك جثث داخل خنادق حُفِرت للحماية. إلى ذلك، أشار مدير منظمة الصحة العالمية أدهانوم غيبريسوس، في تغريدة عبر موقع «إكس»، إلى أنه منذ بداية أكتوبر (تشرين الأول)، تعرَّض مستشفى الولادة السعودي، المستشفى الوحيد الذي لا يزال يعمل في الفاشر، للهجوم 3 مرات، وأن تلك الهجمات أسفرت عن مقتل 6 أشخاص، بينهم طفل. كما أُصيب 12 شخصاً آخرين، بينهم طفلان وعامل صحي. وتضرَّرت غرفة العمليات والمرافق المجاورة.

ودعا مدير منظمة الصحة العالمية إلى «حماية المرافق الصحية فوراً، وكذلك توفير وصول المساعدات الإنسانية، حتى نتمكَّن من دعم المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية عاجلة، والعاملين الصحيين الذين هم في أمس الحاجة إلى الإمدادات الصحية».

وكان المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة فولكر تورك، قال أول من أمس (الخميس)، إن القتال في مخيم للنازحين وما حوله في غرب السودان، أسفر عن مقتل 53 مدنياً على الأقل وإصابة أكثر من 60 آخرين على مدار 3 أيام هذا الأسبوع، وإن عدد القتلى آخذ في الارتفاع. وأفاد تورك بأن الضربات الجوية والمدفعية التي شنَّتها «قوات الدعم السريع» شبه العسكرية في حيَّي أبو شوك ودرجة ومخيم النازحين في الفاشر، أسفرت عن مقتل 46 شخصاً.

في الأشهر الأخيرة «كثّفت قوات الدعم السريع» هجماتها في غرب وجنوب السودان بعدما أخرج الجيش مقاتليها من مدن رئيسية في وسط البلاد بينها الخرطوم، في النصف الأول من العام الحالي. وخلال الأسبوع الماضي، قُتل ما لا يقل عن 50 شخصاً في هجمات نُسبت لـ«الدعم السريع» على مسجد ومستشفى بالفاشر. وحذَّر بيان «تنسيقية لجان مقاومة الفاشر»، السبت، من أن «الجميع يموت إما بالقصف أو الجوع أو المرض يومياً». تحاصر «قوات الدعم السريع» الفاشر منذ مايو (أيار) 2024، مغلقةً الطريق على نحو 260 ألف شخص باتوا يقتاتون على علف الحيوانات لندرة الطعام. ويعاني مليون شخصاً في شمال دارفور من المجاعة، بحسب الأمم المتحدة، في ظل منع دخول المساعدات وقطع الطرق منذ أكثر من عام. وبحسب أرقام نشرتها الأمم المتحدة الثلاثاء، فرَّ أكثر من مليون شخص من الفاشر منذ اندلاع الحرب، أي ما يعادل 10 في المائة من إجمالي النازحين داخل البلاد. وتراجع عدد سكان المدينة وهي الأكبر في المنطقة، بنحو 62 في المائة، من أكثر من مليون نسمة إلى نحو 413 ألفاً، بحسب المنظمة الدولية للهجرة. ويفيد مدنيون بأن الضربات اليومية تجبرهم على تمضية معظم أوقاتهم تحت الأرض داخل مخابئ مؤقتة حفرتها العائلات في الباحات الخلفية لمنازلها.

نزاع على السيطرة

الفاشر هي عاصمة ولاية شمال دارفور وآخر مدينة كبيرة في الإقليم الشاسع لا تزال تحت سيطرة الجيش وحلفائه. وسبق للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية أن أكدت ارتكاب الطرفين «جرائم حرب على نطاق واسع ومنهجي» في الإقليم تستهدف بعض المجموعات العرقية. وتدفع «الدعم السريع» منذ أغسطس (آب) باتجاه المدينة في محاولة لإحكام السيطرة عليها، الأمر الذي يحذِّر مراقبون من أنه قد يؤدي لتقسيم البلاد بين منطقة غربية تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في حين يحكم الجيش الشمال والشرق. وتخشى المنظمات الإنسانية وقوع مجازر جماعية إذا سيطرت «قوات الدعم السريع» على الفاشر، علماً بأنها تستهدف خصوصاً المجموعات غير العربية، مثل قبيلة الزغاوة التي تُشكِّل العمود الفقري للقوات المشتركة المتحالفة مع الجيش. وأظهرت صور بالأقمار الاصطناعية حللها مختبر البحوث الإنسانية (هيومانيتاريان ريسيرتش لاب) في جامعة ييل الأميركية أن «قوات الدعم السريع» أقامت سواتر على امتداد 68 كيلومتراً حول الفاشر، تاركةً مَخرجاً وحيداً من المدينة عبارة عن ممر يتراوح طوله بين 3 و4 كيلومترات، يتعرَّض فيه المدنيون للابتزاز مقابل العبور.

وأفادت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، دنيز براون، وشهود عيان بتعرُّض المدنيين للقتل أو الخطف أو العنف الجنسي في أثناء محاولتهم الفرار من الفاشر. وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الخميس: «بعد أكثر من 500 يوم من الحصار المتواصل والقتال المستمر، الفاشر على شفا كارثة أكبر إن لم تُتَّخذ إجراءات عاجلة لفك الطوق المسلّح عنها وحماية المدنيين». ودعا إلى إقامة «ممرّ آمن» لكي يتسنّى لمَن يريدون المغادرة الرحيل «طوعاً»، مطالباً بإدخال المساعدات الإنسانية فوراً. أسفرت الحرب المتواصلة منذ أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش و«قوات الدعم السريع» عن مقتل عشرات الآلاف، ودفعت الملايين إلى النزوح داخل البلاد أو اللجوء خارجها، بينما بات نحو 25 مليون شخص يعانون الجوع الحاد. وقد أحدثت «أسوأ أزمة إنسانية في العالم» بحسب الأمم المتحدة.

ويعيش السودان في خضم صراع منذ عام 2023، عندما اندلعت الحرب بين «قوات الدعم السريع» والجيش السوداني. وكانت دارفور في قلب الصراع.

وأودت الحرب في السودان بحياة أكثر من 40 ألف شخص، وأجبرت أكثر من 14 مليوناً على الفرار من ديارهم، وأُعلنت المجاعة في أجزاء من البلاد، بما في ذلك دارفور.

ولا تزال مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تحت الحصار منذ أكثر من عام. وتُحذِّر الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة أخرى، من أن 260 ألف مدني ما زالوا مُحاصَرين في المدينة. وفرَّ مئات الآلاف إلى طويلة، الواقعة على مشارف الفاشر.


مقالات ذات صلة

رئيس الوزراء السوداني يطرح «مبادرة سلام» أمام مجلس الأمن

شمال افريقيا رئيس وزراء السودان كامل إدريس (إ.ب.أ)

رئيس الوزراء السوداني يطرح «مبادرة سلام» أمام مجلس الأمن

قال رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس أمام مجلس الأمن الدولي الليلة الماضية إن السودان يواجه «أزمة وجودية» بسبب الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا جنود تابعون للجيش السوداني في شوارع مدينة القضارف شرق السودان في 14 أغسطس 2025 احتفالاً بالذكرى الحادية والسبعين لتأسيس الجيش (أ.ف.ب)

السودان: نزوح من كادوقلي جراء تصاعد العمليات العسكرية

نزحت عشرات العائلات السودانية، من مدن كادوقلي والدلنج في ولاية جنوب كردفان، مع تمدد «قوات الدعم السريع» وسيطرتها على البلدات المجاورة.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
خاص روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب) play-circle 00:57

خاص 10 أيام فاصلة... ما ملامح خطة أميركا لوقف حرب السودان؟

وضعت واشنطن مدى زمنياً من 10 أيام لتثبيت هدنة إنسانية في السودان، مع بداية العام المقبل وقال وزير خارجيتها مارك روبيو إن 99% من التركيزالآن لتحقيق هذا الغرض

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا خبراء يقولون إن الأسلحة عالية التقنية التي تستخدمها قوات الدعم السريع تحتاج إلى مساعدة خارجية لتشغيلها (أ.ف.ب) play-circle

تقرير: شركات في بريطانيا تجنّد مرتزقة كولومبيين لصالح «الدعم السريع»

كشف تحقيق حصري لصحيفة «الغارديان» عن وجود شركات مسجلة في بريطانيا أسسها أشخاص خاضعون لعقوبات أميركية، يُشتبه في تورطها بتجنيد مقاتلين لصالح «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا رئيس وزراء السودان كامل الطيب إدريس خلال إلقاء كلمته حول الأزمة السودانية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (إ.ب.أ) play-circle

رئيس وزراء السودان يتوجه إلى نيويورك للقاء مسؤولين في الأمم المتحدة

توجّه رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، إلى نيويورك للاجتماع بالأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولين آخرين ومناقشة سبل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)

صراع حوثي على موارد الصحة يُفاقم معاناة المرضى

مبنى المستشفى الجمهوري الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى المستشفى الجمهوري الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
TT

صراع حوثي على موارد الصحة يُفاقم معاناة المرضى

مبنى المستشفى الجمهوري الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى المستشفى الجمهوري الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)

تفاقمت معاناة المرضى في العاصمة اليمنية المختطفة، صنعاء، مع استمرار التوقف شبه الكلي للعمل في هيئة المستشفى الجمهوري، ثاني أكبر المستشفيات الحكومية في العاصمة؛ نتيجة احتدام الصراع الداخلي بين قيادات الجماعة الحوثية على المناصب وتقاسم الإيرادات، وفق ما كشفته مصادر طبية لـ«الشرق الأوسط».

وأدى هذا الصراع إلى شلل واسع في الخدمات الصحية؛ ما يحرم مئات المرضى يومياً من الحصول على الرعاية والعلاج، وسط اتهامات متكررة للجماعة بتسخير خدمات المستشفى، وغيره من المرافق الصحية، لمصلحة أسر قتلاها وجرحاها العائدين من الجبهات.

وأفادت المصادر بأن النزاع يتجدَّد بين قيادات حوثية تدير ما تُسمى «هيئة الزكاة»، وأخرى في وزارة الصحة التابعة للحكومة غير المعترف بها، على خلفية تعيينات إدارية داخل المستشفى، ومحاولات فرض نفوذ على إدارته وموارده. وأكدت أن هذا الصراع انعكس بصورة مباشرة على مستوى الخدمات، التي تراجعت إلى حدٍّ وصفه العاملون بأنه «الأسوأ منذ سنوات».

ودقَّت مصادر عاملة في هيئة المستشفى الجمهوري ناقوس الخطر للمرة الثالثة خلال فترة وجيزة، محذِّرة من استمرار توقف معظم الخدمات الطبية المقدَّمة للمرضى؛ بسبب ما وصفتها بـ«تدخلات خارجية» في شؤون المستشفى، والسعي إلى إجراء تغييرات إدارية جديدة، تشمل استبدال كادر طبي يفتقر للخبرة والكفاءة بآخر مؤهَّل.

مرضى ومراجعون أمام مركز الطوارئ التابع للمستشفى الجمهوري في صنعاء (فيسبوك)

وأوضح عاملون في القطاع الصحي لـ«الشرق الأوسط» أن المستشفى، الذي ظلَّ لسنوات يقدِّم خدماته حتى في أقسى ظروف الحرب، بات اليوم شبه عاجز عن العمل، ولا يستطيع توفير أبسط الاحتياجات من أدوية ومستلزمات طبية للمرضى الوافدين إليه من صنعاء ومناطق مجاورة.

وحذَّروا من أن استمرار الخلاف قد يقود إلى شلل كامل في عمل المستشفى، محمِّلين الجماعة الحوثية مسؤولية تحويل مؤسسة خدمية حيوية إلى ساحة صراع على النفوذ والإيرادات.

اتهامات بالفساد

كانت «هيئة الزكاة» الحوثية، وهي الجهة التي تقدِّم جزءاً من التمويل للمستشفى، قد طالبت في وقت سابق بإقالة مدير المستشفى، محمد جحاف، متهمةً إياه بالفساد والاستئثار بالمناصب. غير أن وزير الصحة في الحكومة غير الشرعية رفض مطلب الإقالة، ما صعَّد من حدة الصراع بين الجناحَين، وألقى بظلاله الثقيلة على سير العمل داخل المستشفى.

أسِرَّة فارغة من المرضى في المستشفى الجمهوري الخاضع للحوثيين بصنعاء (إكس)

ويتهم أطباء عاملون في المستشفى الهيئةَ الحوثيةَ بتعمد وقف المخصصات المالية المرصودة للمستشفى، بذريعة وجود فساد مستشرٍ في إداراته وأقسامه، في حين يرى هؤلاء أن إيقاف التمويل يُستخدم ورقة ضغط سياسية وإدارية، يدفع ثمنها المرضى والفئات الأشد فقراً.

ويرى ناشطون في صنعاء أن هذا الخلاف يعكس حالة الفوضى المتنامية في المؤسسات الخاضعة لسيطرة الجماعة، حيث تطغى المحسوبية والولاءات على حساب المعايير المهنية والاحتياجات الإنسانية، وسط عجز واضح لدى قيادة الجماعة عن معالجة الفساد والإهمال المتراكمَين.

تدهور مستمر

يتزامن هذا الصراع بين قادة الجماعة الحوثية مع تحذيرات دولية من تدهور غير مسبوق في الوضع الصحي باليمن. فقد أكد تقرير مشترك حديث صادر عن «منظمة الصحة العالمية»، و«مجموعة البنك الدولي» أن أكثر من نصف السكان باتوا خارج مظلة الرعاية الصحية الأساسية، في واحدة من أسوأ الأزمات الصحية عالمياً نتيجة سنوات الحرب والانهيار المؤسسي.

وأوضح التقرير أن نسبة تغطية الخدمات الصحية في اليمن لا تتجاوز 43 في المائة من إجمالي السكان، ما يعني أن نحو 57 في المائة من اليمنيين محرومون من حقهم في الحصول على خدمات صحية أساسية، تشمل الوقاية والعلاج والرعاية المستمرة. وحذَّر من أن استمرار التدهور دون حلول جذرية ودعم دولي مستدام ينذر بكارثة إنسانية أوسع، قد تدفع البلاد إلى مستويات أكثر خطورة من الانهيار الصحي.

وأشار التقرير إلى أن اليمن لا يزال يشهد تفشياً واسعاً للأوبئة والأمراض، إلى جانب الارتفاع الحاد في معدلات سوء التغذية، وازدياد الاحتياجات المرتبطة بالصحة النفسية والأمراض غير السارية، في ظل قدرات محدودة على الاستجابة.

أطفال يمنيون يتلقون اللقاحات على أيدي عاملين صحيين (الأمم المتحدة)

ولفت إلى أن الأزمة لا تقتصر على ضعف الخدمات، بل تمتد إلى العبء المالي القاسي، حيث يواجه 30.1 في المائة من السكان صعوبات اقتصادية تحُول دون قدرتهم على تحمّل تكاليف العلاج، في بلد يتجاوز عدد سكانه 40 مليون نسمة، ويعاني من تدهور حاد في مستوى الدخل والمعيشة.

وأدى الصراع المستمر إلى شلل شبه كامل في البنية التحتية الصحية، وتحولت الاستجابة الطارئة إلى العمود الفقري للنظام الصحي بدلاً من الخدمات المستدامة. كما تسبب العنف وانعدام الاستقرار في إغلاق نحو نصف المرافق الصحية أو تشغيلها بقدرات محدودة، إلى جانب حرمان العاملين في القطاع الصحي من رواتبهم؛ ما دفع كثيراً من الكوادر إلى ترك وظائفهم أو الهجرة، وعمّق الفجوة في تقديم الخدمات الطبية.

وأكد التقرير أن نحو 16.4 مليون يمني باتوا محرومين كلياً من الوصول إلى الرعاية الصحية، في مشهد يعكس حجم الانهيار الذي يعيشه القطاع الصحي، ويضع حياة ملايين المرضى رهينةً لصراعات داخلية لا تكترث بثمنها الإنساني.


هل قلصت مصر وجودها العسكري في سيناء إثر ضغوط إسرائيلية؟

رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
TT

هل قلصت مصر وجودها العسكري في سيناء إثر ضغوط إسرائيلية؟

رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)

أكد مصدر مصري مُطلع لـ«الشرق الأوسط»، أن «القوات المصرية في سيناء موجودة من أجل حفظ الأمن القومي المصري، وهو أمر لا تقبل فيه القاهرة مساومة أو إغراء»، مشدداً على أنه «لم يتم سحب جندي واحد من هناك هذه الفترة تحت أي ضغوط كما يتردد».

وأوضح المصدر: «هذا الأمر يرتبط بتقدير الموقف الخاص بالأجهزة الأمنية المصرية وما تراه فيما يخص أمن البلاد وحدودها مع منطقة تشهد حرباً ضروساً منذ عامين، ومحاولات من جانب إسرائيل لدفع هذه الحرب نحو الأراضي المصرية، ولا يرتبط الأمر أو يخضع لأي قضايا أخرى أو صفقات، وإلا كانت مصر قبلت بإغراءات أكبر في مسألة التهجير أو تصفية القضية الفلسطينية».

وأضاف: «التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن تقليص القوات في سيناء هي ذاتها التي تشكو وتحذر يومياً من زيادة الوجود العسكري المصري هناك»، ونوه بأن «هناك بنوداً مستحدثة بين البلدين على اتفاقية السلام تسمح لمصر بهذا الوجود حفظاً لأمنها وقت الحاجة».

كانت منصة «bhol» الإسرائيلية نشرت أن وزير الطاقة إيلي كوهين أشار إلى وجود رابط مباشر بين صفقة الغاز الكبرى مع مصر، وإعادة تمركز القوات المصرية في سيناء، ونقلت المنصة أن «إذاعة الجيش الإسرائيلي» سألت عن سبب عدم تضمين الصفقة بنداً صريحاً ينظم تحركات الجيش المصري في سيناء، فرد كوهين قائلاً: «إذا قرأتم التقارير التي نُشرت الأسبوع الماضي عن انسحاب قوات مصرية من شبه جزيرة سيناء، فاعلموا أن هذا التصرف لم يأت من فراغ».

التقارير الإسرائيلية نقلت عن كوهين قوله إن أحد أسباب تأجيل الصفقة لأربعة أشهر كان مرتبطاً بما وصفه بـ«مسألة السلام مع مصر»، وهو تعبير يُفهم منه القلق الإسرائيلي إزاء الالتزام المصري بأحكام اتفاق كامب ديفيد بشأن الوجود العسكري في سيناء.

هذه الأنباء تلقفها مدونون معارضون للحكومة المصرية وأخذوا يرددونها مع تأكيدات على تقليص القوات المصرية في سيناء بضغوط من إسرائيل، فيما رد عليهم مدونون محسوبون على السلطات بمصر بأن كل الدلائل تشير إلى خطة لزيادة تمترس القوات في سيناء.

السيسي يلتقي نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة 2017 (رويترز)

كان رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان رد على تلك الأحاديث، عبر تصريحات إعلامية، مؤكداً بشكل قاطع أنه «لم يتم تقليص عدد القوات المصرية الموجودة في سيناء، وأن صفقة الغاز تجارية بحتة وليس لها أي بعد سياسي، وتمت بين شركات وليس بين الحكومات»، مشيراً إلى أنه «في الوقت الذي تحدث فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن الصفقة فإن مصر لم يصدر عنها أي تصريح بخصوص الصفقة مما يشير إلى أن الأمر ليس ضاغطاً على القاهرة بأي شكل من الأشكال، وكل ما يتردد من الجانب الإسرائيلي متناقض ومحاولة لإيجاد نصر زائف أمام الرأي العام هناك».

كان موقع «أكسيوس» الإخباري أفاد في سبتمبر (أيلول) الماضي بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طلب من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الضغط على مصر لتقليص «الحشد العسكري الحالي» في سيناء، وفقاً لما ذكره مسؤول أميركي ومسؤولان إسرائيليان، حسب الموقع.

ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين زعمهما أن مصر «تُنشئ بنية تحتية عسكرية -بعضها يمكن استخدامه لأغراض هجومية- في مناطق لا يُسمح فيها إلا بالأسلحة الخفيفة بموجب المعاهدة»، في إشارة إلى معاهدة السلام الموقعة بين البلدَيْن عام 1979.

لكن مدير إدارة الشؤون المعنوية بالجيش المصري سابقاً اللواء سمير فرج قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر ملتزمة باتفاقية السلام تماماً، ولم تخرق أي بند بها على عكس إسرائيل ووجودها المخالف على الحدود المصرية، والوجود العسكري المصري في سيناء هو لحماية الأمن القومي المصري وحفظ أمن الحدود وفق ما تكفله اتفاقية السلام والبنود والآليات المستحدثة عليها».

وشدد على أنه «لم يتم تقليل أو تقليص القوات المصرية في سيناء بسبب صفقة الغاز أو غيره، وهذه أقاويل ترددها حكومة نتنياهو لمحاولة خلق شماعات أمام الرأي العام هناك وتصوير نفسها على أنها هي التي تحافظ على أمن إسرائيل وبدونها ستتعرض إسرائيل للانهيار».

وأكد أن «مصر لم تعلن حتى الآن موقفها بشأن مطالب أميركا بعقد اتفاق بين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وليس منطقياً أنهم هم من يطلبون اللقاء ثم يقال إن مصر تستجيب لضغوطهم أو مطالبهم، منوهاً بأن «القاهرة كانت تؤمن بأن صفقة الغاز ستتم في نهاية المطاف لأنها تحقق المصلحة لإسرائيل بالقدر نفسه الذي تحققه لمصر، وهي تمت بين شركات وليس بين حكومات».

وأعلن نتنياهو، مساء الأربعاء الماضي، عن المصادقة رسمياً على صفقة تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، بقيمة إجمالية بلغت 112 مليار شيقل (نحو 35 مليار دولار)، قائلاً: «صدقنا مع مصر على أكبر صفقة غاز في تاريخ قطاع الطاقة الإسرائيلي»، مبيناً أن الصفقة «إنجاز كبير لإسرائيل».

وأوضح نتنياهو أن قرار المصادقة على هذه الصفقة المليارية جاء بعد مشاورات مكثفة لضمان تحقيق كافة المصالح الأمنية العليا لإسرائيل، مشدداً في الوقت ذاته على أنه سيمتنع عن ذكر التفاصيل لاعتبارات أمنية ولحساسيتها، مكتفياً بالتأكيد على أنه تمت المصادقة على الصفقة بشكل كامل.


عودة شكاوى «نقص» الأدوية في مصر... والحكومة تطمئن المواطنين

هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
TT

عودة شكاوى «نقص» الأدوية في مصر... والحكومة تطمئن المواطنين

هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)

بعد جولة على عدد من صيدليات الحي الذي تعيش فيه، لم تستطع المصرية الخمسينية ليلى عبد الله، إيجاد أحد أصناف دواء ضغط الدعم، فنصحها أحد أصدقائها بالاتصال بـ«هيئة الدواء» أو الذهاب إلى صيدلية الإسعاف الحكومية بوسط القاهرة، فاضطرت لإرسال أحد أقاربها لإحضار الدواء من هناك.

ومع تكرار شكاوى «نقص» بعض الأدوية أو عدم توافرها بسهولة، أصدر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري، الاثنين، بياناً ينفي فيه «نقص أدوية البرد والأمراض المزمنة بالأسواق».

وأوضح المركز في بيان صحافي: «بالتواصل مع هيئة الدواء المصرية، أفادت بأن أدوية علاج البرد، والأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، فضلاً عن الأدوية المحتوية على مواد وفيتامينات تعمل على تقوية المناعة خلال موسم الإنفلونزا، متوافرة بالأسواق بشكل منتظم وطبيعي، مع تعدد البدائل الدوائية المتاحة من إنتاج أكثر من شركة».

وحسب «المركز الإعلامي»، فإن «هيئة الدواء المصرية تقوم بمتابعة دورية ومستمرة لموقف توافر الأدوية الحيوية، وتتخذ إجراءات فورية للتعامل مع أي شكاوى تتعلق بنقص الأدوية»، موضحاً أنه «في حال مواجهة أي صعوبة في الحصول على أي دواء حيوي، يمكن للمواطنين التواصل مع الخط الساخن لهيئة الدواء للإبلاغ عن نقص الأدوية».

وشهدت مصر العام الماضي أزمة في توافر بعض الأصناف، وأقر رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في سبتمبر (أيلول) العام الماضي بـ«وجود نقص في 580 دواء بالسوق المصرية»، مشيراً خلال زيارته مجموعة من مصانع الأدوية حينها إلى «العمل على توفير نحو 470 دواء منها». وبالفعل بدأت الأزمة في الخفوت مع بداية العام الحالي.

المصرية ليلى عبد الله، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «رغم تحسن الوضع وقلة حدة الأزمة، فإن أصنافاً من الأدوية ما زالت غير متوافرة بسهولة».

الأمر ذاته يقره الموظف الأربعيني طارق إبراهيم، الذي يعيش في حي السيدة زينب بالقاهرة، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الوضع أفضل كثيراً عما كان عليه قبل عامين، لكن توجد أصناف نجدها بصعوبة، حتى البدائل غير متوافرة».

عودة شكاوى نقص الأدوية في مصر (وزارة الصحة)

ويرى المدير التنفيذي لـ«جمعية الحق في الدواء» (جمعية أهلية)، محمود فؤاد، أن «نقص الأدوية لم يعد بالحدة التي كان عليها من قبل، لكنه أيضا ما زال موجوداً».

ويقول فؤاد لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة تمكنت من حل جانب كبير من المشكلة، ونجحت في توفير أدوية الأمراض المزمنة، لكن هذه الأدوية يتم توفيرها فقط من خلال صيدليات (الإسعاف) المملوكة للدولة، وعددها 24 صيدلية فقط في كل المحافظات، وما زال كثير من الأصناف غير متوافر».

وحسب فؤاد، فإنه «رغم استقرار سعر الدولار (يعادل 47.5 جنيه) فإن شركات الأدوية أعربت عن رغبتها أكثر من مرة في زيادة الأسعار، وهو ما رفضته هيئة الدواء المسؤولة عن التسعير، على أساس أن تكلفة الإنتاج لم تتغير».

من جهتها، ترى عضوة «لجنة الصحة» بمجلس النواب (البرلمان)، الدكتورة إيرين سعيد، أن «النقص يعود إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الدواء لأسباب أخرى، غير سعر الدولار، منها ارتفاع أسعار الخدمات والمرافق، مثل البنزين والوقود والكهرباء، وزيادة الحد الأدنى للأجور».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «زيادة تكلفة الإنتاج خفض هامش ربح الشركات، لذلك تطالب برفع الأسعار، وعندما لا تستجيب هيئة الدواء تقوم بعض الشركات بإيقاف بعض خطوط الإنتاج؛ لأن هامش الربح أصبح أقل».

وفي رأيها: «يجب على الحكومة أن تعيد الاهتمام بشركات قطاع الأعمال التي تعمل في صناعة الدواء؛ لضمان عدم تأثر الأسواق، خصوصاً بالنسبة للأدوية الاستراتيجية».

اجتماع وزير الصحة خالد عبد الغفار لبحث متطلبات تطوير صناعة الدواء (وزارة الصحة المصرية)

وتزامن الحديث عن «نقص» بعض أصناف الأدوية مع تحركات حكومية مكثفة لضمان توافر الأصناف كافة، وعقد نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، الدكتور خالد عبد الغفار، اجتماعاً، الاثنين، مع ممثلي قطاعات وهيئات الدولة المعنية، لبحث سبل دعم شركات التصنيع الدوائي وتمكينها، وإعداد ورقة عمل متكاملة لتعزيز الإنتاج المحلي، وتوطين صناعة المركبات الحيوية والبيولوجية.

وأكد المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور حسام عبد الغفار، في إفادة رسمية، الاثنين، أن الاجتماع ركز على إعداد ورقة عمل تضم المتطلبات الفعلية لتطوير الصناعات الدوائية وقابليتها للتنفيذ على أرض الواقع، مع التركيز على تمكين الشركات المصنعة، وتحفيز الاستثمار المحلي، وطرح حزم استثمارية جديدة في مجالات الأدوية واللقاحات والصناعات الحيوية، كما تناول آليات «الاستفادة من الحوافز الاستثمارية لدعم صناعة الدواء، وبحث الإجراءات التي يمكن أن تقدمها الدولة لتشجيع الاستثمارات، وتعزيز كفاءة الشركات المصنعة وزيادة قدرتها التنافسية».

ويوجد في مصر 172 مصنعاً للدواء، منها 15 مصنعاً دخلت الخدمة آخر 3 سنوات، بالإضافة إلى 120 مصنعاً لمستحضرات التجميل، و116 مصنعاً للمستلزمات والأجهزة الطبية، و4 مصانع لإنتاج المواد الخام والمستحضرات الحيوية التي تدخل في صناعة الدواء، وفق تصريحات لرئيس الحكومة المصرية العام الماضي.