تتطلع مصر إلى تعزيز التعاون الأفريقي في مجال زراعة الأرز لتجاوز محدودية مواردها المائية. وتحدّث مسؤولون مصريون، الثلاثاء، عن تبادل الخبرات مع دول القارة السمراء، واستعراض تجربة القاهرة في رفع إنتاجية الفدان من الأرز.
وتعاني مصر شُحّاً مائياً، إذ تعتمد بشكل رئيسي على نهر النيل لتلبية نحو 98 في المائة من احتياجاتها المائية. وتبلغ حصتها السنوية من مياه النهر 55.5 مليار متر مكعب، فيما تقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي بمعدل 500 متر مكعب للفرد سنوياً، وفقاً لبيانات صادرة عن وزارة الموارد المائية والري المصرية.
وشهدت القاهرة، الثلاثاء، انطلاق فعاليات «منتدى الأرز الأفريقي» الذي ينظمه «مركز الأرز الأفريقي»، ويستمر لمدة 3 أيام، تحت شعار «الاكتفاء الذاتي من الأرز والتعلّم المتبادل من تجربة مصر» بحضور عدد من الوزراء الأفارقة وأكثر من 70 خبيراً دولياً، بينهم المدير العام لـ«مركز الأرز الأفريقي»، باباكار مانه، ومساعد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، عبد الحكيم الواعر.
ووفق إفادة لوزارة الزراعة المصرية، يهدف «المنتدى» إلى «تسريع جهود الاكتفاء الذاتي من الأرز في جميع أنحاء القارة، بمشاركة كبار صانعي السياسات والمسؤولين والخبراء من 28 دولة أفريقية، على رأسها مصر، ونيجيريا، وسيراليون، والسنغال، ومدغشقر، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وليبيريا، وغينيا، وغينيا بيساو».
وأكد وزير الزراعة المصري، علاء فاروق، أن «قضية الاكتفاء الذاتي من الأرز تُمثل تحدياً استراتيجياً لكل دول القارة؛ حيث تمتلك الدول الأفريقية موارد طبيعية هائلة من أراضٍ خصبة، وبيئات متنوعة، وأيدٍ عاملة شابة، وهي مقومات تمنح القارة الأفريقية فرصة حقيقية لتحقيق طفرة في إنتاج الأرز، والوصول إلى الاكتفاء الذاتي إذا ما جرى استثمارها بالشكل المناسب من خلال السياسات الملائمة، والاستثمارات الذكية، والتعاون الإقليمي المشترك».

وحسب وزير الزراعة المصري، الثلاثاء، فإنه «رغم محدودية الأراضي الزراعية، وندرة الموارد المائية في مصر، فإنها استطاعت أن تُحقق إنجازاً بارزاً في مجال زراعة الأرز، وذلك بفضل البحث العلمي والتقنيات الزراعية الحديثة، وبالاعتماد على الأصناف عالية الإنتاجية والمقاومة للظروف المناخية»، مؤكداً أن بلاده نجحت في «رفع متوسط إنتاجية فدان الأرز إلى مستويات متقدمة عالمياً؛ حيث تتراوح إنتاجية الأصناف الجديدة بين 4 و5 أطنان للفدان، وهو المعدل الأعلى على مستوى العالم».
وأوضح أن مصر «على استعداد لتقاسم خبراتها العملية مع الدول الأفريقية، من خلال نقل التقنيات الزراعية الحديثة وأصناف الأرز المحسنة المقاومة للجفاف والحرارة، وإتاحة فرص التدريب وبناء القدرات للكوادر الأفريقية في المراكز البحثية المصرية، فضلاً عن تبادل الخبرات في إدارة المياه وتطبيق نظم الري الحديثة، إضافة إلى تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لدعم سلاسل القيمة في إنتاج وتسويق الأرز».
المستشار السابق بمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو»، الخبير الزراعي الدكتور محمد فتحي سالم، يرى أن التعاون بين الدول الأفريقية يمكنه أن يحقق اكتفاءً ذاتياً من الأرز، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تمتلك قدرات تكنولوجية في مجالي الري والزراعة، وخبرات كبيرة في استنباط أصناف جديدة من الأرز، في الوقت الذي تمتلك فيه دول أفريقية مقومات مختلفة، منها وجود أصناف من الأرز تتحمل الأمراض والإجهاد الحراري الكبير، نظراً لأن عمر زراعة الأرز في دول غرب أفريقيا يمتد إلى نحو 3500 سنة».

وتتطلب زراعة الأرز كميات وفيرة من المياه، وهو ما دفع الحكومة المصرية إلى تقليص المساحات المزروعة به، وفق قرار وزاري صدر في ديسمبر (كانون الأول) 2023، حيث جرى تحديد مساحة زراعة الأرز عند 724.200 فدان. وكانت المساحة المزروعة من الأرز تبلغ مليوناً و400 ألف فدان خلال 2015-2016، حسب بيانات «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء».
وفي رأي أستاذ الاقتصاد الزراعي، الدكتور جمال صيام، فإنه يمكن الاستفادة من تنوع الموارد والخبرات لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز بين دول أفريقيا.
وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «يمكن تحقيق تكامل اقتصادي بين مصر ودول أفريقيا، عبر قيام القاهرة بزراعة الأرز في أراضي البلاد الأفريقية، وإنشاء مشروعات اقتصادية متنوعة، وهو الحل الأمثل لاختلاف الموارد المائية بين البلاد المختلفة».
وفي كلمته خلال «المنتدى»، الثلاثاء، أكد المدير العام لـ«مركز الأرز الأفريقي» أن المنتدى «لا يتعلق فقط بالاحتفال بإنجازات مصر، بل يتعلق بتحويل هذا النجاح إلى عمل قاري، ومن خلال تعلم بعضنا من بعض، يمكننا تسريع رحلة أفريقيا نحو الاكتفاء الذاتي من الأرز، وضمان الأمن الغذائي المستدام للجميع».
ويُعد «مركز الأرز الأفريقي» منظمة بحثية أفريقية شاملة، وواحداً من المراكز التابعة للمجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية. ويُعنى المركز بتحسين سُبل العيش وتعزيز الأمن الغذائي من خلال تطوير نظم زراعية وغذائية مستدامة قائمة على الأرز في أفريقيا.
أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر لديها خبرات كبيرة في تكنولوجيا الري وأصناف الأرز الجديدة، ويمكنها نقل هذه الخبرات إلى دول أفريقيا وتبادل الخبرات، خصوصاً مع الدول التي لديها وفرة مائية».




