5 سنوات بلا زيادات: قرار الإيجارات يُرسّخ العدالة ويُحوّل الرياض لبيئة استثمارية آمنة

مختصون لـ«الشرق الأوسط»: خطوة تاريخية لإعادة التوازن إلى السوق العقارية وضمان استقرارها

العاصمة السعودية الرياض (واس)
العاصمة السعودية الرياض (واس)
TT

5 سنوات بلا زيادات: قرار الإيجارات يُرسّخ العدالة ويُحوّل الرياض لبيئة استثمارية آمنة

العاصمة السعودية الرياض (واس)
العاصمة السعودية الرياض (واس)

يُعدّ القطاع العقاري في السعودية إحدى أهم الركائز التنموية والاقتصادية، فهو لا يمثّل مجرد مأوى للأفراد أو مساحة للأعمال فحسب، بل يمثل قاطرة للاستثمار، ومؤشراً رئيسياً على جودة الحياة واستقرار الأسر والمجتمع. وفي ظل النمو السكاني المتسارع والمشروعات العملاقة التي تشهدها العاصمة الرياض، ارتفعت أهمية ضبط هذا القطاع؛ لضمان عدالته وشفافيته. وفي هذا السياق، جاءت موافقة مجلس الوزراء السعودي على الأحكام النظامية الخاصة بضبط العلاقة بين المُؤجر والمستأجر لتُشكِّل نقطة تحول تاريخية. هذه الخطوة الاستراتيجية، التي وصفها مختصون وعقاريون بأنها «ستُرسّخ العدالة والشفافية، وتحمي طرفي العلاقة»؛ تهدف بشكل مباشر إلى إعادة التوازن إلى السوق العقارية، خصوصاً في قطاعي الإيجارات السكنية والتجارية، مما يُعزز من جاذبية البيئة الاستثمارية ويسهم بشكل مباشر في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة المتعلقة بجودة الحياة والتنمية العمرانية المستدامة.

وكانت المملكة أصدرت يوم الخميس أحكاماً نظامية تضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وذلك إنفاذاً لتوجيهات الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، ببدء تنفيذ إجراءات نظامية لسوق الإيجار في العاصمة الرياض، والتي تَقرَّر من خلالها منع أي زيادات سنوية للعقارات السكنية والتجارية في العاصمة لمدة 5 سنوات، ابتداءً من الخميس.

وتلزم الأحكام النظامية التي اعتمدها مجلس الوزراء، وصدر مرسوم ملكي بالموافقة عليها بعد قيام الهيئة الملكية بإعدادها، بتوثيق العقود في شبكة «إيجار»، وفرض غرامات على المخالفين.

ويتفق المختصون في الشأن العقاري على أن هذه الأحكام النظامية الجديدة ستسهم في استعادة توازن العرض والطلب، وضبط وتيرة الارتفاعات، لتصبح السوق العقارية في الرياض أكثر استقراراً وتقلّ فيها التذبذبات السعرية الحادة. كما أنها سترفع من جاذبية السوق الاستثمارية لتصبح بيئةً آمنةً للاستثمارات طويلة الأجل، بدلاً من أن تكون بيئةً مضاربيةً قصيرة المدى. هذا التوازن يمكِّن المواطن العادي والمستثمر المحترف من اتخاذ قرارات مالية واستثمارية أكثر وعياً وثقة، وصولاً إلى مستقبل عقاري مشرق للعاصمة.

العاصمة السعودية الرياض (واس)

وفي هذا الإطار، قال الرئيس التنفيذي لشركة «منصات» العقارية، خالد المبيض، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن إصدار لوائح جديدة عادةً يعكس إدراك الجهات التنظيمية لحجم التحديات التي تواجهها السوق، خصوصاً في الإيجارات سواء السكنية أو التجارية، مضيفاً أن «الرياض اليوم تعيش ضغطاً متزايداً؛ نتيجة النمو السكاني، وتوسّع المشروعات التنموية، وازدياد الطلب على المساكن والمكاتب التجارية».

ورأى أنّ «وجود لائحة تنظّم العلاقة بين المالك والمستأجر، وتضع ضوابط عادلة لرفع أو تثبيت الإيجارات، يعطي رسالةً واضحةً للمستثمرين والمستأجرين بوجود بيئة أكثر شفافية واستقراراً».

حماية المستأجر... وتخفيف الضغوط الشرائية

وشدَّد المبيض على أن هذه اللائحة توفر حمايةً للمستأجر من الزيادات غير المُبرَّرة لأسعار الإيجارات السكنية، وفي الوقت نفسه تضمن للمالك عائداً عادلاً يواكب السوق، مما يخلق نوعاً من العدالة ويخفف من ظاهرة «الضغط على القدرة الشرائية»، التي باتت واضحة في السنوات الأخيرة.

وأشار إلى أن وجود سقف أو آلية لضبط الزيادة في الإيجارات التجارية يحمي الأنشطة التجارية الصغيرة والمتوسطة من الانسحاب؛ بسبب تضخم الإيجارات، ويمنح أصحاب المراكز التجارية وضوحاً أكبر في التعاقدات طويلة الأجل، مما يحافظ على تنوع النشاط التجاري، ويعزِّز جاذبية الرياض بوصفها وجهة أعمال.

زيادة الشفافية والثقة للمستثمر

ويتوقع المبيض أن تسهم هذه اللائحة في زيادة الشفافية أمام المستثمر سواء المحلي أو الأجنبي، مما يخلق ثقة أكبر للدخول في السوق عندما يرى أن هناك لوائح واضحة تحد من الاضطرابات في التكاليف. كما أنها ستعمل على تحفيز التطوير العقاري ودفع المطورين للبحث عن منتجات عقارية تناسب الضوابط الجديدة، مما قد يرفع جودة المعروض.

وأضاف أن هذه الأحكام ستسهم في استعادة توازن العرض والطلب وضبط وتيرة الارتفاعات، لتصبح السوق أكثر استقراراً، ويقلّ التذبذب الحاد في الأسعار. كما سترفع من الجاذبية الاستثمارية للسوق العقارية في الرياض، لتصبح بيئةً أكثر أماناً للاستثمارات طويلة الأجل، بدلاً من أن تكون بيئةً مضاربيةً قصيرة المدى.

مكافحة التضخم العقاري... ودعم المواطن

بدوره، وصف الخبير والمسوّق العقاري صقر الزهراني لـ«الشرق الأوسط» القرار بأنه «خطوة تاريخية تعكس حرص القيادة على حماية حقوق المواطنين والمستثمرين على حدٍّ سواء، وتمنح الأسر والأفراد وضوحاً مالياً واستقراراً يمكِّنهم من التخطيط بثقة لمصاريفهم اليومية أو لمشروعات التملّك، بما فيها مشروعات البيع على الخريطة، بعيداً عن المفاجآت المالية».

مواجهة تحدي ارتفاع الأسعار

وأشار الزهراني إلى أن هذا القرار يأتي في توقيت حاسم، حيث شهدت الرياض تضخماً ملحوظاً في أسعار العقارات؛ إذ ارتفعت أسعار الشقق بنحو 82 في المائة، وارتفعت أسعار مبيعات الفلل بنسبة نحو 50 في المائة منذ عام 2019، وفقاً لتقرير «نايت فرانك». هذه الزيادات غير المسبوقة ضاعفت الضغوط على المستأجرين والمقبلين على التملك، وزادت من الحاجة إلى إجراءات حاسمة لضبط السوق وتحقيق التوازن.

وأضاف: «قبل صدور القرار، كان بعض سكان الرياض يخصصون نحو 50 في المائة من دخلهم للإيجار، مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 30 في المائة فقط، ومن شأن وقف الزيادة السنوية أن يخفف الضغوط، ويتيح للأسر فرصاً أفضل للادخار والاستثمار، في حين يمنح الشركات والمستأجرين التجاريين بيئةً واضحةً وشفافةً لاتخاذ قرارات استراتيجية أكثر استقراراً».

تحفيز التملُّك... ودعم شبكة «إيجار»

ويتوقع الزهراني أن يسهم القرار في استقرار أسعار الإيجارات على المدى المتوسط، ويعزز ثقة المستأجرين، ويخفف الأعباء المالية عنهم، كما سيدفع المطورين إلى التركيز على الجودة وتلبية الطلب الحقيقي بدلاً من رفع الأسعار عشوائياً، مع تشجيع الاستثمار طويل الأجل.

ولفت إلى أن أثر القرار لا يقتصر على ضبط العلاقة بين المالك والمستأجر، بل يمتد ليحفّز الإقبال على مشروعات البيع على الخريطة، إذ يمنح وضوحاً مالياً لمدة 5 سنوات، بينما تكتمل غالبية هذه مشروعات خلال 3 سنوات، وهذا يعزز موقف المواطن ويمنحه الثقة للإقدام على خطوة التملّك، خصوصاً أن هذا المنتج يحظى بدعم حكومي سخي يعكس أهميته الاستراتيجية.

ولفت إلى أن القرار يعزز دعم شبكة «إيجار» لتوثيق العقود إلكترونياً، ويدعم الشفافية، ويحدّ من الممارسات الاحتكارية، ما يؤسِّس لسوق أكثر عدالة، ويضع أسساً متينة لنمو مستدام في القطاع العقاري، وبما يسهم في زيادة المعروض من الوحدات السكنية، وخلق أسعار عادلة للإيجار والتملك. وهو ما يعزز جودة الحياة ويجعل الرياض سوقاً عقارية آمنة وجاذبة. وبهذا التوازن، يصبح المواطن العادي والمستثمر المحترف على حدٍّ سواء قادرَين على اتخاذ قرارات مالية واستثمارية أكثر وعياً وثقة، في بيئة مستقرة وعادلة، تضمن مستقبلاً عقارياً مشرقاً للعاصمة.

تحول نوعي

من جانبه، قال الخبير والمسوق العقاري، عبد الله الموسى، لـ«الشرق الأوسط»، إن قراراً بهذا الحجم لا يمكن أن يُقرأ فقط كإجراء لحماية المستأجرين، بل كتحول نوعي يعيد رسم ملامح السوق العقارية، ويؤسس لمرحلة جديدة من العدالة والشفافية.

ولفت إلى أن المستفيد الأول هي بطبيعة الحال الأسر التي عانت من الزيادات المتتالية في الإيجارات، حيث يضمن القرار استقراراً مالياً ويخفف جزءاً من الضغوط المعيشية. وأوضح أن الأثر لا يتوقف عند الجانب الاجتماعي، إذ يطال كذلك الأنشطة التجارية التي ستجد متنفساً أوسع للتوسع والنمو بعيداً عن ضغوط تكاليف الإيجار، ما يعزز مناخ الاستثمار ويدعم نمو قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

المعادلة الاستثمارية الجديدة

في المقابل، يبرز تساؤل مشروع حول تأثير تثبيت الإيجارات على جاذبية الاستثمار للملّاك والمستثمرين ضفة الأخرى. يرى موسى هنا أن المعادلة أكثر عمقاً؛ فالقرار يحدّ من الممارسات العشوائية والمضاربات غير المنضبطة، وفي الوقت نفسه، يدفع المطورين وأصحاب العقار إلى التركيز على جودة المنتج وتقديم خدمات مضافة لاستقطاب المستأجرين، بدلاً من الاعتماد على الزيادات السعرية السنوية. هذه النقلة النوعية من شأنها أن ترفع من مستوى المعروض العقاري وتدفع السوق نحو مسار أكثر نضجاً واستدامة.

دور «إيجار» كحجر زاوية للتحول

ويعتبر الموسى أن نجاح القرار يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفاعلية شبكة «إيجار» وأدواتها الرقمية، فالتوثيق الإلكتروني والتجديد التلقائي للعقود ليسا مجرد تفاصيل إجرائية، بل يمثلان حجر الزاوية لضبط العلاقة بين الأطراف. ومع تطور التحول الرقمي، يمكن للمنصة أن تتحول إلى قاعدة بيانات استراتيجية تمنح صنّاع القرار قدرة على قراءة اتجاهات السوق، وتحديد حجم الطلب والعرض بشكل أكثر دقة، مما يعزز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في السوق السعودية.

الاستقرار الإيجاري

وعلى المدى المتوسط، يتوقع الموسى آثاراً بعيدة المدى تتجاوز الاستقرار الإيجاري لتنعكس على منظومة التمويل والاستثمار. فكلما أصبح التدفق النقدي للإيجارات أكثر استقراراً وتوقعاً، ستتمكن المؤسسات المالية من إعادة تصميم منتجاتها التمويلية لتتلاءم مع بيئة سوقية أكثر وضوحاً، وهو ما يفتح آفاقاً جديدة للنمو في القطاع.

واختتم الموسى تأكيده بأن إيقاف الزيادة السنوية للإيجارات ليس مجرد قرار تنظيمي، بل هو إعلان عن مرحلة جديدة تستند إلى الاستقرار والشفافية، وتستهدف موازنة العلاقة بين مختلف الأطراف. وهي خطوة استراتيجية تعكس حرص القيادة على رفع جودة الحياة، كإحدى ركائز رؤية السعودية 2030، وتحويل الرياض إلى مدينة أكثر جاذبية واستدامة، اقتصادياً واجتماعياً واستثمارياً.


مقالات ذات صلة

الرقم القياسي لتكاليف البناء في السعودية يرتفع 1 % خلال نوفمبر

العاصمة السعودية الرياض (واس)

الرقم القياسي لتكاليف البناء في السعودية يرتفع 1 % خلال نوفمبر

ارتفع الرقم القياسي لتكاليف البناء السنوية في السعودية إلى 1 %، خلال شهر نوفمبر 2025، مقارنة بنظيره من العام الماضي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص مشاريع عقارية في الرياض (واس)

خاص كيف أعادت قرارات 2025 رسم مستقبل السوق العقارية في الرياض؟

شهدت العاصمة السعودية الرياض عام 2025 تحولاً هيكلياً غير مسبوق في بنيتها العقارية، يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان برؤية استباقية.

محمد المطيري (الرياض)
الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

«التوازن العقاري» تضبط السوق وتدفع بمؤشرات إيجابية نحو التداولات في الرياض

بعد إعلان الهيئة الملكية لمدينة الرياض نتائج القرعة الإلكترونية لشراء الأراضي السكنية علمت «الشرق الأوسط» أن بعض تلك الأراضي ستباع بأقل من 1500 ريال للمتر.

بندر مسلم (الرياض)
الاقتصاد مركز الملك عبد الله المالي في الرياض (الشرق الأوسط)

منصة «التوازن العقاري» تعلن نتائج أول دفعة أراضٍ مدعومة في الرياض

أعلنت الهيئة الملكية لمدينة الرياض، الأربعاء، عن صدور نتائج القرعة الإلكترونية لشراء الأراضي السكنية عبر منصة «التوازن العقاري».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد عامل يسير أمام لافتة تحمل شعار شركة «فانكي» العقارية في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)

«فيتش» تخفض تصنيف «فانكي» الصينية مع تصاعد مخاوف التعثر

عمّقت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني الضغوط على شركة «تشاينا فانكي» العقارية الصينية، بعدما خفّضت تصنيفها الائتماني.

«الشرق الأوسط» (بكين)

كازمير من «المركزي الأوروبي»: البنك مرتاح لتوقعات التضخم في منطقة اليورو

مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
TT

كازمير من «المركزي الأوروبي»: البنك مرتاح لتوقعات التضخم في منطقة اليورو

مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

أعرب مسؤول السياسة النقدية في البنك المركزي الأوروبي، بيتر كازيمير، يوم الاثنين، عن ارتياح البنك للتوقعات المتعلقة بالتضخم في منطقة اليورو، لكنه شدد على استعداد البنك للتدخل مجدداً عند الضرورة.

وانضم كازيمير بذلك إلى مجموعة من محافظي البنوك المركزية من مختلف أنحاء منطقة اليورو، التي تضم 20 دولة، في تحذيرهم من المخاطر التي قد تهدد التوقعات المتفائلة التي أعلنها البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس، بعد أن أبقى أسعار الفائدة ثابتة للجلسة الرابعة على التوالي، وفق «رويترز».

وقال كازيمير، محافظ البنك المركزي السلوفاكي، في مقال رأي: «من المرجح أن يشهد العام المقبل تحديات جديدة قد تضطر الأسر والشركات، بل سياساتنا النقدية، إلى الاستجابة لها».

وأضاف: «نحن على استعداد كامل للتدخل إذا استدعت التطورات المستقبلية اتخاذ إجراءات إضافية».

وأشار كازيمير إلى أن الأسس الاقتصادية لمنطقة اليورو «تُظهر تصدعات» ينبغي على صانعي السياسات معالجتها عبر إصلاحات هيكلية تهدف إلى دمج أسواق رأس المال الأوروبية وتخفيف العبء البيروقراطي على الشركات.


اليابان تتأهب لإعادة تشغيل أكبر محطة نووية بالعالم

رجل يمر في طريق قرب محطة كاشيوازاكي - كاريوا الكهربائية النووية شمال غربي العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
رجل يمر في طريق قرب محطة كاشيوازاكي - كاريوا الكهربائية النووية شمال غربي العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
TT

اليابان تتأهب لإعادة تشغيل أكبر محطة نووية بالعالم

رجل يمر في طريق قرب محطة كاشيوازاكي - كاريوا الكهربائية النووية شمال غربي العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
رجل يمر في طريق قرب محطة كاشيوازاكي - كاريوا الكهربائية النووية شمال غربي العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

اتخذت اليابان الخطوة الأخيرة للسماح لأكبر محطة طاقة نووية في العالم باستئناف عملياتها من خلال تصويت إقليمي يوم الاثنين، وهي لحظة فارقة في عودة البلاد إلى الطاقة النووية بعد ما يقرب من 15 عاماً من كارثة فوكوشيما. وكانت محطة كاشيوازاكي - كاريوا، الواقعة على بُعد حوالي 220 كيلومتراً (136 ميلاً) شمال غربي طوكيو، من بين 54 مفاعلاً أُغلقت بعد الزلزال والتسونامي اللذين ضربا محطة فوكوشيما دايتشي عام 2011، في أسوأ كارثة نووية عالمياً منذ كارثة تشيرنوبيل. ومنذ ذلك الحين، أعادت اليابان تشغيل 14 مفاعلاً من أصل 33 مفاعلاً لا تزال تعمل، في محاولة منها لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري المستورد. وستكون كاشيوازاكي - كاريوا أول محطة تُشغلها شركة «طوكيو للطاقة الكهربائية» (تيبكو)، التي كانت تُشغل محطة فوكوشيما المنكوبة. ويوم الاثنين، منح مجلس محافظة نيغاتا الثقة لحاكم نيغاتا، هيديو هانازومي، الذي أيّد إعادة التشغيل الشهر الماضي، مما سمح فعلياً للمحطة باستئناف عملياتها. وقال هانازومي للصحافيين بعد التصويت: «هذه محطة مهمة، لكنها ليست النهاية. لا نهاية لضمان سلامة سكان نيغاتا».

وبينما صوّت النواب لصالح هانازومي، كشفت جلسة المجلس، وهي الأخيرة لهذا العام، عن انقسامات المجتمع المحلي حول إعادة تشغيل المحطة، على الرغم من فرص العمل الجديدة واحتمالية انخفاض فواتير الكهرباء. قال أحد أعضاء المجلس المعارضين لإعادة التشغيل لزملائه النواب قبيل بدء التصويت: «هذا ليس إلا تسوية سياسية لا تراعي إرادة سكان نيغاتا».

وفي الخارج، وقف نحو 300 متظاهر في البرد رافعين لافتات كُتب عليها «لا للأسلحة النووية»، و«نحن نعارض إعادة تشغيل محطة كاشيوازاكي - كاريوا»، و«ندعم فوكوشيما».

وقال كينيتشيرو إيشياما، وهو متظاهر يبلغ من العمر 77 عاماً من مدينة نيغاتا، لوكالة «رويترز» بعد التصويت: «أنا غاضب من أعماق قلبي. إذا حدث أي مكروه في المحطة، فسوف نكون نحن من يتحمل العواقب».

وذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية «إن إتش كيه» أن شركة «طوكيو للطاقة الكهربائية» تدرس إعادة تشغيل أول مفاعل من أصل سبعة مفاعلات في محطة كاشيوازاكي - كاريوا النووية في 20 يناير (كانون الثاني).

وتبلغ الطاقة الإنتاجية الإجمالية للمحطة 8.2 غيغاواط، وهي كافية لتزويد ملايين المنازل بالكهرباء. ومن شأن إعادة التشغيل المرتقبة أن تُدخل وحدة بقدرة 1.36 غيغاواط إلى الخدمة العام المقبل، ووحدة أخرى بالقدرة نفسها في عام 2030 تقريباً.

وقال ماساكاتسو تاكاتا، المتحدث باسم شركة «طوكيو للطاقة الكهربائية» (تيبكو): «نحن ملتزمون التزاماً راسخاً بعدم تكرار مثل هذا الحادث، وضمان عدم تعرض سكان نيغاتا لأي شيء مماثل». وأغلقت أسهم الشركة مرتفعة بنسبة 2 في المائة في تداولات فترة ما بعد الظهر في طوكيو، متجاوزة بذلك مؤشر «نيكي» الأوسع نطاقاً الذي ارتفع بنسبة 1.8 في المائة.

• قلق من إعادة التشغيل

وتعهدت شركة «تيبكو» في وقت سابق من هذا العام بضخ 100 مليار ين (641 مليون دولار) في المحافظة على مدى السنوات العشر المقبلة، سعياً منها لكسب تأييد سكان نيغاتا، لكنّ استطلاعاً للرأي نشرته المحافظة في أكتوبر (تشرين الأول) أظهر أن 60 في المائة من السكان لا يعتقدون أن شروط إعادة التشغيل قد استُوفيت.

وأعرب ما يقرب من 70 في المائة عن قلقهم بشأن تشغيل شركة «تيبكو» للمحطة. واستقرت أياكو أوغا، البالغة من العمر 52 عاماً، في نيغاتا بعد فرارها من المنطقة المحيطة بمحطة فوكوشيما عام 2011 مع 160 ألف نازح آخرين. وكان منزلها القديم يقع داخل منطقة الحظر الإشعاعي التي يبلغ نصف قطرها 20 كيلومتراً. وانضمت المزارعة والناشطة المناهضة للطاقة النووية إلى احتجاجات نيغاتا. وقالت أوغا: «نعرف من كثب خطر وقوع حادث نووي، ولا يمكننا تجاهله»، مضيفةً أنها لا تزال تعاني من أعراض تشبه اضطراب ما بعد الصدمة جراء ما حدث في فوكوشيما. وحتى حاكم نيغاتا، هانازومي، يأمل أن تتمكن اليابان في نهاية المطاف من تقليل اعتمادها على الطاقة النووية. وقال الشهر الماضي: «أريد أن أرى عصراً لا نضطر فيه إلى الاعتماد على مصادر طاقة تُسبب القلق».

• تعزيز أمن الطاقة

وعُد تصويت يوم الاثنين بمثابة العقبة الأخيرة قبل أن تُعيد شركة «تيبكو» تشغيل المفاعل الأول، الذي قد يُسهم وحده في زيادة إمدادات الكهرباء لمنطقة طوكيو بنسبة 2 في المائة، وفقاً لتقديرات وزارة التجارة اليابانية.

وقد أيدت رئيسة الوزراء، ساناي تاكايتشي، التي تولت منصبها قبل شهرين، إعادة تشغيل المفاعلات النووية لتعزيز أمن الطاقة ومواجهة تكلفة الوقود الأحفوري المستورد، الذي يُشكل ما بين 60 و70 في المائة من إنتاج الكهرباء في اليابان. وأنفقت اليابان 10.7 تريليون ين (68 مليار دولار) العام الماضي على استيراد الغاز الطبيعي المسال والفحم، أي ما يعادل عُشر إجمالي تكاليف استيرادها. ورغم انخفاض عدد سكانها، تتوقع اليابان ارتفاع الطلب على الطاقة خلال العقد المقبل نتيجةً لازدهار مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي التي تستهلك كميات هائلة من الطاقة. ولتلبية هذه الاحتياجات، والوفاء بالتزاماتها في خفض الانبعاثات الكربونية، حددت اليابان هدفاً يتمثل في مضاعفة حصة الطاقة المتجددة. ويهدف مشروع الطاقة النووية إلى رفع نسبة الطاقة النووية في مزيج الطاقة الكهربائية إلى 20 في المائة بحلول عام 2040.

وقال جوشوا نغو، نائب رئيس قسم آسيا والمحيط الهادئ في شركة «وود ماكنزي» الاستشارية، إن قبول الجمهور إعادة تشغيل محطة كاشيوازاكي - كاريوا سيمثل «محطةً حاسمةً» نحو تحقيق هذه الأهداف.

وفي يوليو (تموز)، أعلنت شركة «كانساي» للطاقة الكهربائية، أكبر مشغل للطاقة النووية في اليابان، أنها ستبدأ بإجراء مسوحات لمفاعل في غرب اليابان، وهو أول وحدة جديدة منذ كارثة فوكوشيما.


الين الياباني يترنّح قرب أدنى مستوياته رغم تحذيرات التدخل

رجل يمر أمام شاشة تعرض سعر الين الياباني مقابل الدولار الأميركي وسط العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
رجل يمر أمام شاشة تعرض سعر الين الياباني مقابل الدولار الأميركي وسط العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
TT

الين الياباني يترنّح قرب أدنى مستوياته رغم تحذيرات التدخل

رجل يمر أمام شاشة تعرض سعر الين الياباني مقابل الدولار الأميركي وسط العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
رجل يمر أمام شاشة تعرض سعر الين الياباني مقابل الدولار الأميركي وسط العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)

دخل الين الياباني أسبوعاً جديداً وهو يراوح قرب مستويات تاريخية متدنية مقابل العملات الرئيسية، في مشهد يعكس فجوة متوسعة بين تحذيرات الحكومة من «تحركات مفرطة» في سوق الصرف، ونبرة حذِرة لا تزال تطبع تَواصل «بنك اليابان» بعد رفعه الفائدة الأسبوع الماضي. ورغم تلميحات رسمية متكررة بإمكانية التدخل، فإن المتعاملين واصلوا الرهان على ضعف العملة، مدفوعين بغياب إشارات تَشدد واضحة من «البنك المركزي»، واتساع فروق العائد مع الخارج.

وقال كبير مسؤولي العملة في اليابان، أتسوشي ميمورا، إن التحركات الأخيرة في سوق الصرف «أحادية وحادة»، مؤكداً استعداد السلطات لاتخاذ «إجراءات مناسبة» ضد التقلبات المفرطة. وذهب كبير أمناء مجلس الوزراء، مينورو كيهارا، في الاتجاه نفسه، محذّراً من استمرار ضعف الين، ومشدداً على أهمية تحرك العملات «بشكل مستقر يعكس الأساسيات»، مع التلويح بإجراءات تشمل التحركات المضاربية.

هذه الرسائل أعادت إلى الأذهان سيناريوهات تدخّل سابقة، لكنها لم تُفلح حتى الآن في تغيير سلوك السوق. فالمتعاملون يرون أن التحذيرات، على أهميتها، تفتقر عنصر المفاجأة ما لم تُترجم إلى فعل مباشر، خصوصاً في ظل تجربة الأشهر الماضية التي أظهرت أن الين يحتاج مزيجاً من تشدد نقدي أوضح، وتدخل فعلي كي يستعيد زخمه.

قرار الفائدة وتأثير معاكس

وكان من المفترض أن يمنح رفع «بنك اليابان» سعر الفائدة إلى 0.75 في المائة - وهو أعلى مستوى في 3 عقود - دعماً للعملة عبر تضييق الفارق مع الولايات المتحدة. لكن ما حدث كان العكس؛ إذ ركّزت الأسواق على المؤتمر الصحافي لمحافظ «البنك»، كازو أويدا، الذي تمسّك بنبرة حذرة ولم يقدّم جدولاً زمنياً أو وتيرة واضحة لمزيد من الرفع. والنتيجة كانت موجة بيع للين بعد القرار، مع قفزات حادة في عوائد السندات الحكومية اليابانية.

هذا التناقض، بين تشديد مُعلن ونبرة متحفظة، غذّى قناعة المستثمرين بأن مسار الرفع سيكون بطيئاً ومشروطاً بالبيانات؛ مما يُبقي العوائد الحقيقية منخفضة ويحدّ من جاذبية الين في استراتيجيات العائد المرتفع.

لماذا لم تنجح التحذيرات؟

وفق المراقبين، فإن هناك 3 عوامل رئيسية تفسّر محدودية أثر التحذيرات حتى الآن، أولها غياب الإشارة الزمنية، حيث إن السوق تريد معرفة «متى» و«كيف» سيواصل «البنك» التشديد. والعامل الثاني هو فروق العائد العالمية، فحتى بعد الرفع، تبقى الفجوة مع الدولار واسعة؛ مما يدعم صفقات التمويل بالين. وإلى جانب ذلك، يوجد العامل الثالث وهو توقعات التدخل، فالمتعاملون يميلون لاختبار عزيمة السلطات، معتقدين أن التدخل - إن حدث - قد يكون دفاعياً ومحدود الأثر ما لم يُدعَم بتشديد نقدي أسرع.

وتاريخياً، تميل طوكيو إلى التدخل عندما ترى تحركات «مفرطة» وسريعة تُهدد الاستقرار أو تُفاقم تكلفة المعيشة عبر الواردات. ومع ارتفاع أسعار الاستيراد وتأثير ضعف الين على الأسر، تزداد الضغوط السياسية. غير أن التدخل المنفرد غالباً ما يكون قصير الأجل إذا لم يترافق مع رسالة نقدية أقوى؛ مما يجعل الأسواق حذرة من المبالغة في تسعير أثره. وحالياً، ربما تركز الأسواق على مراقبة خطابات تالية لأويدا، تحمل أي تلميح إلى تسريع الوتيرة؛ مما قد يغيّر المعادلة سريعاً. وكذلك بيانات الأجور والتضخم لتأكيد «الدورة الحميدة» بين الأجور والأسعار التي يعوّل عليها «البنك».

ولحين ورود إشارات أقوى، أو اتخاذ الحكومة ردود فعل أشد، فإن الين سيظل عالقاً بين تشديد نقدي محسوب وتحذيرات رسمية لم تُترجم بعد إلى فعل حاسم. ومع أن رفع الفائدة خطوة تاريخية، فإن لغة التواصل لا تزال العامل الحاسم في تسعير العملة. وإلى أن تتضح وتيرة الرفع أو يحدث تدخل فعلي، فسيبقى الين عرضة للاختبار قرب قيعانه، فيما تواصل الأسواق لعب دور الحكم بين النيات والتطبيق.