شدَّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على أن بلاده «لن تقبل المساس بحقوقها المائية»، في إشارة إلى نزاع «سد النهضة»، الذي دشَّنته إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وتخشى مصر من تأثيره على إمداداتها من المياه.
وخلال محادثات مع نظيره الرواندي بول كاغامي، في قصر الاتحادية (شرق القاهرة)، الثلاثاء، ناقش السيسي «الرؤى حول سبل تعزيز التكامل بين دول حوض النيل، ومواجهة التحديات المشتركة»، وفق بيان للرئاسة المصرية.

وقال المتحدث الرسمي للرئاسة المصرية، السفير محمد الشناوي، إن الرئيسين تبادلا الرؤى حول «سبل تعزيز التكامل بين دول حوض النيل»، واتفقا على «مواصلة التشاور والتنسيق لمواجهة التحديات المشتركة، وتحقيق التنمية المستدامة لدول الحوض كافة، مع التأكيد على احترام القانون الدولي في إدارة الأنهار العابرة للحدود».
وشدَّد السيسي على أن «ملف المياه يمثل قضية وجودية لمصر، خصوصاً في ظل الندرة المائية الشديدة التي تواجهها»، مؤكداً أن «مصر لن تقبل المساس بحقوقها المائية، وأن التعاون في منطقة حوض النيل يتطلب تغليب روح التفاهم لتحقيق المصلحة المشتركة».
وتصاعدت حدة الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول «سد النهضة»، الذي افتتحته أديس أبابا رسمياً قبل نحو أسبوعين، وتطالب دولتا مصب نهر النيل (مصر والسودان) باتفاق قانوني ملزم ينظِّم عمليات «ملء وتشغيل السد».
وأعلنت مصر في ديسمبر (كانون الأول) 2023 «فشل» آخر جولة للمفاوضات بشأن «السد»، وإغلاق المسار التفاوضي بعد جولات مختلفة لمدة 13 عاماً.

وقال السيسي، في مؤتمر صحافي مع نظيره الرواندي: «تناولنا قضية مياه النيل، وأكدت أن هذه القضية تمثل مسألة وجودية لمصر وشعبها. لا نقبل المساس بحقوقنا المائية، في الوقت الذي نبدي فيه انفتاحاً كاملاً على التعاون البناء مع أشقائنا في دول الحوض؛ من أجل إدارة هذا المورد الحيوي، بشكل يحقِّق التنمية المشتركة، بعيداً عن منطق الهيمنة أو الإضرار بمصالح أي طرف».
ويعتقد مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر، الدكتور أيمن عبد الوهاب، أن المحادثات المصرية - الرواندية «تمثل انعكاساً للرؤية المصرية في التعاون مع الدول الأفريقية».
وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «التعاون المصري مع دول حوض النيل يحظى باهتمام سياسي، ولا يرتبط بأزمة سد النهضة فقط، بل يعكس استراتيجية مصرية ثابتة»، وبحسب عبد الوهاب، فإن «توسيع أطر التعاون مع دول حوض النيل في المجالات كافة ينعكس في جانب منه على أزمة السد، حيث يعزز التأكيد على المواقف المصرية، وإيصال الرؤية التي يعكسها الخطاب المصري (الذي يدعم التنمية في دول الحوض)، في مواجهة خطاب إثيوبي يدّعي أن القاهرة تقف ضد التنمية».
ويعتقد عبد الوهاب أن «تأكيد المواقف المصرية مع دول الحوض الشقيقة يسهم في مواجهة الخطاب الإثيوبي المضاد، إذ تقوم الرؤية المصرية على 3 مرتكزات رئيسية، هي دعم التنمية، والأمن، والاستقرار بدول الحوض».

وتسعى مصر إلى التوسُّع في علاقات الشراكة والتعاون مع دول حوض النيل في مجالات عدة. وذكر المتحدث المصري في إفادة رسمية، أن الرئيسين، السيسي وكاغامي، شهدا عقب انتهاء المباحثات، التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم في مجالات إدارة الموارد المائية، وتبادل تخصيص الأراضي للأغراض اللوجيستية والاقتصادية والتجارية، والإسكان، وتعزيز وحماية الاستثمار.
وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير جمال بيومي، إن «حرص مصر على علاقات جيدة مع دول حوض النيل يُشكِّل استراتيجية ثابتة للسياسة الخارجية المصرية»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «التقارب المصري مع دول حوض النيل، وتوسيع آفاق التعاون في مجالات مختلفة يفضحان خواء الخطاب الإثيوبي بشأن سد النهضة، ويؤكد أن مصر ليست ضد التنمية في أي دولة أفريقية، بل تقيم كثيراً من المشروعات التنموية في تلك الدول».
وخلال مباحثاته مع الرئيس الرواندي، أكد السيسي «حرص مصر على مواصلة دعم رواندا في تحقيق تطلعاتها التنموية، واستعدادها لتعزيز التعاون في مجال بناء القدرات، بما يسهم في إنجاح رؤية رواندا للتنمية 2050»، وبحسب الرئاسة المصرية، «ثمّن الرئيس كاغامي التعاون القائم بين البلدين»، مشيداً بما «يحققه من منفعة متبادلة للشعبين، وتطلع رواندا إلى توسيع هذا التعاون المثمر مع مصر».
وذكرت الرئاسة المصرية، أن المباحثات «تطرقت إلى التعاون داخل الاتحاد الأفريقي، حيث اتفق الرئيسان على مواصلة التنسيق وتبادل الرؤى بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك»، كما تناولت المباحثات عدداً من القضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وتطورات الأوضاع في غزة.




