جعجع لـ«الشرق الأوسط»: «حزب الله» يرفض أي تعاون ويؤخِّر كل شيء في لبنان

حذَّر من عرقلة «الممانعة» وصول اقتراحات قانون الانتخاب إلى الهيئة العامة للبرلمان

رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع
رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع
TT

جعجع لـ«الشرق الأوسط»: «حزب الله» يرفض أي تعاون ويؤخِّر كل شيء في لبنان

رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع
رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أن انتهاء أزمات المنطقة يحتاج إلى وقت إضافي، وربما يكون ذلك في السنوات القليلة المقبلة، وليس بالأشهر، مستنداً إلى «الوقائع وتسلسل الأحداث والمواقف السياسية لمختلف الأطراف، وتحديداً المواقف الدولية المؤثرة في المنطقة مثل الولايات المتحدة».

وقال جعجع في حوار مع «الشرق الأوسط» إن الاتجاه الذي سلكته الأحداث منذ عامين وحتى الآن، «مستمر، وسيبقى على هذا النحو إلى حين الوصول لوضعية جديدة». أما في لبنان فـ «خطة العمل واضحة جداً وجليّة في خطاب القسم والبيان الوزاري لرئيس الحكومة نواف سلام، وبالتالي، لا لزوم لأن ننتظر في الوقت الضائع، وعلينا أن نرتب أمورنا بالشكل اللازمة». ورأى أن «ترتيب أمورنا يسير بالاتجاه الصحيح، لكنه لا يتم بالسرعة اللازمة». محمّلاً مسؤولية هذا التأخير لـ«(حزب الله) وما تبقى من (محور الممانعة) المسؤول بشكل أساسي لأنه يعارض بشدة تطبيق القرارات الحكومية، إلى حد التهديد بحرب أهلية أكثر من مرة، وباستعمال العنف في حال استمرت الدولة بخطة قيام دولة فعلية في لبنان من خلال حصرية السلاح بالدولة».

ورأى أن «المعارضة الشديدة التي يُبديها (حزب الله) لأي تعاون لقيام الدولة، هي ما يعرقل ويؤخر كل شيء في لبنان. فتأخير عملية جمع السلاح يؤخّر قيام دولة فعلية، ويؤخّر النهوض الاقتصادي المنتظر وإعادة الإعمار».

السلاح أداة في المعادلة الداخلية

وإذ يعترف جعجع بأنه «ليس من السهل على طرف أن يسلّم سلاحه إذا كان يخدم هدفاً معيناً»، قال: «إن الأحداث في لبنان أظهرت بما لا يقبل الشك، أن السلاح لا يؤثر بأي شيء. جُلُّ ما فيه أنه يعطي (حزب الله) ثقلاً سياسياً أكبر في الداخل اللبناني». وينطلق من أن «الحزب نفسه يقرّ بأنه يريد الخروج كلياً من جنوب الليطاني، وهي منطقة المواجهة المباشرة مع إسرائيل» ليسأل: «إذا كان عازماً على هذا الأمر، فلماذا يريد الاحتفاظ بما تبقى من السلاح؟ ثم يستنتج أن «الحزب يتمسك بسلاحه بوصفه عاملاً إضافياً في المعادلة الداخلية والإيرانية، وكي تقول إيران إنها لا تزال تحتفظ بوجود في لبنان، وهو العامل الإقليمي الأهم في السلاح». وأشاد بخطة الجيش لتنفيذ «حصرية السلاح »، لكنه «تمنى أن تكون مهلة تنفيذها بالكامل أقصر في التوقيت». ومع هذا يخلص إلى أن هذه الخطة واضحة «المعالم وتقتضي أن ينتهي بالكامل من جنوب الليطاني، ويحتوي كل السلاح في شمال الليطاني، حيث من المستحيل أن ترى شاحنة على الطريق محمّلة بالأسلحة، أو ترى مسلحاً، أو أن يطلق أي شخص صاروخاً. هذا عمل يعاقب عليه القانون، خلافاً لما كان يحدث في السابق. الأمور تتقدم، ولو أننا نتمنى أن تكون بشكل أسرع، خدمةً للناس المهجَّرين من 30 أو 40 قرية مدمَّرة في الجنوب».

سلام يستقبل جعجع في السراي الحكومي ببيروت (الوكالة الوطنية)

ولا يوافق جعجع على ما يقال من أن خطة إنهاء السلاح جنوب الليطاني مربوطة بالتجاوب الإسرائيلي بالانسحاب من النقاط المحتلة في الجنوب. قائلاً: «هذا لغط آخر. خطة الحكومة لا علاقة لها بأي شيء آخر. قرار الحكومة في 5 أغسطس (آب)، وخطة الجيش التي قدمها في 5 سبتمبر (أيلول)، لا تتضمن ذلك. على العموم، على قيادة الجيش أن تقدم بشكل شهري تقريراً للحكومة عن التقدم الذي يحصل، بغض النظر عما تقوم به إسرائيل. بناء البلد غير مرهون بما تقوم به إسرائيل. وبرأيي، أفضل وضعية تناسب إسرائيل، هي الوضعية الحالية. إذا لم نجمع السلاح، وبقيت لها حرية التحرك في الأجواء اللبنانية واستهداف ما تراه مناسباً لها، فهو الوضع المناسب لها، كون ذلك يمنع قيام دولة فعلية على حدودها، وبالتالي سيضعف لبنان أكثر فأكثر. ومن جهة ثانية، لن تجد أفضل من الاحتفاظ بحرية التحرك التي تتمتع بها الآن»، مشيراً إلى أن «العالم كل يوم يستنكر ما يحصل في غزة. لكن لا أحد يستنكر ما يحصل في لبنان، باستثناء بعض الكلام العام. من هذا المنطلق، يجب أن تقوم دولة فعلية كي ينتهي الوضع. ما تبين أن بقاء (حزب الله) مثلما هو، لا يفيد لبنان بشيء ولا بيئة الحزب الحاضنة».

ويضيف: «في نهاية المطاف، علينا كلبنانيين أن نحدد ما إذا كنا نريد دولة فعلية أم لا. الدولة الفعلية لا يمكن أن تكون بهذا الشكل القائم. دائماً ما يدخلون إسرائيل بالأزمة ليحافظوا على وضعيتهم، علماً أن أكبر حماية لـ(حزب الله) ولجماعة الممانعة هي إسرائيل. كلما حصل استحقاق، يتحدثون عن إسرائيل لإسكات الناس. أفضل طريقة لمواجهة الخطر الإسرائيلي هو أن تقوم دولة فعلية في لبنان. كل الناس يسمعون هذا الخطاب، ويستخدمه (حزب الله) لتحقيق مصلحته الضيقة، بينما نحن نسمعه لنبحث عن أفضل الطرق لمواجهته وهي قيام دولة فعلية في لبنان. من هذه الناحية، من الضرورة جمع السلاح كي تقوم دولة فعلية بمعزل عن أي أمر آخر».

الانتخابات النيابية

في ملف الانتخابات البرلمانية المقررة في الربيع المقبل، لا يرى جعجع أي إمكانية للتأجيل.

ويقول: «مررنا بأوقات أكثر صعوبة من الوقت الحالي، ونظمنا انتخابات. المواعيد الدستورية يجب ألا نعبث بها. مهما كانت الظروف، يجب أن تُجرى الانتخابات. في جوابي: نعم كبيرة، يجب أن تُجرى الانتخابات بمعزل عن أي أمر آخر». رافضاً ربط الانتخابات ببقاء القانون الحالي الذي يراه «مجحفاً» بحق المغتربين.

ويقول: «الهيئة الوحيدة المولّجة بالتحديد هي الهيئة العامة للبرلمان. بعدما أعطت الحكومة رأيها، نحن بانتظار ما تقرره الهيئة العامة، ونحن سنسير بما يقرره مجلس النواب. هذا ما تفرضه الديمقراطيات. لكن المصيبة تقع حين يتم تعطيل وصول الاقتراحات إلى الهيئة العامة لمجلس النواب». وعمَّا إذا كان يقصد بذلك رئيس البرلمان نبيه بري، أجاب: «لن أستبق الأمور، لكن أتمنى ألا يعطل أي طرف وصول الاقتراحات للهيئة العامة. أحياناً، يخرج بعض النواب ويقولون إنهم يريدون تطبيق اتفاق الطائف، عبر إجراء الانتخابات خارج القيد الطائفي. عظيم. ما دامت تلك الاقتراحات لا تصل إلى نتيجة في اللجان الفرعية فلتُرسَل إلى الهيئة العامة للبت بأي أمر لم يتم البت فيه على مستوى اللجان أو على المستوى السياسي».

ويضيف: «الآن، لم يعد هناك متسع من الوقت. يجب تحويل كل اقتراحات القوانين في الوقت الحاضر إلى الهيئة العامة؛ للبت بها، علماً أن اللجان الفرعية في البرلمان، تناقش منذ شهرين القوانين المقترحة من دون التوصل إلى نتيجة، مما يستوجب إرسالها إلى الهيئة العامة كمسار طبيعي ومنطقي ودستوري ووحيد لحل هذه الأزمة، حيث تنتهي بالتصويت عليها».

رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في مناسبة إحياء «ذكرى شهداء» القوات اللبنانية (القوات اللبنانية)

ويُبدي جعجع خشيته من عرقلة وصول الاقتراح إلى البرلمان، لأن هناك أكثرية في الهيئة العامة تؤيد المقترح. ويقول: «من وجهة نظرنا يمكن أن يتم إقرار القانون، لكن في حال لم يمر، فإننا سنكون ملزمين بإجراء الانتخابات من دونه. لا أحد منَّا سيمتلك القدرة على قول أي شيء».

وفي الإطار نفسه، رأى جعجع «فكاهة» في كلام محور الممانعة عدم القدرة على إجراء دعاية انتخابية في الخارج، وأن ناخبيهم لا يمتلكون حرية التصويت لأن الدول في الخارج ضد «حزب الله». وقال: «هل يمكن أن يفسروا لي هذه الأحجية: إذا اعتُمد القانون كما هو، وصوَّت المقترعون في الخارج لانتخاب ستة نواب، هل سيتغير أي أمر في واقع أنهم لا يستطيعون القيام بحملات انتخابية؟ وهل سيمتلك ناخبوهم حرية التصويت؟»، ويستنتج أنهم «يتجنبون تصويت المغتربين في الخارج لأن المغتربين في الخارج لديهم آراء مختلفة، وهم أحرار في خياراتهم، ولا تأثير للضغوط عليهم، لكن ذلك ليس سبباً لحرمان المغتربين اللبنانيين من حقهم في الاقتراع لـ128 نائباً». ورأى أن «ما تغير أن جماعة الممانعة يرون أن وضعهم السياسي يتدهور. في السابق يمكن كانوا يتحملون خسارة نائب أو اثنين، أما الآن فهذه الخسارة تؤثر على وضعيتهم بشكل كبير بعدما تركهم جميع حلفائهم. لذلك، يتمسكون بأي جانب من قانون الانتخاب كي يحافظوا على نائب أو اثنين أو ثلاثة».

العهد الجديد

يُبدى جعجع إيجابية كبيرة في تقييمه عمل الحكومة والعهد خلال هذه الفترة. ويقول: «نحن مشاركون بهذه الحكومة، ما نراه أن هناك دولة تُبنى من جديد، ولو أنه ليس بالسرعة التي نتمناها. هذا العام، هناك وافر في الخزينة 1.2 مليار دولار، علماً أنه في السنوات الماضية كان لبنان يستدين لصالح الموازنة 7 أو 8 مليارات دولار. الآن الجميع يتحرك بالاتجاه المطلوب، سواء بالاقتصاد أو بقوانين إصلاح القطاع المصرفي والسرية المصرفية، وقانون الانتظام سيتم إنجازه في الأسابيع المقبلة. كل شيء يتقدم، ولو لم نصل إلى الوضع المنشود بعد. يجب أن نسرع أكثر كي نصل إلى لبنان الجديد الذي نحلم به».


مقالات ذات صلة

كيف تستخدم إسرائيل دروز سوريا لإرباك حكم أحمد الشرع؟

المشرق العربي استعراض عسكري مؤخراً في شوارع محافظة السويداء رُفع خلاله العلم الإسرائيلي وصورة نتنياهو (مواقع)

كيف تستخدم إسرائيل دروز سوريا لإرباك حكم أحمد الشرع؟

حوّلت إسرائيل مبلغ 24 ألف دولار إلى طارق الشوفي، عبر قنوات مرتبطة (قسد) ويشير هذا التمويل المبكر، إلى أن تل أبيب كانت تستعد منذ وقت طويل لسيناريو ما بعد الأسد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)

خاص تحقيقات ترجّح اختطاف إسرائيل ضابطاً لبنانياً على صلة بملف آراد

تحقيقات لبنانية ترجّح فرضية اختطاف إسرائيل ضابطاً متقاعداً، بعد معطيات عن استدراج منظّم وارتباط القضية بملف الطيار المفقود رون آراد.

يوسف دياب (بيروت)
تحليل إخباري مقاتلون من «حزب الله» خلال مناورة في جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)

تحليل إخباري هل يستطيع لبنان الانتقال عملياً لسحب السلاح شمال الليطاني؟

ينتظر الجيش اللبناني قراراً سياسياً يفترض أن تتخذه الحكومة للانتقال مطلع العام لتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة التي كان قد وضعها لحصرية السلاح.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي ضبط صواريخ من نوع «سام 7» معدة للتهريب خارج البلاد في البوكمال شرق سوريا (سانا)

مصدر: الصواريخ المضبوطة داخل البوكمال كانت ستهرب إلى «حزب الله» في لبنان

رجحت مصادر أن تكون الجهة التي كان من المفترض تهريب دفعة صواريخ «سام 7» إليها عبر الأراضي السورية هي «حزب الله» بلبنان، الذي كان يقاتل أيضاً إلى جانب نظام الأسد.

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي الحكومة اللبنانية ملتئمة برئاسة رئيس الجمهورية جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)

لبنان: سلام يدافع عن «استرداد الودائع» رغم الاعتراضات الواسعة

دافع رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام عن مشروع قانون استرداد الودائع المصرفية المجمدة منذ عام 2019، واصفاً إياه بـ«الواقعي» و«القابل للتنفيذ».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

كيف تستخدم إسرائيل دروز سوريا لإرباك حكم أحمد الشرع؟

الشيخ حكمت الهجري خلال مشاركته عبر الشاشة في مؤتمر الحسكة الذي نظمته «قسد» للأقليات في أغسطس (متداولة على مواقع التواصل)
الشيخ حكمت الهجري خلال مشاركته عبر الشاشة في مؤتمر الحسكة الذي نظمته «قسد» للأقليات في أغسطس (متداولة على مواقع التواصل)
TT

كيف تستخدم إسرائيل دروز سوريا لإرباك حكم أحمد الشرع؟

الشيخ حكمت الهجري خلال مشاركته عبر الشاشة في مؤتمر الحسكة الذي نظمته «قسد» للأقليات في أغسطس (متداولة على مواقع التواصل)
الشيخ حكمت الهجري خلال مشاركته عبر الشاشة في مؤتمر الحسكة الذي نظمته «قسد» للأقليات في أغسطس (متداولة على مواقع التواصل)

كشف تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» عن ملامح سياسة إسرائيلية سرّية ومعقّدة تجاه سوريا ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، تقوم على دعم فصائل درزية مسلّحة في الجنوب، في محاولة واضحة لإضعاف الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع، ومنعها من إعادة توحيد البلاد وبسط سيطرتها على كامل الجغرافيا السورية.

ووفق ما أوردته الصحيفة نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، فإن هذه السياسة لم تكن ردّ فعل آنياً على التطورات، بل جاءت ثمرة تخطيط مسبق بدأ قبل أشهر من انهيار النظام السابق. ففي عام 2024، ومع تزايد المؤشرات على اقتراب سقوط الأسد، بدأ قادة دروز في إسرائيل البحث عن شخصية درزية سورية يمكن أن تلعب دوراً قيادياً في مرحلة ما بعد النظام، وتكون قادرة على تمثيل وقيادة نحو 700 ألف درزي منتشرين في سوريا.

طارق الشوفي

بحسب مسؤولين إسرائيليين تحدّثوا إلى «واشنطن بوست»، وقع الاختيار على طارق الشوفي، وهو عقيد سابق في جيش النظام المخلوع، بوصفه يمتلك خبرة عسكرية وتنظيمياً يسمحان له بلعب هذا الدور. وسرعان ما جرى العمل على تشكيل نواة عسكرية منظمة، وتم اختيار نحو 20 رجلاً من ذوي الخبرة القتالية وتوزيع الرتب والمهام عليهم، وبدأ العمل بما سُمّي «المجلس العسكري» في محافظة السويداء، المعقل الأساسي للدروز في جنوب سوريا.

قائد «المجلس العسكري» في السويداء العقيد المنشق طارق الشوفي مع مقاتلين يتبعون المجلس قبل أن يختفي لاحقاً خوفاً على حياته (حساب فيسبوك)

وفي إطار دعم هذا التشكيل الناشئ، حوّلت إسرائيل مبلغ 24 ألف دولار إلى الشوفي، عبر قنوات مرتبطة بـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، لتغطية النفقات التشغيلية الأساسية للمجلس العسكري إلى حين سقوط نظام الأسد. ويشير هذا التمويل المبكر، إلى أن تل أبيب كانت تستعد منذ وقت طويل لسيناريو ما بعد الأسد، وتسعى إلى امتلاك أدوات تأثير داخل النسيج السوري.

دور «قسد»

لم يقتصر الدعم على القنوات الإسرائيلية المباشرة؛ إذ كشفت الصحيفة أن «قسد» لعبت دوراً محورياً في هذا الملف، حيث حوّلت ما يصل إلى نصف مليون دولار إلى قوات الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي الأبرز للدروز في السويداء، والذي أصبح لاحقاً الشخصية الأكثر نفوذاً في المشهد الدرزي المسلّح.

وأكد مسؤول كردي للصحيفة، أن «قسد» لا تزال حتى اليوم تدرب مقاتلين دروزاً في مناطق شمال شرقي سوريا، بمن في ذلك نساء، في إطار تعاون مستمر. كما أقرّ قادة ميدانيون في قوات الهجري، بأنهم حصلوا عبر «قسد» على صواريخ مضادة للدبابات، ما يشير إلى مستوى متقدم من التسليح والدعم.

عناصر من المسلحين الدروز الموالين للشيح الهجري خلال دورية في السويداء (أ.ف.ب)

أسلحة مصادرة من «حزب الله» و«حماس»

بعد سقوط الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024، دخل الدعم الإسرائيلي مرحلة أكثر مباشرة، إذ قال مسؤول إسرائيلي صراحة للصحيفة: «أرسلنا أسلحة صادرناها من (حزب الله) و(حماس) إلى قوات الهجري». وشملت هذه الأسلحة بنادق وذخائر ومعدات عسكرية، جرى تسليمها في سياق اشتباكات عنيفة بين فصائل درزية مسلحة وقوات مرتبطة بالحكومة السورية الجديدة.

وتضيف الصحيفة أن إسرائيل لا تكتفي بالسلاح، بل تدفع رواتب شهرية تتراوح بين 100 و200 دولار لنحو 3000 مقاتل من قوات الهجري، ما يعكس وجود التزام مالي منتظم وليس مجرد دعم طارئ. كما أكد مسؤولون إسرائيليون أن الدعم العسكري لقوات الهجري لا يزال مستمراً، وإن بوتيرة محسوبة.

الشيخ حكمت الهجري الرئيس الروحي لطائفة الدروز مع «المجلس العسكري» في السويداء (أرشيفية)

دروزستان... وحسابات إسرائيل

أحد أخطر ما كشفه التحقيق يتمثل في البعد الاستخباراتي؛ إذ قال قائد في قوات الهجري للصحيفة، إن إسرائيل زوّدتهم بصور أقمار اصطناعية استُخدمت خلال المعارك ضد القوات الحكومية السورية، ما منحهم أفضلية ميدانية واضحة. ويعكس ذلك انخراطاً إسرائيلياً يتجاوز الدعم غير المباشر، ليصل إلى مستوى المشاركة في إدارة الصراع من الخلف.

ورغم هذا الانخراط، تظهر «واشنطن بوست»، أن إسرائيل لم تحسم بعد سياستها النهائية تجاه الدروز في سوريا؛ إذ قال مسؤول إسرائيلي إن تل أبيب «لم تستقر بعد على سياسة واضحة» في هذا الملف، مؤكداً في الوقت نفسه أنه «ليس من مصلحة إسرائيل إنشاء دولة درزية مستقلة أو ما يُسمّى دروزستان».

ويعود هذا التردد، وفق التقرير، إلى عدة عوامل، أبرزها الانقسامات العميقة داخل الصف الدرزي نفسه. فقد أدت محاولات الشيخ حكمت الهجري احتكار التمثيل العسكري والسياسي، إلى صراعات داخلية حادة، واتُهمت بعض الأطراف بممارسات خطيرة، ما دفع شخصيات مثل طارق الشوفي إلى الاختفاء خشية الاستهداف.

استعراض عسكري مؤخراً في شوارع محافظة السويداء رُفع خلاله العلم الإسرائيلي وصورة نتنياهو (مواقع)

وتشير الصحيفة إلى أن إسرائيل خفّفت، منذ الصيف الماضي، من وتيرة دعمها العسكري المباشر للدروز، وعلّقت شحنات الأسلحة الثقيلة، بالتزامن مع بدء محادثات غير مباشرة مع حكومة الشرع. ويبدو أن تل أبيب، وإن لم تغيّر استراتيجيتها الجوهرية، باتت أكثر حذراً في الانخراط العميق، كما لعبت التجربة الإسرائيلية المريرة في جنوب لبنان، حيث انهار «جيش لبنان الجنوبي» المدعوم منها عام 2000، دوراً في تعزيز التحفظ داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تجاه فكرة إنشاء «وكيل عسكري» بعيد المدى في العمق السوري.

خرائط لدولة درزية تمتد حتى العراق

وفي بعد أكثر حساسية، نقلت الصحيفة عن مسؤول غربي أن الشيخ الهجري أعدّ خرائط لمشروع دولة درزية تمتد حتى العراق، وسعى إلى عرضها على أطراف دولية، غير أن هذا الطموح، بحسب تقديرات إسرائيلية وغربية، يبدو غير قابل للتحقق.

لقاء الرئيس الشرع مع وفد من وجهاء وأعيان السويداء في فبراير الماضي (الرئاسة السورية)

وتكشف الصحيفة أن إسرائيل تستخدم الورقة الدرزية في جنوب سوريا أداة استراتيجية لإرباك حكومة أحمد الشرع ومنعها من إعادة بناء دولة مركزية قوية، لكنها في الوقت نفسه تدرك حدود هذه السياسة ومخاطرها، سواء بسبب الانقسامات الداخلية بين الدروز، أو بسبب احتمالات التورط في صراع طويل الأمد داخل سوريا.

خلاصة التحقيق هي أن إسرائيل تمارس في سوريا سياسة «الظل» وهي: دعم محسوب للأقليات، وضغط عسكري محدود، وانفتاح تكتيكي على التفاوض، من دون التزام واضح بمسار سياسي نهائي. أما مستقبل هذه السياسة فيظل مرهوناً بقدرة حكومة أحمد الشرع على ترسيخ سلطتها، وبمدى استعداد واشنطن لموازنة رهاناتها بين الاستقرار السوري وهواجس الأمن الإسرائيلي.


«ممنوع استقبال الرجال»... الإيجارات في غزة مكبلةٌ بشروط معقدة وأسعار مرتفعة

لقطة لمنازل مدمرة بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة يوم 19 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
لقطة لمنازل مدمرة بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة يوم 19 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

«ممنوع استقبال الرجال»... الإيجارات في غزة مكبلةٌ بشروط معقدة وأسعار مرتفعة

لقطة لمنازل مدمرة بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة يوم 19 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
لقطة لمنازل مدمرة بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة يوم 19 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

قضى نافذ الغوراني، من سكان حي الشيخ رضوان، شمال مدينة غزة، والنازح حالياً في خان يونس بجنوب القطاع، ساعات طويلة وأياماً عسيرة بحثاً عن شقة سكنية يستأجرها، أملاً في مأوى يضمه وأسرته قبل أن يتمكن من العودة إلى مدينته، لكنه اصطدم بواقع مرير... فالدمار طال غالبية المساكن والمنازل.

لم تكن عملية البحث عن الشقة هي الصعوبة الوحيدة التي واجهت الغوراني، وتواجه مئات غيره يومياً، فما هو أصعب منها الشروط المعقدة التي يضعها أصحاب الشقق حين يحالف أحدهم الحظ ويجد واحدة.

يقول الغوراني، الذي يعيش حالياً في خيمة بخان يونس، لـ«الشرق الأوسط»، إنه كلما وجد شقة تصلح للإيجار، يطلب أصحابها صورة من بطاقته الشخصية للتحري والسؤال عنه إما في منطقة سكنه الرئيسية قبل أن يفقد منزله، أو لدى جهات أخرى، قبل الموافقة على التأجير. ويضيف أن طلبه رُفض مرات عديدة لأسباب لم تكن له مفهومة.

عمال فلسطينيون يُصلحون طريقاً تضرر من الحرب بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة يوم الاثنين (أ.ف.ب)

في إحدى المرات، وبعد أن اتفق مع صاحب شقة على الإيجار، فوجئ بشرط يمنعه من استقبال أي رجال في البيت، حتى وإن كانوا أشقاءه، خشية انتماء أحدهم لأي فصيل فلسطيني، مما قد يُعرّض المكان لهجوم إسرائيلي، ما أثار استغراب الغوراني الذي رفض هذا الشرط، فرفض صاحب الشقة التأجير.

يقول الغوراني إن العثور على شقة للإيجار، حتى ولو بسعر باهظ، بات مهمة شبه مستحيلة في ظل التعقيدات التي يفرضها أصحاب البيوت الذين يخشون على منازلهم وحياتهم. وعلى الرغم من أنه يعتبر ذلك حقاً من حقوقهم، فإنه يشير إلى «المبالغة» في الشروط وفي التعقيدات لأسباب غير مقنعة أحياناً، مثل تلك التي حالت دون تمكنه من استئجار شقة مع إنه لا ينتمي لأي فصيل، لا هو ولا أي من أبنائه الخمسة.

«المضطر»

في ظل المتبقي القليل من المنازل والشقق السكنية في قطاع غزة، بعد عملية التدمير الشاملة التي طالت مناطق شاسعة من القطاع، يتخوف السكان من أن يستهدفهم قصف إسرائيلي في ظل استمرار الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وفي تقرير نُشر في بداية العام الحالي، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 92 في المائة من الوحدات السكنية في غزة مدمرة أو متضررة. وقال المكتب إن 436 ألف وحدة سكنية تأثرت بالحرب، حيث تهدمت 160 ألف وحدة كلياً وتضررت 276 ألفاً جزئياً، بعضها على نحو خطير.

وجاء في التقرير أن أكثر من 1.8 مليون شخص في حاجة ماسة إلى مأوى طارئ ومستلزمات منزلية أساسية.

لقطة عامة لخيام نازحين وسط أحوال جوية قاسية في خان يونس جنوب قطاع غزة يوم 18 ديسمبر 2025 (رويترز)

ويقول فضل الشنطي، الذي يمتلك مبنى سكنياً من ستة طوابق في غرب مدينة غزة، إنه لا يستطيع التأجير لأي شخص قبل أن يسأل عنه، معتبراً ذلك حقاً أصيلاً للحفاظ على سلامة بنايته وحياة عائلته التي تقطن في إحدى شقق المبنى.

وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الاحتلال الإسرائيلي لا ينتظر إذناً من أحد حين ينوي قصف ناشط ما، وقد ارتكب عشرات المجازر بحق عوائل كاملة وبنايات كي يقتل شخصاً واحداً».

واستطرد: «حياة عائلتي ومن يعيش في البناية هي أمانة أحملها ضمن مسؤولياتي».

وتابع: «أنا كمالك لبناية سكنية، لست ضد ابن شعبي، سواء كان من فصيل فلسطيني أو غيره، لكن هناك ظروفاً قاهرة وأوضاعاً قاسية لا يمكن لأحد أن يتجاوزها، ولا أستطيع أن أضحي بحياة عدة عائلات من أجل شخص واحد يمكنه أن يجد مكاناً بديلاً».

ولا ينفي الشنطي أن بعض المالكين رفعوا أسعار الإيجارات بشدة، ومع هذا ظل إقبال «المضطرين» كبيراً. وعن نفسه، قال إنه رفع السعر عما كان عليه قبل الحرب، إلى نحو 800 دولار بدلاً من 500 سابقاً، في حين أن الغالبية تطلب ما بين 1000 و1500 دولار للشقة التي تتراوح مساحتها بين 130 و170 متراً.

وقبيل الحرب كانت أسعار الإيجارات من 200 إلى 500 دولار، فيما يصل إيجار المفروش منها إلى 700 دولار.

مواطن «بلا وطن»

لا تقف الشروط التي يضعها أصحاب الشقق السكنية عند هذا الحد، بل يمتد بعضها لمنع الإيجار عن أسرة يزيد عدد أفرادها عن ستة، أو وضع شروط تتعلق بالمياه، مثل مشاركة المستأجر في حصة المياه الخاصة به بسبب شحها الشديد.

كما لوحظ أن غالبية مُلاك الشقق يرفضون التأجير للعاملين في مجالات معينة مثل الصحافة، والطواقم الطبية، وأساتذة الجامعات، بسبب استهدافهم المتكرر من قبل إسرائيل خلال الحرب.

جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية بمدينة غزة (أرشيفية - رويترز)

يقول هيثم عمر، الذي كان يبحث عن شقة للإيجار، إنه فوجئ برفع الأسعار المبالغ فيه وبالشروط التعجيزية، ناهيك عن دفع مبالغ للسماسرة والوسطاء الذين يعملون على الترويج لتلك الشقق.

ويضيف قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، أنه فوجئ بأن صاحب شقة مكونة من غرفتين ومطبخ وصالة طلب منه 1300 دولار شهرياً، وقال: «أنا مواطن بسيط أعمل في شركة قطاع خاص، وكل ما أتحصل عليه شهرياً 550 دولاراً».

حتى الوحدات المتضررة لم تسلم من علو الإيجارات، وأشار عمر إلى أن صاحب شقة متضررة طلب منه نحو 600 دولار، رغم أن بعضها مغطى بالشوادر، واصفاً ما يجري بأنه «ظلم».

وأضاف بحسرة طغت على نبرته: «صدق من قال إن المنزل هو الوطن، ونحن الآن بلا وطن».

حتى النساء ممنوعات من الزيارة

تقول إيمان العطار، وهي شابة تعمل في الوساطة عبر الإنترنت بين المؤجر والمستأجر، إن بعض الشروط يراها كثيرون «طبيعية»، مشيرةً إلى أن أصحاب الشقق يخشون أن يستضيف المستأجرون أقاربهم النازحين في الشقة نفسها، مما يؤثر على الخدمات داخل البناية.

نازحون يسيرون وسط الخيام في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة يوم الاثنين (أ.ف.ب)

وروت واقعة فرض فيها المؤجر على المستأجر عدم استقبال أي ضيوف، رجالاً كانوا أو نساءً، بدعوى أن إسرائيل قصفت نساء لأن أزواجهن نشطاء في فصائل. وقالت إن المستأجر رفض هذا الشرط جملةً وتفصيلاً.

أما منع المستأجر من استقبال الرجال، فبات حالة متكررة، حسبما قالت، وأصبح يوضع ضمن شروط العقد.

ولا تنكر إيمان العطار أن غالبية أصحاب الشقق يستغلون الوضع القائم حالياً، حيث لا توجد رؤية واضحة بشأن إعادة الإعمار أو توقف الحرب نهائياً، لوضع شروطهم ورفع أسعار الإيجارات بشكل مبالغ فيه.


تحقيقات ترجّح اختطاف إسرائيل ضابطاً لبنانياً على صلة بملف آراد

دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)
دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)
TT

تحقيقات ترجّح اختطاف إسرائيل ضابطاً لبنانياً على صلة بملف آراد

دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)
دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)

كشف مصدر قضائي لبناني بارز لـ«الشرق الأوسط» أن التحقيقات في اختفاء ضابط متقاعد في الأمن العام قبل أسبوع، ترجح اختطافه من قبل إسرائيل، بعد «عملية استدراج ذات طابع استخباراتي»، على خلفية الاشتباه بعلاقته بملف اختفاء الطيار الإسرائيلي رون آراد في جنوب لبنان عام 1986.

وأشار المصدر إلى أن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي «تكثّف تحرياتها منذ تسجيل فقدان النقيب المتقاعد في الأمن العام أحمد شكر قبل نحو أسبوع في منطقة البقاع». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن فرع التحقيق «عمل على تتبع حركة كاميرات المراقبة وتحليل بيانات الاتصالات، وتوصل إلى خيوط أولية تشير إلى أن شكر تعرّض لعملية استدراج محكمة انطلقت من مسقط رأسه في بلدة النبي شيت (البقاع الشمالي)، قبل أن يُفقد أثره في نقطة قريبة جداً من مدينة زحلة، حيث ينصب الجهد الأمني هناك لكشف مصيره».

استدراج استخباراتي

ومع تضارب الروايات حول أسباب وملابسات اختفاء شكر، بدأت تتقدّم فرضية وقوف إسرائيل خلف عملية اختطافه على سواها، مستندة إلى معطيات أولية كشفتها التحقيقات الجارية.

ما يعزز العامل الأمني - الاستخباراتي، وجود شبهات عن أشخاص غير لبنانيين مرتبطين بالحادثة. ويوضح المصدر القضائي أن المعلومات المستقاة من التحقيقات الأولية وعمليات الرصد والاستقصاء تفيد بأن «عملية الاستدراج نُفّذت من قبل شخصين سويديين، أحدهما من أصل لبناني، وصلا إلى لبنان قبل يومين فقط من وقوع الحادثة عبر مطار رفيق الحريري الدولي. وغادر الأول عبر المطار في اليوم نفسه الذي اختفى فيه شكر، ما يثير علامات استفهام كبيرة حول دوره المحتمل في العملية».

أما الشخص الثاني الذي تعود أصوله إلى لبنان، فيُرجّح المصدر أنه «شارك في عملية الاستدراج، ولا يزال موجوداً داخل لبنان، إذ أثبتت كشوفات الأمن العام في المطار وعبر المعابر البرية والبحرية أنه لم يغادر البلاد، إلّا إذا كان غادر بطريقة غير شرعية». ولا يسقط المصدر نفسه إمكانية «مشاركة أشخاص آخرين في لبنان في عملية مراقبة أحمد شكر، وتهيئة الأجواء لاستدراجه وخطفه».

تصفية أم اختطاف؟

تتعدد السيناريوهات المطروحة حول مصير الضابط المتقاعد، بين احتمال تصفيته، على غرار ما نُسب إلى جهاز «الموساد» في قضية اغتيال الصراف أحمد سرور المرتبط بـ«حزب الله» العام الماضي، وبين فرضية أكثر خطورة لكنها الأكثر واقعية، وهي نقله إلى خارج لبنان، أي إلى إسرائيل.

عناصر من «حزب الله» خلال محاكاة لاختطاف جندي إسرائيلي في جنوب لبنان عام 2023 (د.ب.أ)

وفي هذا السياق، يشير المصدر القضائي المشرف على التحقيق الأولي إلى أن شعبة المعلومات «لم تعثر حتى الساعة على أي أثر مادي أو تقني يدل على وجود شكر داخل الأراضي اللبنانية، ما يعزز فرضية تخديره وخطفه إلى إسرائيل، إما جواً في عملية معقّدة، أو بحراً بواسطة زورق انطلق من السواحل اللبنانية، كما حصل في عملية اختطاف القبطان البحري عماد أمهز من على شاطئ مدينة البترون (شمال لبنان) في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي».

صلات بملف رون آراد

لا تقف القضية عند حدود حادثة اختفاء فردية، بل تتقاطع مع ملف أمني تاريخي بالغ الحساسية بين لبنان وإسرائيل. إذ كشفت مصادر مقرّبة من عائلة شكر لـ«الشرق الأوسط» أن الضابط المفقود هو شقيق حسن شكر الذي قُتل مع ثمانية آخرين في معركة ميدون (البقاع الغربي) التي وقعت بين مقاتلي «المقاومة الإسلامية» ومجموعات مسلحة أخرى، وقوات الاحتلال الإسرائيلي في 22 أيار (مايو) 1988.

وترجّح المعلومات أن حسن شكر «كان مقاتلاً ضمن المجموعة التي كان يقودها مصطفى الديراني (كان يتبع لحركة «أمل» يومذاك قبل أن ينتقل إلى صفوف «حزب الله» لاحقاً)، والتي شاركت في أسر الطيار الإسرائيلي رون آراد إثر إسقاط طائرته في جنوب لبنان في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 1986، وأن المجموعة المسلحة التي أسرته نقلته إلى منزل أحد أنسباء شكر في بلدة النبي شيت البقاعية، قبل نقله إلى مكان مجهول واختفاء أثره كلياً».

الطيار الإسرائيلي رون آراد الذي فُقد عام 1986 في جنوب لبنان (سلاح الجو الإسرائيلي)

وشكر هو من عائلة الرجل الثاني في «حزب الله» فؤاد شكر الذي سبق ان اغتالته في 30 يوليو (تموز) 2024 في غارة جوية على مبنى في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت.

ويعيد هذا العمل الأمني الخطير فتح سجل طويل من العمليات الإسرائيلية التي استهدفت أشخاصاً على صلة مباشرة أو غير مباشرة بملف رون آراد، سواء عبر الاغتيال أو الاختطاف أو محاولات التجنيد. وفي ضوء ذلك، يبدي المصدر القضائي تخوفه من أن يكون اختفاء أحمد شكر «حلقة جديدة في هذا المسار من العبث الإسرائيلي بالساحة اللبنانية».