أكد الوزير الأول الجزائري، سيفي غريب، أن السلطات تعتزم إعادة إطلاق المشاريع التي صادرها القضاء بسبب شبهات فساد، وذلك بعد مرور 6 سنوات على سجن أصحابها، وهم رجال أعمال ومسؤولون بارزون من حقبة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999 – 2019).
ونظم سيفي، يومي الاثنين والثلاثاء، زيارة ميدانية إلى ولاية جيجل بشرق البلاد، في أول نشاط له كوزير أول منذ التعديل الحكومي الذي أجراه الرئيس عبد المجيد تبون في 14 من الشهر الحالي، والذي شمل إبعاد الوزير الأول نذير العرباوي و6 وزراء آخرين... وسيفي كان وزيراً للصناعة في الحكومة السابقة.

وفي أثناء زيارته للميناء التجاري بجيجل، كشف الرجل الثاني في السلطة التنفيذية، عن توجهات خطة فريقه الحكومي المكلف بتسيير الشأن العام، في المرحلة التي تسبق انتخابات البرلمان قبل نهاية النصف الأول من عام 2026، حيث قال في مؤتمر صحافي: «إذا شعرتم أحياناً بأن حضورنا أقل، فاعلموا أننا نعمل في صمت»، مشيراً إلى أن شعار الجهاز التنفيذي هو: «العمل بهدوء وترك النتائج تتحدث عن نفسها».
وأوضح سيفي أن «مهمة الحكومة الحالية هي خدمة المواطن، وذلك وفقاً لتوجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون»، مشدداً على أن «عمل الجهاز التنفيذي سيتم ميدانياً، بالاعتماد على لغة الأرقام».
وأكد الوزير الأول أن الحكومة ستعيد الحياة إلى كثير من المشاريع التي جُمدت خلال السنوات الماضية، نتيجة محاكمات واسعة شملت عدداً كبيراً من رجال الأعمال والوزراء المتهمين بقضايا فساد. وأشار إلى أن هذه الأعمال الاقتصادية «تعرضت للإجهاض بسبب الفساد». كما وصف الرئيس تبون أصحاب هذه المشاريع، في بداية حكمه، بـ«العصابة»، في إشارة إلى حجم الفساد وسوء التسيير وتبذير المال العام الذي شهدته البلاد في المرحلة السابقة.

وأعطى سيفي مثلاً، مشروع بناء مصنع لاستخلاص الزيوت من البذور، في المحافظة التي زارها، لافتاً إلى أن «كل المشاريع التي تم الاستيلاء عليها ستُستأنف، سواء رَضِيَ من رَضِيَ أم كَرِه من كَرِه». ويقصد الوزير الأول بـ«الاستيلاء على المشاريع» أنها أُطلقت بفضل قروض بنكية مُنحت «نتيجة استغلال النفوذ» والحظوة التي كان يتمتع بها رجال الأعمال لدى أصحاب القرار السياسي في وقت مضى، مشيراً إلى أن مجمَع الصناعة الغذائية المحلي «كتامة أغري فود» الذي صادرته الدولة بحكم قضائي، «لم تتجاوز نسبة إنجازه 20 في المائة رغم التمويلات الضخمة التي تم تحويلها وسرقتها».
وتنتمي المجموعة الاقتصادية لـ«عائلة خنينف»، التي سُجن 3 من أبنائها بتهم الفساد، والذين كانوا من المقربين للرئيس السابق بوتفليقة. وقد نشأت هذه العلاقة القوية بفضل صداقة والدهم مع بوتفليقة خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
وأدان القضاء خلال عامي 2020 و2021 رجال أعمال آخرين، بأحكام ثقيلة بالسجن، أبرزهم: علي حداد، والإخوة عولمي، ومحيي الدين طحكوت، وأحمد معزوز، الذين كانوا ينشطون في قطاعات حيوية مثل الأشغال العامة والنقل والري والزراعة، زيادة على استيراد السيارات.
وذكر سيفي أن الفضل يعود للكفاءات الجزائرية وخبرتها في إحياء مشروع «كتامة أغري فود»، مشيراً إلى حالة شركة ناشئة محلية أنجزت مهمةً لم يُكشف عن طبيعتها، مقابل 6 ملايين دينار (نحو 30 ألف دولار) فقط، «في حين أن مكتباً أجنبياً كان يطالب بمليون دولار لتنفيذ المهمة نفسها».

وأضاف أن «مثل هذه الإنجازات هي ما يُعيد الثقة بكفاءات الأطر الجزائرية وقدراتها»، مؤكداً: «لقد منحنا الفرصة لكوادرنا، ولم يخيبوا ظننا».
وللتعبير عن هذا التوجه المتمثل في إعادة تفعيل العمليات والبرامج بعد فترة طويلة من الجمود، روى غريب حادثة شخصية أراد منها أن تكون دروساً جماعية، حيث قال: «طلب مني رئيس الجمهورية إنهاء مشروع مصنع إنتاج الأسمنت في أدرار (جنوب البلاد) قبل شهر مارس (آذار) الماضي. أخبرته بأن الأمر شبه مستحيل، لكن رده كان واضحاً: المستحيل ليس جزائرياً. وفي النهاية، تم تسليم المشروع في الوقت المطلوب».
كما عبّر الوزير الأول عن رغبته في «ضخ ديناميكية جديدة داخل الجهاز التنفيذي»، داعياً طاقمه إلى «العمل بإصرار وعزيمة». وقال: «الوقت الآن هو للعمل وللنتائج الملموسة».
وفي حديثه عن التحديات الاقتصادية التي تواجه حكومته، شدّد سيفي غريب على أنّ طاقمه يعمل على «إثراء خريطة طريق اقتصادية تستجيب لمتطلبات السوق الوطنية». واستحضر توجيهاً تلقّاه من الرئيس عند تعيينه، قائلاً: «أحتفظ بعبارة قالها لي رئيس الجمهورية، تبدو بسيطة لكنها عميقة الدلالة: مهمتنا هي الشعب. وانطلاقاً من هذا التوجيه، حدّدت الحكومة الحالية مهمتها الوحيدة في خدمة الشعب».
