توجيهات صارمة في الجزائر لتجنب انفلات الأوضاع عقب فترة العطلات

وزير الداخلية يعبّئ الولاة لـ«محاربة الشائعات» وتلبية الحاجيات الملحّة

وزير الداخلية الجزائري سعيد سعيود (الوزارة)
وزير الداخلية الجزائري سعيد سعيود (الوزارة)
TT

توجيهات صارمة في الجزائر لتجنب انفلات الأوضاع عقب فترة العطلات

وزير الداخلية الجزائري سعيد سعيود (الوزارة)
وزير الداخلية الجزائري سعيد سعيود (الوزارة)

في سياق يتسم بتنامي المخاوف من اضطرابات اجتماعية واحتجاجات شعبية مع اقتراب «الدخول الاجتماعي»، جمع وزير الداخلية الجزائري الجديد سعيد سعيود الولاة الـ58 في البلاد، مشدداً على ضرورة التحرك ميدانياً بسرعة لاحتواء الوضع وتفادي أي احتقان محتمل.

ويستخدم مصطلح «الدخول الاجتماعي» في الخطاب الجزائري للدلالة على فترة استئناف النشاطات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عقب عطلة الصيف، التي تبدأ عادة في نهاية شهر أغسطس (آب) أو بداية سبتمبر (أيلول).

وبدأ الولاة، الأحد، تنفيذ خريطة طريق رسمها سعيود في أثناء اجتماعه بهم، الخميس الماضي، بطريقة المحادثة بالفيديو، وذلك بمناسبة موعد التحاق تلاميذ المدارس بمؤسساتهم التعليمية.

وفي أول نشاط له بعد تعيينه وزيراً للداخلية خلفاً لإبراهيم مراد، في تعديل حكومي أجراه الرئيس عبد المجيد تبون في 14 من الشهر الحالي، زار سعيود مدينة البليدة جنوب العاصمة في 17 من الشهر، حيث تفقد الوضع في المنطقة، ومدى استجابة المرفق العمومي لحاجيات المواطنين، وعمل الوحدات الإدارية اللامركزية التي تُسيّر الشؤون المحلية للسكان.

وزير الداخلية الجزائري خلال زيارته البليدة يوم 18 سبتمبر الحالي (الوزارة)

وكان سعيود وزيراً للنقل في الحكومة السابقة، واحتفظ بهذا القطاع إلى جانب وزارة الداخلية في الحكومة الجديدة، وهو ما يعكس بروزه بوصفه أحد أبرز الفاعلين في السلطة التنفيذية.

وأصدر الوزير توجيهات للولاة ورؤساء الدوائر الإدارية، في خطوة تعكس قلق السلطات من احتمال خروج الوضع عن السيطرة وما قد يترتب عليه من انفلات أمني، حيث شدّد على ضرورة التحضير الجيد للدخول المدرسي والجامعي والاجتماعي، وضمان التكفل الفوري بانشغالات المواطنين، حسبما جاء في تسجيل مصور يظهر فيه سعيود متحدثاً للولاة، نشرته وزارة الداخلية بموقعها الإلكتروني الأحد.

التعليم والمياه ومستوى المعيشة

وأظهر الوزير حرصاً على «توفير نقل مدرسي موثوق، وإطعام جيد في كل بلدية، مع إيلاء اهتمام خاص بالمناطق النائية، وضمان احترام معايير السلامة والنظافة في المؤسسات التعليمية»، مؤكداً أن «سلامة التلاميذ تبدأ من لحظة صعودهم إلى الحافلة».

كما أعلن عن تشكيل «لجان محلية» مهمتها «رصد أي خلل ومعالجته فوراً، لأن المواطن لا ينتظر وعوداً بل يريد حلولاً فعلية».

وطالب الوزير بالاستعداد المسبق لمواجهة التقلبات المناخية المرتقبة مع اقتراب فصلي الخريف والشتاء، حيث يُعرّي تهاطل الأمطار الغزيرة في العادة مواطن الخلل في البنية التحتية. وفي هذا السياق، دعا إلى تعزيز أنظمة الوقاية من الفيضانات والانزلاقات الأرضية، واعتماد برامج محلية فعالة لحماية السكان والمنشآت، مؤكداً أن «الوقاية أقل تكلفة من الإصلاح».

كوادر من وزارة الداخلية خلال اجتماع الوزير بالولاة (الوزارة)

وتناول الاجتماع أيضاً ندرة المياه الصالحة للشرب في مناطق كثيرة، التي كثيراً ما دفعت السكان إلى الاحتجاج في الشارع في فصل الحرارة، إذ طالب سعيود بـ«الانطلاق الفوري في إعادة تأهيل شبكات توزيع المياه، وضمان صيانتها بشكل منتظم، مع الحرص على التوزيع العادل بين مختلف المناطق، والتأكيد على ضرورة إبلاغ المواطنين مسبقاً بأي تغييرات قد تطرأ على برامج التوزيع، تفادياً لانتشار الشائعات وحفاظاً على منسوب الثقة».

كما شدّد على تحسين الإطار المعيشي في المدن والقرى «من خلال إطلاق برامج حكومية دائمة تهدف إلى تهيئة الفضاءات العمومية وتحسين البيئة الحضرية بشكل مستدام»؛ مؤكداً على «أهمية الاستماع لانشغالات السكان وتكريس الشفافية في التواصل ليكون نهجاً دائماً داخل الإدارة».

وفي ظل تنامي المخاوف من تصاعد الاعتداءات والسرقات وجرائم السطو على المنازل في عدد من الأحياء، شدّد سعيود على ضرورة تكثيف الجهود لمحاربة الجريمة بمختلف أشكالها، مع التركيز على حماية المواطنين وممتلكاتهم، وزيادة الانتشار الأمني.

الشائعات وإثارة الفوضى

وصدرت أيضاً تحذيرات من الشائعات و«التضليل» و«المعلومات المغلوطة».

وترى السلطات دوماً أن وراء نشر الشائعات المضللة عبر وسائط التواصل الاجتماعي «مؤامرة من تدبير جهات مشبوهة بهدف تقويض السلم المدني وإثارة الفوضى والاضطرابات في البلاد». ويأتي هذا التحذير في الغالب من رئيس أركان الجيش الفريق أول سعيد شنقريحة، ورئيس البلاد تبون.

وكان وزير الاتصال محمد مزيان، المُقال في التعديل الحكومي الأخير، قد قال في فبراير (شباط) الماضي إن «تسعة آلاف صحافي حول العالم يشتغلون على تشويه صورة الجزائر»، وجاء كلامه في سياق تصاعد التوترات بين الجزائر وفرنسا وتفاعل وسائل الإعلام مع الأزمة.

تشدد مع النقابات «المتذمرة»

وتنتهج الحكومة سياسة غليظة مع النقابات في القطاعات التي تعرف تذمراً، خصوصاً التعليم وسكة الحديد والبريد، حيث يتكرر التذمر من تدني الأجور.

وفي خضم التوترات الاجتماعية الزائدة، شهدت الجزائر خلال عام 2025 توقيف عدد من النقابيين البارزين، ما أثار موجة من القلق والجدل داخل الأوساط العمالية والحقوقية.

ففي 24 فبراير 2025، تم توقيف مسعود بوديبة، رئيس «المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني»، رفقة أبو بكر هابط، الأمين الوطني المكلف بالإدارة داخل النقابة نفسها، وذلك خلال مشاركتهما في احتجاج نقابي بولاية المسيلة جنوب شرقي البلاد. وقد تم وضعهما لاحقاً تحت الرقابة القضائية، بتهم تتعلق بـ«المشاركة في تجمع غير مرخص».

رئيس نقابة عمال السكك الحديدية المسجون بسبب إشعار بالإضراب (متداولة)

أما في قطاع النقل، ففي 5 يوليو (تموز) الماضي، أودع الأمين العام لنقابة السكك الحديدية، لونيس سعيدي، الحبس الاحتياطي بعد توقيعه على إشعار بالإضراب موجه لوزير النقل، حيث كان مقرراً أن يبدأ الإضراب يوم 7 يوليو. وقد عدّ هذا التوقيف خطوة تصعيدية ضد العمل النقابي، مما أدى إلى موجة تضامن واسعة من قبل النقابات والمنظمات الحقوقية.


مقالات ذات صلة

«شي تيك توك شي تيعا»... طارق سويد يُحرز المختلف

يوميات الشرق المجتمع الذكوري والتحدّيات بين المرأة والرجل (الشرق الأوسط)

«شي تيك توك شي تيعا»... طارق سويد يُحرز المختلف

اختار طارق سويد أبطال المسرحية من بين طلابه الموهوبين في أكاديمية «بيت الفنّ» التي تديرها زميلته الممثلة فيفيان أنطونيوس...

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق مساحة تُعيد صياغة علاقة الفنّ بجمهوره (شاترستوك) play-circle 02:50

المنصّات الرقمية والفنّ العربي... جمهور جديد أم امتحان الإبداع؟

لم تعُد المنصّات الرقمية مجرّد وسيط حديث لعرض الأعمال الفنية، بل تحوّلت إلى عنصر فاعل في صناعة المحتوى وفي إعادة تشكيل العلاقة بين الفنان والجمهور.

أسماء الغابري (جدة)
إعلام مَن يتحمل مسؤولية «أكاذيب» الذكاء الاصطناعي؟

مَن يتحمل مسؤولية «أكاذيب» الذكاء الاصطناعي؟

لم يكن الذكاء الاصطناعي مجرّد أداة تقنية مساعدة في الإعلام، بل بات اليوم شريكاً فعلياً في صياغة الخبر، وتحرير المحتوى، بل تشكيل الانطباعات عن الأشخاص والشركات.

إيلي يوسف (واشنطن)
الخليج من اجتماع اللجنة الإعلامية المنبثقة عن «مجلس التنسيق السعودي - القطري» في الدوحة الخميس (واس)

مباحثات سعودية - قطرية لتعزيز التعاون الإعلامي

بحث سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي مع الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني رئيس المؤسسة القطرية للإعلام، سبل تعزيز وتطوير آليات التعاون والشراكة الإعلامية بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
يوميات الشرق وزير الإعلام السعودي يلتقي رئيس صحيفة الشعب الصينية بالتزامن مع افتتاح مكتبها الإقليمي في الرياض (الوزارة)

صحيفة الشعب الصينية تفتتح مكتبها الإقليمي في الرياض

افتتحت صحيفة الشعب الصينية مكتبها الإقليمي في الرياض، ليُمثِّل جسراً للتواصل الثقافي والتبادل الإعلامي والمعرفي بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

محادثات «شيخ محمود - آبي أحمد»... هل تلقي بـ«ظلال إيجابية» على الصومال؟

آبي أحمد خلال استقبال الرئيس الصومالي (وكالة الأنباء الإثيوبية)
آبي أحمد خلال استقبال الرئيس الصومالي (وكالة الأنباء الإثيوبية)
TT

محادثات «شيخ محمود - آبي أحمد»... هل تلقي بـ«ظلال إيجابية» على الصومال؟

آبي أحمد خلال استقبال الرئيس الصومالي (وكالة الأنباء الإثيوبية)
آبي أحمد خلال استقبال الرئيس الصومالي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

تأتي محادثات بين رئيس الصومال حسن شيخ محمود، ورئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، في توقيت مهم لمقديشو، إذ تتواصل لقاءات للمعارضة الصومالية في ولاية غوبالاند المختلفة مع الحكومة الفيدرالية والمقربة من أديس أبابا.

تلك المحادثات التي وصفتها أديس أبابا بـ«أنها استراتيجية»، وأكدت مقديشو أنها «بحثت دوراً مشتركاً للاستقرار»، يراها خبير في الشأن الصومالي والأفريقي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، لها ارتباط مباشر بمؤتمر المعارضة في غوبالاند، مشيراً إلى أنها قد تلقي بظلال إيجابية على الصومال حال تدخلت إثيوبيا بوساطة إيجابية وليست منحازة، واتجهت الحكومة قبل ذلك لحوار شامل داخلي.

وأفادت «وكالة الأنباء الإثيوبية»، الجمعة، بأن رئيس الوزراء الإثيوبي أجرى «محادثات استراتيجية» مع الرئيس الصومالي، الذي وصل إلى إثيوبيا في زيارة عمل ليوم واحد تهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين.

وقال آبي أحمد إن «المناقشات استندت إلى التفاهمات واللقاءات التي جرت على مدى العام الماضي، وبنيت على التقدم المحرز في تعزيز تعاوننا الثنائي وأكدت مجدداً التزام الزعيمين بتعميق شراكتهما، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، ودعم جهود التنمية الجارية في البلدين والمنطقة».

وذكرت الرئاسة الصومالية، في بيان، أن اللقاء ركز على تعزيز العلاقات الثنائية بين الصومال وإثيوبيا، مع إيلاء اهتمام خاص بالتعاون الأمني، والتفاعل السياسي، والتبادل التجاري، إلى جانب القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وتطورات الوضع الأمني في القرن الأفريقي.

وبحث الجانبان الدور المشترك الذي يمكن أن تضطلع به مقديشو وأديس أبابا في دعم جهود الدور المشترك الذي يمكن أن تضطلع به مقديشو وأديس أبابا في دعم جهود السلام والاستقرار في المنطقة. وأكدا أهمية مواصلة التعاون القائم على الاحترام المتبادل، وحسن الجوار، وصون سيادة الدول، واعتبرا أن بناء شراكة حقيقية ومتوازنة يشكل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار السياسي على المدى الطويل.

وتزامنت هذه الزيارة مع انعقاد اجتماعات لقادة المعارضة الصومالية في مدينة كيسمايو، بمشاركة إدارتي غوبالاند وبونتلاند، لمناقشة الخلافات السياسية مع الحكومة، فيما تتمتع أديس أبابا بعلاقات قوية مع الإدارتين.

محادثات بين الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

ويرى الخبير في الشأن الصومالي والأفريقي، عبد الولي جامع بري، أن «محادثات الرئيس الصومالي وآبي أحمد مرتبطة بلقاءات المعارضة في غوبالاند المحسوبة على إثيوبيا»، معتقداً أن المحادثات «نظرياً ستقلي بظلال إيجابية على مقديشو وعملياً يجب أن يكون هناك حذر شديد».

وأوضح أن «إثيوبيا لاعب أساسي في الملف الأمني الصومالي، وأي تفاهم مباشر قد ينعكس - لا سيما - على التصعيد السياسي، وقد يدفع نحو توحيد الرؤى حول المرحلة الانتقالية خاصة في ملفات الدستور، والانتخابات، وبناء الجيش».

لكن السلبيات والمخاوف بحسب بري تتمثل في ازدواجية الدور الإثيوبي، بفتحها حواراً مع معارضة غوبالاند، ما يضعف الثقة، ويتحول الحوار إلى أداة ضغط، مؤكداً أن هذه المحادثات قد تكون إيجابية إذا التزمت إثيوبيا بدور داعم للدولة الصومالية، وليس لاعباً يوازن بين الأطراف.

وفي الفترة من 17 إلى 20 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، كانت المعارضة الصومالية تجتمع في ولاية غوبالاند التي تشهد خلافات حادة مع الحكومة الفيدرالية بمقديشو، وسط توترات سياسية متصاعدة حول الانتخابات المباشرة واستكمال الدستور، بحسب إعلام صومالي.

واستضافت الولاية هذا المؤتمر، بعد نحو 10 أيام من إعلان رئيس برلمان غوبالاند، عبدي محمد عبد الرحمن، أن غوبالاند انتقلت من ولاية إقليمية إلى دولة، في تصعيد للتوتر السياسي القائم بينها وبين الحكومة الفيدرالية التي تصف الإدارة الحاكمة حالياً في غوبالاند بأنها غير شرعية، بعد إجرائها انتخابات أحادية الجانب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 أعادت رئيسها أحمد مدوبي الذي يحكم غوبالاند منذ عام 2012 إلى السلطة.

وتأتي تلك التحركات المعارضة، بينما يشتد منذ عام الجدل بشأن الانتخابات الرئاسية المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع أُجري عام 1968، بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي اعتمدت بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، وجرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة أربع عشائر كبرى؛ هي هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

الرئيس الصومالي خلال زيارته لإثيوبيا (وكالة الأنباء الإثيوبية)

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية على نحو لافت، وكانت العودة لاستكمال الدستور المؤقت الذي يعود إلى 2012 هي الشرارة الأبرز لتفاقم الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وغوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر.

ويعتقد الخبير في الشأن الصومالي والأفريقي أن إنهاء تلك الأزمة بين مقديشو والمعارضة، هي حل لأزمة سياسية - دستورية قبل أن تكون أمنية، ولا تُحل بالوساطات الخارجية وحدها، مؤكداً أن المسارات الواقعية للحل حوار صومالي – صومالي شامل، تشارك فيه الحكومة الفيدرالية، والولايات، والمعارضة غير المسلحة على أساس قواعد واضحة، وتحييد ملف الانتخابات والدستور عن الصراع الشخصي، والاتفاق على خريطة طريق زمنية ملزمة، بضمانات داخلية.

ويخلص إلى أن الصومال يحتاج لوساطة داعمة لا مهيمنة، مؤكداً أن أي دور إثيوبي يجب أن يكون مكشوفاً، متوازناً، وتحت سقف السيادة الصومالية، مشدداً على أن حل أزمة مقديشو لن يأتي من أديس أبابا أو غيرها، بل من اتفاق وطني صادق، وإلا فستظل البلاد ساحة تصفية حسابات إقليمية.


«وزاري روسي-أفريقي» بالقاهرة يبحث تعميق الشراكة وحفظ السلم في القارة السمراء

مشاركون في منتدى «الشراكة الروسي-الأفريقي» بالقاهرة (الخارجية المصرية)
مشاركون في منتدى «الشراكة الروسي-الأفريقي» بالقاهرة (الخارجية المصرية)
TT

«وزاري روسي-أفريقي» بالقاهرة يبحث تعميق الشراكة وحفظ السلم في القارة السمراء

مشاركون في منتدى «الشراكة الروسي-الأفريقي» بالقاهرة (الخارجية المصرية)
مشاركون في منتدى «الشراكة الروسي-الأفريقي» بالقاهرة (الخارجية المصرية)

بحث المؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى «الشراكة الروسية-الأفريقية» بالقاهرة سبل «تعميق الشراكة» بين موسكو ودول القارة الأفريقية، إلى جانب «توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري» بين الجانبين.

واستضافت العاصمة المصرية، القاهرة، السبت، فعاليات المنتدى، بمشاركة أكثر من 50 دولة أفريقية، على المستوى الوزاري، بالإضافة إلى ممثلي عدد من رؤساء المنظمات الإقليمية والقارية، حسب «الخارجية المصرية».

وجاء انعقاد المؤتمر برئاسة ثلاثية، من وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، ووزير خارجية أنغولا (الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي)، تيتي أنطونيو.

ويأتي المؤتمر ضمن مسار «الشراكة الروسية-الأفريقية» التي جرى تدشينها في عام 2019، بانعقاد قمتها الأولى في مدينة «سوتشي» الروسية، فيما عقدت القمة الثانية في يوليو (تموز) 2023 بمدينة سان بطرسبورغ الروسية.

وقبل انعقاد فعاليات المؤتمر، أكد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أن «التنمية في أفريقيا تواجه العديد من التحديات، من بينها ضعف البنية التحتية ونقص التمويل وارتفاع المخاطر». وقال خلال لقائه بالوزراء ورؤساء الوفود الأفريقية المشاركة، إن «المؤتمر يؤكد أهمية الشراكات الاستراتيجية للاتحاد الأفريقي مع كل القوى الدولية المحورية، ويجسد أهمية التعاون من أجل تحقيق أهداف السلم والأمن والتنمية».

وطرح السيسي رؤية بلاده للتنمية في أفريقيا، تشمل «دعم تنفيذ الممرات الاستراتيجية والمناطق اللوجيستية، وتعزيز التعاون في مجال الطاقة والربط الكهربائي، ودعم التنمية الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي، وتعزيز التجارة البينية الأفريقية، والتعاون في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات».

وبلغ إجمالي الاستثمارات المصرية في أفريقيا 12 مليار دولار خلال عام 2024، وتجاوز حجم التبادل التجاري المصري مع القارة الأفريقية 10 مليارات دولار، إلى جانب تقديم أكثر من 700 برنامج تدريبي وبناء القدرات والتنمية في أفريقيا، وفق الرئيس المصري.

وحسب بيان الرئاسة المصرية، أجرى السيسي حواراً تفاعلياً مع المشاركين في المنتدى، تحدث فيه عن علاقات بلاده مع إثيوبيا، وأكد أن «القاهرة لا تواجه أي إشكالية مع أديس أبابا»، مشيراً إلى أن «مطلبها الوحيد هو عدم المساس بحقوقها في مياه النيل، والتوصل إلى اتفاق قانوني وملزم بشأن السد الإثيوبي».

وتعترض مصر والسودان على مشروع «سد النهضة»، الذي دشنته إثيوبيا رسمياً في سبتمبر (أيلول) الماضي، وتطالبان باتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات تشغيل السد، بما لا يضر بمصالحهما المائية.

وسبق أن أكدت القاهرة أن «مسار التفاوض مع الجانب الإثيوبي انتهى ووصل إلى طريق مسدود»، وأنها «تمتلك الحق في استخدام الوسائل المتاحة طبقاً للقانون الدولي للدفاع عن مصالحها المائية».

وشدد السيسي على أن «سياسة بلاده ثابتة، وتقوم على عدم التدخل في شؤون الآخرين، وعدم زعزعة استقرارهم»، مشيراً إلى أن «مصر رغم خلافها مع إثيوبيا، لم توجه أبداً أي تهديد لها، إيماناً بأن الخلافات تُحل عبر الحوار والحلول السياسية».

تعميق الشراكة وقضايا مواجهة الإرهاب وحفظ السلم على قائمة أولويات منتدى «الشراكة الروسي-الأفريقي» (الخارجية المصرية)

وجاء انعقاد المؤتمر الوزاري الروسي-الأفريقي خطوةً نحو تنفيذ خطة عمل منتدى الشراكة بين الجانبين (2023-2026)، وفق وزير الخارجية المصري، الذي قال في كلمته بافتتاح المنتدى، إن «المؤتمر يشكّل مناسبة لإطلاق حوار بنّاء حول صياغة خطة العمل المقبلة التي سيتم اعتمادها خلال القمة الأفريقية-الروسية الثالثة»، مشيراً إلى أن «التعاون الروسي-الأفريقي» آلية مهمة لدعم الأهداف المشتركة في أجندة الاتحاد الأفريقي 2063، لا سيما بدعم التفعيل الكامل لاتفاقية التجارة الحرة القارية.

ووفق مراقبين، «هناك حرص روسي على تعزيز الشراكة مع أفريقيا»، وأكدوا أن «موسكو تتبنى رؤية لتعزيز التواصل والتعاون مع دول القارة، بعد المواقف الأفريقية من الحرب الأوكرانية»، وقال المراقبون إن «السياسة الروسية قائمة على مبدأ تحقيق المكاسب المتساوية أو المشتركة، بما يعود بالنفع على جميع الأطراف». ولفتوا إلى أن «موسكو حريصة على تقديم مستوى تعاونها مع مصر بوصفه نموذجاً للشراكة الأفريقية، نظراً لحجم المشروعات المشتركة بين الجانبين»، وأن «قضية حفظ السلم والأمن في أفريقيا يحظى باهتمام كبير في السياسة الروسية».

وعدّ وزير الخارجية الروسي أن «(الشراكة الروسية-الأفريقية) تتطور بنجاح في كل المجالات»، وقال في كلمته بافتتاح المؤتمر في القاهرة إن «الحوار السياسي بين الجانبين يستمر على المستويين العالي والأعلى» إلى جانب «تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي».

وارتفع حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول أفريقيا بنسبة 13 في المائة، وفق لافروف، مشيراً إلى أنه «بلغ نحو 28 مليار دولار»، عاداً هذا الرقم «ليس الحد الأقصى، وإنما تحرص بلاده على توسيع القدرات واستغلال الإمكانات المتاحة لتعزيز التعامل الاقتصادي مع الشركاء الأفارقة».

وشدد لافروف على ضرورة «الإعداد للنسخة الثالثة لمنتدى الشراكة الروسي-الأفريقي بحزمة من النتائج والاقتراحات الفعالة»، إلى جانب «التخطيط لتقديم مشروع لخطة العمل الجديدة والاتجاه نحو فرص واعدة للشراكة بين الجانبين». وأكد تكثيف التعاون البنّاء مع القارة السمراء في مجالات متعددة مؤخراً، وأشار إلى مساندة روسيا للدول الأفريقية في ضمان الأمن القومي، ومكافحة الإرهاب والتطرف، ومعالجة نقص الغذاء، ومواجهة الأوبئة والكوارث الطبيعية.

جانب من منتدى «الشراكة الروسي-الأفريقي» بالقاهرة (الخارجية المصرية)

ووضع منتدى «الشراكة الروسية-الأفريقية» في نسخته الثانية بسان بطرسبرغ، خطة عمل مشتركة حتى عام 2026 لتعميق التعاون الروسي-الأفريقي، وفقاً لمبدأ «الشراكة المتساوية»، تستهدف زيادة التبادل التجاري وتعزيز التعامل بالعملات المحلية، وأعلن الرئيس الروسي وقتها، تقديم بلاده الحبوب مجاناً لـ6 دول أفريقية، وتخفيف الديون وبرنامج مساعدات مالية تقدر بنحو 90 مليون دولار.

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير صلاح حليمة، أكد أن «العلاقات الروسية-الأفريقية تركز على الاستثمار والنشاط التجاري والبنية التحتية وقطاع الطاقة، وذلك على أسس من العدالة والتوازن بعيداً عن الانحياز أو الشروط غير المتكافئة».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «موسكو تعوّل على شركائها في أفريقيا لتعزيز التعاون، ومن بينهم مصر»، ونوه إلى أن «الشراكة تمتد إلى مستويات متعددة الأطراف لدعم دور أفريقيا في الإصلاحات الدولية، بما فيها مجلس الأمن والأمم المتحدة».

وشدد وزير الخارجية المصري، في كلمته أثناء «المنتدى»، على أن «إصلاح النظام الدولي يجب أن يقوم على أسس العدالة والتوازن، بحيث تعبر المؤسسات الدولية عن التعددية الحقيقية، لا عن اختلالات الماضي»، مؤكداً أن «صوت أفريقيا بما يمثله من ثقل يجب أن يكون حاضراً ومؤثراً في صياغة القرارات الدولية الكبرى».


«النواب» المصري يواجه «طعوناً» جديدة على نتائج الدوائر الملغاة

ناخبون في محافظة بورسعيد المصرية خلال المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب (تنسيقية شباب الأحزاب)
ناخبون في محافظة بورسعيد المصرية خلال المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب (تنسيقية شباب الأحزاب)
TT

«النواب» المصري يواجه «طعوناً» جديدة على نتائج الدوائر الملغاة

ناخبون في محافظة بورسعيد المصرية خلال المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب (تنسيقية شباب الأحزاب)
ناخبون في محافظة بورسعيد المصرية خلال المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب (تنسيقية شباب الأحزاب)

تواجه نتائج انتخابات مجلس النواب المصري «طعوناً» جديدة أمام القضاء الإداري، تخص نتائج دوائر سبق إلغاؤها وإعادة الاقتراع بها، في وقت أظهرت فيه المؤشرات الأولية لجولة الإعادة بالمرحلة الثانية، التي أُجريت، الأسبوع الماضي، على مدار يومين «منافسة قوية» وتقدّماً ملحوظاً لمرشحين مستقلين.

وينظر مراقبون إلى هذه الانتخابات بوصفها الأطول والأكثر جدلاً، بعدما جرى التصويت عبر 7 جولات متتالية، ترافقت مع ازدياد أعداد الطعون.

وقد ازداد الجدل بشأنها عقب إلغاء نتائج نحو 30 دائرة بحكم من المحكمة الإدارية العليا، و19 دائرة أخرى بقرار من «الهيئة الوطنية للانتخابات» بسبب «مخالفات انتخابية»؛ ما أدى إلى تأجيل إعلان النتيجة النهائية من 25 ديسمبر (كانون الأول) الحالي إلى 10 يناير (كانون الثاني) المقبل.

وحددت المحكمة الإدارية العليا، السبت، جلسة 22 ديسمبر الحالي موعداً للفصل في 32 طعناً على نتائج 30 دائرة انتخابية، من بين الدوائر التي أعيد التصويت فيها بعد إلغاء نتائجها قضائياً ضمن المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب.

ومن منظور أستاذ القانون الدستوري بجامعة المنصورة، الدكتور صلاح فوزي، فإنه «من الصعب الجزم بمآلات الطعون المنظورة حالياً، نظراً لاحتمال انطوائها على أخطاء في أثناء فرز الأصوات تخضع للإثبات»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن الطعون «حق قضائي أصيل كفله الدستور والقانون».

غير أنه استبعد أن «تؤثر هذه الطعون في مجمل العملية الانتخابية»، في ظل ما وصفه بأنه «التزام من جانب (الهيئة الوطنية للانتخابات) بتنفيذ أحكام المحكمة الإدارية العليا التزاماً كاملاً»، واصفاً هذا المسار بأنه «سابقة قضائية وإجرائية مهمة» في تاريخ الانتخابات المصرية.

مصريون في انتظار الإدلاء بأصواتهم في انتخابات إعادة إحدى الدوائر الملغاة بالإسكندرية الأربعاء الماضي (تنسيقية شباب الأحزاب)

وخلال الأسبوعين الماضيين، رفضت المحكمة الإدارية العليا عدداً من الطعون التي تنوعت أسبابها بين «التشكيك في سلامة إجراءات الفرز والتجميع، والاعتراض على الأرقام المعلنة، والادعاء بوجود أخطاء في المحاضر أو تجاوزات خلال عملية الاقتراع». وقضت برفض 26 طعناً على نتائج الجولة الأولى من المرحلة الأولى، وقبلها رفضت، في 10 ديسمبر الحالي 211 طعناً على نتائج الجولة الأولى من المرحلة الثانية.

ويذهب فوزي مع آخرين إلى تأييد «ضرورة مراجعة البرلمان بعض القوانين المنظِّمة للعملية الانتخابية».

وعلى صعيد نتائج جولة الإعادة في محافظات المرحلة الثانية، فقد أظهرت المؤشرات الأولية لهذه الجولة التي أجربت، يومي الأربعاء والخميس الماضيين، فوز المستقلين بـ46 مقعداً، من أصل 101 مقعد جرى التنافس عليها بنظام الفردي في 13 محافظة، بينما من المقرر أن تعتمد «الهيئة الوطنية للانتخابات» النتائج رسمياً في 25 ديسمبر الحالي. وبذلك ارتفع عدد مقاعد المستقلين إلى 67 مقعداً من أصل 484 حُسمت حتى الآن، بنسبة 13.8 في المائة، في ظل نظام انتخابي «مختلط» يجمع بين الفردي والقائمة المغلقة.

وينظر سياسيون إلى هذه النتائج بأنها تعكس واقعاً جديداً أصبح فيه المستقلون «قوة فعلية»، وهي أيضاً رؤية البرلماني والإعلامي المصري مصطفى بكري، الذي رأى أن «الناخب المصري بات يختار المرشح القادر على إقناعه، بصرف النظر عن انتمائه الحزبي»، وأن «المقاعد لا تُمنح بل تُنتزع بالصندوق»، وفق ما قال في برنامج تليفزيوني يقدمه بقناة محلية.

مصريات أمام مركز اقتراع في انتخابات الإعادة لمجلس النواب المصري (تنسيقية شباب الأحزاب)

في المقابل، رأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور مصطفى كامل السيد، أن «المستقلين لن يشكّلوا كتلة متماسكة داخل البرلمان، في ظل غياب برنامج سياسي موحد». ورجح في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن يكون كثير من هؤلاء المستقلين «أقرب إلى التوافق مع سياسات الحكومة، خاصة أولئك المنتمين إلى شرائح رجال الأعمال أو من خاضوا الانتخابات بوصفهم مستقلين بعد أن استبعدتهم اختيارات الترشح من جانب الأحزاب ذات الأغلبية البرلمانية في مجلس النواب السابق»، في إشارة إلى حزبي «مستقبل وطن» و«حماة الوطن».

ولم تخلُ المؤشرات الأولية لجولة الإعادة بالمرحلة الثانية من اتهامات بـ«مخالفات انتخابية»، علماً بأن «الهيئة الوطنية للانتخابات» سوف تستمر في تلقي الطعون حتى الثلاثاء المقبل.

وتحدث حزب «العدل» (المعارض) عما وصفها بـ«وقائع مست نزاهة العملية في محافظتي الشرقية والغربية»، وأكد تسليم تظلمات رسمية لـ «الهيئة الوطنية للانتخابات» بشأنها. وقالت المرشحة سحر عثمان (حزب العدل) عبر حسابها بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» إن «الحق سيعود بالقانون»، بينما أعلن المرشحان المستقلان بمحافظة القاهرة محمد زهران وعاطف رمضان، عزمهما التقدم بطعون قانونية.

وأُجريت جولة إعادة المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب في الداخل، يومي الأربعاء والخميس الماضيين، وشملت 4494 لجنة فرعية موزعة على 13 محافظة، و55 دائرة انتخابية، للتنافس على 101 مقعد.