خطة بلير لغزة: هيئة دولية مؤقتة وقوات متعددة ومشاركة رمزية للسلطة

مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط»: السلطة يجب أن تحكم القطاع ولا مانع أن تعاونها جهات دولية

رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير يلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان في يوليو الماضي لبحث اليوم التالي (وفا)
رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير يلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان في يوليو الماضي لبحث اليوم التالي (وفا)
TT

خطة بلير لغزة: هيئة دولية مؤقتة وقوات متعددة ومشاركة رمزية للسلطة

رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير يلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان في يوليو الماضي لبحث اليوم التالي (وفا)
رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير يلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان في يوليو الماضي لبحث اليوم التالي (وفا)

أورد تقرير مطول نشره موقع «تايمز أوف إسرائيل»، الخميس، أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير طوَّر خطة لليوم التالي لانتهاء الحرب في قطاع غزة، تقوم على تشكيل هيئة دولية مؤقتة وقوات دولية ومحلية متعددة الجنسيات، لحين نقل المسؤولية للسلطة الفلسطينية؛ ولا تشمل تهجير السكان، وإنما ضمان حقهم في العودة والحفاظ على ممتلكاتهم.

واستشهد التقرير بتصريحات من أربعة مصادر مطلعة قالت إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب فوض بلير بحشد الأطراف الإقليمية والدولية للاقتراح.

غير أن مصادر فلسطينية صرَّحت لـ«الشرق الأوسط» بأن السلطة لا تمانع في مساعدة تقدمها لها جهات دولية وعربية، لكن على أن تحكم هي غزة، لا أن تكون تلك الجهات هي الحاكمة.

فلسطينيون ينزحون عن مدينة غزة سيراً وعلى العربات باتجاه جنوب القطاع يوم الخميس (أ.ب)

وبحسب المصادر، فإن ترمب لم يتبنَّ الخطة حتى الآن، ولم يوافق عليها العرب كذلك. وأكدت أن الأولوية تنصب الآن على إطلاق مسار نحو دولة فلسطينية مستقبلية في الضفة وغزة والقدس الشرقية.

ويشير تقرير «تايمز أوف إسرائيل» إلى أن بلير بدأ بصياغة الاقتراح في الأشهر الأولى من الحرب، لكنه طوره في الأشهر الأخيرة إلى خطة لإنهاء الحرب بشكل فعلي، بعدما توصلت إدارة ترمب إلى استنتاج مفاده أن موافقة الأطراف الرئيسية بشأن الهيئة التي ستحل محل «حماس» في غزة ضرورية لضمان اتفاق لوقف إطلاق نار دائم وإطلاق سراح الرهائن، وفقاً لمسؤول أميركي ومصدر ثانٍ مطلع على الأمر.

وينص الاقتراح، الذي قالت «تايمز أوف إسرائيل» إنها اطلعت على مسودة مطورة وموثقة منه، على إنشاء سلطة غزة الانتقالية الدولية (GITA) إلى جانب سلسلة من الهياكل التابعة لها.

تفاصيل الخطة

ويُصوّر اقتراح بلير إنشاء سلطة غزة الانتقالية الدولية بقرار من مجلس الأمن الدولي، على أن تكون هذه السلطة بمثابة «السلطة السياسية والقانونية العليا لغزة خلال الفترة الانتقالية».

وسيكون لدى هذه السلطة مجلس إدارة مُكوَّن من سبعة إلى عشرة أعضاء، من بينهم «ممثل فلسطيني مؤهَّل واحد على الأقل (ربما من قطاع الأعمال أو الأمن)»، ومسؤول كبير في الأمم المتحدة، وشخصيات دولية بارزة ذات خبرة تنفيذية أو مالية، وتمثيل قوي لأعضاء مسلمين لتعزيز الشرعية الإقليمية والمصداقية الثقافية.

وبحسب الخطة، سيُكلَّف المجلس بإصدار قرارات مُلزِمة، والموافقة على التشريعات والتعيينات، وتقديم التوجيه الاستراتيجي، مع رفع تقارير إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وسيعَيَّن رئيس المجلس بتوافق الآراء الدولية، وسيقود المشاركة الخارجية والدبلوماسية للسلطة، ويحدد التوجه السياسي لها، بالتنسيق الوثيق مع السلطة الفلسطينية، وفقاً للوثيقة.

كما سيكون لرئيس المجلس فريق دعم يضم ما يصل إلى 25 شخصاً يعملون في «الأمانة الاستراتيجية»، وسيتم إنشاء وحدة حماية تنفيذية تضم نخبة من الموظفين من المساهمين العرب والدوليين، وستوضع تحت سلطة (GITA) «أمانة تنفيذية»، وستكون بمثابة المركز الإداري والذراع التنفيذية لها، مع الإشراف المباشر على السلطة التنفيذية الفلسطينية (لجنة التكنوقراط الفلسطينيين المستقلين) الذين سيكونون مسؤولين عن إدارة غزة بعد الحرب.

أما مهمة اللجنة التنفيذية فتتمثل في متابعة المجالات الرئيسية لإدارة غزة: الشؤون الإنسانية، وإعادة الإعمار، والتشريعات والشؤون القانونية، والأمن، والتنسيق مع السلطة الفلسطينية.

نازحون في خيام بمدينة غزة رغم تواصل العملية العسكرية الإسرائيلية يوم الخميس (رويترز)

وتؤكد الخطة وجود مفوض التنسيق في السلطة الفلسطينية، ومهمته «ضمان توافق قرارات سلطة غزة الانتقالية وقرارات السلطة الفلسطينية، قدر الإمكان، مع التوحيد النهائي لجميع الأراضي الفلسطينية تحت السلطة الفلسطينية».

كما سيتابع المفوض «جهود إصلاح السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع الجهات المانحة الدولية والمؤسسات المالية والشركاء العرب المنخرطين في تطوير المؤسسات الفلسطينية».

التكاليف والأمن

وأكد المصدر المشارك في المناقشات أن الإصلاحات التي تتوقعها خطة بلير من السلطة الفلسطينية «ليست تجميلية»، وأن تسليم غزة للسلطة الفلسطينية عملية «تعتمد على الأداء». وأوضح المصدر أن الجدول الزمني سيكون «بضع سنوات»، وليس «عشر سنوات».

وتتضمن الخطة إنشاء هيئة تشجيع الاستثمار والتنمية الاقتصادية في غزة لتأمين الاستثمارات اللازمة وإعادة إعمار غزة. وسيتم إنشاء هيئة منفصلة لتأمين وتوزيع المنح الحكومية.

كما ستخضع لـ(GITA) بلديات غزة، التي ستكون مسؤولة عن تقديم الخدمات على المستوى المحلي، وقوة شرطة مدنية في غزة مؤلفة من عناصر «مجندين على الصعيد الوطني، وخاضعين لفحص مهني، وغير حزبيين» مكلفين بالحفاظ على النظام العام وحماية المدنيين، ومجلس قضائي برئاسة قاض عربي سيشرف على محاكم غزة ومكتب النيابة العامة.

وستدعم قوة الشرطة المدنية «قوة الاستقرار الدولية»، وهي قوة أمنية متعددة الجنسيات مُفوَّضة دولياً، سيتم إنشاؤها لتوفير الاستقرار الاستراتيجي والحماية العملياتية في غزة خلال الفترة الانتقالية.

الدخان يتصاعد جراء الضربات الإسرائيلية بمدينة غزة يوم الخميس (رويترز)

وتنص الخطة على أن هذه القوة «تضمن سلامة الحدود، وتمنع عودة الجماعات المسلحة، وتحمي العمليات الإنسانية وعمليات إعادة الإعمار، وتدعم إنفاذ القانون المحلي».

وفي ملحق يتعلق بتكاليف (GITA)، توضح الخطة أن الميزانية ستتوسع سنوياً؛ إذ تبلغ في السنة الأولى 90 مليون دولار، والسنة الثانية 135 مليون دولار، والسنة الثالثة 164 مليون دولار.

تعليق المصادر الفلسطينية

وفيما رفض مكتب بلير التعليق رسمياً على هذا التقرير، قالت مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط» إن الخطة معروفة لصناع القرار في رام الله، ولم تتم الموافقة عليها.

وقال مصدر: «السلطة يجب أن تحكم غزة، ولا تمانع في مساعدة ووجود جهات وقوات دولية وعربية، ولكن ليس العكس: جهات دولية تحكم والسلطة تشارك».

وبحسب المصدر، فإن الجهد العربي والفلسطيني ينصب الآن على إطلاق مسار نحو دولة فلسطينية مستقبلية في الضفة وغزة والقدس الشرقية.

وأكد المصدر أن ترمب لم يتبنَّ الخطة حتى الآن، ولم يوافق عليها العرب كذلك.

ويتضح من التقرير أن خطة بلير لم تحظَ بعد بموافقة الأطراف. وأقرت المصادر بأنه واجه عقبات بسبب حظر الولايات المتحدة منح تأشيراتٍ لكبار مسؤولي السلطة الفلسطينية والضربة الإسرائيلية التي استهدفت قادة «حماس» في الدوحة في التاسع من سبتمبر (أيلول) الحالي.

وأضاف مصدر أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق كان يُجري اتصالاتٍ مع مصر وقطر لإقناع «حماس» بعدم الوقوف في طريق الخطة.

ماذا عن التهجير؟ وماذا عن «حماس»؟

تعارض الخطة فكرة ترمب حول تهجير الفلسطينيين من غزة، وتنص على إنشاء «وحدة لحفظ حقوق الملكية» تهدف إلى ضمان ألا يُمس أي رحيل طوعي لسكان غزة بحقهم في العودة إلى القطاع أو الاحتفاظ بملكيتهم.

وقال مصدر مُشارك في مناقشات خطة بلير: «ليست لدينا خطة لإخراج سكان غزة. غزة لأهل غزة».

طفل فلسطيني بين النازحين الفارين من مدينة غزة باتجاه جنوب القطاع يوم الخميس (رويترز)

وكان ترمب قد أعطى الشرعية لأول مرة لمفهوم «الهجرة الطوعية» في فبراير (شباط) عندما أعلن عن خطته للسيطرة على غزة ونقل سكان القطاع بالكامل بشكل دائم؛ لكنه بحسب مسؤول إسرائيلي نأى بنفسه عن الفكرة منذ ذلك الحين، وأعلن بوضوح خلال جلسة السياسة العامة التي عقدت في البيت الأبيض في 27 أغسطس (آب) الماضي أنه سيتبنى خطة بلير بدلاً من ذلك.

وإلى جانب إنشاء بديل لـ«حماس» من خلال (GITA)، تشير الخطة صراحةً إلى مفهوم «نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج»، في إشارة إلى إمكانية بقاء «حماس»، لكن كعنصر غير مسلح بدلاً من عدم وجودها أصلاً.

السلطة والإصلاحات

ودخل بلير على خط اليوم التالي عبر صهر الرئيس الأميركي، جاريد كوشنر، الذي شغل منصب كبير مستشاريه خلال ولايته الأولى.

وقال مصدر مطلع ودبلوماسي عربي إن بلير التقى مسؤولي ترمب والتقى برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في يوليو (تموز) من أجل بلورة خطته.

ويتصور اقتراح بلير أن تخضع السلطة الفلسطينية لإصلاحات جوهرية، وأن تقتصر مشاركة رام الله في (GITA) بشكل كبير على مسائل التنسيق. ومع ذلك، فإن السلطة الفلسطينية مذكورة صراحة في جميع أجزاء الخطة التي تنص على «توحيد جميع الأراضي الفلسطينية في نهاية المطاف تحت سلطة السلطة الفلسطينية».

وهذا تطور حارب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدة لمنعه، وهو ما يثير شكوكاً حول قبوله بالخطة، رغم أن التقرير قال إن إسرائيل تعاملت أيضاً بشكل بنَّاء مع جهود بلير.


مقالات ذات صلة

بعد تمديد ولاية «الأونروا»... أبو الغيط يدعو الدول المانحة إلى التحرك لسد فجوة التمويل

شمال افريقيا الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط (د.ب.أ)

بعد تمديد ولاية «الأونروا»... أبو الغيط يدعو الدول المانحة إلى التحرك لسد فجوة التمويل

رحّب أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بنتائج تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح الموافقة على تمديد ولاية «الأونروا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الخليج رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني يتحدث في اليوم الأول من النسخة الثالثة والعشرين لمنتدى الدوحة السنوي (رويترز) play-circle

قطر: مفاوضات إنهاء حرب غزة تمر بمرحلة حرجة

كشف رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني اليوم (السبت)، أن المفاوضات بشأن حرب غزة تمر بمرحلة حرجة.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
المشرق العربي سيدة فلسطينية تبكي في مستشفى الناصر بخان يونس بعد وقوع شهداء في ضربات إسرائيلية - 3 ديسمبر الحالي (أرشيفية - أ.ف.ب)

مقتل شخص وإصابة 3 آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي في غزة

قُتل فلسطيني وأُصيب 3 آخرون برصاص الجيش الإسرائيلي في منطقة شمال غربي قطاع غزة، وفق ما أفادت به وسائل إعلام محلية اليوم.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

مصر ترحب بموافقة «الأمم المتحدة» على تمديد ولاية «الأونروا» 3 سنوات

رحبت مصر بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على تمديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لمدة 3 سنوات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا مبنى المحكمة الدولية في لاهاي (رويترز)

المحكمة الدولية: عقد جلسات استماع في غياب بوتين ونتنياهو وارد

اعتبر نائب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن عقد جلسات استماع في غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وارد.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)

موازنة إسرائيلية تخدم الاستيطان بالضفة الغربية

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

موازنة إسرائيلية تخدم الاستيطان بالضفة الغربية

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

​اتفق وزيرا المالية والدفاع في إسرائيل على تقليص ميزانية وزارة الدفاع التي طلبتها الأخيرة في إطار إعداد الموازنة العامة لعام 2026، من 144 مليار شيقل، إلى 112 (34.63 مليار دولار) وبما يمثل زيادة وصلت إلى نحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025، بما يخدم بشكل أساسي المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية على حساب حاجة الجيش لقوات أكبر مع عجز التجنيد.

وأقرت الحكومة الإسرائيلية بالموازنة التي بلغت 662 مليار شيقل، بعجز 3.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ووفقاً لصحيفة «يديعوت أحرونوت» فإنه تم الاتفاق على حزمة بقيمة نحو 725 مليون شيقل، توزع على 3 سنوات، بهدف تعزيز الأمن في الضفة.


إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
TT

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف

اتهمت وسائل إعلام تابعة لـ«الحرس الثوري» الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ومقربيه بـ«تقديم الخدمة لإسرائيل»، وذلك بعد أسبوع من تصريحات أدلى بها وشكك فيها بقدرة إيران على حماية أجوائها وردع أي هجمات جديدة، إذا ما تجددت الحرب التي شهدتها البلاد لمدة 12 يوماً في يونيو (حزيران).

واحتجت وكالة «تسنيم»، رأس الحربة في إعلام «الحرس الثوري»، بشدة على خطاب روحاني الأخير، وعلى توصياته التي دعا فيها إلى منع تكرار الحرب.

وتزامن الهجوم الإعلامي مع بروز مؤشرات سياسية لافتة، إذ عاد اسم روحاني إلى واجهة الجدل الدائر حول هوية المرشح المحتمل لخلافة المرشد علي خامنئي، فيما المشهد الداخلي يزداد توتراً مع دخول ملف الخلافة مرحلة استقطاب أشد.

وبدأت الحرب عندما شنت إسرائيل ضربات على مقار القيادة العسكرية، خصوصاً «الحرس الثوري»، قبل أن تطول منشآت عسكرية ونووية ومسؤولين وعلماء في البرنامج النووي. وردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة.

وعنونت الوكالة ملحقها الأسبوعي لتحليل التطورات المهمة بعنوان «العمل لصالح إسرائيل»، واضعة صورة روحاني على الغلاف. واتهمته بتقديم «تفسيرات نرجسية ومشحونة بالغرور» حول مزاعمه بأنه منع وقوع حرب على إيران عبر الدبلوماسية خلال توليه مناصب سابقة. وتساءلت: «هل كان روحاني يدعي أنه لم يكن هناك أي رادع غير مفاوضاته يمنع الحرب؟ وأن أميركا وإسرائيل كانتا في كامل طاقتيهما آنذاك، وأن إيران لم تكن تمتلك أي قدرة ردعية، وأنه وحده بمنطقه السقراطي والأرسطي حال دون اندلاع حرب كبيرة؟».

وأضافت: «هل خروج ترمب من الاتفاق النووي كان بسبب عدم تفاوض روحاني؟ وماذا عن الحالات التي لم يُمنَع فيها الهجوم؟ لماذا لم يمنع اغتيال قاسم سليماني؟ ولماذا لم يمنع اغتيال محسن فخري زاده؟»، وهو مسؤول الأبعاد الدفاعية في البرنامج النووي سابقاً، الذي قتل على يد مسلحين، في هجوم نسب إلى إسرائيل نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.

وكان روحاني قد انتقد الأسبوع الماضي فرض الأجواء الأمنية المتشددة، قائلاً إن البلاد بحاجة «إلى أجواء آمنة وليست أمنية». وحذر من بقاء إيران في حالة «لا حرب ولا سلام»، مستشهداً بتصريحات المرشد علي خامنئي. وأضاف: «الأمن يخلق الثقة والطمأنينة، أما الأمننة فتزيل الثقة وتثير قلق الناس. نحن لا نريد فضاءً أمنياً، بل فضاءً آمناً».

وأشار روحاني إلى حاجة البلاد لتعزيز الردع في مختلف المجالات، داعياً إلى «ترميم القدرات الردعية» لمواجهة «مؤامرات الأعداء». وقال إن إيران تفتقر اليوم إلى «الردع الإقليمي الواسع»، مشيراً إلى أن أجواء دول الجوار، بما فيها العراق وسوريا ولبنان والأردن، باتت «تحت نفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل»، ما جعل التحرك الجوي المعادي حتى حدود إيران «آمناً وخالياً من العوائق». وأضاف أن استمرار الاتفاق النووي كان سيمنع اندلاع حرب الـ12 يوماً، معتبراً أن الأعداء استخدموا الملف النووي «ذريعة للهجوم». وانتقد فشل الحكومات اللاحقة في إعادة إحيائه.

ورأى روحاني أن «أسوأ خيانة للقيادة هي التقليل من الحقائق أو المبالغة فيها»، مؤكداً وجود «أعداء أقوياء وخطرين». وحذّر من الاعتقاد بأن «جميع المشكلات انتهت بعد حرب الـ12 يوماً». وأضاف: «صمدنا وقاومنا، لكننا أيضاً تعرضنا لضربات وواجهنا مشكلات. وبالطبع وجّهنا ضربات للعدو كذلك. غير أن ذلك لا يعني أنّ الأمر لن يتكرر، فمنع تكراره يعتمد علينا».

وهاجمت «تسنيم» مواقف روحاني معتبرةً أنها «تصب عملياً في مصلحة إسرائيل لأنها تبرئ العدو وتلقي بالمسؤولية على الداخل، وتقدّم منطقاً يجعل إسرائيل خارج دائرة اللوم». واعتبرت أن مواقفه «تشكل عملياً عملية سياسية ضد الوحدة المقدسة، وتعمل لصالح إسرائيل، وإن قدّمت في إطار يبدو واقعياً وحريصاً على البلاد».

وقالت الوكالة إن كلام روحاني عن الردع الإقليمي، «ليس خاطئاً، لكن من الغريب أن يصدر منه هو تحديداً؛ فإذا كان يؤمن بذلك، فهل يقرّ بأن عدم دعم حكومته الكافي لجهود إنهاء الأزمة في سوريا عامَي 2013 و2014 كان تقصيراً خطيراً ربما يقترب من مستوى الخيانة؟ كانت إحدى أكبر شكاوى الجنرال قاسم سليماني عدم تعاون حكومة روحاني في الملف السوري، وكان يخرج من بعض الاجتماعات باكياً، إلى أن تدخّل المرشد وأمر بالثبات».

غلاف النشرة الأسبوعية لوكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» الذي يتهم روحاني بتقديم الخدمة لإسرائيل

ورداً على ما قاله روحاني عن «الأمننة»، أضافت الوكالة: «أليس هو أدرى من الجميع بأن حكومته كانت من أكثر الحكومات ذات الطابع الأمني؟ فالوزير الوحيد غير الأمني تقريباً كان وزير الاستخبارات نفسه». وفي إشارة إلى خلفية روحاني، أضافت أن «امتلاك خلفية أمنية ليس عيباً، لكنه مناقض لأسلوب النصائح الذي يقدّمه روحاني الآن».

وفسرت تصريحات روحاني على أنها رد غير مباشر على خطاب متلفز للمرشد علي خامنئي في 27 نوفمبر، حذر فيه من الانقسام الداخلي، مكرراً روايته بأن الولايات المتحدة وإسرائيل «فشلتا» في تحقيق أهداف الحرب، وداعياً الإيرانيين إلى الحفاظ على «الاصطفاف الوطني». وقال: «الخلافات بين التيارات والفئات أمر وارد، لكن المهم أن يقف الجميع معاً في مواجهة العدو».

وخلال ولايتيه الرئاسيتين (2013 – 2021)، كان روحاني قد طرح مراراً شكوكه في دقة المعلومات التي يتلقاها المرشد من مقربيه، في محاولة للنأي بنفسه عن انتقادات تُوجّه إليه بوصفه معارضاً لمواقف خامنئي.

وخلال الأشهر الخمسة الماضية، واجه روحاني اتهامات من خصومه، بينهم نواب في البرلمان، بأنه يسعى لتولي منصب المرشد إذا تعذر على خامنئي ممارسة مهامه لأي سبب، بما في ذلك تعرضه لمحاولة اغتيال من قبل إسرائيل.

وبرزت انتقادات الشهر الماضي على لسان رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، الذي اتهم روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف بـ«الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية مع موسكو». وردد نواب شعار «الموت لفريدون» في إشارة إلى لقب روحاني العائلي. وقال النائب المتشدد أمير حسين ثابتي: «أتمنى أن تتصدى السلطة القضائية لقضايا إساءة التصرف من قبل حسن روحاني، حتى يعود من يفكر في المناصب العليا إلى مكانه الحقيقي خلف قضبان السجن».

وبعد نشر تصريحات روحاني الأخيرة، طرحت الاحتمالات تولي روحاني لمنصب المرشد، مرة أخرى لكن هذه المرة في وسائل إعلام إصلاحية، إذ قال المنظر الإصلاحي صادق زيبا كلام إنه «عندما طرحت قضية خلافة المرشد تدريجياً، حسن روحاني قال لنفسه خلال فترة رئاسته: ماذا ينقصني عن بقية الأشخاص الذين تطرح أسماؤهم للخلافة، ما الذي ينقصني عن مجتبى خامنئي ومن طرحت أسماؤهم، في رأيي روحاني محق، فهو أكثر جدارة من الآخرين على صعيد تجربته التنفيذية».

وبالتزامن مع هذا الاهتمام الإصلاحي، نشر رجل الأعمال بابك زنجاني رسالة شديدة اللهجة على منصة «إكس» هاجم فيها إمكانية تولي روحاني أي دور سياسي مستقبلي، قائلاً إن إيران «تحتاج إلى قوة شابة، متعلمة وفعالة»، لا إلى «أصحاب الشهادات المزيفة». وأضاف: «سيأخذون هذا الحلم معهم إلى القبر... سنطهر إيران من العجز ومن المديرين غير الأكفاء». وحذر: «السلاح الذي تعطل في لحظة المعركة، إن عدتم وربطتموه على خصوركم من جديد، فأنتم تستحقون الموت!».

وزنجاني، الذي اعتقل في عهد حكومة روحاني بتهمة الفساد الاقتصادي وصدر بحقه حكم بالإعدام، أطلق سراحه العام الماضي وعاد إلى نشاطه الاقتصادي، في خطوة ربطها مراقبون بسعي طهران للالتفاف على العقوبات، فيما تربطه حالياً علاقات وثيقة بـ«الحرس الثوري».


نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

ندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقضايا الفساد المرفوعة ضده، ووصفها بأنها «مهزلة»، ودافع في مقطع فيديو عن طلبه عفواً رئاسياً مثيراً للجدل.

ونُشر الفيديو، الذي تبلغ مدته 3 دقائق مساء الخميس، بعد أسبوع من طلب نتنياهو رسمياً العفو من الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، عادّاً أن محاكمته تؤدي إلى تقسيم الأمة.

كما أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهر الماضي رسالةً إلى هرتسوغ يحضه فيها على إصدار عفو عن نتنياهو.

وندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي في المقطع بمحاكمته، ووصفها بأنها «محاكمة سياسية» تهدف إلى إجباره على ترك منصبه، نافياً مجدداً ارتكاب أي مخالفات.

ويُتهم نتنياهو في قضيتين بعقد صفقات للحصول على تغطية إيجابية من وسائل إعلام إسرائيلية، ويُتهم في قضية ثالثة بقبول أكثر من 260 ألف دولار في شكل هدايا فاخرة، شملت مجوهرات وشمبانيا، من مليارديرات مقابل الحصول على خدمات سياسية. وكانت قضية فساد رابعة قد أسقطت في وقت سابق.

متظاهرون خارج مقر إقامة بنيامين نتنياهو في القدس يطالبون بعدم منحه العفو (رويترز)

في الفيديو، رفع نتنياهو دمية على شكل شخصية الكرتون «باغز باني»، ساخراً من المدعين العامين الذين أشاروا إلى تلقيه دمية للشخصية هديةً لابنه قبل 29 عاماً بوصفها دليلاً ضده. وقال: «من الآن فصاعداً، ستُعرف هذه المحاكمة باسم محاكمة باغز باني».

ونفى تلقيه السيجار هدية «من صديق»، وعدّ بأن سعيه لضمان تغطية إيجابية من «موقع إنترنت من الدرجة الثانية» أدّى بدلاً من ذلك إلى «التغطية الصحافية الأكثر كراهية وعدائية وسلبية التي يمكن تخيلها في إسرائيل».

يُذكر أن نتنياهو هو أول رئيس وزراء إسرائيلي في السلطة يخضع للمحاكمة بتهم فساد.

وقد تطلبت المحاكمة التي بدأت عام 2019، الإدلاء مؤخراً بشهادته 3 مرات أسبوعياً، وهو يرى أن ذلك يمنعه من ممارسة الحكم بشكل فعال.

وتابع: «هذه المهزلة تُكلّف البلاد ثمناً باهظاً. لا أستطيع تقبّل ذلك... لذلك طلبت العفو».

وقد كشفت هذه القضايا عن انقسامات حادة في المجتمع الإسرائيلي.

والاثنين، قبل آخر مثول لنتنياهو أمام المحكمة، تظاهر أنصار ومعارضون له خارج محكمة تل أبيب، وارتدى بعضهم بدلات السجن البرتقالية للإشارة إلى أنه يجب سجنه.