خيارات إيران لتجنب «سناب باك» الترويكا الأوروبية

طهران تجاوبت مع شرطين لكن التفاوض مع واشنطن لا يزال بعيداً

رافاييل غروسي يتحدث خلال مؤتمر «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في فيينا يوم 15 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)
رافاييل غروسي يتحدث خلال مؤتمر «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في فيينا يوم 15 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

خيارات إيران لتجنب «سناب باك» الترويكا الأوروبية

رافاييل غروسي يتحدث خلال مؤتمر «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في فيينا يوم 15 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)
رافاييل غروسي يتحدث خلال مؤتمر «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في فيينا يوم 15 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)

منذ أخطرت دول «الترويكا الأوروبية» مجلس الأمن الدولي يوم 28 أغسطس (آب) الماضي عزمها تفعيل آلية «سناب باك» ضد طهران، انقضى 20 يوماً من مهلة الشهر المنصوص عليها في الاتفاق قبل أن ينطلق العمل فعلياً بـ6 مجموعات من العقوبات الدولية على إيران.

وكانت العقوبات قد جُمدت بعد التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة «5+1» صيف عام 2015.

الساعة تدور، ولم يتبق لطهران سوى 10 أيام للاستجابة للشروط الثلاثة التي وضعتها «الترويكا الأوروبية»؛ فرنسا وبريطانيا وألمانيا، لوقف التنفيذ، من خلال تمديد العمل بالقرار «2231» الذي صدّق على الاتفاق النووي، لمدة محددة قد تكون 6 أشهر أو أقل، لإفساح المجال أمام المفاوضات.

وللتذكير، فإن شروط «الترويكا» الثلاثة على طهران هي: إفساح المجال مجدداً أمام مفتشي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» لمعاودة عملهم في إيران، والكشف عن مصير كميات اليورانيوم عالية التخصيب المقدرة بـ440 كيلوغراماً بعد الضربات الإسرائيلية والأميركية في يونيو (حزيران) الماضي، وأخيراً الانخراط في محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى اتفاق نووي جديد.

محمد إسلامي مدير «منظمة الطاقة الذرية الإيرانية» خلال مشاركته بمؤتمر «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في فيينا يوم 15 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)

الاستقواء بروسيا والصين

مباشرة بعد الخطوة الأوروبية، سارعت طهران إلى التنديد بما فعلته «الترويكا». وعجل وزير الخارجية الإيراني إلى توجيه رسالة مطولة إلى رئيس مجلس الأمن ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، يؤكد فيها أن الخطوة الأوروبية «تفتقد الشرعية»؛ إذ إن «الترويكا» لم تعد «مؤهلة» بعد أن فشلت في تنفيذ التزاماتها إزاء إيران بعد خروج الإدارة الأميركية، خلال ولاية دونالد ترمب الأولى، من الاتفاقية.

كذلك فعّلت طهران حملة دبلوماسية واسعة، وسعت مع روسيا والصين إلى مجابهة الأوروبيين في مجلس الأمن من خلال مشروع قرار أعدته موسكو بدعم صيني، يدعو إلى تمديد العمل بالقرار «2231» مع حرمان الأوروبيين من فرض «سناب باك» خلال المهلة الجديدة.

بيد أن مشروع القرار الذي وُزّع بشكل غير رسمي لم يُطرح مطلقاً للتصويت لتحسّب أنه كان سيواجه بـ«حق النقض (الفيتو)» الغربي، أو أنه لن يحظى بالأصوات التسعة الضرورية حتى يصدَّق عليه في مجلس الأمن من غير اللجوء إلى «الفيتو». وفي المقابل، فإن تفعيل آلية «سناب باك» لا تكمن مواجهته في مجلس الأمن؛ لأنها صيغت بشكل يجعلها «تلقائية».

منذ نهاية الشهر الماضي، كانت إيران أمام معادلة مزدوجة: إما التنازل، وإما مواجهة «الترويكا» ورفض شروطها وبالتالي تحمل، مجدداً، عبء العقوبات الدولية التي فرضت عليها بموجب 6 قرارات صادرة عن مجلس الأمن قبل 2015، تشمل قطاعات المال والمصارف والنفط والغاز والدفاع. وكانت أولى النتائج داخلياً على القرار الأوروبي هو انهيار سعر الريال الإيراني.

وتعي إيران الأعباء الإضافية المترتبة على هذه العقوبات؛ إذ جاء في تقرير نشره مؤخراً «مركز صوفان للأبحاث» ومقره نيويورك، أن «الولايات المتحدة وشركاءها الأوروبيين يرون في تفعيل (سناب باك) وسيلة لإبقاء إيران ضعيفة استراتيجياً وغير قادرة على إعادة بناء برنامجها النووي الذي تضرر من الضربات الأميركية والإسرائيلية»، بينما يرى القادة الإيرانيون، وفق التقرير، أن إعادة فرض العقوبات «محاولة غربية لإضعاف الاقتصاد الإيراني إلى أجل غير مسمى، وربما لإثارة اضطرابات شعبية كافية لإطاحة النظام الإيراني».

غروسي وعراقجي يوقعان اتفاقاً بحضور وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في القاهرة يوم 9 سبتمبر 2025 (أ.ب)

بداية التنازلات الإيرانية

ثمة خط سياسي في إيران يدعو إلى المواجهة ويهدد باتخاذ تدابير جذرية تبدأ بوقف التعامل مع مفتشي «الوكالة الدولية»؛ لا بل طردهم، والذهاب إلى حد الخروج من «معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية»، وتغيير العقيدة النووية، والسعي للحصول على السلاح النووي. وبذلك تكون إيران قد سارت على الدرب الذي سلكته قبلها كوريا الشمالية.

لكن في المقابل، يبدو أن الخط «المهادن» الذي يمثله الرئيس مسعود بزشكيان ووزير خارجيته عباس عراقجي نجح، حتى اليوم، في استيعاب ضغوط المتشددين، واتخاذ خيار آخر هو الاستجابة المشروطة للمطالب الأوروبية. وبرز ذلك في استئناف الاجتماعات على المستوى التقني مع خبراء «الوكالة الدولية»، التي مهدت الطريق للاتفاق الذي جرى التوصل إليه في القاهرة يوم الأربعاء الماضي لعودة المفتشين، بين الوزير عراقجي ورافاييل غروسي، مدير «الوكالة الدولية».

رغم التفسيرات المتضاربة ظاهرياً بين ما يقوله الأول ويؤكده الثاني، فإن من الواضح أن طهران، كما يقول مصدر دبلوماسي أوروبي في باريس، «قدمت تنازلاً» لـ«الترويكا» يصيب عصفورين بحجر واحد: فهي، من جهة، استجابت لشرطها الأول الخاص بعودة المفتشين الدوليين بشكل تام، وجزئياً بالنسبة إلى الشرط الثاني؛ إذ نص «اتفاق القاهرة» على تمكين المفتشين من زيارة كل المواقع، بما فيها المواقع التي تضررت والتي يزعم عراقجي أن كميات اليورانيوم عالي التخصيب موجودة فيها تحت الأنقاض التي تسببت فيها الطائرات والصواريخ الإسرائيلية والأميركية في حرب الـ12 يوماً.

وأعلن غروسي، عقب التوقيع على الاتفاق، أن إطار التعاون الجديد مع طهران يشمل «كل المنشآت والبنى التحتية في إيران»، وينص على «الإبلاغ عن جميع المنشآت التي تعرّضت للهجوم؛ بما في ذلك المواد النووية الموجودة فيها».

وكلام المسؤول الدولي واضح وقاطع. لكن العبرة تبقى في التنفيذ. ولحماية نفسه، دخل عراقجي تحت جناح «مجلس الأمن القومي» الذي يعود له إقرار ما سيتاح للمفتشين فعله من غير تخطي القانون الذي أقره مجلس الشورى الإيراني.

وفي سياق بادرات «حسن النية»، يمكن الإشارة إلى ما كشف عنه عراقجي الأسبوع الماضي من قرب الإفراج عن رهينتين فرنسيتين محتجزتين في إيران منذ 3 سنوات ومتهمتين بالتجسس لمصلحة إسرائيل؛ مما عده رغبة في «تسييل» العلاقة بفرنسا ولما لذلك من انعكاسات على موقفها من طهران.

الواضح اليوم أن «الوكالة الدولية» تستعجل تطبيق «اتفاق القاهرة». فقد عدّ غروسي، الاثنين، خلال حديثه بمناسبة افتتاح «الجمعية العامة» لـ«الوكالة» في فيينا، أنه «حان الوقت لتطبيق الاتفاق»، وأن العمل بهذه الخطوة سوف يشكل «مؤشراً جيداً لإمكانية التوصل إلى اتفاقات وتفاهمات»، مشدداً على أهمية «إعادة بناء الثقة» بين الطرفين.

والموقف نفسه عبرت عنه وزارة الخارجية الأميركية التي حثت إيران على «اتخاذ إجراءات فورية وملموسة للوفاء بالتزاماتها» الخاصة ببرنامجها النووي. وأصدرت «الترويكا» بياناً في 10 سبتمبر (أيلول) الحالي شدد بدوره على «تنفيذ التزامات إيران بالكامل بموجب اتفاق الضمانات الشاملة والتعاون التام مع (الوكالة)؛ بحيث تسمح بالتفتيش في كل منشآتها النووية».

رافاييل غروسي مدير «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» متحدثاً في مؤتمرها بفيينا يوم 15 سبتمبر 2025 (إ.ب.أ)

صعوبة الشرط الثالث

تعي إيران أنها تعمل على رهان بالغ الصعوبة، فيما تتواتر التصريحات الإسرائيلية وأحياناً الأميركية عن احتمال العودة إلى الحرب للقضاء «الكلي» على برنامجها النووي. وآخر من أدلى بدلوه، الاثنين، أمير برعام، المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية، الذي توعد طهران بـ«جولات أخرى» من الحرب، رغم عَدِّه أن عملية «الأسد الصاعد» قد «انتهت بانتصار إسرائيلي حاسم».

كذلك، تواجه إيران الشرط الأوروبي الثالث الأشد صعوبة والخاص بالمفاوضات مع واشنطن. والواضح أن تطوراً كهذا سيكون تنفيذه بالغ الصعوبة قبل انتهاء مهلة الشهر. لذا؛ فإن السؤال المطروح، منذ اليوم، هو بشأن مدى اكتفاء «الترويكا» بما تحقق بين إيران و«الوكالة الدولية» لتأجيل بدء تنفيذ «سناب باك».

حتى الآن، ليس من جواب أوروبي. والسائد في باريس وبرلين ولندن أن الاجتماعات الرئيسية والجانبية التي ستُعقد في نيويورك خلال ما يسمى «أسبوع القادة»، وهو الأسبوع المقبل، ستكون بالغة الأهمية.

وعلم أن الرئيس الإيراني ووزير خارجيته سيحضران أعمال الجمعية العامة. ولم يُخفِ الوزير الإيراني، كما نقلت عنه وكالة «إرنا» الثلاثاء، أن كثيراً من دول المنطقة تقترح التوسط مع واشنطن، وليس قطر وحدها. والواضح أنه كان يشير إلى عُمان. بيد أنه رأى أن «المهم في بداية المحادثات ليس الوسيط، بل إرادة الطرف الآخر التوصل إلى اتفاق قائم على المصالح المتبادلة ودون تهديدات».

انفتاح وتجميد وتصعيد

وسبق لطهران أن طالبت بضمانات بألا تتعرض لضربات عسكرية إبان المفاوضات. بيد أن هذه المفاوضات، في حال انطلاقها، سوف تواجه صعوبة رئيسية تتناول تمسك طهران بتخصيب اليورانيوم، وهو ما ترفضه واشنطن قطعياً.

وقال وزير الطاقة الأميركي، كريس رايت، الاثنين في فيينا بمناسبة المؤتمر السنوي لـ«الوكالة»، إن بلاده تريد «تفكيك مسار إيران نحو امتلاك سلاح نووي، بما في ذلك جميع قدرات تخصيب اليورانيوم ومعالجة البلوتونيوم، تفكيكاً كاملاً». ورغم ذلك، فإن رايت أعرب عن أمله في «استئناف الحوارات».

ثم هناك مطالب أميركية - أوروبية بتحجيم برنامج إيران الصاروخي، وتغيير سياستها في الإقليم التي يراها الغرب سبباً لعدم الاستقرار.

والثلاثاء، جدد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، التأكيد على «حق جميع الدول في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، ولها الحق في الحصول على ضمانات فعالة ضد أي هجوم أو تهديد بالهجوم» في إشارة إلى ما تعرضت له إيران.

يبدو اليوم أن الأمور مفتوحة على خيارات تتأرجح بين «الانفتاح، والتجميد، والتصعيد». والسؤال المطروح يتناول مدى استعداد الغربيين، الذين يتصرفون بالتنسيق مع واشنطن، للتجاوب مع «تنازلات» طهران لمنحها مزيداً من الوقت للتفاوض... ولكن وفق أي شروط؟


مقالات ذات صلة

إسرائيل تعيد رفع منسوب التحذير من «تهديد وجودي» إيراني

شؤون إقليمية تفعيل دفاعات إسرائيلية لاعتراض صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب يوم 22 يونيو الماضي (أ.ف.ب)

إسرائيل تعيد رفع منسوب التحذير من «تهديد وجودي» إيراني

عادت القيادات السياسية والعسكرية تتحدث عن قلق شديد وشعور بالخطر الوجودي من النشاط الإيراني المتجدد لشراء وإنتاج الصواريخ الباليستية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية عراقجي يتحدث إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف الأربعاء الماضي (الخارجية الإيرانية)

إيران لا تستبعد هجوماً جديداً وتتمسك بالتخصيب

قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن طهران «لا تستبعد» احتمال تعرضها لهجوم جديد، لكنها «مستعدة بالكامل، وأكثر من السابق».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)

صور أقمار صناعية ترصد «نشاطاً جارياً» في منشأة نووية بإيران

ذكر «معهد العلوم والأمن الدولي» أن السلطات الإيرانية قد تسعى إلى فحص أنقاض ضربة عسكرية في منشأة «نطنز» بعيداً عن أعين المراقبين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (إرنا)

الرئيس الإيراني: نرفض أي «شروط مهينة» للتفاوض مع واشنطن

قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن بلاده لن تقبل «شروطاً مهينة» للتفاوض مع الولايات المتحدة محذراً من محاولات تجريد إيران من مكونات القوة العسكرية و«إضعافها».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية القاذفة الشبح «بي 2 سبيريت» التابعة لسلاح الجو الأميركي بعد عودتها من الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية (رويترز)

إسرائيل تحذر من محاولة طهران إحياء برنامجها النووي

بعد ستة أشهر من قصف منشآت إيران النووية، كشفت تقارير عن تفاصيل جديدة عن الحرب الـ12 يوماً، بينما حذر رئيس «الموساد» من استئناف طهران نشاطها النووي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«أكسيوس»: تحركات صاروخية إيرانية تثير مخاوف إسرائيل

صاروخ باليستي إيراني يُعرَض بجانب لافتة تحمل صورة المرشد علي خامنئي وقادة من «الحرس الثوري» قُتلوا في هجمات إسرائيلية في أحد شوارع طهران (أرشيفية - رويترز)
صاروخ باليستي إيراني يُعرَض بجانب لافتة تحمل صورة المرشد علي خامنئي وقادة من «الحرس الثوري» قُتلوا في هجمات إسرائيلية في أحد شوارع طهران (أرشيفية - رويترز)
TT

«أكسيوس»: تحركات صاروخية إيرانية تثير مخاوف إسرائيل

صاروخ باليستي إيراني يُعرَض بجانب لافتة تحمل صورة المرشد علي خامنئي وقادة من «الحرس الثوري» قُتلوا في هجمات إسرائيلية في أحد شوارع طهران (أرشيفية - رويترز)
صاروخ باليستي إيراني يُعرَض بجانب لافتة تحمل صورة المرشد علي خامنئي وقادة من «الحرس الثوري» قُتلوا في هجمات إسرائيلية في أحد شوارع طهران (أرشيفية - رويترز)

أفاد موقع «أكسيوس» الإخباري، اليوم (الأحد)، نقلاً عن مصادر إسرائيلية وأميركية قولها إن إسرائيل حذرت إدارة الرئيس دونالد ترمب من أن إيران ربما تستخدم مناورة صاروخية للحرس الثوري الإيراني غطاء لشن ضربة على إسرائيل.

وأبلغت مصادر إسرائيلية الموقع أن قدرة الجيش الإسرائيلي على تحمل المخاطر أقل بكثير مما كانت عليه في السابق، وأن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أثارت مخاوف تل أبيب بعد رصد تحركات صاروخية إيرانية.

وذكر «أكسيوس» أن مصادر إسرائيلية أبلغته أن الاستخبارات الإسرائيلية ترى بوادر على إعادة إيران بناء قدراتها الصاروخية.

ورغم أن احتمال وقوع هجوم إيراني أقل من 50 في المائة، وفق ما ذكره «أكسيوس»، أكد الموقع الإخباري الأميركي أن الخطر الأكبر يكمن في أن يتسبب سوء تقدير في اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران بأن يعتقد كل طرف أن الآخر يستعد لشن هجوم عليه.

وأوضح «أكسيوس» أن قائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر، زار إسرائيل اليوم وناقش مع رئيس الأركان الإسرائيلي ايال زامير، المخاوف بشأن إيران، مشيراً إلى أن زامير دعا للتنسيق بشكل وثيق مع الولايات المتحدة تحسبا لهجوم إيراني.


للمرة العاشرة... حكومة نتنياهو تطلب تمديد منع دخول الصحافة الأجنبية إلى غزة

عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة بحثاً عن جثث فلسطينيين يوم السبت (إ.ب.أ)
عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة بحثاً عن جثث فلسطينيين يوم السبت (إ.ب.أ)
TT

للمرة العاشرة... حكومة نتنياهو تطلب تمديد منع دخول الصحافة الأجنبية إلى غزة

عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة بحثاً عن جثث فلسطينيين يوم السبت (إ.ب.أ)
عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة بحثاً عن جثث فلسطينيين يوم السبت (إ.ب.أ)

للمرة العاشرة على التوالي، تقدَّمت الحكومة الإسرائيلية بطلب رسمي إلى المحكمة العليا في القدس الغربية، الأحد، لتمديد المهلة للرد على التماس تقدّمت به «رابطة الصحافيين الأجانب»؛ للسماح لوسائل الإعلام الدولية بالوصول الحر والمستقل إلى قطاع غزة.

ومنذ بداية الحرب على غزة، حاولت «رابطة الصحافيين الأجانب» في تل أبيب، التي تمثل رابطة المراسلين الأجانب في إسرائيل ومئات من وسائل الإعلام الدولية، إدخال صحافيين ميدانيين إلى قطاع غزة وغيره من المناطق الفلسطينية وحتى الإسرائيلية التي نالها نصيب من آثار الحرب، ولكن السلطات الإسرائيلية دأبت على الرفض، إلا في حالات استثنائية اقتصر فيها دخول الصحافيين الأجانب، كما الإسرائيليين، على جولات محدودة ينظمها الجيش وتُنفَّذ تحت مرافقة عسكرية مشددة وبشروط صارمة تشمل الالتزام بعرض المواد الصحافية على الرقابة العسكرية قبل النشر.

واضطرت الرابطة للجوء إلى القضاء الإسرائيلي، بعد أشهر قليلة من الحرب، تطلب إصدار أمر يلزم الحكومة بالسماح للصحافيين بالدخول إلى غزة بشكل مستقل، من دون مرافقة عسكرية. ولكن المحكمة رفضت الاستجابة بذريعة العمليات العسكرية.

مشيعون يحملون جثمان واحد من 5 صحافيين قُتلوا خلال غارة إسرائيلية على مستشفى ناصر في خان يونس جنوب قطاع غزة... أغسطس الماضي (أ.ف.ب)

وفي سبتمبر (أيلول) 2024، قُدّم التماس جديد، أمرت المحكمة في أعقابه الحكومة بتقديم مخطط يسمح بدخول الصحافيين. ولكن الحكومة وجدت سبيلاً آخر للتهرب، إذ تتقدم كل مرة بطلب إلى المحكمة لتأجيل البت في الموضوع ومنحها مهلة أخرى. وقد فعلت ذلك حتى الآن 10 مرات.

وبدا أن المحكمة تهادنها، فتوافق على التأجيل. وأثار هذا النهج غضباً واسعاً في الأوساط الإعلامية الدولية، التي ترى في السياسة الإسرائيلية أسلوباً منهجياً لمنع التغطية المستقلة.

وازدادت حدة الانتقادات مع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بموجب خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ما جعل مطلب السماح بدخول الصحافة الأجنبية أكثر إلحاحاً.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد تطرّق إلى القضية مرتين خلال الفترة الأخيرة. ففي مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» قال إنه سيعطي تعليماته للجيش بـ«الاستعداد» لهذه المسألة.

وعبَّرت «رابطة الصحافة الأجنبية» في إسرائيل عن «خيبة أمل شديدة» إزاء هذه السياسة، وخصوصاً تجاه ما تبديه المحكمة من «مهادنة».

وترى نقابة الصحافيين الفلسطينيين أن هذا المنع هو «جزء لا يتجزأ من سياسة إسرائيل لإخفاء حقيقة جرائمها في غزة والضفة الغربية».

وبحسب رئيس هذه النقابة، ناصر أبو بكر، فإن ما جرى في غزة منذ 7 أكتوبر 2023 على يد إسرائيل هو «أكبر مجزرة بحق الصحافيين في التاريخ».

وقال، في بيان، إن نحو 1500 صحافي فلسطيني يعملون حالياً وسط القصف، وقد أُصيب المئات، واعتقلت إسرائيل نحو 200 آخرين، كما دمرت كثيراً من المؤسسات الإعلامية.


إسرائيل تعيد رفع منسوب التحذير من «تهديد وجودي» إيراني

تفعيل دفاعات إسرائيلية لاعتراض صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب يوم 22 يونيو الماضي (أ.ف.ب)
تفعيل دفاعات إسرائيلية لاعتراض صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب يوم 22 يونيو الماضي (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تعيد رفع منسوب التحذير من «تهديد وجودي» إيراني

تفعيل دفاعات إسرائيلية لاعتراض صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب يوم 22 يونيو الماضي (أ.ف.ب)
تفعيل دفاعات إسرائيلية لاعتراض صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب يوم 22 يونيو الماضي (أ.ف.ب)

عادت القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية تتحدث عن قلق شديد وشعور بالخطر الوجودي من النشاط الإيراني المتجدد لشراء وإنتاج الصواريخ الباليستية والعودة إلى المشروع النووي، وهو الأمر الذي يذكر بما حصل قبيل الهجوم الإسرائيلي على إيران في حرب الـ«12 يوماً» في يونيو (حزيران) الماضي. ويؤكدون في تل أبيب أن حرباً أخرى باتت حتمية، لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يريد أن يعرف إن كانت الولايات المتحدة مستعدة للشراكة فيها.

وقالت مصادر أمنية إسرائيلية إن هناك عدة إشارات تدل على أن إيران بدأت تتحرك من جديد باتجاه إحياء مشروعها النووي، مع أنها لم تستأنف بعدُ تخصيب اليورانيوم. فهناك حركة دائمة في الأسابيع الأخيرة حول المفاعلات النووية التي تم تدميرها في الحرب الإسرائيلية الأميركية عليها.

وأضافت المصادر أن هناك جهوداً هستيرية لإنتاج الصواريخ الباليستية، التي تبلغ بمعدل 3000 صاروخ في الشهر. ومع أن هذه الصواريخ تعتبر من الجيل القديم عديم الدقة، التي يمكن إسقاطها قبل أن تصل إلى أهدافها، فإن ما يصل منها إلى هدفه كافٍ لأن يُحدث دماراً خطيراً.

وتؤكد هذه المصادر، وفقاً للكاتبة في «معاريف» العبرية، آنا برسكي، أن العقيدة الجديدة في الجيش الإسرائيلي تحتم توجيه ضربة استباقية، مع أنها لا تستبعد أيضاً هجوماً استباقياً من طهران.

وقالت: «حتى لو لم يكن النووي على رأس القائمة الفورية، فإن إيران تواصل التحرك، أحياناً عبر ترميم بنى تحتية، وأحياناً عبر إخفاء، وأحياناً ببساطة عبر استغلال الغموض وفجوات الرقابة. بكلمات أخرى، ترميم القدرة الصاروخية وترميم النووي ليسا محورين منفصلين، بل منظومة واحدة، وهي تقلق جداً إسرائيل. الصاروخ يبني غرفاً. الغلاف يسمح بالنووي، والنووي، حتى لو تأجل، يبقى الهدف الأسمى».

استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض يوم 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)

وأكدت الكاتبة أن نتنياهو قرر طرح الموضوع على طاولة البحث خلال لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الاثنين، وسيحاول معرفة إن كان مستعداً للشراكة مع إسرائيل في هذه الحرب وكيف.

وقالت برسكي: «سيطرح عليه أربعة بدائل، منها: هجوم إسرائيلي مستقل عبر مساعدة أميركية محدودة، وحملة مشتركة، وعملية أميركية كاملة، وهي ليست مناورة نظرية. فهي تعكس جدالاً على فهم الوقت: هل الانتظار ومحاولة كبح إيران بوسائل سياسية، أم العمل قبل أن يصل الترميم إلى نقطة اللاعودة».

وأضافت: «ومركز الثقل في اللقاء لن يكون ما تريد إسرائيل عمله، بل ما الذي تكون الولايات المتحدة مستعدة لأن تحتمله. هنا يتأكد الموقف الأميركي كما ينعكس في التحليلات الأخيرة. ترمب يريد خلق نظام إقليمي جديد دون أن يعلق مرة أخرى في حرب لا نهاية واضحة لها. من ناحيته، إيران تعد خطراً، لكنها أيضاً حفرة مالية وسياسية وعسكرية. وهو كفيل بأن يفضل صيغة دبلوماسية متصلبة، عقوبات وتهديد عسكري في الخلفية، على جولة أخرى تلزمه بأن يشرح للجمهور الأميركي لماذا يعود إلى سماء الشرق الأوسط مع قاذفات وذخائر».

وقد خرجت جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية بعناوين مثيرة عن حتمية حرب مقبلة مع إيران. وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن إيران هي التي يمكن أن تبادر إلى هذه الحرب، وذلك لأنها تتحسب من انتشار المظاهرات التي بدأت في مدينة مشهد إلى بقية المدن الإيرانية، احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية والنقص الكبير في الماء والكهرباء وارتفاع أسعار الوقود. وتؤكد أنه من المحتمل أن تقدم القيادة الإيرانية على شن حرب حتى تشغل الشعب عن معاناته.

لكن صحيفة «معاريف» اعتبرته مبادرة إسرائيلية، لأن هناك خطراً وجودياً وهناك فرصة لا يجوز إضاعتها. وقالت: «يصل الموقف الإسرائيلي من مكان وجودي. فمن ناحيتنا، الخيار العسكري ليس شعاراً بل تأمين حياة. إذا كانت التقديرات بشأن تسريع إنتاج الصواريخ وإعادة الدفاع الجوي صحيحة، فإن إسرائيل تخشى من أن تُغلق نافذة الفرص. اليوم إيران لا تزال في منتصف الترميم، لكن غداً ستكون محمية أكثر، متوزعة أكثر، وقدرة الهجوم ستكون أغلى وأخطر. وعليه، حتى لو عرض نتنياهو لترمب سلسلة بدائل، فإن الرسالة واحدة: إسرائيل لن تسمح لإيران بالوصول مرة أخرى إلى وضع يكون بوسعها فيه أن تنصب مظلة صواريخ ودفاع تغلق السماء من فوق المواقع الحساسة».

لكن الصحيفة تتحدث هنا عن «فجوة استراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة. القدس وواشنطن. ترمب يريد الامتناع عن الحرب، بينما إسرائيل تخشى من أن منع الحرب الآن سيخلق حرباً أكبر بعد ذلك. ترمب الذي عاد إلى البيت الأبيض مع الوعد بتصميم نظام إقليمي جديد وتقليص الاحتكاك الأميركي المباشر، معني بالاستقرار: في غزة، في الشمال، وفي الساحة الإيرانية. من ناحيته، وقف نار إقليمي وحفظ الردع أفضل من جولة تصعيد أخرى. لكن الردع، كما يفهمونه في إسرائيل، يصمد فقط إذا ما كان من خلفه تهديد مصداق. نتنياهو سيصل إلى مار آلاغو مع رسالة واضحة بما يكفي: من دون خط أحمر حقيقي، إيران ستواصل البناء، الترميم والاستعداد الفاعل للهجوم المقبل. ترمب سيكون مطالباً بأن يقرر إذا كان سيقلص مجال العمل الإسرائيلي باسم الاستقرار، أم يترك التهديد العسكري على الطاولة، حتى وإن كان بثمن المخاطرة بالتصعيد».