أكدت ديمة اليحيى، الأمين العام لـ«منظمة التعاون الرقمي» أن «إعادة البناء اليوم تبدأ من كيابل الإنترنت قبل الأسمنت»، وشدَّدت على أن أول ما ينبض بعد الأزمات ليس الأسمنت والحديد، بل الاتصال.
وفي حديثٍ مع «الشرق الأوسط»، أعقب انعقاد النسخة الخامسة من فعالية «دبلوماسية التعاون الرقمي» التي نُظِّمت، الاثنين في الرياض، بالتعاون بين سفارة دولة الكويت و«منظمة التعاون الرقمي» تحت عنوان «الأدوات الرقمية لتعزيز التعافي في مرحلة ما بعد النزاعات»، قالت اليحيى إن استحداث منصة «الملتقى الدبلوماسي»، جاء لسد الفجوة بين الدبلوماسيين والمختصين التقنيّين.
وأوضحت أن تطبيق «ديا» في أوكرانيا حافظ على خدمات حكومية لأكثر من 20 مليون مواطن رغم الحرب، بينما سهَّلت المحافظ الرقمية في الأردن وصول المساعدات لعشرات الآلاف من اللاجئين، وأدى انقطاع الإنترنت في غزة إلى تعطيل المستشفيات وتباطؤ الإغاثة.
وأشارت الأمين العام لـ«منظمة التعاون الرقمي» إلى أن المدفوعات الرقمية في لبنان أبقت التجارة اليومية حيّة وسط الانهيار المالي.

وعدَّت ديمة اليحيى أنه «من دون البنية الرقمية، لا صحة، ولا تعليم، ولا إغاثة»، مشيرةً إلى أن 2.6 مليار إنسان، أي ثُلث سكان العالم، ما زالوا خارج الشبكة في 2025 «ما يجعل الاتصال مشروع تعافٍ لا يقل أولوية عن الماء والكهرباء».
وردَّت على القول إن الرقمنة رفاهية لا تتحملها الدول الخارجة من الحروب، بأن «مَن يظن الرقمنة ترفاً لم يجرِّب غيابها... إدارة مستشفى بلا سجلات رقمية، أو توزيع غذاء بلا أنظمة لوجيستية، أو تشغيل اقتصاد بلا مدفوعات إلكترونية يعني شلّ العجلة فوراً»، عادّةً أنها «عمود التعافي من لحظته الأولى».
الانضمام لـ«التعاون الرقمي» قرار جماعي
وتابعت ديمة اليحيى أن انضمام الدول لمنظمة التعاون الرقمي «ليس قراراً فردياً، بل قرار جماعي». وكشفت عن «حوارات مفتوحة مع عدد من الدول الراغبة في الانضمام، ومن بينها سوريا».
وأوضحت أن «مجلس منظمة التعاون الرقمي» هو الجهة المخوّلة بالموافقة على الأعضاء الجدد، وعرّجت على اجتماعات عقدتها الأسبوع الماضي مع وزير الاتصالات والتقانة السوري، ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطيني؛ لبحث سبل التعاون والانضمام المستقبلي.
وأوضحت أن «مقياس نضج الاقتصاد الرقمي»، الذي أطلقته المنظمة العام الماضي، يساعد الحكومات على تشخيص واقعها الرقمي وتحديد الأولويات.
وأضافت: «في غزة، يعطل انقطاع الإنترنت المستشفيات والإغاثة، وفي سوريا تضررت البنية التحتية الرقمية بشدة، والمقياس هنا هو البوصلة لإعادة بناء الاتصالات والخدمات».
وأكدت أن هذا الملف سيكون محوراً رئيسياً في مشاركة المنظمة بالجمعية العامة للأمم المتحدة الـ80 هذا الشهر؛ لحشد دعم دولي يجعل الاستثمار الرقمي جزءاً من خطط التعافي «كما هي الحال مع الماء والكهرباء».
وبيَّنت أن إطلاق المقياس، وحَّد المقاييس بين الدول الأعضاء، وحدَّد مكامن القوة والقصور لبناء أولويات وطنية على بيانات لا انطباعات.
وأضافت: «هذا مكَّن من جذب استثمارات ملموسة؛ إذ استقطبت باكستان أكثر من 700 مليون دولار عبر مبادرة (الاستثمار الرقمي الأجنبي)، والآن تتبنى رواندا وعُمان المنهج ذاته».
الابتكار محرّك التقدّم... والحقوق حزام الأمان
وشدَّدت الأمين العام على التوازن بين سرعة الابتكار وحماية الحقوق، وأن «الابتكار محرّك التقدّم، والحقوق حزام الأمان».
وأكدت أن جمع بيانات حساسة في الأزمات يفرض تصميم الحلول منذ البداية بضمان الخصوصية. وكشفت عن تأسيس أطر أخلاقية للذكاء الاصطناعي و«صناديق اختبار» للسياسات.
وإنسانيّاً، أشارت إلى نجاح الذكاء الاصطناعي عبر مشروع مثل «Optimus» لـ«برنامج الغذاء العالمي» الذي حسَّن سلاسل الإمداد، ووصل إلى 1.7 مليون شخص في عام واحد، ووفَّر نحو 150 مليون دولار، تكفي لإطعام مليونَي إنسان لسنة كاملة.
الشباب يشكّلون ثلاثة أرباع سكان الدول الأعضاء
وعدّت اليحيى أن «لا مستقبل رقمياً بلا شباب، ولا ازدهار رقمياً بلا نساء». ولفتت إلى أن الشباب يشكّلون ثلاثة أرباع سكان الدول الأعضاء، بينما النساء أقل استخداماً للإنترنت المحمول بنسبة تصل إلى 30 في المائة، في بعض الاقتصادات.
وكشفت عن أن المنظمة دعمت 15 ألف رائدة أعمال، وأن 43 في المائة، من المشاركين في برامج المهارات الرقمية نساء، وبيَّنت أن بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن أظهرت أن المحافظ الرقمية أصبحت القناة الأساسية لصرف المساعدات داخل المخيمات (أكثر من 90 في المائة من الأسر)، ما عزَّز شمول النساء والأسر الأكثر هشاشة.
وأضافت أن التجربة الأفريقية عبر طائرات «Zipline» أثبتت كيف قلّصت زمن توصيل الدم والأدوية من ساعات إلى دقائق، لتفتح «نافذة حياة» للنساء في المناطق الريفية، وتظهر قدرة التحول الرقمي في إنقاذ الأرواح.
مسارات جديدة للتعاون الدولي
وأوضحت أن النهج الجديد للعمل الدولي الذي تتبناه المنظمة يقوم على «مسارات رقمية عملية» تشمل عقوداً معيارية، وآليات مواءمة، وقياساً مشتركاً، ما يحوّل التعاون الدولي من وعود عامة إلى نتائج ملموسة.
وقالت: «هي قواعد متناغمة تتشاركها الدول لحماية الخصوصية وتدفقات البيانات عبر الحدود وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، حتى تعمل الحكومات والشركات بفاعلية من البداية من دون إعادة اختراع العجلة».
العلاقات السعودية - البريطانية «ممتازة للغاية»
من جهته، أكد اللورد البريطاني فايزي لـ«الشرق الأوسط» أن «الملتقى الدبلوماسي» الذي تترأسه الكويت في هذه النسخة، والأمين العام من السعودية، يلعب دوراً مهماً في مناقشة قضايا السلامة، والترابط الإلكتروني، والاستثمار، والمرونة الرقمية، مشيراً إلى الأهمية البالغة للتعاون الدولي في التعامل مع النزاعات.
وعن العلاقات السعودية - البريطانية، وصفها بأنها «ممتازة للغاية»، منوّهاً بزيارة وزير التجارة السعودي أخيراً على رأس «أكبر وفد خارج المملكة»، يضم 33 وزيراً و165 شركة.
وأضاف: «ننظر إلى طموحات السعودية بإعجاب بالغ، فهي تبني للمستقبل، وتؤثر في الرياضة والسياحة والتكنولوجيا والدبلوماسية بوصفها قائداً جيوسياسياً».
وأكد وجود احترام متبادل بين العائلتين الملكيتين، قائلاً: «لا أستطيع أن أتذكر لحظة كانت العلاقات السعودية - البريطانية جيدة، كما هي اليوم».

