ليبيا: صمت رسمي حول حقيقة لقاء صدام حفتر ومستشار الدبيبة بإيطاليا

ردود فعل متباينة في طرابلس وبنغازي

إبراهيم الدبيبة (يسار) في لقاء مع القائم بالأعمال الأميركي جيريمي برنت (السفارة الأميركية)
إبراهيم الدبيبة (يسار) في لقاء مع القائم بالأعمال الأميركي جيريمي برنت (السفارة الأميركية)
TT

ليبيا: صمت رسمي حول حقيقة لقاء صدام حفتر ومستشار الدبيبة بإيطاليا

إبراهيم الدبيبة (يسار) في لقاء مع القائم بالأعمال الأميركي جيريمي برنت (السفارة الأميركية)
إبراهيم الدبيبة (يسار) في لقاء مع القائم بالأعمال الأميركي جيريمي برنت (السفارة الأميركية)

خيّم الصمت الرسمي في شرق ليبيا وغربها حول «حقيقة لقاء» استضافته إيطاليا بين نائب قائد «الجيش الوطني» الليبي، الفريق أول صدام حفتر، ومستشار رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، إبراهيم الدبيبة.

وكانت وسائل إعلام إيطالية قد تحدثت عن لقاء صدام حفتر وإبراهيم الدبيبة، ما خلّف ردود أفعال واسعة في أوساط متابعين بمدينتي طرابلس وبنغازي.

وحاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع مسؤولين سياسيين وعسكريين في السلطتين بشرق ليبيا وغربها، لكن لم يتسنَّ الحصول على رد.

وفي توقيت متزامن مع تسريبات اللقاء بين المسؤولين الليبيين، نشر المكتب الإعلامي لـ«الجيش الوطني» و«الهلال الأحمر» في بنغازي صورتين، إحداهما للقاء صدام حفتر مع قائد عسكري، وأخرى لمشاركته في عزاء لمسؤول في الهلال الأحمر الليبي. كما حرصت صفحات تواصل اجتماعي وإعلاميون موالون للسلطات في بنغازي على التشكيك في حدوث هذا اللقاء، وعدّوه «تضخيماً إعلامياً».

صدام حفتر ملتقياً رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية بشرق ليبيا اللواء صلاح الخفيفي (القيادة العامة)

ولم تكن هذه التسريبات هي الأولى من نوعها، إذ سبق أن تحدثت تقارير إعلامية قبل ثلاثة أعوام عن لقاء مماثل، جمع نجل المشير خليفة حفتر وابن عم رئيس حكومة «الوحدة» في أبوظبي، علماً أنهما خصمان في انقسام سياسي وعسكري حاد في البلاد.

وذهب ساسة في الغرب الليبي إلى انتقاد توجه حكومة الدبيبة نحو هذا اللقاء في حال تأكيد انعقاده، ومنهم العميد السابق لبلدية تاجوراء السابق حسين بن عطية، الذي رأى «ازدواجية معايير» بين هذه التسريبات، واتهامات سابقة للمظاهرات التي طالبت بتغيير حكومة الدبيبة بأنها «داعمة لحفتر».

في المقابل، ينظر فريق من المحللين والناشطين بعين التفاؤل لمثل هذه اللقاءات، ومنهم المحلل السياسي فرج فركاش، الذي عدها «مفتاح حل توحيد ليبيا، بغض النظر عن التحفظ على مَن يتحكم في المشهد الليبي».

المشير خليفة حفتر (الجيش الوطني)

لكن فركاش اقترح أن «تغيّر القيادة العامة نهجها في ملف توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، وضرورة وجود تنازلات من الطرف الآخر في الغرب الليبي».

وتتنازع السلطة السياسية في ليبيا حكومتان: «الوحدة الوطنية» المؤقتة، التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتسيطر على غرب البلاد، وأخرى برئاسة أسامة حماد في بنغازي، مكلّفة من مجلس النواب، وتسيطر على شرق البلاد وأجزاء من الجنوب.

ورغم أنباء عن حضور مستشار الرئيس الأميركي، مسعد بولس، لقاء صدام حفتر وإبراهيم الدبيبة في روما، الذي نقلته «وكالة الأنباء الإيطالية»، عما أسمتهم بمصادر، فإن بولس الذي يزور العاصمة الإيطالية لم يأتِ على ذكر هذا اللقاء عبر حسابه الرسمي بمنصة «إكس». واكتفى بالتغريد على لقائه بوزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الذي تناول «دعم جهود السلام والاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط».

ويعتقد مراقبون أن «أميركا (ربما بمساعدة إيطاليا وتركيا) تسعى لمقاربات وحلول، على شاكلة لقاء صدام حفتر وإبراهيم الدبيبة»، وهي وجهة نظر فركاش.

فيما يرى الباحث والحقوقي الليبي، ناصر الهواري، أن «أميركا والدول المتداخلة في الشأن الليبي تعلم طبيعة القوة المسيطرة، التي تملك قرار الحرب والسلم في ليبيا»، مبرزاً أن الولايات المتحدة «تتجه إلى تلك القوى مباشرة لمحاولة حل المشكلات العالقة بين الطرفين، ونزع فتيل الحرب التي تلوح في الأفق بالعاصمة طرابلس».

الرئيس السابق للحكومة المكلفة من البرلمان فتحي باشاغا (الشرق الأوسط)

والملاحظ أيضاً أن ما نشر عن اللقاء ذكَّر بعض السياسيين الليبيين بموجة هجوم لقيها الرئيس السابق للحكومة المكلفة من البرلمان، فتحي باشاغا، حين التقى المشير خليفة حفتر قبل عامين ونصف العام، بعد قبوله تشكيل حكومة موازية في شرق ليبيا.

ورأى عضو المجلس الانتقالي الليبي السابق، عبد الرزاق العرادي، أن لقاء صدام حفتر والدبيبة «منطقي وفي إطار البحث عن مخرج للانقسام السياسي»، الذي أفرزه الصراع المسلح، ولم يفلح طرفاه في حسمه بالقوة.

واستدرك العرادي قائلاً إن «الاعتذار لباشاغا بعد أكثر من عامين على لقائه حفتر ليس ضعفاً، بل موقف شجاع يقرّ بقاعدة سياسية أصيلة، وهي مَن يضع المصلحة الوطنية فوق حساباته الخاصة لا يُلام، بل يُقدَّر».


مقالات ذات صلة

ما هي تداعيات وفاة رئيس الأركان الليبي وتأثيرها على المؤسسة العسكرية؟

شمال افريقيا الحداد خلال حفل تخرج سابق لفوج جديد من الضباط في ثكنة الخمس العسكرية (رويترز)

ما هي تداعيات وفاة رئيس الأركان الليبي وتأثيرها على المؤسسة العسكرية؟

عدَّ المحلل السياسي، فرج فركاش، أن غياب رئيس الأركان الليبي، الفريق أول محمد الحداد، بهذا الشكل المفاجئ «يشكل ضربة قوية للمؤسسة العسكرية في غرب البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تحليل إخباري من مراسم توقيع اتفاق مشترك بين «الوطني الليبي» والجيش الباكستاني بحضور صدام حفتر وعاصم منير (إعلام القيادة العامة)

تحليل إخباري مقاتلات «JF-17» إلى بنغازي... هل انتهى مفعول «حظر السلاح» الأممي؟

يرى محللون ليبيون أن صفقة تسليح محتملة بين «الجيش الوطني» الليبي وباكستان من شأنها أن تُسهم في تعزيز القدرات العسكرية لقواته في شرق ليبيا، لكنها تثير تساؤلات.

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

ينظر مراقبون إلى أداء إدارة ترمب في الملف الليبي خلال العام الماضي على أنه انتهج مقاربة تقوم على «تسويات على نار هادئة»، تعتمد تفاهمات سياسية وعسكرية محدودة.

علاء حموده (القاهرة)
خاص القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي المشير خليفة حفتر (إعلام القيادة العامة)

خاص «الوطني الليبي» يتجاهل مجدداً اتهامات بـ«التعاون» مع «الدعم السريع»

يرى محلل عسكري ليبي أن مطار الكفرة «منشأة مهمة تُستخدم لدعم القوات الليبية المنتشرة في الجنوب الشرقي والجنوب الغربي وهو نقطة وصل بين شرق ليبيا وجنوبها»

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا حماد يتوسط قيادات عسكرية وشخصيات نيابية خلال افتتاح مشاريع في سبها الليبية (الحكومة المكلفة من البرلمان الليبي)

حمّاد لا يرى حلاً للأزمة الليبية عبر «تدخلات الخارج»

دعا أسامة حمّاد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب «أبناء الوطن كافة إلى الالتحاق بركب التنمية بعيداً عن أي تدخلات أو إملاءات خارجية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«شلل ليلي» مستمر في طرابلس على وقع الاحتجاجات... و«الوحدة» تغض الطرف

شرطي في أحد شوارع العاصمة الليبية طرابلس (مديرية أمن طرابلس)
شرطي في أحد شوارع العاصمة الليبية طرابلس (مديرية أمن طرابلس)
TT

«شلل ليلي» مستمر في طرابلس على وقع الاحتجاجات... و«الوحدة» تغض الطرف

شرطي في أحد شوارع العاصمة الليبية طرابلس (مديرية أمن طرابلس)
شرطي في أحد شوارع العاصمة الليبية طرابلس (مديرية أمن طرابلس)

تواصل مشهد «الشلل الليلي» في بعض أحياء العاصمة الليبية طرابلس، على وقع احتجاجات مناهضة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لليوم الثالث على التوالي.

جاء ذلك قبيل ساعات من انعقاد جلسة مجلس النواب في بنغازي، صباح الاثنين، حيث صادق على استكمال تعيينات مفوضية الانتخابات، وأقر بالإجماع رفع مرتبات قوات «الجيش الوطني»، وزيادة رواتب أسر الشهداء والجرحى.

وفي مقابل تصاعد الاحتجاجات الليلية في طرابلس، التزمت حكومة الوحدة الصمت الرسمي، فيما نشرت صفحات موالية لها على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة سابقة لرئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، كان قد أكد فيها ترحيبه بالتعبير السلمي عن الرأي، مع رفضه استهداف مؤسسات الدولة.

واستعادت طرابلس هدوءها مجدداً صباحاً بعدما أقدم محتجون، مساء الأحد، على إغلاق طرق سريعة في مناطق عدة من بينها زناتة والشط عبر إشعال الإطارات، تعبيراً عن غضبهم من تفشي الفساد، وتردي الأوضاع المعيشية، وهو ما وثقته وسائل إعلام محلية وتداوله نشطاء عبر صور ومقاطع فيديو.

رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة مستقبلاً السفير التركي لدى ليبيا (الصفحة الرسمية للمجلس)

وسبق أن امتدت رقعة الاحتجاجات إلى مدن أخرى في المنطقة الغربية كما حدث في موجات سابقة، حيث شهدت الزاوية مظاهرات أدت إلى إغلاق بوابة الصمود، إلى جانب احتجاجات في مصراتة تخللها إشعال الإطارات وانضمام كتائب محلية، فضلاً عن تحركات احتجاجية في صبراتة وتاجوراء، تنديداً بالأوضاع السياسية والاقتصادية.

ويرى مراقبون أن هذه الاحتجاجات، التي انطلقت مساء الجمعة، تعكس تصاعداً في الغضب الشعبي المتراكم، في مشهد يعيد إلى الأذهان موجات الاحتجاج بين عامي 2020 و2022، التي اجتاحت غرب البلاد بسبب أزمات متشابهة. ويحذر هؤلاء من احتمالات التصعيد ما لم تبادر الحكومة بخطوات ملموسة، مثل إجراء تعديل وزاري مرتقب، خصوصاً في ظل تراجع الإيرادات النفطية، وتفاقم الضغوط المعيشية.

أعضاء بمجلس النواب الليبي خلال جلسة في بنغازي يوم الاثنين (المكتب الإعلامي للمجلس)

وفي هذا السياق، عد المبروك أبو عميد، الرئيس السابق للمجلس الأعلى لقبائل ورشفانة (جنوب غربي طرابلس)، أن استمرار المظاهرات «يعكس سخطاً شعبياً على الفقر، والنهب، والفوضى، والانقسام، والصراع السياسي، والتدخلات الخارجية والقواعد الأجنبية، وسطوة الميليشيات، وتدهور الاقتصاد»، غير أنه رأى أنها «تفتقر إلى رؤية وقيادة واضحة قادرة على تحويل الغضب إلى مسار منظم».

وحذَّر أبو عميد في منشور عبر حسابه على موقع «فيسبوك» من أن غياب القيادة قد يحول هذه الاحتجاجات إلى «ساحة توظيف متبادل بين أطراف الصراع»، ما يفقدها مضمونها ويشوّه أهدافها، متوقعاً أن يكون تأثيرها محدوداً ومتقطعاً، مع عودة سريعة لحالة الهدوء، وأن تبقى رهينة الاختراقات الجهوية والمصلحية دون تحقيق نتائج سياسية حاسمة في المدى القريب.

على الصعيد الأمني، أعلنت السلطات الأمنية في طرابلس، ممثلة فيما يعرف بـ«الإدارة العامة للدعم المركزي»، مواصلة تنفيذ خطتها للانتشار الأمني واسع النطاق في مختلف مناطق العاصمة. وأكد بيان نقلته «وكالة الأنباء الليبية» أن هذه التحركات تأتي في إطار الحفاظ على الأمن والاستقرار، عبر تسيير دوريات ثابتة ومتحركة لضبط المخالفين وحماية الأرواح والممتلكات.

جلسة مجلس النواب الليبي في بنغازي الاثنين (المكتب الإعلامي للمجلس)

أما في شرق البلاد، فقد صوت مجلس النواب لصالح قرار استكمال تعيينات مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.

ووافق المجلس، خلال جلسة عقدها الاثنين، على مشروع قانون تعديل جدول مرتبات منتسبي القوات المسلحة الذي أحاله نائب قائد «الجيش الوطني» الفريق ركن صدام حفتر.

ودون توضيح من مجلس النواب بشأن آليات تنفيذ القرار في بلد يعاني انقساماً عسكرياً بين شرقه وغربه، فإن زيادة مرتبات العسكريين ستشمل جميع أرجاء ليبيا، متضمنة زيادة 150 في المائة لرواتب الشهداء والأسرى والمفقودين وجرحى العمليات الحربية. كما أُرجئت مناقشة الميزانية المطلوبة من مجلس المفوضية لإجراء الانتخابات إلى جلسة الثلاثاء.

وشهدت الجلسة جدلاً حول آلية التصويت قبل تحويلها إلى جلسة سرية وتأجيل مناقشة ميزانية الانتخابات إلى الثلاثاء.

وحذر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح من أن «أي محاولة لحل المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أو تعطيلها ستؤدي حتماً إلى فشل إجراء الانتخابات»، ملوحاً بردود فعل من شرق البلاد (برقة)، قد تشمل المطالبة بنقل المصرف المركزي وديوان المحاسبة، أو حتى المفوضية والمحكمة العليا، إلى الشرق أو الجنوب، وهي مطالب قال إنها «تفتح أبواب الشقاق والخلاف»، ولن يقبل بها الطرف الآخر في طرابلس.

وانتقد رئيس مجلس النواب بشدة قرار رئيس مجلس الدولة محمد تكالة حل لجنة (6 + 6) المشتركة المكلفة بإعداد القوانين الانتخابية، وتكليف لجنة بديلة، واصفاً الإجراء بأنه «باطل ومخالف للإعلان الدستوري وقرارات المجلسين»، مؤكداً ضرورة استمرار اللجنة المنتخبة في عملها حتى إجراء الانتخابات.

كما عدّ صالح أن تكالة «لم يطَّلع جيداً» على القوانين الانتخابية، خصوصاً ما يتعلق بقضية حاملي الجنسية المزدوجة، مشدداً على أن أي تعديل يجب أن يكون عبر اللجنة نفسها ثم يعرض على مجلس النواب، وإلا تبقى القوانين الحالية سارية، لا سيما بعد ترحيب بعثة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بها. وفي المقابل، ثمّن بيان كتلة التوافق في مجلس الدولة الداعمة لاستمرار اللجنة، عادّاً ذلك دليلاً على الحرص على تسريع الانتخابات والخروج من الأزمة.

وفي تصعيد غير مسبوق، دعا صالح إلى إقالة رئيس محكمة النقض عبد الله أبو رزيزة، واصفاً إياه بـ«الخصم السياسي غير المحايد»، وطالب بتعيين «قاضٍ يتسم بالنزاهة والحياد». كما شدد على أن المحكمة العليا لا تملك ولاية النظر في دستورية القوانين، داعياً إلى إنشاء محكمة إدارية مستقلة متخصصة في القضايا الإدارية أسوة بالدول المتقدمة. وأوضح أن قرار فرض الضريبة على بيع النقد الأجنبي الذي أقره المجلس انتهى بنهاية عام 2024، مؤكداً أن الضريبة المطبقة حالياً فُرضت من قبل مصرف ليبيا المركزي دون علاقة للمجلس بها.

وتعكس هذه التطورات، حسب مراقبين، استمرار حدة الخلافات السياسية بين المؤسسات التشريعية، وسط مطالب محلية ودولية كبيرة بضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية، في ظل انقسام مزمن يعرقل استقرار ليبيا منذ سنوات.


الجزائر: حديث عن «تعديل دستوري فني» يثير جدلاً وحيرةً بين السياسيين

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال اجتماع مع مجلس الوزراء الأحد (الرئاسة)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال اجتماع مع مجلس الوزراء الأحد (الرئاسة)
TT

الجزائر: حديث عن «تعديل دستوري فني» يثير جدلاً وحيرةً بين السياسيين

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال اجتماع مع مجلس الوزراء الأحد (الرئاسة)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال اجتماع مع مجلس الوزراء الأحد (الرئاسة)

فاجأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأوساط السياسية بإعلانه تأجيل دراسة «تعديل دستوري فني»، وذلك بعد ساعات قليلة من تأكيد الرئاسة أن الموضوع مطروح للدراسة والمصادقة في مجلس الوزراء؛ وسط تخمينات بأن هذا التعديل قد يمسّ القواعد المنظمة للولايات الرئاسية التي يحددها الدستور الحالي بعهدتين فقط.

وأفاد بيان لمجلس الوزراء، مساء الأحد، بأن الرئيس «أمر بتأجيل التعديل الفني للدستور من أجل الدراسة، تعزيزاً للمكسب الديمقراطي الانتخابي الذي تمثله السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات»، وهي الجهاز الإداري والفني الذي يعهد له الدستور بتنظيم العملية الانتخابية بالكامل، بينما كانت قبل انتخابات الرئاسية التي جرت في 2019 من صلاحيات وزارة الداخلية.

وكان بيان للرئاسة قد أكد قبل ذلك ببضع ساعات أن الرئيس سيبحث في اجتماعه بحكومته «مشروع قانون يتضمن تعديلاً دستورياً فنياً، ومشروعي قانونين عضويين يتعلقان بنظام الانتخابات والأحزاب السياسية، بالإضافة إلى عرض يخص تعويض تكاليف النقل في المجال الاقتصادي».

وأدخل حديث الرئاسة عن «تعديل دستوري فني» العديد من المراقبين والناشطين السياسيين في حيرة، عكستها حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي. ففي كل التغييرات التي شهدها دستور البلاد، جرى استعمال كلمة «تعديل» فقط، دون «فني».

لماذا كلمة «فني»؟

يقول خبير القانون والمحامي المعروف عبد الله هبول، الذي اشتغل قاضياً في سنوات سابقة، إن أي دستور هو وثيقة سياسية «وأي لمسة تُدخل عليه هي فعل سياسي بالضرورة وليس فنياً».

وذهبت قراءات أخرى إلى الربط بين هذا التعديل و«طموح مفترض» لتمديد العهدة الرئاسية لما بعد عام 2029، رغم خلوّ خطاب الرئيس العلني من أي إشارة بهذا المعنى.

ويستند أصحاب هذا الطرح إلى سابقة وقعت عام 2008، حين ألغى الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة القيد الدستوري على عدد الولايات عبر تصويت البرلمان، مما مهد الطريق لترشحه لولاية ثالثة في انتخابات 2009.

لكن بوتفليقة عاد وأغلق الترشح للرئاسة بولايتين في تعديل للدستور عام 2016، في خطوة أثارت استغراب قطاع واسع من الجزائريين.

ولما عدَّل الرئيس الحالي تبون الدستور في 2020، أبقى على هذا القيد، حيث تذكر المادة 88 منه: «مدة العهدة الرئاسية 5 سنوات... لا يمكن لأي شخص ممارسة أكثر من عهدتين متتاليتين أو منفصلتين، وتُعدّ العهدة كاملة في حالة انقطاعها مهما كان السبب». غير أن الدستور ينص، في موضع آخر، على أن لرئيس الجمهورية «حق المبادرة بتعديل الدستور»، حيث يعرض التعديل على الاستفتاء الشعبي بعد التصويت عليه في البرلمان.

جولة حوار الرئاسة الجزائرية مع الأحزاب في 21 مايو 2024 (الرئاسة)

وبخصوص «التعديل الدستوري الفني» المؤجل، أفاد سياسيون مؤيدون لسياسات الرئيس بأن «الأمر قد يتعلق بتغيير تواريخ إجراء الانتخابات أو بتمديد أو تقصير بعض الآجال القانونية، أو باستعادة وزارة الداخلية بعض الصلاحيات التي أخذتها سلطة تنظيم الانتخابات».

وحسبهم، قد يشمل التعديل الدستوري المتوقع إعادة توزيع بعض الصلاحيات الإجرائية، كتنظيم كيفية المصادقة على القوانين أو ضبط العلاقة الإجرائية بين غرفتي البرلمان، من دون المساس بطبيعة النظام السياسي أو جوهره.

وفي تقدير وزير سابق تحدثت معه «الشرق الأوسط» وطلب عدم نشر اسمه: «يُستعمل وصف التعديل الفني لإيصال رسالة طمأنة مفادها أنه لن يمس الثوابت الوطنية مثل اللغة والدين والعلم، ولن يطول المبادئ الديمقراطية الجوهرية، ويُقدم الهدف من هذا التعديل على أنه تحيين لبعض النصوص الدستورية لتتلاءم مع متطلبات المرحلة الجديدة أو لتسهيل سير عمل مؤسسات الدولة».

غير أن هذا التوجه لا يبدد المخاوف خصوصاً لدى قوى المعارضة؛ حيث يُخشى أن يتحول التوصيف «الفني» إلى وسيلة لمنح السلطة التنفيذية صلاحيات أوسع، مما قد يؤدي إلى إعادة رسم خريطة توازنات القوى داخل بنية النظام.

قانون الأحزاب

في شأن متصل بالحياة السياسية، صادق مجلس الوزراء في الاجتماع نفسه على مشروع قانون متعلق بالأحزاب السياسية، لافتاً في بيانه إلى أن ذلك تم «بعد الموافقة على التعديلات المقترحة التي طلبتها الأحزاب السياسية».

أعضاء الحكومة الجزائرية خلال المصادقة على قانون الأحزاب الجديد (الرئاسة)

كانت الرئاسة قد تسلمت في الأشهر الأخيرة تعديلات على مشروع الحكومة الخاص بقانون الأحزاب السياسية أعدتها قوى المعارضة و«الموالاة»، تناولت في معظمها تخفيف القيود الإدارية وتعزيز ضمانات حرية العمل الحزبي. كما شملت تقليص صلاحيات وزارة الداخلية في الترخيص لتأسيس الأحزاب، وتوضيح أحكام منع «الترحال السياسي»، أي تنقل القياديين من حزب لآخر، وتخفيف شرط حل الحزب في حال عدم المشاركة في انتخابين متتاليين.

واجتمع الرئيس بغالبية الأحزاب، العام الماضي، حيث عرض عليها بعض «قوانين الإصلاح»، وسمع من قادتها تحفظات حول «التجاوزات» في مجال الحقوق النقابية والسياسية وحرية الصحافة.

ومن أهم ما شملته التحفظات ما ينص عليه القانون حول حل الحزب السياسي في حال عدم تقديمه مترشحين في انتخابين متتاليين، في خطوة تهدف إلى حل الأحزاب غير النشطة أو الشكلية، وإلزام التشكيلات السياسية بالمشاركة الفعلية في الحياة العامة.


اعتذار علاء عبد الفتاح عن «تدويناته المُحرضة» لم يخفف الهجوم عليه

علاء مع عائلته في لندن بعد وصوله (حساب شقيقته على فيسبوك)
علاء مع عائلته في لندن بعد وصوله (حساب شقيقته على فيسبوك)
TT

اعتذار علاء عبد الفتاح عن «تدويناته المُحرضة» لم يخفف الهجوم عليه

علاء مع عائلته في لندن بعد وصوله (حساب شقيقته على فيسبوك)
علاء مع عائلته في لندن بعد وصوله (حساب شقيقته على فيسبوك)

لم يخفف اعتذار قدمه الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح عبر حساباته في مواقع التواصل بشأن «تدوينات تُحرض على العنف» كتبها سابقاً عبر حساباته، من الانتقادات التي يواجهها، وسط دعوات في القاهرة ولندن لإسقاط جنسيته.

واعتذر عبد الفتاح، الذي أفرجت عنه مصر من السجن ويقيم حالياً في بريطانيا، الاثنين، عن منشورات «صادمة ومؤذية»، نشرها على منصة تواصل اجتماعي قبل أكثر من عقد، وقالت شرطة مكافحة الإرهاب في بريطانيا إنها تعمل على تقييمها.

وكان عبد الفتاح وصل إلى بريطانيا، يوم الجمعة، بعد ‌حصوله على ‌الجنسية البريطانية في 2021 عن طريق والدته، ‌وقال ⁠رئيس ​الوزراء ‌البريطاني كير ستارمر إنه «سعيد» بهذه الأنباء. ونشرت الصحف البريطانية بعد ذلك مقالات عن منشورات كتبها عبد الفتاح بين عامي 2008 و2014 على منصة «تويتر» سابقاً («إكس» حالياً) وتؤيد فكرة اللجوء إلى العنف ضد «الصهاينة» والشرطة.

وذكر عبد الفتاح، في بيان، أن عدداً من تغريداته أسيء فهمها، ‌لكن بعضها غير مقبول. وتابع قائلاً: «بالعودة إلى تلك التغريدات الآن، تلك التي لم تحرف تماماً بعيداً عن مقصدها، أتفهم حقاً كيف كانت صادمة ومؤذية، ولهذا أعتذر عنها بكل صراحة». وأضاف: «كانت في معظمها تعبيراً عن غضب وإحباط شاب يافع في وقت أزمات بالمنطقة، الحرب على العراق ولبنان وغزة، وتصاعد وحشية الشرطة ضد الشباب المصري».

وأرسل زعيم المعارضة وعضو البرلمان البريطاني، نايجل فاراج، خطاباً لوزارة الداخلية أبرز فيه عدداً من تدوينات عبد الفتاح، مؤكداً أن منحه الجنسية البريطانية خلال فترة حبسه في مصر لم يتضمن إجراء «الحد الأدنى» من التحريات، مطالباً بسحب الجنسية منه وترحيله خارج البلاد.

وقال المتحدث باسم ستارمر إنه لم يكن يعلم بالتغريدات وهو يطالب بالإفراج عن عبد الفتاح، ووصف التعليقات بأنها «شائنة». لكنه قال أيضاً إن الحكومة لديها سجل حافل في مساعدة مواطنيها بالخارج.

وكان عبد الفتاح يقضي حكماً بالسجن لمدة 5 سنوات في مصر صدر بحقه في ‌ديسمبر (كانون الأول) 2021 بعد أن شارك منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي عن وفاة سجين.

وانتقدت تدوينات عدة في مصر موقف عبد الفتاح من الاعتذار للبريطانيين، بوقت لم يقدم فيه اعتذاراً للمصريين مع تداول تدوينات سابقة له أيضاً قيل إنها «حملت تحريضاً على قتل رجال الشرطة وعائلاتهم في مصر».

وضجّت مواقع التواصل في مصر بردود فعل غاضبة تجاه عبد الفتاح الذي أعاد نشر الاعتذار عبر حسابه على «فيسبوك» بالإنجليزية واعداً بحديث قريب باللغة العربية مع متابعيه، بينما اعتبرت تدوينات عدة أن ما حدث معه يعكس إدراكاً بريطانياً متأخراً لما حذرت منه مصر.

وتضمنت التدوينات في مصر مطالبات بسحب الجنسية منه.

ورغم حالة الغضب، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مرور فترة طويلة على التدوينات وتغير أفكار صاحبها واعتذاره عما ورد فيها أمر يجعل هناك تفهماً لموقفه الحالي»، مشيراً إلى أنها «ليست المرة الأولى التي يعاد فيها ظهور هذه التدوينات، وغالبيتها جرى تداوله في مصر من قبل».

وأضاف: «هناك أشخاص لديهم مواقف معارضة ورافضة له بشكل مستمر ولن يقبلوا أي تصريحات منه»، وأن «ما كتبه يعكس تغيراً واضحاً في أفكاره وشرحه لظروف وملابسات كتابة هذه التدوينات».

لكن مستشار رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عماد جاد، يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «بيان الاعتذار يعكس محاولة للخروج من الأزمة وليس تعبيراً عن تغير في الأفكار المتشددة التي تبناها من قبل»، مشيراً إلى أن «الاعتذار تضمن فقط ما يتعارض مع الثقافة البريطانية ولم يكن اعتذاراً عن التطرف في الآراء».

ويفسّر جاد بيان الاعتذار بأنه «من أجل احتواء الغضب بعد تصاعد الغضب البريطاني ضده بشكل واضح».

وحسب مصادر صحيفة «ذا ستاندرد» البريطانية، فإن رئيس الحكومة ووزراء حكومته لم يكونوا على علم بالمنشورات التي كتبها عبد الفتاح من قبل، لكن رئيس وحدة دراسات الإعلام والرأي العام بالمركز المصري للفكر والدراسات، محمد مرعي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «جميع ما كتبه عبد الفتاح من قبل جرى إبلاغ الجانب البريطاني به عدة مرات ومن بينها ما حدث خلال زيارة رئيس الوزراء البريطاني السابق ريتشي سوناك إلى مصر عام 2022».

وأضاف: «الاعتذار الذي أعلنه عبد الفتاح لم يتضمن اعتذاراً لضباط وجنود الشرطة المصريين، وهو أمر يعكس بوضوح كونه اعتذاراً لمحاولة الخروج من المأزق، متسائلاً عما إذا كان البريطانيون سيكونون على استعداد لتقبل ازدواجية المعايير بالاعتذار عن التحريض على العنف ضدهم وضد قيمهم وأفكارهم في مقابل قبولها تجاه مؤسسات الدولة المصرية».

ويرصد مرعي «تزايد المطالبات السياسية والشعبية بإسقاط الجنسية المصرية عن علاء عبد الفتاح على خلفية مواقفه الأخيرة»، مشيراً إلى أن «الأمر سيكون مرتبطاً بصانع القرار في مصر ويخضع لاعتبارات عدة».