بعد عقودٍ طويلة من الأخذ والرد، وبعد سنوات من النقاشات التي لم تهدأ بين الأندية ووسائل الإعلام والجماهير، يطرح إعلان نتائج مشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودية سؤالاً عريضاً: هل سيضع هذا التقرير نهاية للجدل المتزايد حول عدد البطولات ومشروعيتها، أو أن المزايدات ستستمر حتى مع وجود الأرقام الرسمية؟ وهل سينجح التوثيق في إغلاق ملف كان أشبه بوقود دائم للسجالات الإعلامية والحوارات الجماهيرية؟
التقرير الذي صدر أخيراً ليس مجرد أرقام جامدة، لكونه جاء ليعيد رسم خريطة البطولات منذ فترة الرواد وحتى اليوم، كاشفاً عن اتساع الفوارق بين الأندية الكبرى، ومؤكداً أن الهلال ظل ثابتاً في القمة بعيداً عن منافسيه، في الوقت الذي تقاربت فيه أرقام بقية الأندية خلفه.
لم يتغير المشهد كثيراً بعد إعلان نتائج مشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودية وخاصة موضوع عدد البطولات والألقاب، إذ ظل الهلال حاضراً في صدارة لائحة الترتيب بإجمالي الترتيب ومروراً بكل بطولة في الإطار المحلي الرسمي، وكذلك في إجمالي عدد الألقاب المحلية والخارجية.

وتم الإعلان مساء الأحد عن نتائج مشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودية الذي طال انتظاره وسط مباركة الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل وزير الرياضة للنتائج من خلال استقباله لفريق التوثيق، الثلاثاء، لتعيد الأرقام التي تضمنها التقرير الموسع ترتيب المشهد الكروي المحلي على نحو لم يكن اعتيادياً، فبعد أعوام من الجدل الجماهيري حول الأرقام ومشروعية الألقاب، جاء التقرير ليحسم كثيراً من الأسئلة، ويرسم بحدودٍ دقيقة خريطة البطولات الرسمية المعترف بها من تأسيس الاتحاد السعودي لكرة القدم وحتى يومنا هذا، بل وامتد أثره أيضاً لما قبل ذلك، وهي الفترة التي سميت فترة الرواد.
لم يكن من السهل تجاهل الفارق الذي يفصل الهلال عن بقية الأندية، فبفارق 31 بطولة كاملة عن أقرب ملاحقيه، تصدّر الهلال مشهد التوثيق بعدد 90 بطولة، مستنداً إلى سجل بطولي جمع بين بطولات الدوري والكأس مروراً بالألقاب الخارجية؛ قارية، وعربية، وإقليمية، وخليجية.
الهلال الذي لطالما رُفع لقبه بوصفه «زعيماً»، وجد في هذا التقرير تأكيداً رسمياً لزعامةٍ رافقتها وثائق رسمية، إذ توزعت بطولات الأزرق العاصمي بين 21 بطولة دوري و9 بطولات كأس الملك و13 بطولة كأس ولي العهد، التي توقفت في 2017، وسبع بطولات كأس الأمير فيصل بن فهد، أو ما عُرفت كذلك باسم كأس الاتحاد، وخمسة ألقاب كأس السوبر ولقب كأس المؤسس وثمانية ألقاب قارية و4 عربية وخليجيتين وأخرى إقليمية، وكذلك ثماني بطولات ذات تصنيف معيار البطولات المناطقية.

جاء في المركز الثاني فريق الاتحاد الذي امتلك 59 بطولة وهو أقرب المنافسين للهلال، إذ يمتلك 14 بطولة دوري و6 بطولات كأس الملك وثماني بطولات في كأس ولي العهد وثلاث بطولات لكأس الأمير فيصل بن فهد وبطولة كأس السوبر، وخارجياً حقق الاتحاد ثلاث بطولات قارية وعربية واحدة وأخرى خليجية وبطولتين إقليميتين، وخمس بطولات ذات المعيار المناطقي.
في المركز الثالث كان الحضور للأهلي الذي امتلك 53 بطولة وابتعد عن غريمه التقليدي الاتحاد بفارق ست بطولات، فيما اتسع الفارق بينه وبين المتصدر إلى 37 بطولة.
الأهلي يمتلك في سجلاته تسع بطولات دوري، وهو بالمناسبة يحضر في الترتيب الرابع على صعيد بطولات الدوري، في حين يمتلك في بطولة كأس الملك ثماني بطولات، وستة ألقاب في كأس ولي العهد، وثلاثة ألقاب في كأس الأمير فيصل بن فهد، ولقبين لبطولة السوبر، إضافة إلى ثلاث بطولات أخرى، فيما على الجانب الخارجي حقق الأهلي بطولة قارية واحدة وأخرى عربية وثلاث بطولات خليجية، وحقق الأهلي كذلك 13 بطولة في البطولات المناطقية.
النصر أصبح يمتلك 48 بطولة؛ منها عشرة ألقاب في الدوري السعودي وخمس بطولات في كأس الملك، وثلاثة ألقاب في بطولة كأس ولي العهد ومثلها في بطولة كأس الأمير فيصل بن فهد، وبطولتين في كأس السوبر، وثلاث بطولات أخرى، وعلى الصعيد الخارجي حقق الأصفر العاصمي بطولتين قاريتين وبطولة عربية وبطولتين خليجيتين، إضافة إلى عشرة ألقاب في معيار البطولات المناطقية.
بعيداً عن الرباعي الذي يحضر في المقدمة، والأندية التي يمتلكها صندوق الاستثمارات العامة، فإن السجل البطولي يشهد حضوراً لافتاً في المنافسة من الشباب الذي يعدّ خامس هذه الأندية في الترتيب برصيد يصل إلى 43 بطولة.
بطولات الشباب جاءت منها ستة ألقاب في الدوري السعودي وثلاث بطولات كأس الملك وثلاثة ألقاب كأس ولي العهد و4 بطولات كأس الأمير فيصل بن فهد وبطولة كأس السوبر وخمس بطولات أخرى، أما خارجياً فقد حقق الليث الشبابي بطولتين عربيتين وثلاث بطولات خليجية، وبطولة واحدة مناطقية.
الاتفاق فارس الدهناء، يمتلك في سجله البطولي 42 لقباً، ويحضر في المركز السادس، إذ حقق الاتفاق بطولتين، وكأس الملك لقبين، وكأس ولي العهد لقباً واحداً، وثلاث بطولات في كأس الأمير فيصل بن فهد، وثلاث بطولات أخرى، استمر الاتفاق في تحقيق بطولات خارجية، وهي خمسة ألقاب، منها اثنان عربيان وثلاثة خليجية، وكذلك 11 بطولة ذات التصنيف المناطقي.
أحد أهم ما كشفت عنه بيانات التوثيق، كان التفاوت في الاستثمار بفرق الفئات السنية، فبينما تصدّر الهلال المشهد العام بـ90 بطولة، واصل كذلك حضوره في صدارة الرباعي على جميع الفئات العمرية وذلك بعدد 176 بطولة شملت فئات الفريق الأول والأولمبي والشباب، والناشئين، والبراعم، والسيدات.
وجاء الأهلي في هذا التصنيف ثانياً برصيد 121 بطولة، يليه الاتحاد بعدد 105 بطولات، ثم النصر بعدد 87 بطولة.

ولم يغفل التقرير فترة ما قبل تأسيس الاتحاد السعودي عام 1956 وقبل انضمام اتحاد كرة القدم كذلك للفيفا، التي اعتُمدت بوصفها محطة تاريخية مستقلة، حيث أدرجت 12 بطولة تم توزيعها على أندية محدودة، تصدرها الاتفاق بـ5 بطولات، ثم الشباب بـ4، بينما نال الاتحاد بطولتين، وحقق نادي النهضة بطولة واحدة.
هذه الفترة التي يصفها التقرير بـ«فترة الرواد»، تسلط الضوء على بدايات اللعبة في مدن المملكة، حين كانت البطولات تُقام بنظام المناطق أو كأس الملك الفردية قبل التنظيم الرسمي.
أبرز التقرير أيضاً الدور الذي لعبته أندية الظل أو الأندية الصاعدة من الدرجات الأدنى في صناعة قصص بطولات، وإن كانت بعيدة عن الأضواء الإعلامية.
بعيداً عن عدد البطولات لكل نادٍ، فقد أظهر التقرير الموسع كذلك السجل الشرفي للدوري السعودي، إذ حضرت 8 أندية في السجل البطولي يتصدرها الهلال بـ21 لقباً، ثم الاتحاد 14 بطولة، يليه النصر بعشرة ألقاب، ثم الأهلي 9 بطولات، يليه الشباب 6 بطولات، ثم الاتفاق بطولتين، والوحدة والفتح بطولة لكل منهما.
رغم الجهد الضخم، فإن التقرير لم يُنهِ الجدل تماماً، لكن يضع الأمور في مسارها الطبيعي والمعتاد في علم التاريخ الرياضي لكون كتيب التقرير استعرض وتناول كذلك تجارب إقليمية ودولية في آلية وعملية التوثيق، وتظل بعض المناكفات حول تصنيف البطولات لا حقيقة الحصول عليها.
تقرير مشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودية جاء بمثابة لبنة أولى لإرث رياضي كبير كانت أبرز نتائجه بطولات وألقاب الأندية، لكنه حتماً يتسع لما هو أكثر وأشمل من كذلك.
