مصر تخترق «قلب أفريقيا» بجراحات علاجية دقيقة

نشاط مكثّف للبعثة الطبية في زيمبابوي

 الفريق الطبي المصري نقل خبرته للفرق المحلية في زيمبابوي (رئيس الوفد الطبي المصري)
الفريق الطبي المصري نقل خبرته للفرق المحلية في زيمبابوي (رئيس الوفد الطبي المصري)
TT

مصر تخترق «قلب أفريقيا» بجراحات علاجية دقيقة

 الفريق الطبي المصري نقل خبرته للفرق المحلية في زيمبابوي (رئيس الوفد الطبي المصري)
الفريق الطبي المصري نقل خبرته للفرق المحلية في زيمبابوي (رئيس الوفد الطبي المصري)

يجري أطباء مصريون عمليات جراحية دقيقة في أفريقيا، عبر نشاط تطوعي من خلال الفريق الطبي لنادي «روتاري مصر» و«روتاري زيمبابوي» ومشروع «هبة الحياة» الخيري، مع سعي لنقل الخبرات المصرية للأطباء الأفارقة ليتمكنوا من إجراء التدخلات الطبية الدقيقة.

وأجرى الأطباء المصريون، عبر زيارتين إلى هراري، في نوفمبر (تشرين الثاني) ويوليو (تموز) الماضي، استغرقت كل زيارة 5 أيام، 20 عملية جراحية في القلب للأطفال، الذين ولدوا بعيوب خلقية تحت سن الـ14 عاماً، فيما يخططون لرحلة جديدة لإجراء مزيد من الجراحات في غضون الأشهر المقبلة.

وجرت الجراحات في مستشفى رينيتوا العام بهراري، الذي يعد المستشفى الحكومي الأكبر والأقدم في زيمبابوي، بحسب البيانات الرسمية، فيما استبق الوفد الطبي الزيارات العملية بزيارة استكشافية قصيرة للمستشفى لمتابعة الجاهزية الطبية لإجراء الجراحات الدقيقة.

وهذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها فريق طبي مصري بإجراء هذه الجراحات في أفريقيا، فسبق أن جرى تنفيذ زيارات مشابهة إلى كينيا وأوغندا خلال السنوات الماضية.

وقال رئيس الوفد الطبي المصري، أستاذ جراحة قلب الأطفال بكلية طب قصر العيني، هشام شوقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن الجراحات التي يقومون بإجرائها بالمجان تساهم في إنقاذ حياة الأطفال، في ظل عدم وجود كوادر محلية تقوم بإجرائها، وارتفاع تكلفة إجراءها بالخارج، بما يتراوح من 15 إلى 25 ألف دولار للحالة الواحدة، خاصة مع اتجاه المرضى إلى جنوب أفريقيا أو الهند لإجراء هذه العمليات.

الفريق الطبي المصري قام بزيارتين إلى زيمبابوي (رئيس الوفد الطبي المصري)

وأضاف شوقي أن جميع الحالات التي تمت مناظرتها منذ الصيف الماضي، وعددها 23 حالة، خضعت للعمليات، من بينهم 20 حالة أجراها الفريق المصري عبر زيارتين، و3 حالات أخرى سيتم التكفل بسفرهم لإجراء العمليات خارج زيمبابوي، مشيراً إلى أنهم يقومون بإجراء جراحتين يومياً في كل يوم.

فيما قال رئيس قسم جراحة القلب والصدر في مستشفى باريرنياتوا بالعاصمة هراري، سيم ماتشاويرا، لـ«الشرق الأوسط»، إن جميع العمليات التي أجريت تكللت بالنجاح، وتعافى جميع المرضى وغادروا المستشفى، مشيراً إلى أن الزيارتين وإجراء العمليات أمر ساعد في نقل المعرفة والمهارات للفريق المحلي، ما سيمكّنه مستقبلاً من إجراء مثل هذه العمليات بشكل مستقل.

وعن آلية اختيار الحالات وصعوبة هذه النوعية من العمليات، أوضح ماتشاويرا أن «المرضى يخضعون أولاً لتقييم من طبيب القلب، ثم تُناقش حالتهم مع الفريق الطبي بشكل جماعي للوصول إلى قرار بالإجماع»، لافتاً إلى أن العمليات تُصنَّف وفق درجة التعقيد، حيث يبدأ الفريق بالحالات الأبسط، ثم ينتقل تدريجياً إلى الأكثر تعقيداً.

البعثة الطبية المصرية أجرت جراحات دقيقة للأطفال (رئيس الوفد الطبي المصري)

وعدّ هشام شوقي نقل الخبرات المصرية للفرق الطبية في القارة الأفريقية «الهدف الأهم من زيارتهم لكي يتمكن الأطباء مستقبلاً من إجراء هذه الجراحات من دون انتظار لزيارات أخرى»، مشيراً إلى أن هذا الأمر نجح في كينيا بعدما قام الأطباء المصريون بزيارات على فترات متباعدة، وتمكن بعدها الأطباء في كينيا من إجراء كافة الجراحات تقريباً.

وبحسب شوقي، فإن الفريق المصري الذي يجري الجراحات في زيمبابوي يتكون ما بين 10 إلى 12 شخصاً، موزعين بين أطباء الجراحة والرعاية المركزة ومساعد الطبيب، ويقوم كل فرد بتدريب فردين خلال إجراء الجراحات المختلفة، معرباً عن امتنانه لردود الفعل الإيجابية التي لمسها في هراري، مع تسليط الضوء على دور البعثة الطبية المصرية إعلامياً، وإبراز جهودها، وذلك عبر نشرة الأخبار الرئيسية على التلفزيون الرسمي.

ومن بين الحالات التي يتذكرها رئيس الفريق المصري، طفل صغير تحدثت والدته عن عدم قدرتها على إجراء الجراحة من قبل، وقرارها أن تتركه يواجه مصيره في الحياة مع مشكلة القلب التي ستهدد حياته بسبب ظروفها المعيشية الصعبة، وتذكر لحظات السعادة على وجه الأم بعد خروج نجلها من غرفة العمليات معافى من العيب الخلقي الذي ولد به، ومن دون دفع أي مقابل مادي.


مقالات ذات صلة

سبعة قتلى بانفجار في مسجد شمال شرقي نيجيريا

أفريقيا انفجار يهز مسجداً أثناء صلاة في مايدوجوري (إ.ب.أ)

سبعة قتلى بانفجار في مسجد شمال شرقي نيجيريا

قُتل 7 مصلّين، الأربعاء، بانفجار داخل مسجد في مدينة مايدوغوري، شمال شرقي نيجيريا، حسب ما أفاد قائد في ميليشيا محلية مناهضة للجهاديين لوكالة الصحافة الفرنسية.

«الشرق الأوسط» (مايدوجوري (نيجيريا))
أفريقيا مجلس الأمن (أ.ف.ب)

مجلس الأمن يمدد تفويض بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال حتى 2026

اعتمد مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، قراراً يمدد تفويض القوة التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال حتى عام 2026.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أفريقيا وزير الإعلام النيجيري محمد إدريس (رويترز)

نيجيريا تعلن حل الخلاف الدبلوماسي مع واشنطن

أعلنت الحكومة النيجيرية أن الخلاف الدبلوماسي مع الولايات المتحدة الذي هدد فيه دونالد ترمب بالتدخل العسكري قد تم حلّه إلى حد كبير.

«الشرق الأوسط» (أبوجا)
شمال افريقيا جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)

تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جدد مجلس الأمن الدولي ولاية «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر (كانون الأول) 2026.

محمد محمود (القاهرة)
أفريقيا الرئيس الانتقالي في غينيا بيساو الجنرال هورتا نتام خلال مؤتمر صحافي في بيساو (رويترز) play-circle

الرئيس الانتقالي لغينيا بيساو: نفذنا انقلاباً «لتفادي إراقة الدماء»

قال العسكريون الذين استولوا على الحكم قبل شهر في غينيا بيساو إنهم نفذوا انقلابهم «لتفادي إراقة الدماء»، فيما كانت البلاد تنتظر نتائج الانتخابات.

«الشرق الأوسط» (بيساو)

تركيا تعِد ليبيا بتقرير كامل حول لغز سقوط «طائرة الحداد»

المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

تركيا تعِد ليبيا بتقرير كامل حول لغز سقوط «طائرة الحداد»

المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)

نقلت السلطات التركية إلى سلطات غرب ليبيا، الخميس، تأكيدها أنها ستقدم «تقريراً كاملاً» حول لغز الطائرة المنكوبة التي كانت تقلّ رئيس الأركان العامة الفريق أول محمد الحداد، ورئيس أركان القوات البرية الفريق ركن الفيتوري غريبيل، وثلاثة من مرافقيهم، والتي سقطت بعد إقلاعها بقليل من تركيا، وتناثر حطامها في الأنحاء.

واستقبل محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، في مكتبه بالعاصمة طرابلس، الخميس، السفير التركي لدى ليبيا، غوفين بيجيتش، ووفداً مرافقاً له؛ وذلك لتقديم تعازي القيادة التركية إلى المنفي والشعب الليبي في الحادث الأليم الذي أودى بالفريق أول محمد الحداد ومرافقيهم.

ونقل مكتب المنفي أن السفير التركي أعرب عن «بالغ الأسى والتأثر لهذا الحدث المؤلم»، مؤكداً «مواصلة السلطات التركية التحقيقات في ملف الحادث، وتقديم تقرير كامل حولها بعد اكتمال التحقيقات الجارية».

الوفد التركي خلال زيارته للمنفي (المجلس الرئاسي الليبي)

وقال مصدر مقرب من المجلس الرئاسي لـ«الشرق الأوسط» إن جهات التحقيق الليبية والتركية تعمل معاً لكشف ملابسات سقوط الطائرة، وما يكتنف ذلك من غموض، لكنه أشار إلى أن «تأخر صدور نتائج عينات الحمض النووي ومطابقتها مع ذوي الضحايا تسبب في تأجيل تأبين الضحايا، الذي كان مقرراً ظهر الخميس في أنقرة»، لافتاً إلى أن أسرة الحداد غادرت تركيا، بعد انتهاء إجراءات عينات الحمض النووي، وهو ما أكدته وسائل إعلام محلية.

وأسفر الحادث أيضاً عن وفاة مدير جهاز التصنيع العسكري، العميد محمود القطيوي، إضافة إلى مستشار رئيس الأركان محمد العصاوي، والمصور بمكتب إعلام رئيس الأركان العامة محمد عمر أحمد محجوب.

وانضم وفد ليبي، الخميس، إلى جهات التحقيق العاملة في تركيا لفك لغز سقوط الطائرة، وقالت حكومة «الوحدة» إن وزير المواصلات دفع بوفد للمشاركة ومتابعة مستجدات التحقيق في الحادثة، وجمع البيانات والمعلومات الدقيقة، المتعلقة بخلفيات وملابسات الحادث. ونص القرار على أن يقدم الوفد تقريراً مفصلاً عن نتائج المهمة «بشكل عاجل فور العودة من انتهاء المهمة».

وقالت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة إن اللجنة الليبية المشكّلة، والتي وصلت تركيا بعد الحادث بساعات، تباشر مهامها في التحقيق بالتعاون الكامل مع السلطات المختصة في جمهورية تركيا، وتبادل جميع المعلومات ذات الصلة بالحادث، مشيرة إلى أن فريق اللجنة يواصل العمل على استكمال الإجراءات اللازمة لنقل جثامين الشهداء إلى أرض الوطن، واتخاذ التدابير الفنية لأخذ عينات الحمض النووي (DNA) من الجثامين، ومقارنتها بعينات ذوي الشهداء وفق المعايير المعتمدة. ولفتت إلى أن مهام اللجنة تشمل كذلك مواصلة أعمال البحث والتحري عن حطام الطائرة، وذلك في إطار استكمال مجريات التحقيق والكشف عن ملابسات الحادث.

بدوره، قدم مجلس النواب التعزية في وفاة الحداد والفيتوري غريبيل ومرافقيهما، الذين توفوا في حادثة تحطم الطائرة.


سقوط طائرة الحداد يعمّق «نظرية المؤامرة» في الشارع الليبي

مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
TT

سقوط طائرة الحداد يعمّق «نظرية المؤامرة» في الشارع الليبي

مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)

بينما تُسابق جهات التحقيق الزمن في تركيا لفك لغز الحادث، الذي أدى لسقوط الطائرة، التي كانت تقل الفريق محمد الحداد، رئيس أركان قوات غرب ليبيا ومرافقيه خلال رحلة العودة من أنقرة إلى طرابلس؛ أحيا هذا الحادث هاجس ونظريات «المؤامرة» في بلد يخنقه التشظي، وضاعف التساؤلات الحارقة التي لا يبدو أنها ستنتهي قريباً.

فتح الجراح القديمة

نكأ الحادث - الذي ترك آثاره على جُلّ الليبيين - جراحاً ظن البعض أنها قد اندملت، تتعلق بعمليات «الاغتيالات الغامضة» التي تشهدها ليبيا منذ الانفلات الأمني، الذي واكب إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. وذهب البعض إلى ربط بعضها برفض «وجود قوات أجنبية في ليبيا».

أجزاء من حطام الطائرة المنكوبة التي كانت تقل الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

ومع توجه البعض لطرح سيناريوهات مُتخيّلة لإسقاط الطائرة، عبّر محمد عمر بعيو، رئيس المؤسسة الليبية للإعلام التابعة للحكومة المكلفة من مجلس النواب، عن «فزعه» من المسارعة إلى تحليل الحادث الأليم أخذاً بنظرية المؤامرة، وقال إن هذا التسرّع «لا تفسير له؛ حيث ذهب البعض - ومنهم غير ليبيين - إلى عدّ الحادث جريمة اغتيال مدبرة، في ظل توزيع اتهام بإسقاط الطائرة وفق نظرية (فتش عن المستفيد) بين أطراف دولية ومحلية عديدة».

ودعا بعيو إلى «انتظار نتائج التحقيقات الرسمية في الحادث، وما ستعلنه تركيا رسمياً، وتفريغ محتويات (الصندوق الأسود لتظهر الحقيقة التي لن يكون في مقدور أحد إخفاؤها أو التهرب منها».

ولكثرة ما شهدته ليبيا من فواجع، بدا للبعض أن ليبيا بيئة بات يغيب عنها اليقين، وتتحكم فيها «الصفقات السرية»، إذ يتحول أي حدث ضخم إلى «مؤامرة مدبرة»، تفرضها أطراف خارجية أو خصوم في الداخل، ما يجعل الحقيقة الفنية أو الواقعية آخر ما يلتفت إليه الجمهور.

أحد أعضاء الفريق الليبي المكلف بالمساعدة في التحقيق (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

ويتداول ليبيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لـ«الرتب العسكرية» للفريقين الحداد، والفيتوري غريبيل رئيس أركان القوات البرية، التي عثرت عليها جهات التحقيق في موقع سقوط طائرة «داسو فالكون 50» الخاصة، بعد انطلاقها من أنقرة إلى طرابلس، ما أسفر عن مقتل الحداد، وغريبيل، وثلاثة آخرين.

«أرض الغموض»

لم تتمكن جهات التحقيق في ليبيا من فك الغموض، أو التوصّل إلى الحقيقة بشأن جرائم قتل واغتيالات عديدة ارتكبت خلال الـ14 عاماً الماضية في عموم البلاد، الأمر الذي دفع أكرم النجار، رئيس تحرير منصة «علاش» الليبية، إلى وصف بلده بأنه «أرض الغموض».

وقال النجار في تصريح صحافي: «هناك العديد من القصص التي طواها الكتمان والنسيان لأناس قضوا لأنهم كانوا ليبيين أكثر من اللازم؛ بعدما آمنوا بأن هناك أملاً لهذه الأرض وشعبها أن يعيشا حرين مستقلين».

ويرى النجار أن «ما كان يمكن إخفاؤه سابقاً لم يعد ممكناً اليوم في ظل انفتاح العالم؛ وقد تكون أشلاء الفريق الحداد ورفاقه بداية للكشف الذي يحتاج إليه هذا الشعب ليرى حجم مأساته، لعلّه يستيقظ من سباته، ويفهم أنه يفقد كل شيء ببطء وهدوء».

أجزاء من حطام الطائرة المنكوبة التي كانت تقل الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

وكلّف صلاح النمروش، رئيس أركان قوات غرب ليبيا، الفريق محمد موسى، آمر المنطقة العسكرية الوسطى، رئيساً لأركان القوات البرية خلفاً للراحل غريبيل. وكان محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، قد كلف النمروش برئاسة الأركان مؤقتاً خلفاً للحداد.

وقال عبد الحكيم معتوق، الكاتب الصحافي الليبي: «لا أومن بنظرية المؤامرة»، لكنه تساءل في المقابل: «كيف لقيادة عسكرية أن تُحرق في سماء دول أجنبية؟ وما علاقة الحادث باغتيال رئيس الاستخبارات العسكرية الروسية في هجوم على ناقلة النفط قبالة السواحل الليبية؟»، مشيراً في هذا السياق إلى قرار البرلمان التركي تمديد وجود القوات التركية في قاعدة الوطية الجوية، وبقاء «المرتزقة» في قاعدة سيدي بلال البحرية. كما لفت إلى أن الحادث وقع في وقت «لاح فيه قبس للخروج من نفق مظلم بتفعيل المؤسسة العسكرية، من خلال المضي في تشكيل حكومة واحدة تشرف على الاستفتاء على الدستور، وإقامة انتخابات برلمانية ورئاسية».

ويعتقد المعتوق أن حادث الطائرة المنكوبة «هو آخر نداء لليبيين يقول لهم إنكم تجاوزتم مرحلة الخطر، وإذا لم تنهضوا وتتكاتفوا وتلملموا جراحكم، وتنسوا أطماعكم وأحقادكم وتصفية حساباتكم، فسوف يكون حتماً المسمار الأخير في نعش الأمة الليبية».

فرق البحث عن حطام الطائرة المنكوبة (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

من جهته، تحدث عيسى عبد القيوم، الكاتب الصحافي الليبي، عن اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، رئيس أركان الجيش الليبي السابق، الذي رفض تدخل «الناتو» في ليبيا عام 2011، وقال متسائلاً: «هل يحق لنا وضع فرضية أن مقتل الفريق محمد الحداد ورفاقه جاء أيضاً ضمن سياق رفضه الصريح لوجود الأجنبي؛ أو أنه القضاء والقدر؟».


الجزائر: تساؤلات تلف «ملف الذاكرة» مع فرنسا بعد اعتماد قانون تجريم الاستعمار

تصفيق في البرلمان الجزائري عقب التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)
تصفيق في البرلمان الجزائري عقب التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)
TT

الجزائر: تساؤلات تلف «ملف الذاكرة» مع فرنسا بعد اعتماد قانون تجريم الاستعمار

تصفيق في البرلمان الجزائري عقب التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)
تصفيق في البرلمان الجزائري عقب التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)

بينما أعلن الطيف السياسي في الجزائر دعمه القويّ لتصديق البرلمان، الأربعاء، على «قانون تجريم الاستعمار»، صرّح مسؤول بارز في مجال ما يعرف بـ«الذاكرة»، بأن هذه الخطوة تشكّل رداً على تشريع فرنسي صدر قبل 20 سنة، كان يتضمن إشادة بالاحتلال وبالجزائريين، الذين تعاونوا معه خلال ثورة التحرير (1954 - 1962).

أمين عام التجمع الوطني في أثناء التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)

وأظهر حزب «التجمع الوطني الديمقراطي»، الموالي للسلطة، في بيان، الخميس، «ارتياحاً عميقاً لتصويت المجلس الشعبي الوطني بالإجماع على مشروع قانون تجريم الاستعمار»، مبرزاً أنه «خطوة تاريخية تعكس وفاء الشعب الجزائري لشهدائه وصون ذاكرته الوطنية».

ورأى الحزب أن القانون الجديد «ليس فعل عداء، بل انتصار للعدالة والشرعية الدولية، وتجسيد لإرادة شعبٍ لطالما طالب باعتراف صريح بالجرائم الاستعمارية وجبر الضرر»، مؤكداً أن «المستهدف ليس الشعب الفرنسي، بل الدولة الاستعمارية السابقة ومسؤولياتها التاريخية».

من جهته، ذكر حزب «حركة مجتمع السلم» الإسلامي المعارض، في بيان، أن «قانون تجريم الاستعمار الفرنسي خطوة لحماية السيادة الوطنية والذاكرة الجماعية، وإنصاف لضحايا الاستعمار».

مشيراً إلى أنه «موقف مبدئي قائم على العدالة والإنصاف التاريخي». ودعا الحزب إلى «استكمال المسار عبر المتابعة القانونية والدبلوماسية، وتعزيز التوثيق الأكاديمي والإعلامي للذاكرة الوطنية، مع الالتزام بحماية السيادة وصون ثوابت الأمة».

من جانبه، أشاد حزب «جبهة المستقبل» من الغالبية الرئاسية، بأن القانون يشكّل «محطة فارقة تعكس أن الجزائر، دولةً ومؤسسات، لا تنسى تاريخها، ولا تساوم على كرامة شعبها»، مؤكداً دعمه «لكل مبادرة تشريعية تحمي التاريخ، وتعزز السيادة، وتقوّي المؤسسة البرلمانية في معركة الوعي المرتبط بالذاكرة».

تشريع فرنسي أثار سخط الجزائر

في سياق ردود الأفعال على القانون، صرَح محمد الحسن زغيدي، رئيس «لجنة الذاكرة المشتركة» مع فرنسا، عن الجانب الجزائري، بعد انتهاء تصويت النواب: «نقول لمن مجدوا الاستعمار في برلمانهم عام 2005، جاء اليوم أبناء نوفمبر (شهر اندلاع الثورة في عام 1954) ليقولوا لهم: أنتم على هامش التاريخ... نحن رمز المقاومة».

رئيس لجنة الذاكرة (وسط) بعد التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)

وعاد زغيدي بتصريحاته إلى 23 فبراير (شباط) 2005، حين أصدر البرلمان الفرنسي قانوناً تضمن إشادة بـ«أفضال الفرنسيين المرحَّلين من الجزائر على الأمة الفرنسية»، بعد الاستقلال عام 1962، وبـ«الحركى»، وهم الجزائريون الذين تعاونوا مع الاستعمار، حيث تضمنت مادته الرابعة إشارةً إلى «الدور الإيجابي للوجود الفرنسي في شمال أفريقيا»، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في فرنسا والجزائر، وعُدَّ «تمجيداً للاستعمار، ومحاولة لفرض قراءة سياسية للتاريخ».

وتحت ضغط المعارضة الفرنسية واحتجاج الجزائر في أثناء حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ألغى الرئيس جاك شيراك في 2006 هذه الفقرة المثيرة للجدل، لكنّ أثر القانون على العلاقات الجزائرية-الفرنسية، واستمرار الجدل حول ملفات الذاكرة التاريخية، بقي قائماً. وفي سياق هذا التشريع، تم إطلاق فكرة سن قانون جزائري يجرَم الاستعمار الفرنسي.

أعضاء لجنة الذاكرة خلال اجتماع لهم مع الرئيس تبون نهاية 2022 (الرئاسة الجزائرية)

ويشغل زغيدي منصب مستشار غير رسمي للرئيس عبد المجيد تبون في قضايا التاريخ، بما يشمل ما يُعرف بـ«الذاكرة والاستعمار». كما يرأس الفريق الجزائري، المكوَّن من ستة أعضاء في اللجنة الثنائية الجزائرية-الفرنسية، التي يقود الفريق الفرنسي فيها المؤرخ الشهير بنجامان ستورا، وهو مستشار الرئيس إيمانويل ماكرون بشأن ما تُعرف بـ«تسوية القضايا العالقة المتصلة بالذاكرة مع الجزائر».

ونقل الموقع الإخباري «كل شيء عن الجزائر»، الخميس، عن ستورا موقفه من القانون، حيث أكد معارضته ما سماه «إخضاع التاريخ للمسار القضائي»، عاداً المطالب الجزائرية المتعلقة بـ«الاعتراف بالإرث الاستعمار» مطالب «مشروعة».

المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا (من حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

كما أوضح المؤرخ، الذي وُلد في قسنطينة بشرق الجزائر، أنه «من الصعب في الوقت الراهن أن أبدي رأياً رغم أنني كنت دائماً متحفظاً إزاء الزج بالتاريخ في مسار قضائي، بما في ذلك القوانين الفرنسية المتعلقة بالذاكرة، لكنّ مطالب الاعتراف بالإرث الاستعماري مشروعة، كما كتبتُ في تقريري قبل خمس سنوات». في إشارة إلى تقرير رفعه إلى الرئيس إيمانويل ماكرون عام 2020، قدم فيه تحليلاً وتوصيات حول «مصالحة الذاكرتين» المرتبطتين بالاستعمار وحرب الجزائر (1954 - 1962)، تضمّن نحو ثلاثين توصية لمعالجة الخلافات التاريخية بين البلدين.

غموض حول مصير «لجنة الذاكرة»

بخصوص تأثير اعتماد هذا القانون على «ملف الاشتغال على الذاكرة» بين البلدين، أظهر ستورا حذراً، بقوله: «بصراحة تامة، لا أعرف ما الذي سيحدث لاحقاً. لقد انتقلنا من العمل على مخلفات الاستعمار إلى تطبيق إجراءات تشريعية، وهذا ليس من اختصاصي». وفهم مراقبون كلام المؤرخ على أن التشريع الذي صدر الأربعاء، قد يقوض جهود «مصالحة الذاكرتين»، الذي خطا فيه الرئيس الفرنسي خطوات مهمة، حسب باحثين في التاريخ، فيما يخص إدانة الاستعمار، وذلك منذ زيارته الأولى إلى الجزائر عام 2017 مرشحاً لانتخابات الرئاسة.

وتم إطلاق «اللجنة المشتركة للذاكرة» إثر زيارة ماكرون إلى الجزائر في أغسطس (آب) 2022، وعهد إليها رئيسا البلدين بمعالجة ملفات الحقبة الاستعمارية الشائكة، وفي مقدمتها المجازر الشعبية، وحركة المقاومة ضد الاستعمار خلال القرن الـ19، وملف المفقودين خلال فترة حرب التحرير، بالإضافة إلى قضايا استرجاع أرشيف الثورة، ومعالجة آثار التجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر التي أُجريت في الستينات.

الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك (صحافة فرنسية)

ويصف قانون تجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830 - 1962)، الاحتلال بأنه «جريمة دولة»، ويطالب فرنسا بتقديم اعتذار رسمي. ويحمِّل القانون الدولة الفرنسية المسؤولية القانونية عن المآسي التي سبّبها الاستعمار، ويعدّد الجرائم غير القابلة للتقادم، مثل الإعدام خارج نطاق القانون، والتعذيب، والاغتصاب، والتجارب النووية، ونهب ثروات الجزائر، مؤكّداً أن التعويض الشامل عن الأضرار المادية والمعنوية «حق ثابت للدولة والشعب الجزائري».

كما ينص على إلزام الجزائر بالسعي للاعتراف والاعتذار الرسمي من فرنسا، وتنظيف مواقع التجارب النووية، وتسليم خرائط التجارب والألغام المزروعة، بعد أن أجرت فرنسا أكثر من 15 تجربة نووية بين 1960 و1966 في الصحراء الجزائرية. كما يطالب أيضاً بإعادة الأموال والأرشيف المنهوب، ويقرّ عقوبات بالسجن والحرمان من الحقوق لكل من يروج للاستعمار، أو ينفي كونه جريمة، ويعد الجزائريين، الذين تعاونوا مع الاستعمار الفرنسي، مرتكبين لـ«جريمة الخيانة العظمى».

Your Premium trial has ended