ضحك وغضب وشتائم... عندما يكشف الميكروفون المفتوح ما تخفيه السياسة والدبلوماسية

شارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يسار) والرئيس الأميركي دونالد ترمب (يمين) في اجتماع مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين في القاعة الشرقية بالبيت الأبيض (أ.ف.ب)
شارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يسار) والرئيس الأميركي دونالد ترمب (يمين) في اجتماع مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين في القاعة الشرقية بالبيت الأبيض (أ.ف.ب)
TT

ضحك وغضب وشتائم... عندما يكشف الميكروفون المفتوح ما تخفيه السياسة والدبلوماسية

شارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يسار) والرئيس الأميركي دونالد ترمب (يمين) في اجتماع مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين في القاعة الشرقية بالبيت الأبيض (أ.ف.ب)
شارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يسار) والرئيس الأميركي دونالد ترمب (يمين) في اجتماع مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين في القاعة الشرقية بالبيت الأبيض (أ.ف.ب)

يُعدّ مكبر الصوت (الميكروفون)، وهو امتداد لتقنية تعود إلى 150 عاماً، أداةً لطالما اخترقت أكثر العروض السياسية رسميةً وتنسيقاً.

ويوم الإثنين، أضاف الميكروفون فصلاً جديداً إلى تاريخه الطويل عندما التقط أكثر من دقيقتين من دردشة جانبية غير رسمية جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترمب وثمانية من القادة الأوروبيين خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض بشأن جهود إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا.

وجاء التصريح الأبرز من ترمب نفسه، مخاطباً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حتى قبل أن يجلس أحد: «أعتقد أنه يريد أن يعقد صفقة لأجلي، هل تفهم؟ رغم أن هذا يبدو جنونياً» — وذلك في إشارة إلى لقائه السابق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا.

ووفقاً لتقرير أعدته «أسوشييتد برس»، فإنه عندما يتحدث السياسيون ظنّاً أن لا أحد يستمع، تتجلى الكثير من جوانب شخصياتهم، من إنسانيتهم إلى حسهم الفكاهي وأحياناً وجههم الحقيقي، سواء للأفضل أو للأسوأ.

وفي عصر كاميرات المراقبة و«كاميرات القبلات» وحضور وسائل التواصل الاجتماعي في كل مكان، أصبح من الواضح للجميع أنه لا خصوصية حقيقية في الأماكن العامة.

وفي هذا الإطار، قال بيل ماكغوان، مؤسس ومدير شركة «كلاريتي ميديا غروب» في نيويورك: «كلما سمعت عن لحظة ميكروفون مفتوح، يكون أول رد فعل لي: هذا ما يفكرون به حقاً. لم يخضع لتصفية فريق الاتصال».

وأضاف: «لهذا السبب يحب الناس هذه اللحظات، لا شيء أكثر أصالة من الكلمات التي تُقال أمام ميكروفون مفتوح».

الميكروفونات أو الكاميرات دائماً تعمل...

الميكروفونات المفتوحة، وغالباً ما تكون مصحوبة بلقطات مصورة، أحرجت قادة حاليين وطامحين قبل وقت طويل من ظهور وسائل التواصل.

في عام 1984، وأثناء اختبار صوتي قبل خطابه الإذاعي الأسبوعي، قال الرئيس الأميركي رونالد ريغان، مازحاً من دون أن يدرك أن التسجيل جارٍ: «يا أبناء أميركا، يسعدني أن أخبركم أنني وقَّعت قانوناً سيحظر روسيا إلى الأبد. سنبدأ القصف خلال خمس دقائق».

الاتحاد السوفياتي لم يجد الأمر مضحكاً، وأدان التصريح بالنظر إلى خطورة الموضوع.

حتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم ينجُ من الميكروفون المفتوح. في عام 2006، تم اقتباسه في الإعلام الروسي وهو يطلق نكتة بشأن رئيس إسرائيل، الذي اتُهم لاحقاً وأُدين بالاغتصاب.

وقال الكرملين إن بوتين لم يكن يمزح بشأن الاغتصاب، وإن المعنى فُهِمَ خطأ بسبب الترجمة.

أحياناً، لا تتضمن لقطة الميكروفون أي كلمات على الإطلاق. فخلال مناظرته مع جورج بوش الابن عام 2000، أطلق المرشح آل غور تنهدات مسموعة بنبرة انزعاج، ليتم السخرية منه على نطاق واسع.

وفي مناسبات أخرى، كانت الكلمات النابية التي نطق بها على مسامع الجميع حاضرة.

وتم تسجيل الرئيس جورج بوش يقول عن أحد صحافيي «نيويورك تايمز» إنه «وغد من الدرجة الأولى».

وفي عام 2010، قال نائب الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن، في لحظة تم التقاطها بوضوح عبر ميكروفون، خلال توقيع قانون الرعاية الصحية: «هذه صفقة كبيرة جداً، بحق الجحيم!».

جو بايدن يهمس «هذه صفقة كبيرة جداً. بحق الجحيم» لباراك أوباما بعد تقديمه خلال حفل قانون الرعاية الصحية في الغرفة الشرقية من البيت الأبيض (أ.ب)

كما التُقطت للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في كوريا الجنوبية عبارة قالها للرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف: «سأكون أكثر مرونة بعد الانتخابات»، في إشارة إلى قضايا حساسة، خاصة ملف الدفاع الصاروخي.

والمرشح الجمهوري السابق ميت رومني وصف الأمر بأنه «خضوع للكرملين»، وقال: «أحياناً تكون اللحظات غير المراقبة هي الكاشف الأكبر على الإطلاق»، وأطلق على الحادثة مصطلح: «دبلوماسية الميكروفون المفتوح».

الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الروسي دميتري ميدفيديف يتحدثان خلال اجتماع ثنائي في قمة الأمن النووي في سيول 26 مارس 2012 (أ.ب)

الميكروفونات لا تستثني أحداً... حتى في أكثر الأوساط تهذيباً

انتشرت الشتائم والقيل والقال بكثرة على الميكروفونات المفتوحة، حتى في أكثر الأوساط تهذيباً.

في عام 2022، التُقطت لرئيسة وزراء نيوزيلندا آنذاك، جاسيندا أرديرن، والمعروفة بهدوئها ومهاراتها الجدلية، عبارة عبر ميكروفون مفتوح وصفت فيها سياسياً معارضاً بأنه «متعجرف» خلال جلسة أسئلة في البرلمان.

وفي عام 2005، سُمع الرئيس الفرنسي جاك شيراك ينتقد الطعام البريطاني أثناء زيارته إلى روسيا، وقال لبوتين والمستشار الألماني غيرهارد شرودر إن «أسوأ طعام لا يُمكن العثور عليه إلا في فنلندا»، بحسب تقارير متداولة على نطاق واسع.

أما ملك بريطانيا، تشارلز الثالث، فقد واجه لحظة الميكروفون مفتوحاً بروح الدعابة.

ففي عام 2022، بعد تتويجه بفترة وجيزة، فقد أعصابه بسبب تسرب قلم أثناء توقيعه على وثيقة في بث مباشر على الهواء. وقال متذمراً: «يا إلهي، أكره هذا!» وتابع متمتماً: «لا أطيق هذا الشيء اللعين... في كل مرة بغيضة أستخدمه!».

وفي العام التالي، علّق الملك في خطاب على هذه اللحظات قائلاً إن قدرة البريطانيين على السخرية من أنفسهم معروفة، وأضاف: «حسناً، قد تقولون، بالنظر إلى بعض التقلبات التي واجهتها مع أقلام الحبر التي فشلت بشكل مُحبط في العام الماضي».

الملك تشارلز الثالث يوقّع يميناً بالحفاظ على أمن الكنيسة في اسكوتلندا خلال مجلس التنصيب في قصر سانت جيمس (أ.ب)

ترمب... صاحب اللحظة الأشهر للميكروفون المفتوح

الرئيس الأميركي دونالد ترمب معروف بصراحته المفرطة أمام الجمهور، وغالباً ما يستخدم الألفاظ النابية؛ وهو ما يجعله محبوباً لدى بعض مؤيديه.

لكن حتى هو لم يستطع احتواء التداعيات التي سببتها تعليقاته المسجلة قبل أن يصبح مرشحاً رئاسياً، والتي هددت حملته الانتخابية في الأسابيع الأخيرة من انتخابات 2016.

في تسجيلات حصلت عليها صحيفة «واشنطن بوست» من «إن بي سي نيوز»، وتعود لبرنامج «أكسس هوليوود»، سُمع ترمب وهو يتفاخر بتقبيل النساء ولمسهن ومحاولة إقامة علاقات معهن من دون موافقتهن، قائلاً: «عندما تكون نجماً، يسمحون لك بذلك.» وكان ذلك في حديث مع مقدم البرنامج آنذاك، بيلي بوش.

ومع تخلي بعض داعميه الرئيسيين عنه، قدّم ترمب اعتذاراً قال فيه: «أعتذر إذا شعر أحد بالإساءة»، ورفضت حملته هذه التصريحات بأنها «ثرثرة غرف تغيير الملابس».

البيت الأبيض... ومشهد دبلوماسي غير رسمي

ويوم الاثنين، أظهر الحديث بين طرفي المؤتمر الصحافي في الغرفة الشرقية للبيت الأبيض للمراقبين لمحة عن اللعبة الدبلوماسية.

فبعد طرده من البيت الأبيض في مارس (آذار)، عاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ليجلس إلى الطاولة مع ترمب وسبعة من القادة الأوروبيين: إيمانويل ماكرون، الأمين العام لحلف «ناتو» مارك روته، رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، رئيس فنلندا ألكسندر ستوب، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، المستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.

خلال اللقاء، قال ترمب إن ميرتس يتمتع بـ«سمرة جميلة»، وأشاد بستوب بوصفه «لاعب غولف جيداً».

وعندما دخل الصحافيون الغرفة، سأل ترمب مازحاً: «هل يريد أحدكم طرح أسئلة على الصحافة؟» — بينما كان المراسلون يهرولون إلى الداخل.

ابتسم القادة الأوروبيون وهم يستمعون إلى الضجيج والحركة.

سأل ستوب ترمب: «هل تمر بهذا كل يوم؟»، فرد ترمب: «طوال الوقت».

أما ميلوني، فقالت إنها لا تحب الحديث إلى الصحافة الإيطالية، لكنها لاحظت أن ترمب «يعشق ذلك»، وأضافت: «إنه يحبها، يحبها حقاً، أليس كذلك؟».


مقالات ذات صلة

خفر السواحل الأميركي يفتقر لقوات لاحتجاز ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا

الولايات المتحدة​ خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا (أ.ف.ب)

خفر السواحل الأميركي يفتقر لقوات لاحتجاز ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا

قال مسؤول أميركي ومصدر مطلع لـ«رويترز» إن خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا يطاردها ​منذ يوم الأحد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون (أ.ف.ب)

تنديد أوروبي بفرض واشنطن حظر تأشيرات على شخصيات أوروبية

أدانت المفوضية الأوروبية ومسؤولون في الاتحاد الأربعاء بشدة العقوبات الأميركية المفروضة على خمس شخصيات أوروبية ذات صلة بتنظيم قطاع التكنولوجيا

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
الولايات المتحدة​ ناقلة النفط «إيفانا» راسية عند ميناء في فنزويلا يوم 21 ديسمبر (أ.ب)

أميركا تكثف حشودها في الكاريبي... وروسيا والصين تتضامنان مع فنزويلا

نقلت القوات الأميركية المزيد من طائرات النقل والشحن إلى منطقة الكاريبي، مضيقة الخناق عسكرياً ونفطياً على حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية إيرانيون يمرون بجانب لوحة دعائية مناهِضة لإسرائيل تحمل عبارة: «نحن مستعدون. هل أنتم مستعدون؟» معلقة في ساحة فلسطين وسط طهران (إ.ب.أ)

إيران تربط التعاون النووي بإدانة قصف منشآتها

رهنت طهران أي تعاون جديد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا سيما ما يتعلق بإعادة تفتيش المنشآت النووية التي تعرضت للقصف، بإدانة واضحة وصريحة من الوكالة.

«الشرق الأوسط» (لندن - نيويورك - طهران)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

ديمقراطيون يدعون ترمب للتراجع عن استدعاء عشرات السفراء من الخارج

دعا أعضاء ديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأميركي الرئيس الجمهوري دونالد ترمب الأربعاء إلى التراجع عن قرار استدعاء ما يقرب من 30 سفيراً

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

خفر السواحل الأميركي يفتقر لقوات لاحتجاز ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا

خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا (أ.ف.ب)
خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا (أ.ف.ب)
TT

خفر السواحل الأميركي يفتقر لقوات لاحتجاز ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا

خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا (أ.ف.ب)
خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا (أ.ف.ب)

قال مسؤول أميركي ومصدر مطلع لـ«رويترز» إن خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا يطاردها ​منذ يوم الأحد بغية احتجازها.

ورفضت السفينة، التي حددتها مجموعات بحرية باسم «بيلا 1»، أن يصعد عليها خفر السواحل. وهذا يعني أن المهمة ستقع على الأرجح على عاتق أحد فريقين فقط من المتخصصين، ويُعرفون باسم «فرق الاستجابة الأمنية البحرية»، التي يمكنها الصعود على متن السفن في ظل هذه الظروف، عبر وسائل منها الهبوط بالحبال من الطائرات ‌الهليكوبتر.

وتسلط هذه ‌المطاردة المستمرة منذ أيام الضوء ‌على ⁠عدم ​التطابق بين رغبة ‌إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الاستيلاء على ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات قرب فنزويلا والموارد المحدودة للوكالة التي تنفذ هذه العمليات بالأساس، وهي خفر السواحل.

وعلى عكس البحرية الأميركية، يمكن لخفر السواحل تنفيذ إجراءات إنفاذ قانون، ومنها الصعود على متن السفن الخاضعة للعقوبات الأميركية واحتجازها.

وكان ترمب أمر هذا الشهر بفرض «حصار» ⁠على جميع ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات التي تدخل فنزويلا وتخرج منها، وذلك ‌في أحدث خطوة تتخذها واشنطن لزيادة الضغط ‍على الرئيس الفنزويلي نيكولاس ‍مادورو.

واحتجز خفر السواحل في الأسابيع القليلة الماضية ناقلتي ‍نفط قرب فنزويلا.

وبعد عملية الاستيلاء الأولى في 10 ديسمبر (كانون الأول)، نشرت وزيرة العدل الأميركية بام بوندي مقطعاً مصوراً مدته 45 ثانية تظهر فيه طائرتان هليكوبتر تقتربان من سفينة وأفراد مسلحون يرتدون ملابس ​مموهة يهبطون بحبال عليها.

وأظهر منشور لوزارة الأمن الداخلي، التي تشرف على خفر السواحل، يوم السبت على ⁠وسائل التواصل الاجتماعي ما بدا أنهم ضباط خفر سواحل على متن حاملة الطائرات «جيرالد فورد» وهم يستعدون للمغادرة والاستيلاء على ناقلة النفط «سنشريز»، وهي ثاني السفن التي اعتلتها الولايات المتحدة.

وقال مسؤول أميركي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن مسؤولي خفر السواحل على متن «جيرالد فورد» ضمن فريق الاستجابة الأمنية البحرية وإنهم بعيدون جداً عن «بيلا 1» لاعتلائها.

ولم ترد وزارة الأمن الداخلي بعد على طلب للتعليق، ولم يتسن لـ«رويترز» تحديد الأسباب التي أدت إلى عدم احتجاز خفر السواحل السفينة ‌حتى الآن، إن وجدت من الأساس.

وقد تختار الإدارة الأميركية في النهاية عدم اعتلاء السفينة واحتجازها.


أميركا تكثف حشودها في الكاريبي... وروسيا والصين تتضامنان مع فنزويلا

مقاتلات وطائرات نقل عسكرية أميركية على مدرج «قاعدة روزفلت رودز البحرية» السابقة في بورتوريكو، يوم 23 ديسمبر (رويترز)
مقاتلات وطائرات نقل عسكرية أميركية على مدرج «قاعدة روزفلت رودز البحرية» السابقة في بورتوريكو، يوم 23 ديسمبر (رويترز)
TT

أميركا تكثف حشودها في الكاريبي... وروسيا والصين تتضامنان مع فنزويلا

مقاتلات وطائرات نقل عسكرية أميركية على مدرج «قاعدة روزفلت رودز البحرية» السابقة في بورتوريكو، يوم 23 ديسمبر (رويترز)
مقاتلات وطائرات نقل عسكرية أميركية على مدرج «قاعدة روزفلت رودز البحرية» السابقة في بورتوريكو، يوم 23 ديسمبر (رويترز)

أضافت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب المزيد من طائرات النقل والشحن إلى حشودها الضخمة في منطقة الكاريبي، مُضيّقة الخناق عسكرياً على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي تواجه حكومته شحاً في الموارد بسبب الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة ضد ناقلات النفط الخام، في خطوات اعتبرتها روسيا والصين متعارضة مع القوانين الدولية.

ووفقاً لبيانات تتبّع الرحلات الجوية، نفّذت طائرات شحن ثقيلة من طراز «سي 17» التي تُستخدم لنقل القوات والمعدات العسكرية، ما لا يقل عن 16 رحلة جوية إلى بورتوريكو خلال الأسبوع الماضي من قواعد عسكرية أميركية في ولايات نيو مكسيكو وإيلينوي وفيرمونت وفلوريدا وأريزونا ويوتاه وواشنطن، بالإضافة إلى اليابان، علماً أن العدد الفعلي للرحلات يمكن أن يكون أعلى من ذلك، لأن بعض الرحلات العسكرية لا يظهر على مواقع تتبع الرحلات. ولم يتضح عدد القوات أو المعدات الأخرى التي نُقلت على هذه الرحلات. وامتنع مسؤولو وزارة الحرب (البنتاغون) عن التعليق.

ناقلة النفط «إيفانا» راسية عند ميناء في فنزويلا يوم 21 ديسمبر (أ.ب)

وأعلنت القيادة الوسطى الأميركية أن نحو 15 ألف جندي منتشرين بالفعل في منطقة الكاريبي، في واحدة من أكبر عمليات الانتشار البحري للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. ووصف الرئيس ترمب هذا الانتشار بأنه «أسطول ضخم»، معلناً أنه يخطط لعملية برية في فنزويلا «قريباً». ونشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن الولايات المتحدة نقلت أخيراً طائرات عمليات خاصة إلى المنطقة.

وكان الرئيس ترمب وقّع سراً، في أغسطس (آب) الماضي، توجيهاً إلى «البنتاغون» لبدء استخدام القوة العسكرية ضد بعض عصابات المخدرات في أميركا اللاتينية التي صنّفتها إدارته منظمات إرهابية. ومنذ ذلك الحين، قُتل أكثر من 105 أشخاص في سلسلة من نحو 25 غارة.

اضطراب قطاع النفط

وأدّت الحملة الأميركية الشرسة ضد ناقلات النفط الخام الفنزويلية إلى اضطراب شديد في قطاع النفط في البلاد، ما أدّى إلى ازدحام مواني فنزويلا بناقلات النفط، حيث يخشى المسؤولون من إرسالها في المياه الدولية خشية تعرضها للمصادرة من الولايات المتحدة على غرار ناقلتين احتجزتا خلال الأيام القليلة الماضية بسبب انتهاكات للعقوبات الأميركية. وتُظهر بيانات الشحن أن ناقلات متجهة إلى فنزويلا عادت أدراجها في منتصف الطريق. كما أفاد أصحاب السفن بإلغاء عقود تحميل النفط الخام.

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو خلال أحد النشاطات في كركاس (رويترز)

وأدّت هذه الإجراءات إلى شلّ قطاع تصدير النفط الفنزويلي، وفقاً لمصادر محلية وبيانات الشحن. وبسبب هذا الوضع، أقرّ البرلمان الفنزويلي قانوناً يُجرّم طيفاً واسعاً من النشاطات التي تُعيق الملاحة والتجارة في البلاد، مثل احتجاز ناقلات النفط. وأفادت مصادر أن مادورو يدرس أيضاً رداً أكثر حزماً. وبدأت زوارق حربية فنزويلية بمرافقة السفن التي تحمل النفط الفنزويلي ومشتقاته، لكن يبدو أن هذه المرافقة تتوقف عند حدود المياه الإقليمية للبلاد. وتدرس الحكومة الفنزويلية اتخاذ إجراءات إضافية، كوضع جنود مسلحين على متن ناقلات النفط المتجهة إلى الصين، المستورد الرئيسي للنفط الفنزويلي. ومن شأن هذه الخطوة أن تُعقّد جهود خفر السواحل الأميركي في اعتراضها، ويمكن أن تُورّط مادورو في نزاع عسكري ضد أسطول من سفن البحرية الأميركية الحربية التي حشدها الرئيس ترمب في المنطقة.

مجلس الأمن

وفي اجتماع طارئ لمجلس الأمن، عُقد الثلاثاء، أكّد المندوب الأميركي الدائم لدى الأمم المتحدة مايك والتز أن ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات «تُعدّ شريان الحياة الاقتصادي الرئيسي لمادورو ونظامه غير الشرعي». وقال إن «قدرة مادورو على بيع النفط الفنزويلي تُمكّنه من ادعائه الزائف بالسلطة وأنشطته الإرهابية المرتبطة بتجارة المخدرات»، مضيفاً: «ستفرض الولايات المتحدة عقوبات وتُنفّذها إلى أقصى حد لحرمان مادورو من الموارد التي يستخدمها لتمويل كارتل لوس سوليس»، أي «كارتيل الشمس»، الذي صنفته إدارة ترمب منظمة إرهابية أجنبية الشهر الماضي.

جانب من اجتماع مجلس الأمن حول فنزويلا في نيويورك يوم 23 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووجّهت السلطات الأميركية تُهماً إلى مادورو عام 2020 تتعلق بالإرهاب المرتبط بالمخدرات في الولايات المتحدة، واتُهم بقيادة «كارتيل لوس سوليس»، وهو صفة يستخدمها الفنزويليون منذ التسعينات من القرن الماضي للإشارة إلى ضباط كبار جمعوا ثروات طائلة من تهريب المخدرات.

ومع تفاقم الفساد على مستوى البلاد، اتّسع نطاق استخدام المصطلح ليشمل مسؤولي الشرطة والحكومة، فضلاً عن نشاطات مثل التعدين غير القانوني وتهريب الوقود.

وفي اجتماع الثلاثاء لمجلس الأمن، اتهم المندوب الفنزويلي صامويل مونكادا الولايات المتحدة بالتصرف «خارج نطاق القانون الدولي» وقوانينها المحلية، من خلال مطالبتها الفنزويليين بمغادرة البلاد وتسليمها لإدارة ترمب، بما في ذلك جميع حقولها النفطية. وفي إشارةٍ إلى الناقلتين المصادرتين، تساءل: «ما هو الحق الذي تملكه حكومة الولايات المتحدة للاستيلاء، حتى الآن، على ما يقرب من 4 ملايين برميل من النفط الفنزويلي؟». وقال إن «هذا الحصار البحري المزعوم هو في جوهره عمل عسكري يهدف إلى محاصرة فنزويلا، وإضعاف بنيتها الاقتصادية والعسكرية، وتقويض تماسكها الاجتماعي والسياسي، وإثارة فوضى داخلية لتسهيل عدوان قوى خارجية».

وعبّرت دول عديدة عن قلقها من انتهاكات القانون البحري الدولي والتزام ميثاق الأمم المتحدة، الذي يلزم كل الدول الـ193 الأعضاء احترام سيادة وسلامة أراضي الدول الأخرى. وقال المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إن «الأعمال التي قامت بها الولايات المتحدة تتعارض مع كل المعايير الأساسية للقانون الدولي»، واصفاً الحصار بأنه «عمل عدواني صارخ». وكذلك، قال المندوب الصيني سون لي إن بلاده «تعارض كل أعمال الترهيب، وتدعم كل الدول في الدفاع عن سيادتها وكرامتها الوطنية». وردّ المندوب الأميركي بأن «الولايات المتحدة ستفعل كل ما في وسعها لحماية منطقتنا، وحدودنا، والشعب الأميركي».


كيف تُقارن السفن الحربية الجديدة لترمب بنظيراتها الصينية والروسية؟

ترمب مغادراً بعد الإعلان عن مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية الاثنين (أ.ف.ب)
ترمب مغادراً بعد الإعلان عن مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية الاثنين (أ.ف.ب)
TT

كيف تُقارن السفن الحربية الجديدة لترمب بنظيراتها الصينية والروسية؟

ترمب مغادراً بعد الإعلان عن مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية الاثنين (أ.ف.ب)
ترمب مغادراً بعد الإعلان عن مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية الاثنين (أ.ف.ب)

أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب فتح نقاش قديم - جديد داخل الأوساط العسكرية والاستراتيجية، بعد كشفه عن مشروع فئة جديدة من السفن الحربية أطلق عليها اسم بارجة «فئة ترمب»، واصفاً إياها بأنها «أقوى بمائة مرة من أي بارجة بُنيت في التاريخ»، وقادرة على مواجهة «أي خصم وفي أي بحر».

ويأتي هذا الإعلان في وقت لم تستخدم فيه الولايات المتحدة البارجات التقليدية منذ إخراج سفن فئة «آيوا» من الخدمة مطلع تسعينات القرن الماضي، غير أن ترمب، الذي أبدى مراراً إعجابه بالسفن الحربية الضخمة، كان قد دعا علناً إلى إحياء هذا النوع من القطع البحرية، مؤكداً أنه سيتدخل شخصياً في تصميمها، بعدما انتقد سابقاً مظهر بعض السفن الأميركية الحديثة واصفاً إياها بأنها «غير جذابة».

ووفق ما أعلنته الإدارة الأميركية، سيبلغ عدد أفراد طاقم كل بارجة نحو 850 عنصراً، لتكون هذه السفن العمود الفقري لما يسميه ترمب «الأسطول الذهبي»، وهو مشروع طموح يشمل أيضاً سفناً قتالية صغيرة مستوحاة من زوارق خفر السواحل الأميركية من فئة «Legend». وتخطط البحرية الأميركية لشراء ما يصل إلى 25 سفينة من هذه الفئة، على أن تحمل الأولى اسم «USS Defiant».

ومن المتوقع أن يبدأ بناء السفينة الرئيسية في أوائل ثلاثينات القرن الحالي، لتتحول لاحقاً إلى السفينة القائدة «Flagship» للبحرية الأميركية، وسط تقديرات تشير إلى أن تكلفة الواحدة منها ستبلغ عدة مليارات من الدولارات.

مقارنة مع الصين وروسيا

وخلال الإعلان عن التصميم، قال وزير البحرية الأميركي، جون فيلان، إن بارجة «فئة ترمب» ستكون الأكبر والأكثر فتكاً وتعدداً في المهام، بل والأجمل شكلاً، بين جميع السفن الحربية في العالم. وفقاً لمجلة «نيوزويك».

عرض تصوّري للسفينة «يو إس إس ديفاينت» المقترحة من «فئة ترمب» خلال إعلان الرئيس الأميركي مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية (رويترز)

ويُنظر تقليدياً إلى الأسطول السطحي الروسي على أنه أقل قوة مقارنة بأسطوله من الغواصات، التي تتمتع بقدرات عالية على التخفي وتنفيذ ضربات بعيدة المدى. أما الصين، فتمتلك اليوم أكبر بحرية في العالم من حيث عدد السفن، مدعومة باستثمارات ضخمة في بناء السفن، في مقابل معاناة البرامج الأميركية من تأخيرات وتجاوزات متكررة في التكاليف.

ويرى محللون أن التصميم الأولي لبارجة «فئة ترمب» يحمل أوجه شبه مع الطرادات السوفياتية النووية الثقيلة من فئة «كيروف»، وكذلك مع المدمرة الصينية الحديثة من طراز «Type 055». غير أن فريدريك ميرتنز، المحلل الاستراتيجي في مركز الأبحاث الهولندي «TNO»، يرى أن «هذه السفن صُممت أساساً للرد على التفوق الأميركي في حاملات الطائرات»، معتبراً أن البارجة الجديدة «تتفوق على أهداف تمتلك البحرية الأميركية بالفعل وسائل أكثر كفاءة للتعامل معها عبر القوة الجوية والغواصات».

حاملات الطائرات والأسلحة الفرط صوتية

وتشغّل الولايات المتحدة حالياً 11 حاملة طائرات، من بينها «جيرالد آر. فورد»، الأكبر في العالم، في حين احتفلت الصين مؤخراً بإطلاق حاملة الطائرات «فوجيان»، الأكثر تطوراً ضمن أسطولها المؤلف من ثلاث حاملات، والمزوّدة بمقاليع كهرومغناطيسية لإطلاق الطائرات.

وحسب البحرية الأميركية، ستتمتع بارجات «فئة ترمب» بقدرة على ضرب أهداف على مسافات تصل إلى 80 ضعف مدى السفن الحالية، باستخدام أنظمة إطلاق صواريخ عمودية متقدمة، قادرة على تنفيذ ضربات فرط صوتية بعيدة المدى ضد أهداف استراتيجية برية.

وتُعد الأسلحة الفرط صوتية، التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بخمس مرات على الأقل، مجال تفوق حالي لكل من روسيا والصين، في حين لا تزال الولايات المتحدة تسعى إلى امتلاك قدرات تشغيلية كاملة في هذا المجال. وقد استخدمت موسكو هذه الصواريخ بشكل متكرر خلال حربها في أوكرانيا منذ بدايتها عام 2022.

الحجم والتكلفة... وأسئلة مفتوحة

وتشير التقديرات إلى أن طول السفينة الجديدة قد يصل إلى 880 قدماً، مع قدرة على إطلاق صواريخ كروز يمكن تزويدها برؤوس نووية، إضافة إلى أسلحة ليزر عالية الطاقة ومدافع متقدمة، رغم أن عدداً من هذه التقنيات لا يزال في طور التطوير.

وستفوق بارجات «فئة ترمب» أكثر من ضعف حجم مدمرات «زوموالت»، الأكبر حالياً في الأسطول الأميركي، لتقترب من أبعاد بوارج «آيوا» التي خرجت من الخدمة قبل ثلاثة عقود.

غير أن مستقبل المشروع لا يزال محفوفاً بالتساؤلات، في ظل غموض مسارات التمويل، واشتداد المنافسة على الموارد داخل البحرية الأميركية، فضلاً عن المخاوف من تأثيره على برامج تسليح أخرى، من بينها برنامج المقاتلة المستقبلية «F/A-XX»، ما يفتح الباب أمام جدل واسع حول جدوى المشروع وتوقيته في خضم سباق التسلح البحري المتسارع.