«شارك تانك» في لبنان... مغامرة الأمل والعبور إلى الفرص

شراكة بيار الضاهر ومازن لحام دفعٌ للاقتصاد ورسالة للشباب أن يبقوا

البرنامج العالمي يصل إلى بيروت ليمنح الشباب فرصاً جديدة (إل بي سي آي)
البرنامج العالمي يصل إلى بيروت ليمنح الشباب فرصاً جديدة (إل بي سي آي)
TT

«شارك تانك» في لبنان... مغامرة الأمل والعبور إلى الفرص

البرنامج العالمي يصل إلى بيروت ليمنح الشباب فرصاً جديدة (إل بي سي آي)
البرنامج العالمي يصل إلى بيروت ليمنح الشباب فرصاً جديدة (إل بي سي آي)

اتصل رئيس مجلس إدارة محطة «إل بي سي آي» بيار الضاهر بالمدير العام لشركة «دِفِرنت برودكشنز» مازن لحام، مستفسراً عن إمكان نقل البرنامج العالمي «شارك تانك» إلى لبنان. المفاجأة كانت في سرعة تجاوب لحام، الذي سبق أن خاض تجربة إنتاج 3 مواسم من البرنامج في دبي. المُنتج الذي غادر وطنه ليستقر في الإمارات منذ سنوات، ظلَّ يحتفظ بخيط يربطه ببيروت؛ إذ أبقى لشركته مكتباً عاملاً فيها في مجالات التصوير والمونتاج والمحتوى الإبداعي. وعندما أخبره الضاهر بأنّه يريد «خلق الأمل» في بلد أُنهك اقتصاده وتضاءلت فرص أبنائه حتى اضطرّ كثيرون منهم إلى الهجرة، شعر لحام أنه معنيّ بهذه المهمّة. وسرعان ما اشترت شركته حقوق الإنتاج للبنان من «سوني» العالمية، لينطلق العمل على عجل.

لجنة من كبار المستثمرين المحليين والمغتربين تستعد لتقييم المشاريع الريادية (إل بي سي آي)

البرنامج الذي يُعرض في أكثر من 55 بلداً حقّق نجاحات لافتة، وها هو يطلّ من لبنان قريباً، ليمنح الشاشة زخماً افتقدته في ظلّ الأزمات المتتالية التي استنزفت القطاع الإعلامي منذ عام 2019. كانت حال البرامج أشبه بمرآة لخيبات اللبنانيين وفقدانهم الأمل، غير أنّ عودة «شارك تانك» عبر «إل بي سي آي» توحي بأنّ شيئاً جديداً يلوح، وأنّ شعاعاً من الضوء قد يشقّ العتمة. ولعلّها مغامرة في بلد لا يُعرَف ما الذي يُخبئه الغد، غير أنّ لحام يُجيب عن هذا القلق قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «هي مغامرة، لكنها مدروسة وناجحة. وإن كانت تتطلّب قلباً شجاعاً، فأنا وبيار الضاهر نمتلك الشجاعة. نريد للبنانيين الذين صمدوا وبقوا هنا أن يشعروا أنّ الفرص لا تزال ممكنة. جميعنا يعلم أنّ الشباب يهاجر حين تنطفئ في داخله شعلة الأمل. البرنامج يقول لهم إنّ هذه الأرض تستحق ثقتكم مجدداً».

في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، تنطلق النسخة اللبنانية من هذا البرنامج الواقعي الشهير الذي يُشكّل منصّة لدعم المشاريع الريادية، ويتيح لأصحاب الأفكار المبدعة وروّاد الأعمال عرض مشاريعهم أمام لجنة من أبرز المستثمرين اللبنانيين في الداخل والاغتراب، سعياً إلى فرص تمويل حقيقية تُحوّل الطموحات إلى إنجازات ملموسة. خطوة تأتي في وقت حرج تُقيّد فيه الأزمات الاقتصادية أحلام الشباب، فيما يُذكّر إنتاج البرنامج بأنّ الاستثمار في الأفكار والمبادرات هو استثمار في مستقبل البلد وطاقاته البشرية، وبأنّ لبنان، رغم المحن، لا يزال أرض الفرص والطموح.

مازن لحام غادر لبنان لكنّه يحتفظ به في أعماقه (حسابه الشخصي)

لجنة المستثمرين تضم أسماء وازنة في مجالات متعدّدة: مارون شمّاس، رجل الأعمال صاحب الخبرة الواسعة في الطاقة والاتصالات والأغذية والتكنولوجيا، وجورج كرم، المستثمر اللبناني البارز في الاغتراب عضو لجنة المستثمرين في النسخة الكندية الفرنكوفونية للبرنامج، وكريستين أسود، المديرة التنفيذية لسلسلة «دانكن» و«سمسم» في لبنان التي تملك أكثر من 27 عاماً من الخبرة في قطاع الأغذية وتعمل على تمكين روّاد الأعمال وتدريبهم، وحسان عزّ الدين، المستثمر صاحب كبرى سلاسل المتاجر في لبنان إلى جانب شركات متخصّصة في التوزيع والمطاعم، وآلان بجّاني، الرئيس التنفيذي السابق لشركة «ماجد الفطيم»، الذي غيَّر مفهوم المجمعات التجارية والتسوّق والترفيه في المنطقة، ويُعدّ من أبرز وجوه الساحة الاقتصادية الإقليمية.

ويتولّى جوي الضاهر، نجل رئيس مجلس الإدارة، متابعة ملف البرنامج والإشراف على تفاصيله. فالمحطة تُقدّم الاستوديو والفريق التقني، فيما تتولّى شركة «دِفِرنت برودكشنز» ما يضمن اكتمال الإنتاج وحُسن نوعيته.

«دِفِرنت برودكشنز» لم تتردّد لجعل الفكرة تتحقَّق (لوغو الشركة)

شراكة تسير بخطى متناسقة، مثل يدَيْن تُصفّقان معاً على إيقاع واحد. ويُشدّد لحام على أنّ البرنامج ليس حكراً على رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبرى أو الناشئة، فهو أيضاً ترفيهي قائم على تلفزيون الواقع. من شروطه أنّ أعضاء اللجنة لا يعرفون شيئاً عن المُشترك إلا حين يقف أمامهم، فيما يتحقّق فريق الإنتاج من أنّ المشروع حقيقي وأرقامه دقيقة. ويضيف: «البرنامج يهمّ ربّة منزل تفكّر في تطوير فرن صغير مثلاً. كما يهمّ سائق سيارة أجرة قد يحلم بفتح مكتب للنقليات. يهمّ المستثمر الكبير كما يهمّ أي شخص من الجمهور، فالجميع يمكنهم أن يتعلّموا منه».

ولمزيد من الدلالة على تأثيره، يكشف لحام عن أنّ «شارك تانك» دخل المناهج الدراسية في الولايات المتحدة ومؤخراً في دبي، مؤكداً أنّ النسخة العربية التي أنتجها هناك تحظى بمتابعة كبيرة على «يوتيوب» ومواقع التواصل. أما في لبنان فالبرنامج لا يقتصر هدفه على الترفيه، فهو يسعى أيضاً إلى تحريك العجلة الاقتصادية. بجانب بثّ الأمل ومنح الشباب سبباً للبقاء، يفتح أمامهم أبواباً نحو الخليج وكندا وغيرهما من خلال علاقات أعضاء اللجنة الخارجية، انطلاقاً من إيمان بيار الضاهر ومازن لحام بأنّ الاقتصاد بلا شركات ناشئة عاجز عن النهوض، وبأنّ الوطن بلا شبابه لن يكون أبداً في أحسن أحواله.


مقالات ذات صلة

«إميلي» تعثَّرت في روما فمدَّت لها باريس حبل الإنقاذ

يوميات الشرق إميلي تتنقّل بين روما وباريس في الموسم الخامس من المسلسل (نتفليكس)

«إميلي» تعثَّرت في روما فمدَّت لها باريس حبل الإنقاذ

في الموسم الخامس من مسلسل «Emily in Paris»، الأزياء المزركشة والإعلانات التجارية تحتلُّ المساحة الكبرى.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق من التسوّق مروراً بالطهو وصولاً إلى التذوّق يغطّي البرنامج مراحل إعداد الطبق (شركة الإنتاج)

«طعم السعودية»... مطبخ وسياحة وثقافة في برنامج واحد

من الكبيبة، والرقش، والصياديّة، مروراً بالمليحية والمرقوق، وليس انتهاءً بالجريش والكليجة... برنامج يعرّف العالم على مطبخ السعودية وأبرز مناطقها.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق الممثلان معتصم النهار وأندريا طايع، بطلا مسلسل «مش مهم الإسم» (شركة الصبّاح)

«مش مهم الاسم»... مُخرجة المسلسل تتحدّث عن الكواليس والممثلين

مخرجة «مش مهم الاسم» ليال م. راجحة تشاركنا تفاصيل التحضير للمسلسل والتعاون مع الثنائي معتصم النهار وأندريا طايع.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق «مستر بين» بحلّة جديدة... لقاء الكوميديا الخفيفة بالمعاني الإنسانية العميقة

«مستر بين» بحلّة جديدة... لقاء الكوميديا الخفيفة بالمعاني الإنسانية العميقة

عودة ميلاديّة للممثل روان أتكينسون، وشريكُه في البطولة رضيعٌ ساعده الذكاء الاصطناعي في التمثيل.

كريستين حبيب (بيروت)
«ذا فويس 6» والمدرّبون ناصيف زيتون وأحمد سعد ورحمة رياض (إنستغرام)

مدرّبو «ذا فويس»: الموسم السادس يحمل مواهب استثنائية

كانت لـ«الشرق الأوسط» لقاءات مع المدرّبين الثلاثة خلال تسجيل إحدى حلقات الموسم السادس، فأبدوا رأيهم في التجربة التي يخوضونها...

فيفيان حداد (بيروت)

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
TT

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى؛ إذ يعرف الطفل «نور» (يقوم بدوره الطفل آسر) أن «حبيبة» (ريهام عبد الغفور) هي خالته، ويتعامل معها على هذا الأساس، فالطفل المتفوق في المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر، يخطط لمفاجأة والدته في رأس السنة بزيارتها في باريس مع تحضير مفاجأة لها، لتكون العطلة بمثابة بداية لأيام مختلفة في حياته.

نشاهد الفيلم من منظور الطفل «نور» على مدار الأحداث، بداية من المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر والتي تقع بالقرب من منزل «حبيبة» وصديقتها التي تقيم معها، وكلتاهما من أصحاب «متلازمة داون»، مروراً بتواصله مع «سارة» (هنادي مهنا) باعتبارها والدته التي لم تأتِ لزيارته ولقائه من باريس منذ عامين، في حين يقتصر التواصل بينهما على الاتصالات الهاتفية.

يعتمد الفيلم بالكامل على رؤية العالم من خلال «نور»، فنحن نراه ونفهمه كما يراه هو، ونشهد تحوّلاته النفسية من دون تدخل تفسيري مباشر للقاءات التي يخوضها في الطريق مع غرباء، وتبدّل الأمكنة، والضغط المتواصل الناتج عن السفر، والظروف الاضطرارية التي تعوق ترتيب رحلته وإكمالها بالطريقة التي يريدها، مع إعادة ترتيب الأنشطة والأماكن التي يوجد فيها قبل الوصول إلى والدته.

في الأحداث التي تستمر على مدار أكثر من 90 دقيقة نتابع رحلة «نور» التي تشمل توقفات بعدد من المدن الأوروبية قبل الوصول لوجهته النهائية في باريس؛ توقفات لرغبته في تنفيذ مفاجأة استثنائية لوالدته وهدية لذكرى والده الراحل.

ريهام عبد الغفور مع عدد من الحضور في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

الفيلم الذي شارك في بطولته إلى جوار ريهام وآسر كل من هنادي مهنا، وأسماء أبو اليزيد، وعدد من الممثلين الأجانب، كتبه يوسف وجدي، ويخرجه رامي الجندي في أولى تجاربه الإخراجية، في حين صُوّر بين 6 مدن أوروبية مختلفة على مدار أكثر من عام.

وقال المخرج رامي الجندي لـ«الشرق الأوسط» إن نقطة الانطلاق في «خريطة رأس السنة» كانت تحديد زاوية الرؤية للأحداث، وإن القرار الأهم تمثّل في أن يُروى الفيلم بالكامل من داخل وعي الطفل «نور»، فالمتفرج لا يُفترض به أن يرى الشخصيات من الخارج، بل يختبر العالم بذات الدرجة من البراءة والارتباك والأسئلة غير المكتملة التي يعيشها البطل، وهو ما فرض إيقاعاً هادئاً ولغة بصرية تميل إلى المراقبة أكثر من الشرح، وفق تعبيره.

وأوضح الجندي أن «العلاقة بين (نور) و(حبيبة) لا تقوم على المفاجأة أو الاكتشاف، بل على المعرفة المسبقة، وهو ما منح الفيلم مساحة أعمق للاشتغال على الاختبار الإنساني، لا الصدمة الدرامية»، مشيراً إلى أن هذا الاختيار أتاح له التركيز على التفاصيل الصغيرة في العلاقة، وعلى التحوّلات التدريجية في فهم الطفل لمعنى المسؤولية، بدلاً من اللجوء إلى حلول سردية مباشرة.

ولفت المخرج إلى أن «اختيار التصوير في أجواء (الكريسماس) بأوروبا كان تحدياً كبيراً؛ إذ يُعد هذا التوقيت الأصعب من حيث الإجازات والتحكم في المواقع وحركة المدن»، على حد تعبيره، وقال إنه قام بتقسيم التصوير إلى ثلاث مراحل، عبر ست دول أوروبية مختلفة، معتبراً أن السيطرة على هذا الكم من التفاصيل لم تكن سهلة، لكنها كانت حاسمة للحفاظ على الإحساس الحقيقي بالطريق.

وأضاف الجندي أن «العمل مع ممثلين أجانب جرى بالكامل عبر الإنترنت، من خلال شركات متخصصة، وهو ما تطلّب تحضيرات طويلة قبل التصوير».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

وأكد مؤلف الفيلم يوسف وجدي لـ«الشرق الأوسط» أن العمل لا يتعامل مع «متلازمة داون» بوصفها موضوعاً مستقلاً، بل كجزء من نسيج إنساني أوسع، موضحاً أن «التحدي الحقيقي كان في تجنّب الخطاب المباشر أو التفسير الأخلاقي الجاهز، خصوصاً أن ما شغله منذ البداية مرتبط بطبيعة الاختلاف بين كل حالة، والتفاوت الموجود لدى كل شخص، وكيف يمكن أن يستفيد منه ليعيش حياته بشكل أفضل».

وأضاف وجدي أن «فكرة العمل استُلهمت جزئياً من قضايا حقيقية أُثيرت في فرنسا، تتعلق بالأهلية الأسرية، وبالنظرة القانونية والاجتماعية إلى مفهوم المسؤولية لمن يعاني من (متلازمة داون)»، مشيراً إلى أن هذه القضايا فتحت أمامه مساحة للتفكير في الفجوة بين القانون والمشاعر، وبين ما يُعتبر صحيحاً على الورق وما يحدث فعلياً داخل البيوت والعلاقات اليومية.


معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
TT

معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)

ضمن فعاليات متنوعة احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، استضاف المتحف القومي للحضارة المصرية معرضاً تراثياً لفنون الخط العربي، وتضمنت الفعاليات معرضاً فنياً ضم مجموعة من اللوحات التي تُبرز جماليات فن الخط العربي، إلى جانب معرض متميز لأعمال ومقتنيات عائلة صوفي زاده، شمل لوحات فنية وأفلاماً تسجيلية توثّق مسيرتها الفنية بوصفها رائدة في فنون الخط العربي.

وتحت شعار «إرث يتجدد بخط يتألق»، جاءت الفعاليات المتنوعة، بالتعاون مع سفارة سلطنة عُمان بالقاهرة، وجمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، ومشيخة الأزهر الشريف، والمجمع اللغوي بالقاهرة، وعائلة صوفي زاده؛ تأكيداً على الدور المحوري للغة العربية بوصفها أحد أهم روافد الهوية الثقافية والإنسانية.

واحتفلت أكثر من مؤسسة مصرية باليوم العالمي للغة العربية المقرر في 18 ديسمبر (كانون الأول) عبر ندوات وأنشطة ومعارض متنوعة، من بينها: ندوة مشتركة بين كلية دار العلوم ودار الكتب والوثائق القومية، واحتفالية بجامعة الدول العربية، وفعاليات ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي الذي أقيم في قصر الفنون وضم لوحات العديد من رواد الخط العربي فضلاً عن الفنانين المعاصرين.

وتسعى الفعاليات التي نظمها متحف الحضارة إلى «نشر الوعي بالتراث المصري وتعزيز قيمه الحضارية، وإيماناً بأهمية اللغة العربية ومكانتها التاريخية بوصفها وعاءً للهوية وذاكرة للأمة»، وفق بيان للمتحف.

وأكد الدكتور الطيب عباس، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، أهمية هذه الفعاليات في «صون التراث المصري وتعزيز الوعي به»، مشيراً في البيان إلى أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي وعاء الحضارة وذاكرة الأمة، وحلقة الوصل بين الماضي والحاضر، بما تحمله من قيم ثقافية وجمالية قادرة على التعبير عن هوية الشعوب وصون تراثها عبر العصور».

ولفت إلى أن مقتنيات المتحف تضم العديد من القطع الأثرية، لا سيما الإسلامية منها، التي تزخر بنماذج راقية من الفنون والزخارف والخطوط العربية، وتعكس تطور الكتابة وجمالياتها عبر العصور، بما يجعلها شاهداً حياً على عبقرية الفنان المصري وقدرة اللغة العربية على التجدد والتألق.

فيما عدّ المستشار محمد شيرين فهمي، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، اللغة العربية «ركيزة أساسية في حفظ الذاكرة الحضارية المصرية ونقلها إلى الأجيال المتعاقبة»، مشيداً بالدور الذي يقوم به المتحف في صون هذا الإرث الثقافي.

وتضمّنت الفعالية عرض فيلم تسجيلي قصير عن تراث عائلة صوفي زاده، إحدى أعرق العائلات التي توارثت فنون الخط العربي والزخرفة والرسم والنحت والتذهيب عبر خمسة أجيال متعاقبة.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قراراً عام 1973 بإدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل بالأمم المتحدة، في 18 ديسمبر، وهي المناسبة التي تم خلالها عدّ هذا اليوم يوماً عالمياً للغة العربية.


مصر: مخاوف متجددة من «فوضى» حفلات الزفاف بالمساجد التاريخية

صحن مسجد محمد علي   (وزارة السياحة والآثار)
صحن مسجد محمد علي (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: مخاوف متجددة من «فوضى» حفلات الزفاف بالمساجد التاريخية

صحن مسجد محمد علي   (وزارة السياحة والآثار)
صحن مسجد محمد علي (وزارة السياحة والآثار)

تجددت الانتقادات والجدل في أوساط الآثاريين والمهتمين بالسياحة بمصر حول استخدام المواقع الآثارية في استضافة الفعاليات والاحتفالات الجماهيرية الصاخبة، عقب ظهور فيديو يصور عمليات تجهيز مسجد محمد علي بالقلعة لاستقبال حفل زفاف، مساء السبت، وطالب خبراء آثار بالتوقف عن تلك النشاطات، لما تمثله من خطورة بالغة على الأثر، فيما دعا آخرون لفرض مزيد من الإجراءات والضوابط حتى لا تتضرر المواقع وتتعرض للتشويه.

وذكر خبراء آثار أن استضافة المواقع الآثارية حفلات الزفاف وعقد القران، وغير ذلك مما تسمح به وزارة الآثار والسياحة المصرية داخل ساحاتها، يمثل خطراً كبيراً على الأثر، وقال الدكتور فاروق شرف، استشاري ترميم الآثار، ومدير عام إدارة ترميم الآثار الإسلامية والقبطية السابق، إن مسجد محمد علي مبني على أطلال قصر الأبلق، وأغلب الظن أن هناك أسفل المسجد فراغات كثيرة أقيمت فوقها أساساته، وهي على هذه الحال يمكن أن تتأثر سلبياً في حالة تسرب المياه إليها من الأمطار، أو حتى من مخلفات تلك الاحتفالات، مما يؤدي لخلخلة في التربة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك مخاوف من حدوث أي انهيار في بعض أجزاء المسجد»، مشيراً إلى أن «وجود أعداد ضخمة من الحضور والمعازيم يمكن أن يؤدي لكارثة، يجب أن يوضع كل هذا في الحسبان، من أجل تلافي أي أضرار قد تلحق بالمسجد، ناهيك عن عمليات تجهيز مسرح في صحن المسجد ووضع المقاعد، وما يصاحب كل هذا من عمليات طرق بأدوات شديدة الخطورة على المسجد، تتسم بالاستهتار واللامبالاة في التعامل مع أرضياته الرخامية الأصلية المصنوعة من الألبستر المصري»، على حد تعبيره.

جانب من تنظيم الحفلات بمسجد محمد علي (صورة من فيديو نشرته المرشدة السياحية هدى راضي)

وأظهر فيديو بثته هدى راضي، وهي مرشدة سياحية كانت توجد في المسجد أثناء عمليات تجهيزه لاستقبال عقد قران، عدداً من الأفراد يستخدمون مطارق حديدية ثقيلة، ويقومون برص قوائم من الحديد على أرضيات صحن المسجد، فضلاً عن تجهيزات مسرح، وقالت المرشدة السياحية وهي تستعرض حجم الضجيج الحادث في المكان: «هذا لا يليق بأثر مهم مثل مسجد محمد علي، ناهيك عن حرمة المسجد أصلاً، الرخام معظمه تضرر، وحين تحدثنا مع المسؤولين قالوا إنه غير أصلي، ويمكن استبداله». وأضافت أن «التعامل مع الأثر غير حذر ولا يحترم قيمته، ناهيك عن قدسية المكان بصفته مسجداً تقام فيه الصلاة، ولا يجب أن يشهد مثل هذه الممارسات».

ويتضمن المسجد مئذنتين، ارتفاع كل واحدة منهما 83 متراً، وهما وفق الدكتور فاروق شرف «معرضتان للسقوط حال حدوث أي هبوط أرضي للمسجد». والمئذنتان مصممتان على الطراز العثماني، وتتميزان بانسيابية ورشاقة كبيرة، وتشبهان القلم الرصاص، وعن المردود المالي المتحصل من تأجير المناطق الأثرية في غير ما خُصصت له، يقول شرف: «لا قيمة له، فلن تعوض النقود ضياع أثر يشكل جزءاً من التراث المصري الذي لا يُقدر بثمن».

وأشار إلى أنه مقتنع تماماً بتوظيف الأثر، وليس ضد السعي لتحقيق أي مردود اقتصادي منه، لكن يجب أن يكون هذا وفقاً لشروط تحمي المواقع من أي ضرر، وأضاف: «في أوروبا يفعلون هذا عندما يكون لديهم مكان ذو قيمة تاريخية، لكنهم يمنعون بتاتاً استخدام النار، والمياه، ويوفرون إجراءات تأمين قوية حال حدوث أي طارئ».

من جهته، قال الباحث الآثاري إبراهيم طايع إن «السماح باستخدام المساجد والمواقع الأثرية في الحفلات والفعاليات غير المنضبطة يمثل خطراً داهماً على الآثار»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «طالبنا كثيراً بمنع تلك الممارسات، لكن دون جدوى، وصار مسجد محمد علي مقصداً لحفلات الزفاف، بما فيها من ضجيج وتجهيزات يراها الجميع، ويدركون مخاطرها، ناهيك عما فيها من انتهاك لحرمة المسجد، بصفته مكاناً للصلاة».

بدأ تشييد مسجد محمد علي عام 1830 ميلادياً، واستمر بناؤه 19 عاماً على مساحة 5 آلاف متر، ويتضمن المقبرة التي دفن فيها الملك عام 1849، ويتميز المسجد الذي يحاكي مسجد «السلطان أحمد» بإسطنبول باستخدام المرمر أو الألبستر في تكسية أرضياته وجدرانه، كما يتميز بقباب المآذن المتعددة، وهو المبنى الأكثر بروزاً في القلعة، وبه منبران أحدهما من الخشب المطليّ بالأخضر والذهبي، وهو المنبر الأصلي، بالإضافة إلى منبر آخر من الرخام أضيف إلى المسجد لاحقاً، وفق وزارة السياحة والآثار المصرية.​

من جهتها، قالت أماني توفيق مدير عام قلعة محمد علي لـ«الشرق الأوسط » إن «أي يوم يشهد احتفالاً بالمسجد، تكون هناك مجموعة كاملة تعمل طوال اليوم تتكون من خبراء آثار، وحماية مدنية وفنيين، ورجال أمن يعملون جميعاً على صون المسجد، وتطبيق البروتوكول الموقّع مع شركة (كنوز) المسؤولة عن تنظيم الاحتفالات للحفاظ على المسجد، وفي حالة المخالفة يتم اتخاذ الإجراءات القانونية الكاملة».