الجزائر تعيد رسم خريطتها الاقتصادية مع واشنطن في ظل تراجع النفوذ الفرنسي

اعتمدت البرغماتية مع الولايات المتحدة... والتصعيد مع باريس في قضية الصحراء

الرئيس الجزائري مستقبلاً المستشار الخاص للرئيس الأميركي في 27 يوليو الماضي (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً المستشار الخاص للرئيس الأميركي في 27 يوليو الماضي (الرئاسة الجزائرية)
TT

الجزائر تعيد رسم خريطتها الاقتصادية مع واشنطن في ظل تراجع النفوذ الفرنسي

الرئيس الجزائري مستقبلاً المستشار الخاص للرئيس الأميركي في 27 يوليو الماضي (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً المستشار الخاص للرئيس الأميركي في 27 يوليو الماضي (الرئاسة الجزائرية)

بينما تتراجع الأعمال والاستثمارات الفرنسية في الجزائر بسبب استمرار تدهور العلاقات السياسية بين البلدين، تشهد العلاقات الجزائرية ‑ الأميركية انتعاشاً اقتصادياً ملحوظاً، رغم الخلاف الكبير بينهما بشأن قضية الصحراء، التي تُعد السبب المباشر في التوتر القائم بين باريس ومستعمرتها السابقة.

ارتفاع الشركات الأميركية العاملة في الجزائر

أكدت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى الجزائر، إليزابيث مور أوبين، في تصريحات صحافية حديثة في ضوء بدء تطبيق قانون جديد للاستثمار في الجزائر، أن «أكثر من 100 شركة أميركية استقرت في الجزائر، وتعمل في العديد من المجالات، مثل الطاقة والاتصالات، والزراعة»، مشيرة إلى أن هذا العدد من الشركات يسهم بنسبة 29 في المائة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الجزائر، ما يضعها في صدارة المستثمرين، حسبها، دون تقديم أرقام بهذا الخصوص.

السفيرة الأميركية خلال استقبالها من طرف الرئيس الجزائري 27 يوليو 2025 (الرئاسة الجزائرية)

ويؤكد تقرير الاستثمار العالمي، الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية لعام 2024، أن حجم الاستثمارات الأميركية في الجزائر يشكل جزءاً مهماً من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في البلاد، موضحاً أن صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الجزائر بلغ نحو 1.2 مليار دولار أميركي في عام 2023، وهو معدل يتماشى مع متوسط السنوات السابقة بين 2018 و2020.

ووفق التقرير نفسه، فقد بلغ المخزون الكلي للاستثمار الأجنبي المباشر في الجزائر حتى نهاية عام 2023 نحو 36.8 مليار دولار أميركي، تشكل الاستثمارات الأميركية فيه نسبة تقارب 29 في المائة، مما يعني أن قيمة الاستثمارات الأميركية الموجودة في الجزائر تبلغ تقريباً 10.1 مليار دولار أميركي، حسب التقرير ذاته.

وتتركز الاستثمارات الأميركية في الجزائر، غالباً، في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. وتعكس هذه الاستثمارات رغبة الولايات المتحدة في توطيد العلاقات الاقتصادية مع الجزائر، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وفق ما جاء في تصريحات السفيرة أوبين.

استثمار أميركي واعد في مجال الزراعة بالجزائر من خلال مشروع «بلدنا» لإنتاج الحليب (متداولة)

ويراهن الأميركيون، حسب الدبلوماسية التي تعمل بالجزائر منذ بداية 2022، على عدة قطاعات للاستثمار، لكن الموارد النفطية والغازية تظل الأكثر جذباً لهم، استناداً إلى الأرقام الخاصة بالتعاون الاقتصادي بين البلدين.

مجالات استكشاف جديدة

مؤخراً بدأت شركات أميركية في استكشاف مجالات أخرى مربحة للغاية، مثل التكنولوجيا والاتصالات. ويُعد تحديث البنى التحتية في البلاد ورشة واعدة جداً. كما أن قطاع الزراعة يحظى باهتمام خاص؛ إذ يُعد مشروع «بلدنا - الجزائر»، المخصص لتطوير إنتاج الحليب في البلاد من بين الأولويات.

وتم توقيع عقود بقيمة إجمالية تفوق 500 مليون دولار بين شركات جزائرية وأميركية، من بينها شركة «فالمونت» العملاقة المتخصصة في أشغال الري. ومن خلال هذا المشروع، تريد الجزائر أن تفرض نفسها فاعلاً إقليمياً رئيسياً في إنتاج الحليب بحلول عام 2026. كما تشارك قطر أيضاً في هذا المشروع.

اجتماع كوادر جزائريين من قطاع المحروقات بمسؤولين من شركة «شيفرون» الأميركية للنفط في سبتمبر الماضي (مؤسسة «سوناطراك» الجزائرية)

وتأتي هذه الانتعاشة مع العلاقات مع الولايات المتحدة في مجالات الاستثمار والأعمال، في سياق بدء تفعيل القانون الجزائري الجديد للاستثمار، الذي يتيح بيئة أعمال أكثر ملاءمة للمستثمرين الأجانب، بحسب الحكومة الجزائرية. ويوفر هذا القانون تسهيلات مهمة، تشمل تبسيط الإجراءات الإدارية، وتعزيز حماية رؤوس الأموال الأجنبية، إلى جانب منح حوافز ضريبية مهمة.

ويرى العديد من خبراء الاقتصاد أن هذا الإطار القانوني يمثل طريقاً سريعاً وآمناً لتنفيذ مشروعات استثمارية واعدة بين الجزائر وشركائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.

وبخلاف ما يجري مع فرنسا، تبدي الجزائر حرصاً على فصل القضايا السياسية الحساسة عن الاقتصاد والتجارة في علاقاتها مع واشنطن، فبينما سحبت سفيرها من باريس العام الماضي بسبب انحيازها للحل المغربي لخلاف الصحراء، اكتفت الجزائر بالتعبير عن «أسفها» حيال القرار نفسه عندما اتخذته الإدارة الأميركية في نهاية 2020، وتم تجديده في أبريل (نيسان) 2025.

وفد رجال أعمال جزائريين بواشنطن في إطار الشراكة الاقتصادية - 13 مايو الماضي (سفارة الجزائر في واشنطن)

وقد تناول مسعد بولس، المستشار الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترمب، نزاع الصحراء والتعاون الثنائي في العديد من المجالات، مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ووزير خارجيته أحمد عطاف، عندما زار البلاد في 27 يوليو (تموز) الماضي، حيث صرح بأن واشنطن «تُقدّر الحوار المستمر مع الجزائر»، مشيراً إلى أن العلاقة بين البلدين «تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة».

كما شدّد بولس على «أهمية الدور الذي تلعبه الجزائر في تعزيز الأمن والاستقرار بمنطقة الساحل... فالقيادة الجزائرية وخبرتها في مكافحة الإرهاب تُشكّلان عنصراً أساسياً في تحقيق الأمن الإقليمي».

وفيما يخص قضية الصحراء، جدّد بولس دعم الولايات المتحدة للمقترح المغربي القاضي بمنح الحكم الذاتي، ودعا إلى «استئناف الحوار تحت رعاية الأمم المتحدة»، مع التأكيد على «ضرورة التوصّل إلى حل دائم يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة».

واقتصادياً، عبّر المسؤول الأميركي عن رغبة بلاده في إطلاق «شراكة اقتصادية متوازنة مع الجزائر تقوم على مبدأ الربح المشترك»، رغم وجود بعض التوترات بشأن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب على صادرات جزائرية (30 في المائة) والتي هوّن الجانب الجزائري من أهميتها طالما لا تعني منتجات الطاقة. وأشار بولس إلى أن الإدارة الأميركية «تسعى إلى تجاوز هذه الخلافات في إطار شراكة استراتيجية تشمل مجالات مثل الدفاع، والطاقة، والزراعة، والتعليم العالي، والبحث العلمي».


مقالات ذات صلة

«المسار البحري الجزائري» ابتلع أكثر من ألف مهاجر خلال 2025

شمال افريقيا قارب للهجرة السرية في البحر المتوسط (حقوقيون)

«المسار البحري الجزائري» ابتلع أكثر من ألف مهاجر خلال 2025

فرض المسار البحري الرابط بين السواحل الجزائرية والإسبانية نفسه خلال عام 2025، بوصفه من أشد طرق الهجرة دموية في غرب البحر الأبيض المتوسط.

شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال اجتماع مع مجلس الوزراء الأحد (الرئاسة)

الجزائر: حديث عن «تعديل دستوري فني» يثير جدلاً وحيرةً بين السياسيين

فاجأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأوساط السياسية بإعلانه تأجيل دراسة «تعديل دستوري فني»، وذلك بعد ساعات قليلة من تأكيد الرئاسة أن الموضوع مطروح للدراسة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة (الوزارة)

الجزائر تُفعّل «التسوية المشروطة» بديلاً لملاحقة المتورطين في قضايا فساد

اعتمدت الجزائر آلية قانونية تتيح تأجيل ملاحقة الشركات المتورطة في ملفات فساد، قضائياً، مقابل استرجاع الأموال المحوَّلة إلى الخارج بطرق غيرمشروعة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا نجل زعيم التنظيم الانفصالي (التلفزيون الجزائري)

الجزائر تضيّق الخناق على «ماك» بعد إعلان «دولة القبائل المستقلة»

خطت السلطات الجزائرية خطوة جديدة في صراعها مع التنظيم الانفصالي «حركة تقرير مصير القبائل»، من خلال تنظيم ظهور إعلامي في التلفزيون الحكومي لنجل فرحات مهني.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا تصفيق في البرلمان الجزائري عقب التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)

الجزائر: تساؤلات تلف «ملف الذاكرة» مع فرنسا بعد اعتماد قانون تجريم الاستعمار

أعلن الطيف السياسي في الجزائر دعمه القويّ لتصديق البرلمان، الأربعاء، على «قانون تجريم الاستعمار» الفرنسي للجزائر.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

مجلس الوزراء السوداني يجيز «موازنة 2026 الطارئة» ويصفها بـ«المعجزة»

 مجلس الوزراء السوداني عقد أمس جلسته برئاسة رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس (سونا)
مجلس الوزراء السوداني عقد أمس جلسته برئاسة رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس (سونا)
TT

مجلس الوزراء السوداني يجيز «موازنة 2026 الطارئة» ويصفها بـ«المعجزة»

 مجلس الوزراء السوداني عقد أمس جلسته برئاسة رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس (سونا)
مجلس الوزراء السوداني عقد أمس جلسته برئاسة رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس (سونا)

وصف رئيس الوزراء السوداني الدكتور كامل إدريس، مشروع الموازنة الطارئة للعام المالي 2026، التي أقراها مجلس الوزراء يوم أمس (الثلاثاء)، بـ«المعجزة»

مشيداً بضبط وزارة المالية الإنفاق وحسن إدارة موارد الدولة وزيادة الإيرادات في ظل ظروف استثنائية.

وأشار رئيس الوزراء السوداني إلى أن «المعجزة» الأولى هي توقع الموازنة بتحقيق معدل نمو في الناتج المحلي الاجمالي بحوالي 9 في المائة، والثانية خفض متوسط معدل التضخم خلال العام 2026 إلى 65 في المائة.

وأوضح وزير المالية الدكتور جبريل إبراهيم، أن الموازنة تشمل تحسين الأجور وتوفير وظائف في مداخل الخدمة، مشيراً إلى اعتماد توسيع قاعدة الإيرادات على التوسع الأفقي وعدم تحميل المواطن اي أعباء ضريبية جديدة، كما تستهدف الموازنة خفض متوسط معدل التضخم خلال العام 2026 الى 65 في المائة مقارنة بمعدل 101.9 في المائة للعام 2025.

وأبان إبراهيم، أن الموازنة تركز على إصلاح المالية العامة بترتيب أولويات الصرف المحددة والإنفاق العام، وتوفير احتياجات القوات والأجهزة النظامية، ومقابلة الإحتياجات الأساسية للوزارات والوحدات الحكومية، إضافة إلى تحسين أوضاع النازحين واللاجئين السودانيين بدول الجوار ومقابلة تكاليف توفير المساعدات الإنسانية لهم .

وأوضح وزير المالية، أن أداء موازنة العام 2025 جاء فوق التوقعات رغم استمرار تحديات الحرب، حيث حققت الايرادات العامة نسبة اداء 147 في المائة، واستمر الصرف على الاحتياجات الحتمية، مشيراً إلى أن الموازنة التزمت بتهيئة البيئة المناسبة للعودة للخرطوم وتأهيل مطار الخرطوم.


تمديد حالة الطوارئ في تونس لمدة شهر

علم تونس (رويترز)
علم تونس (رويترز)
TT

تمديد حالة الطوارئ في تونس لمدة شهر

علم تونس (رويترز)
علم تونس (رويترز)

مددت تونس حالة الطوارئ في البلاد لمدة شهر تبدأ مطلع شهر يناير (كانون الثاني) المقبل حتى يوم 30 من الشهر نفسه.

ونشر قرار التمديد من قبل الرئيس قيس سعيد في الجريدة الرسمية. وكان آخر تمديد شمل عام 2025 بأكمله.

ويستمر بذلك سريان حالة الطوارئ في البلاد لأكثر من عشر سنوات، منذ التفجير الإرهابي الذي استهدف حافلة للأمن الرئاسي وسط العاصمة يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، وأدى إلى مقتل 12 عنصراً أمنياً ومنفذ الهجوم الذي تبناه تنظيم «داعش».


«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
TT

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)

حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، اليوم الثلاثاء، من وجود «مستويات غير مسبوقة وخطيرة» من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور في غرب السودان.

وقالت المنظمة، في بيانٍ نشره موقع أخبار الأمم المتحدة، إن مسحاً حديثاً أظهر أن أكثر من نصف الأطفال الذين جرى تقييمهم في محلية أم برو بالولاية يعانون سوء التغذية الحادّ، «في ظل استمرار القتال وقيود شديدة على وصول المساعدات الإنسانية المُنقذة للحياة».

ووفقاً للمسح، الذي أجرته «اليونيسف»، في الفترة بين 19 و23 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، يعاني واحد من بين كل ستة أطفال من «سوء التغذية الحاد الوخيم»، وهي حالة تهدد الحياة ويمكن أن تُودي بحياة الطفل في غضون أسابيع إذا لم يجرِ علاجها.

وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة كاثرين راسل إن «كل يوم يمر دون وصول آمن ودون عوائق يزيد خطر ضعف الأطفال ومزيد من الوفيات والمعاناة من أسباب يمكن الوقاية منها تماماً».

ودعت «اليونيسف» كل الأطراف إلى السماح بوصول المساعدات بشكل فوري وآمن ودون عوائق، وحضّت المجتمع الدولي - بما يشمل الدول التي لها نفوذ على أطراف الصراع - على تكثيف الضغط الدبلوماسي والسياسي، بشكل عاجل، لضمان الاتفاق على هدنة إنسانية واحترامها.

وتابعت المنظمة: «دون هدنة إنسانية يمكن التنبؤ بها واحترامها، لن يكون بوسع عمال الإغاثة إيصال الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الطبية وخدمات الحماية بأمان، ويستمر الأطفال في دفع الثمن الأكبر».