يمتلك الكوميدي اللبناني بسام وهبي أحد أهم عناصر الاستمرار على الخشبة: الشغف. فمنذ صعوده إلى المسرح، بدا واضحاً أنه يحبّ هذه المساحة المفتوحة على الضوء والأنظار، ويسعى إلى أن يُرسّخ له فيها مكانة يراها ممكنة يوماً ما. حماسته تسبقه نحو كلّ تفصيل: في دخوله وتحرّكه بين الأرجاء، في طريقته بالتواصل مع الجمهور، وفي إصراره على جعلهم شركاء في العرض. هذه الحماسة أضفت على «وان واي تيكيت» (مسرح المونو) طاقة تُنقذه من عاديّته، لكنَّ الشغف وحده، مهما بدا في العينين وحركات الجسد، لا يكفي. فلا يزال ينقصه ما يجعل وقوفه المقبل على المسرح أكثر اكتمالاً وتقديراً.

أول ما ينقصه: النصّ الجيّد. فبسام وهبي لم يُقدّم جديداً في نصّه؛ موضوعات مألوفة، ومعالجة مُستعجلة. حضور الشاب لم يجد محتوى يُوازيه في العمق أو الابتكار. بدا كأنه جمع أخباراً وتجارب من هنا وهناك، وألصق بعضها ببعض، ثم أطلق عليها اسم «مسرحية». لم يكن واضحاً إن كان المقصود «ستاند آب كوميدي»، أم عرضاً مُضحكاً عاماً أم عملاً مسرحياً متكاملاً؛ وإن كانت الكفّة تميل إلى الخيار الأول. جاء إلى الخشبة بدافع الإضحاك، كما اعتاد في حضوره «الإنستغرامي»، حيث تكفي دقائق قصيرة لجذب التفاعل. لكنه أغفل أنّ عرض الساعة أمام جمهور حيّ يفرض قوانينه الخاصة: فالمحتوى هو الحَكَم، والشخص وحده لا يكفي. وما يُضحِك على منصات التواصل لا يضمن الضحك على المسرح. للمسرح شروطه، أهمها أن يتقدَّم النصّ، لا أن يأتي في المرتبة الثانية أو يبدو «مسموعاً» ومُستهلكاً. صحيح أنّ الألفة مع موضوعات مثل الغربة والوطن قد لا تضرّ، لكنها هنا بدت أقرب إلى ضعف في المحتوى منها إلى حميمية بين الكوميدي وجمهوره.

أدرج وهبي فقرة عن المدرسة؛ تقليد شائع في «الستاند آب كوميدي» لاستدعاء الحنين، فجاءت ذكرياته عن راهبات التعليم وما يُرافق صورتهن النمطية (أصواتهنّ، تجهّمهنّ الدائم، علاقتهنّ المعقّدة بالطلاب)، خليطاً بين لحظات مُضحكة وأخرى غارقة في المألوف. حرص طوال الوقت على ألا يفقد العرض إيقاعه، مُعتمداً على واقع أنّ الجمهور اليوم غالباً ما يكتفي بما يُقدَّم له، في زمن غذَّته وسائل التواصل بالضحك السهل والنكات منزوعة اللمعة. ومع ذلك، لم يخلُ عرضه من لمحات ذكية تُحرّك ابتسامة حتى على وجوه لا تستميلها النكات العابرة، لكنه ظلَّ أقرب إلى عرض تجريبي أو «عدد صفر» يُمهِّد لعمل أكثر متانة ومعنى في المرة المقبلة.
فقرة المدرسة كانت من بين الأفضل، لتماهي كثيرين معها، لكن فقرة «الحبّ الأول» بدت كأنها حشو لتطويل العرض، قُدِّمت بسرعة وافتقرت إلى التمهيد، مثل رقعة أُضيفت على عجل لتُوحّد مَشاهد متفرّقة. أما المزحة الافتتاحية حول التشابُه في اسم العائلة بينه وبين هيفاء وهبي، والمزج بين النشيد الوطني وأغنيتها «بوس الواوا»، فقد كانت مضحكة في البداية، لكن تكرارها أفرغها من طرافتها، حتى جاءت دعوة الجمهور للوقوف للنشيد الوطني الحقيقي في منتصف العرض خارج السياق تقريباً، أشبه بـ«قصاص» غير مبرَّر. ما أنقذ اللحظة من العادية كان مشهداً مُتقَناً حين رفع طربوش جدّه فوق ما شبَّهه بـ«برج إيفيل» في إشارة ذكية إلى علاقة اللبناني بفرنسا. هناك، استعاد تفاصيل ساخرة عن لهجة الفرنسيين وتفاعُل اللبناني مع حياة جديدة في بلد النور، خصوصاً الآتي من بلد يعاني انقطاع الكهرباء، مما أضحك البعض لكنه لم يزلزل المسرح كما يُفترض بعرض كوميدي مُحكَم.

وفي لحظة بدا أنه يقترب من العمق، قال إنّ الإنسان لا يملك سوى الآن، ولا حيلة له أمام الزمن الذي مضى، لكنَّ الجملة التي بدت افتتاحية لطَرْح كبير، ذابت في سياق نصّ عادي. مرَّر لاحقاً ما يخصُّ جميع اللبنانيين حين تناول مأساة المصارف والخسائر التي دفعت كثيرين إلى الهجرة، رابطاً ذلك بفكرة البحث عن حياة كريمة في مكان آخر. كان يمكن لهذه الخيوط أن تُنسَج بقوة أكبر لتترك أثراً يتجاوز الضحك اللحظي.
في النهاية، عرف الحاضرون أنهم سيضحكون وينتهي الأمر، من دون أن يحملوا معهم شيئاً بعد انطفاء الأضواء. وهذا، على خشبة المسرح، سقفٌ منخفض عند البعض، وكافٍ عند آخرين. لكنَّ الشغف الذي يملكه بسام وهبي قد يكون بوابة لعبور هذا السقف، إذا ما قَرَن حضوره بنصّ متين يُضحك ويُعلّم ويترك أثراً لا يذوب مع التصفيق الأخير.

