المعلمون يستعدُّون لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصفوف الدراسية

رغم المخاوف من الخصوصية والتحيُّز وتراجع التفكير النقدي للتلاميذ

المعلمون يستعدُّون لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصفوف الدراسية
TT

المعلمون يستعدُّون لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصفوف الدراسية

المعلمون يستعدُّون لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصفوف الدراسية

يُقرّ نحو 60 في المائة من معلمي رياض الأطفال والمدارس الثانوية باستخدام الذكاء الاصطناعي لتخطيط الدروس، والتواصل مع أولياء الأمور، والمساعدة في وضع الدرجات، كما كتب مايكل ج. كوزاك*.

صدمة تعليمية

أحدثت منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي صدمة واسعة في قطاع التعليم، برياض الأطفال والمدارس الثانوية، منذ إطلاق «تشات جي بي تي» (ChatGPT) للجمهور قبل ما يقرب من 3 سنوات.

ويزداد الإيمان بضرورة إتقان الطلاب والمعلمين هذه الأدوات الفعّالة، على الرغم من استمرار كثير من المخاوف بشأن المساواة والخصوصية والتحيز، وتراجع التفكير النقدي لدى الطلاب.

نقلة نوعية في ممارسات التعليم

بصفتي أستاذاً يُدرّس معلمي المستقبل، وعضواً في مجموعة عمل تُركّز على الذكاء الاصطناعي، فقد لاحظتُ قدرة الذكاء الاصطناعي على إحداث نقلة نوعية في ممارسات التدريس والتعلم في مدارس رياض الأطفال والمدارس الثانوية.

من الحفظ والتلقين إلى الإبداع

أما الاتجاهات التي ألاحظها -والتي أشجعها- فهي أن يستخدم معلمو رياض الأطفال والمدارس الثانوية الذكاء الاصطناعي للتحول من الحفظ والتلقين إلى التركيز على التفكير النقدي والإبداع.

بعد الإصدار العام لتطبيق «ChatGPT» أواخر عام 2022، حظرت بعض المناطق التعليمية الكبرى استخدام الذكاء الاصطناعي في البداية بسبب مخاوف من الغش. كما عكست الاستطلاعات مخاوف بشأن قيام روبوتات الدردشة بتزوير المعلومات، مثل المراجع في الأوراق المدرسية، بالإضافة إلى مخاوف بشأن المعلومات المضللة والتحيزات الموجودة في ردود الذكاء الاصطناعي على الأسئلة.

ميل الطلاب لاستخدام الأدوات الذكية

من ناحية أخرى، مال الطلاب إلى استخدام الذكاء الاصطناعي بكثافة. نشرت منظمة «Common Sense Media» التي تقدم توصيات بشأن استخدام الأطفال لوسائل الإعلام، تقريراً في عام 2024، يُظهر أن الطلاب يستخدمون البحث وروبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لأداء واجباتهم المدرسية وللتخلص من الملل، بالإضافة إلى أسباب شخصية أخرى، بما في ذلك «إنشاء محتوى على سبيل المزاح، والتخطيط للأنشطة، وطلب المشورة الصحية».

ولم يكن معظم المعلمين وأولياء أمور الطلاب المشاركين في الدراسة على دراية باستخدام الطلاب لهذه التقنية.

وخلال عملي في جامعة دريكسل؛ حيث كنتُ أُدرّس طلاب الدراسات العليا الطامحين لمنصب مدير أو مشرف مدرسة، وجدتُ أنه في عام 2023، كان طلاب الصفوف من الروضة حتى الصف الثاني عشر يخشون استخدام الذكاء الاصطناعي بسبب السياسات المُطبّقة في مناطقهم التي تحظره. ومع ذلك، سرعان ما اتضح أن الطلاب كانوا قادرين على إخفاء استخدامهم للذكاء الاصطناعي من طريق توجيهه لإدراج بعض الأخطاء في واجباتهم.

تخطيط الدروس وتقييم التلاميذ

في الوقت نفسه، وعلى الرغم من مخاوف المدرسين الأولية بشأن الذكاء الاصطناعي، فإن نحو 60 في المائة من معلمي الصفوف من الروضة حتى الصف الثاني عشر يُقرّون الآن باستخدام الذكاء الاصطناعي لتخطيط الدروس والتواصل مع أولياء الأمور والمساعدة في التقييم. ولا تزال المخاوف بشأن غش الطلاب قائمة، ولكن المدرسين الذين يعانون من ضيق الوقت يجدون أن استخدام الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يوفر لهم الوقت ويُحسّن من تدريسهم.

توفير الوقت

وكشفت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة «والتون وغالوب» أن المدرسين الذين استخدموا أدوات الذكاء الاصطناعي أسبوعياً وفروا ما معدله 5.9 ساعة أسبوعياً، أعادوا تخصيصها «لتقديم ملاحظات أكثر دقة للطلاب، وإنشاء دروس مُخصصة، وكتابة رسائل البريد الإلكتروني، والعودة إلى منازلهم وعائلاتهم في وقت أكثر ملاءمة».

فتح آفاق جديدة للتدريس

أوصي طلابي في الدراسات العليا باستخدام الذكاء الاصطناعي؛ لأنني أعتقد أن تجاهل الاتجاهات الناشئة في التعليم ليس بالأمر الحكيم. وأعتقد أن الفوائد تفوق السلبيات إذا ما تعلَّم الطلاب الاستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا ووُضعت ضوابط، مثل اشتراط الاستشهاد بالذكاء الاصطناعي بوصفه مصدراً إذا استخدمه الطلاب في المقررات الدراسية.

يقول المؤيدون لهذا التوجه، إن الذكاء الاصطناعي يُغيّر التدريس نحو الأفضل؛ لأنه يُجبر المدرسين على تحديد طرق إضافية للطلاب لإظهار فهمهم للمحتوى. وتشمل بعض الاستراتيجيات للطلاب الذين يعتمدون بشكل مفرط على الذكاء الاصطناعي: العروض الشفهية، والتعلم القائم على المشاريع، وبناء ملفات لأفضل أعمال الطالب.

أدلة تطوير وابتكار

يمكن أن تتضمن إحدى الممارسات عرض الطلاب أدلة على شيء ابتكروه أو نفّذوه أو طوّروه لمواجهة تحدٍّ ما. كذلك يمكن أن تشمل بناء جسر صغير لتوضيح كيفية تأثير القوى على الهياكل، أو صوراً، أو فيديو لطلاب يستخدمون جهاز أخذ عينات من المياه للتحقق من التلوث، أو طلاباً يصممون ويزرعون حديقة مجتمعية. قد يُنتج الذكاء الاصطناعي الخطوات اللازمة لبناء المشروع، ولكن سيتعين على الطلاب القيام بالعمل بأنفسهم.

يمكن للمدرسين أيضاً استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء دروس مُصممة خصيصاً لاهتمامات الطلاب، وترجمة النصوص بسرعة إلى لغات متعددة، والتعرف على الكلام للطلاب الذين يعانون من صعوبات سمعية. كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي كمعلم لتخصيص التدريس، وتقديم ملاحظات فورية، وتحديد فجوات تعلم الطلاب.

عندما كنتُ مشرفاً مدرسياً، كنتُ أسأل المتقدمين لوظائف التدريس دائماً عن كيفية ربط دروسهم الصفَّية بالواقع. واجه معظمهم صعوبة في تقديم أمثلة ملموسة. من ناحية أخرى، وجدتُ أن الذكاء الاصطناعي مفيد في هذا الصدد؛ إذ يُقدم إجابات على سؤال الطلاب الدائم حول سبب حاجتهم إلى تعلم ما يُدرّس.

شريك فكري لتطوير المهارات

يستخدم المدرسون في مدارس الروضة وحتى الصف الثاني عشر الذكاء الاصطناعي لمساعدة الطلاب على تطوير مهارات التعاطف لديهم. ومن الأمثلة على ذلك حثّ الذكاء الاصطناعي على «إعادة تصميم تجربة اليوم الدراسي الأول لطالب منقول إلى مدرسة إعدادية جديدة». وقد أنشأ الذكاء الاصطناعي خطوات العمل والأسئلة الأساسية اللازمة لصقل الحلول الأولية للطلاب.

في صفي، استخدمتُ الذكاء الاصطناعي لتعزيز مهارات التفكير النقدي لدى طلاب الدراسات العليا. جعلتُ طلابي يتخيلون أنهم رؤساء جامعات يواجهون فقدان التمويل الحكومي الأساسي، ما لم يطبقوا سياسات تحدّ من النقد العلني للوكالات الحكومية الفيدرالية في الحرم الجامعي. وهذا التقييد المقترح الذي صُمم كمتطلب للحفاظ على «الحياد المؤسسي»، يتطلب من الطلاب وضع خطة عمل تستند إلى معرفتهم بالأنظمة والتفكير التصميمي. بعد أن يطور كل فريق حله، استخدمتُ الذكاء الاصطناعي لصياغة أسئلة ونقاط مقابلة لحلهم المقترح. بهذه الطريقة، يصبح الذكاء الاصطناعي شريكاً فكرياً نقدياً لاستكشاف النتائج المقصودة وغير المقصودة، والثغرات في تفكير الطلاب، والحلول المحتملة التي ربما تم تجاهلها.

الذكاء الاصطناعي نقطة انطلاق

يشجع إيثان موليك، الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي، المعلمين على استخدام الذكاء الاصطناعي كنقطة انطلاق، على غرار ارتجال موسيقيي الجاز، كوسيلة لإطلاق العنان لإمكانات جديدة. وينصح موليك الناس بالشراكة مع الذكاء الاصطناعي كذكاء مشترك، وأن يكونوا جزءاً من العملية، وأن يتعاملوا مع الذكاء الاصطناعي كزميل عمل، وإن كان يحتاج إلى حثّ للحصول على أدلة، وأن يتعلموا كيفية استخدامه بشكل جيد. وأنا أتفق معه في هذا الرأي.

تغير وجهات النظر حول الذكاء الاصطناعي

أثارت بعض الدراسات المبكرة حول آثار استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم مخاوف من أن سهولة استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي ستؤثر سلباً على تعلم الطلاب، وتضعف مهارات التفكير النقدي لديهم.

أعتقد أن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات، ولكنني وجدت في عملي الخاص وفي عمل طلابي في الدراسات العليا أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز العمل البشري. على سبيل المثال: تستخدم الأدوات المسماة «مساعدو التدريس المدعومون بالذكاء الاصطناعي»، مثل «خاناميغو» (Khanmigo) أو «بيغيتو بوتس» (Beghetto Bots)، الذكاء الاصطناعي لمساعدة الطلاب على حل المشكلات والتوصل إلى حلول مبتكرة دون الكشف عن الإجابات.

تُظهر لي تجاربي مع مُدرسين آخرين في الخطوط الأمامية أنهم بدأوا في تغيير نظرتهم تجاه استخدام الطلاب الذكاء الاصطناعي، ولا سيما مع إدراك المُدرسين لفائدة الذكاء الاصطناعي في عملهم. على سبيل المثال: قال أحد طلابي في الدراسات العليا، إن منطقته تُوظّف لجنة من المُعلّمين والطلاب وخبراء خارجيين لاستكشاف كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، وبطريقة لا تُضعف مهارات التفكير النقدي لدى الطلاب.

وأخيراً بدأ المُدرسون يُدركون أن الذكاء الاصطناعي لن يختفي في أي وقت قريب، وأن من الأفضل تعليم طلابهم كيفية استخدامه، بدلاً من تركهم وشأنهم.

* أستاذ مُشارك في الإدارة والقيادة التربوية بجامعة دريكسل. مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

تكنولوجيا سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

كشف تقرير جديدة عن أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، يتطلع إلى بناء أو تمويل أو شراء شركة صواريخ لمنافسة الملياردير إيلون ماسك في سباق الفضاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار شركة «إس كيه هاينكس» ولوحة أم للكمبيوتر تظهر في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

رئيس «إس كيه» الكورية: صناعة الذكاء الاصطناعي ليست في فقاعة

قال رئيس مجموعة «إس كيه» الكورية الجنوبية، المالكة لشركة «إس كيه هاينكس» الرائدة في تصنيع رقائق الذاكرة، إن أسهم الذكاء الاصطناعي قد تتعرض لضغوط.

«الشرق الأوسط» (سيول)
تكنولوجيا شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شهد عام 2025 تحوّلًا رقميًا واسعًا في العالم العربي، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على بحث غوغل وصعود صنّاع المحتوى على يوتيوب، وتقدّم السعودية في الخدمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد هاتف ذكي وشاشة كمبيوتر يعرضان شعارَي «واتساب» والشركة الأم «ميتا» في غرب فرنسا (أ.ف.ب)

تحقيق أوروبي في قيود «ميتا» على منافسي الذكاء الاصطناعي عبر «واتساب»

خضعَت شركة «ميتا بلاتفورمز» لتحقيق جديد من جانب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتكار، على خلفية خطتها لإطلاق ميزات ذكاء اصطناعي داخل تطبيق «واتساب».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد من داخل معرض وظيفي للموظفين الفيدراليين المفصولين حديثاً في كانساس سيتي مارس 2025 (رويترز)

انخفاض طلبات إعانة البطالة الأميركية إلى أدنى مستوى منذ 3 سنوات

انخفض عدد المتقدمين الجدد للحصول على إعانات البطالة بالولايات المتحدة الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من ثلاث سنوات في إشارة إلى صمود سوق العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.