موجة تصعيد جديدة بين الجزائر وباريس تخلّف «ضحايا جانبيين»

«أزمة أملاك السفارة» باتت حفنة ملح إضافية تعمق الجرح

وزير خارجية الجزائر مع نظيره الفرنسي في 7 أبريل الماضي (السفارة الفرنسية بالجزائر)
وزير خارجية الجزائر مع نظيره الفرنسي في 7 أبريل الماضي (السفارة الفرنسية بالجزائر)
TT

موجة تصعيد جديدة بين الجزائر وباريس تخلّف «ضحايا جانبيين»

وزير خارجية الجزائر مع نظيره الفرنسي في 7 أبريل الماضي (السفارة الفرنسية بالجزائر)
وزير خارجية الجزائر مع نظيره الفرنسي في 7 أبريل الماضي (السفارة الفرنسية بالجزائر)

يشكّل طلاب الجامعات والراغبون في «لمّ الشمل العائلي» في فرنسا من الجانب الجزائري، والفرنسيون العاملون في الجزائر، تداعيات جانبية لموجة التوترات الجديدة بين البلدين.

وفي هذا السياق، تحدث أحد البرلمانيين الجزائريين، الذين يمثلون المهاجرين في فرنسا، بما وصفه بـ«التصعيد الأخير»، مؤكداً أن الجالية في المهجر «ليست عملة للمقايضة» في الصراع الدبلوماسي بين البلدين.

الرئيس الفرنسي في مقام الشهداء بالعاصمة الجزائرية في أغسطس 2022 (سفارة فرنسا بالجزائر)

وأعلن الرئيس إيمانويل ماكرون، الأربعاء الماضي، في رسالة وجهها إلى رئيس وزرائه فرنسوا بايرو، عن إجراءين رئيسيين: تعليق إصدار التأشيرات من نوع «دي» لجميع الجزائريين، وتجميد اتفاق عام 2013، المتعلق بالإعفاء من التأشيرات لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية الجزائرية والفرنسية.

وردّت الجزائر، الخميس، بإنهاء العمل نهائياً بالاتفاق الثنائي لعام 2013 الخاص بالإعفاء المتبادل من التأشيرات لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية وجوازات الخدمة، وهو اتفاق كان معلقاً فعلياً منذ أن منعت باريس في فبراير (شباط) ومارس (آذار) الماضيين دخول دبلوماسيين جزائريين، يحملان هذا النوع من الجوازات.

وبلّغت الجزائر القائم بالأعمال بالسفارة الفرنسية، رسمياً، إنهاء الاتفاق. وجاء في بيان لوزارة خارجيتها أن هذا الإنهاء «يتجاوز التعليق البسيط، ويضع حداً لوجود هذا الاتفاق بشكل تام». وبمعنى آخر، إذا خطت فرنسا خطوة تصعيدية في الأزمة الدبلوماسية، فالطرف الآخر يملك الاستعداد لاتخاذ إجراءات أكثر تصعيداً، هذه «هي الرسالة التي أردنا من الرئيس ماكرون أن يفهمها»، بحسب دبلوماسي جزائري، تحدثت معه «الشرق الأوسط»، مشترطاً عدم ذكر اسمه.

برلماني المهاجرين بفرنسا عبد الوهاب يعقوبي (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

وعلى هذا الأساس، بات على حاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخدمة الفرنسية طلب تأشيرة لدخول الجزائر، مع احتفاظ الجزائر بحق إخضاع منح هذه التأشيرات لنفس الشروط، التي ستحددها فرنسا لمواطني الجزائر.

قلق وأسئلة عديدة

في رسالته التصعيدية ضد الجزائر، أعلن الرئيس ماكرون قراراً صارماً آخر، يتعلق بتعليق التأشيرات من نوع «دي» لجميع المتقدمين الجزائريين، وطلب من حكومته التفعيل «الفوري» لبندٍ في قانون الهجرة لعام 2024 يسمى «رافعة التأشيرة - إعادة القبول»، الذي يتيح رفض تأشيرات الإقامة القصيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخدمة، وأيضاً رفض تأشيرات الإقامة الطويلة لأي نوع من المتقدمين.

وبانتظار الإعلان عن التفاصيل بشأن نطاق التطبيق، فإن هذا الإجراء يطال خصوصاً الطلاب الجزائريين الراغبين في متابعة دراستهم بفرنسا، وأسر المعنيين بـ«لمّ الشمل العائلي»، ما يثير قلقاً بينهم، خاصة ممن بدأوا فعلاً إجراءات التسجيل في الجامعات الفرنسية.

القائم بالأعمال بسفارة فرنسا في الجزائر (السفارة)

و«لمّ الشمل العائلي» بند تتضمنه اتفاقية الهجرة الثنائية لعام 1968، ويمنح المهاجرين الجزائريين المقيمين في فرنسا حق استقدام أفراد عائلاتهم (الزوج/ الزوجة والأبناء القصر) للعيش معهم. ويُعدّ من المزايا الخاصة التي يتمتع بها الجزائريون مقارنة بالجنسيات الأخرى، حيث يمنحهم تسهيلات وإجراءات مبسطة في هذا الشأن.

وفيما تؤكد السلطات الجزائرية أن مهاجريها يواجهون تعقيدات إدارية كبيرة، في السنين الأخيرة، بخصوص الاستفادة من هذا «الامتياز»، يشن نواب اليمين الفرنسي منذ بداية الأزمة حملات في البرلمان، بغرض إحداث مراجعة جذرية على اتفاق الهجرة، بحجة أنه يعوق تنفيذ سياسات الدولة للحد من الهجرة.

ومع تطبيق الجزائر لمبدأ «المعاملة بالمثل»، لن تتمكن الشركات الفرنسية العاملة في الجزائر من الحصول على تصاريح عمل لكوادرها الفرنسيين المقيمين.

مسافرون جزائريون في مطار شارل ديغول الفرنسي (متداولة)

وفي ظل الأزمة المستمرة منذ أكثر من عام، يأتي قرار تعليق تأشيرات «دي» ليزيد من تعقيد العلاقات بين البلدين.

وهذا التصعيد الجديد في ملف التأشيرات سيجعل الطلاب الجزائريين والفرنسيين المقيمين في الجزائر أبرز ضحاياه. ويعكس هذا التشدد الشامل، الذي يمس فئات واسعة من المجتمع الجزائري، المكانة المحورية التي أصبحت تحتلها قضية الهجرة في استراتيجية المواجهة، التي تتبناها باريس تجاه الجزائر، وقد يؤثر أيضاً على الوجود الاقتصادي الفرنسي في البلاد.

ومنذ توليه وزارة الداخلية في سبتمبر (أيلول) 2024، جعل برونو ريتايو من مكافحة الهجرة، وخاصة الجزائرية، معركته الأساسية.

من جهته، ندد عضو البرلمان الجزائري، ممثل المهاجرين في فرنسا، عبد الوهاب يعقوبي، بقرار الرئيس ماكرون القاضي بتعليق منح التأشيرات من نوع «دي»، مؤكداً في منشور بحسابه بـ«فيسبوك»، أن المهاجرين الجزائريين في فرنسا «ليسوا عملة للمقايضة».

وأعرب يعقوبي عن «قلقه العميق من هذا التصعيد»، معتبراً أن الإجراءات الفرنسية «تضر بالطلبة والعائلات، وتنتهك الاتفاقيات الثنائية والدولية».

كما دعا يعقوبي الجزائر إلى «تبني «المعاملة بالمثل البناءة»، وإلى إشراك ممثلي الجالية في أي قرارات تخص الاتفاقيات القنصلية، مشيراً إلى أن توقيت هذا القرار «مرتبط بالانتخابات الفرنسية المقبلة».

ممتلكات واسعة تحت المراجعة

تشمل الإجراءات، التي أعلنتها الجزائر، الخميس، رداً على رسالة ماكرون، قراراً يدل على بلوغ استيائها من فرنسا ذروته، ويتعلق الأمر بإنهاء الامتياز الذي كانت تتمتع به سفارة فرنسا في الجزائر، ويتمثل في شغل عشرات العقارات المملوكة للدولة الجزائرية مجاناً، أو بشروط رمزية.

السفير الفرنسي في الجزائر (السفارة)

وعلى مدى عقود، استفادت فرنسا من رصيد عقاري ضخم، يشمل 61 عقاراً في الجزائر العاصمة، بينها 18 هكتاراً لمقر السفارة، و4 هكتارات لإقامة السفير. وهو وضع ظل قائماً لعشرات السنين، قبل أن يُلغى رسمياً.

وعندما استُدعي القائم بالأعمال الفرنسي إلى مقر الخارجية الجزائرية، تم تسليمه مذكرة شفوية، تُعلن إلغاء هذه الامتيازات، مع الشروع في إعادة النظر في عقود الإيجار المبرمة مع «ديوان التسيير العقاري». كما دعت الجزائر وفداً فرنسياً للحضور لمناقشة ترتيبات جديدة بخصوص «أملاك السفارة».


مقالات ذات صلة

«المسار البحري الجزائري» ابتلع أكثر من ألف مهاجر خلال 2025

شمال افريقيا قارب للهجرة السرية في البحر المتوسط (حقوقيون)

«المسار البحري الجزائري» ابتلع أكثر من ألف مهاجر خلال 2025

فرض المسار البحري الرابط بين السواحل الجزائرية والإسبانية نفسه خلال عام 2025، بوصفه من أشد طرق الهجرة دموية في غرب البحر الأبيض المتوسط.

شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال اجتماع مع مجلس الوزراء الأحد (الرئاسة)

الجزائر: حديث عن «تعديل دستوري فني» يثير جدلاً وحيرةً بين السياسيين

فاجأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأوساط السياسية بإعلانه تأجيل دراسة «تعديل دستوري فني»، وذلك بعد ساعات قليلة من تأكيد الرئاسة أن الموضوع مطروح للدراسة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة (الوزارة)

الجزائر تُفعّل «التسوية المشروطة» بديلاً لملاحقة المتورطين في قضايا فساد

اعتمدت الجزائر آلية قانونية تتيح تأجيل ملاحقة الشركات المتورطة في ملفات فساد، قضائياً، مقابل استرجاع الأموال المحوَّلة إلى الخارج بطرق غيرمشروعة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا نجل زعيم التنظيم الانفصالي (التلفزيون الجزائري)

الجزائر تضيّق الخناق على «ماك» بعد إعلان «دولة القبائل المستقلة»

خطت السلطات الجزائرية خطوة جديدة في صراعها مع التنظيم الانفصالي «حركة تقرير مصير القبائل»، من خلال تنظيم ظهور إعلامي في التلفزيون الحكومي لنجل فرحات مهني.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا تصفيق في البرلمان الجزائري عقب التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)

الجزائر: تساؤلات تلف «ملف الذاكرة» مع فرنسا بعد اعتماد قانون تجريم الاستعمار

أعلن الطيف السياسي في الجزائر دعمه القويّ لتصديق البرلمان، الأربعاء، على «قانون تجريم الاستعمار» الفرنسي للجزائر.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
TT

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)

حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، اليوم الثلاثاء، من وجود «مستويات غير مسبوقة وخطيرة» من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور في غرب السودان.

وقالت المنظمة، في بيانٍ نشره موقع أخبار الأمم المتحدة، إن مسحاً حديثاً أظهر أن أكثر من نصف الأطفال الذين جرى تقييمهم في محلية أم برو بالولاية يعانون سوء التغذية الحادّ، «في ظل استمرار القتال وقيود شديدة على وصول المساعدات الإنسانية المُنقذة للحياة».

ووفقاً للمسح، الذي أجرته «اليونيسف»، في الفترة بين 19 و23 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، يعاني واحد من بين كل ستة أطفال من «سوء التغذية الحاد الوخيم»، وهي حالة تهدد الحياة ويمكن أن تُودي بحياة الطفل في غضون أسابيع إذا لم يجرِ علاجها.

وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة كاثرين راسل إن «كل يوم يمر دون وصول آمن ودون عوائق يزيد خطر ضعف الأطفال ومزيد من الوفيات والمعاناة من أسباب يمكن الوقاية منها تماماً».

ودعت «اليونيسف» كل الأطراف إلى السماح بوصول المساعدات بشكل فوري وآمن ودون عوائق، وحضّت المجتمع الدولي - بما يشمل الدول التي لها نفوذ على أطراف الصراع - على تكثيف الضغط الدبلوماسي والسياسي، بشكل عاجل، لضمان الاتفاق على هدنة إنسانية واحترامها.

وتابعت المنظمة: «دون هدنة إنسانية يمكن التنبؤ بها واحترامها، لن يكون بوسع عمال الإغاثة إيصال الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الطبية وخدمات الحماية بأمان، ويستمر الأطفال في دفع الثمن الأكبر».


«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على منطقة استراتيجية في جنوب كردفان

عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على منطقة استراتيجية في جنوب كردفان

عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)

أعلنت «قوات الدعم السريع»، الثلاثاء، سيطرتها على منطقة «التقاطع» الاستراتيجية في ولاية جنوب كردفان، ونشر عناصر تابعون لها مقاطع مصورة تُظهر انتشارها هناك.

ولم يصدر أي تعليق من الجيش السوداني بهذا الخصوص، مع استمرار تمدد «الدعم السريع» وحليفتها «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، في مناطق واسعة من الإقليم.

وقالت «الدعم السريع»، في بيان نشر على منصة «تلغرام»، إن «قوات تأسيس» المتحالفة معها بسطت سيطرتها بالكامل على المنطقة الواقعة بين مدينتي كادوقلي والدلنج، وإن هذه الخطوة تأتي «ضمن عمليات الانفتاح العسكري وتأمين الخطوط المتقدمة»، كما أنها تمكنت من «تسلم عدد من المركبات العسكرية والأسلحة والذخائر».

وأوضح البيان أن «هذا الانتصار يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق أهداف استراتيجية في الولاية».

وتخضع مدن ولاية جنوب كردفان، خصوصاً العاصمة كادوقلي ومدينة الدلنج، لحصار خانق تفاقمت حدته عقب استيلاء «الدعم السريع» على مدينة بابنوسة، وبلدة هجليج النفطية، بولاية غرب كردفان، وانسحاب قوات الجيش التي كانت في تلك البلدات إلى دولة جنوب السودان.

من جهة ثانية، أفادت مصادر بأن الجيش السوداني شن هجمات بالطائرات المسيّرة الانتحارية والقتالية، على مواقع عدة لتمركزات «قوات الدعم السريع» حول مدينتي كادوقلي والدلنج، في محاولة لإيقاف تقدمها بالولاية.

نازحون يصطفون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم بشمال كردفان (أ.ف.ب)

وتجدد القتال بضراوة في مناطق واسعة من ولاية جنوب كردفان خلال الأشهر الماضية بعد انضمام «الحركة الشعبية» إلى «قوات الدعم السريع»، وفصائل عسكرية أخرى، ضمن «تحالف السودان التأسيسي (تأسيس)».

بدورها، قالت «الحركة الشعبية»، في بيان الثلاثاء، إنها سيطرت على حامية عسكرية تابعة للجيش السوداني في منطقة تقاطع البلف، على طريق الدلنج - كادوقلي. وأضافت أن قواتها تواصل التقدم الميداني في إطار عمليات تهدف للوصول إلى العاصمة كادوقلي.

والأسبوع الماضي سيطرت «قوات تأسيس» على بلدة برنو، التي تبعد نحو 30 كيلومتراً من مدينة كادوقلي، وبدأت تتوغل في المناطق الجبلية المحيطة بها.

وكانت منصات «الدعم السريع» قد تحدثت في الأيام الماضية عن تحشيد كبير لقواتها في مناطق بالقرب من كادوقلي بهدف تكثيف الضغط على الجيش والقوات المتحالِفة معه، وتعزيز مواقعها في مناطق استراتيجية بهدف تمهيد الطريق لمهاجمة المدينة.

وفي وقت سابق سيطرت «الحركة الشعبية» على منطقتي الكرقل والدشول، الواقعتين على الطريق الرئيسية المؤدية إلى الدلنج؛ ثانية كبرى مدن الولاية، واتهمت الجيش السوداني والقوات المتحالفة بـ«عدم السماح للمدنيين بالمغادرة واستخدامهم دروعاً بشرية».

ومنذ أشهر تفرض «قوات تأسيس» طوقاً محكماً على كل المناطق حول مدن جنوب كردفان، وتقطع طرق وخطوط الإمداد لقوات الجيش السوداني المحاصَرة داخل كادوقلي.


«رواتب العسكريين» تصطدم بالخلاف السياسي بين أفرقاء ليبيا

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي
TT

«رواتب العسكريين» تصطدم بالخلاف السياسي بين أفرقاء ليبيا

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي

دخل المشهد السياسي الليبي مرحلة جديدة من التصعيد والتجاذب بين المؤسسات عقب جلسة مجلس النواب، الاثنين، التي استُكملت الثلاثاء، ولا سيما بعد الجدل الذي أثاره إقرار البرلمان زيادة مرتبات العسكريين بنسبة 150 في المائة، وهي خطوة قوبلت بمعارضة من المجلس الأعلى للدولة في غرب البلاد، في ظل انقسام سياسي وعسكري مزمن تعيشه ليبيا منذ أعوام.

وتزامن ذلك مع اتساع دائرة الخلاف لتشمل مجلسي النواب والدولة، والسلطة القضائية، إضافة إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، في وقت تتواصل فيه الاحتجاجات الشعبية في العاصمة طرابلس ضد حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في غرب البلاد.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الليبية (رويترز)

وبعد ساعات من إقرار مجلس النواب زيادة مرتبات العسكريين، نشرت وسائل إعلام محلية جدولاً جديداً لمرتبات منتسبي «الجيش الوطني»، أظهر زيادات تصل إلى 150 في المائة، إذ قفز أعلى راتب إلى 12 ألفاً و850 ديناراً لرتبة المشير، في حين بلغ أقل راتب 800 دينار للطلاب العسكريين بمراكز التدريب، وفق ما أوردته تلك الوسائل. (الدولار = 5.40 دينار في السوق الرسمية و8.78 دينار في السوق الموازية).

غير أن المجلس الأعلى للدولة سارع إلى رفض قرار زيادة الرواتب العسكرية، عاداً إياه «إرهاقاً للميزانية العامة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة»، مؤكّداً في المقابل تمسكه بجدول رواتب موحد، يحقق العدالة بين المدنيين والعسكريين دون تمييز. وحذّر المجلس، في بيان له، من أن مثل هذه الخطوات الأحادية من شأنها تقويض التوافق السياسي، وتعميق الانقسام، وإرباك المسار السياسي، داعياً إلى الالتزام بالاتفاقات، والعمل المشترك من أجل بناء دولة المؤسسات والقانون.

وأثار تصويت مجلس النواب على زيادة مرتبات العسكريين تبايناً في مواقف المراقبين، بين من أبدى حماسه للقرار، وآخرين عبّروا عن رفضهم له. ومن بين المؤيدين للقرار عبد الله عثامنة، مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذي عدّ هذا النهج ضمن «تحولات استراتيجية نوعية وطنية، وغير مسبوقة في تاريخ المؤسسة العسكرية».

في المقابل، تساءل أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة، عبد الحميد الفضيل، قائلاً: «أليس المتقاعدون وأصحاب المعاشات الأساسية هم الأحق بإنصافٍ يقي مآسيهم، والذين لا يملكون سوى صبرهم على شظف العيش؟»، وذلك في منشور عبر صفحته الرسمية على موقع «فيسبوك».

وفي سياق قريب، وفيما بدا أنه انحياز نسبي واصطفاف مؤسسي مع مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، دافعت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عن شرعية الإجراءات المتخذة، والاكتفاء بملء المقاعد الشاغرة في مجلس المفوضية، دون حله بشكل كامل.

من اجتماع سابق للمجلس الأعلى للدولة (المجلس)

وفسّرت المفوضية، في بيان صدر الثلاثاء، موقفها بالقول إن «شغل المقاعد الشاغرة تم وفقاً للمادة (10) من قانون إنشائها لسنة 2013، ولا علاقة له بالاتفاق السياسي، الذي تحاول أطراف إقحامه لأغراض تخدم أجنداتها، وتُبعد الاستحقاقات الانتخابية عن مطالب الشعب الليبي».

وحرص مجلس المفوضية في بيانه على التأكيد أنه «أثبت قدرته على إدارة العملية الانتخابية بنجاح»، لا سيما من خلال تنفيذ انتخابات المجالس البلدية في مختلف مناطق البلاد، وتجاوز التحديات والعراقيل، ورفض الخضوع لما وصفه بضغوط صادرة عن «أطراف متنفذة فقدت مصالحها».

وسبق أن رفض المجلس الأعلى للدولة أيضاً تصويت مجلس النواب على استكمال تعيينات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.

من جلسة سابقة لأعضاء مجلس النواب الليبي (المجلس)

وفي تأكيد على استمرار هذا التصعيد المؤسسي المتداخل، أعرب قضاة ليبيون عن بالغ قلقهم إزاء «تصاعد الخطاب والممارسات، التي تمس هيبة القضاء ومكانته الدستورية»، محذّرين في بيان أعقب اجتماعاً طارئاً للجمعية الليبية لأعضاء الهيئات القضائية، من أن «استمرار هذا المسار قد يقود إلى انقسام السلطة القضائية»، التي ظلت «موحّدة ومتماسكة ومحايدة رغم سنوات الصراع سواء السياسي أو العسكري».

وفي رد ضمني على دعوة رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، إلى إقالة رئيس محكمة النقض، عبد الله أبو رزيزة، وعدّه «خصماً سياسياً غير محايد»، شددت الجمعية على أن وحدة القضاء واستقلاله «خط أحمر»، داعية إلى «احترام مبدأ الفصل بين السلطات، وعدم التدخل في شؤون القضاء، أو التعرض له قولاً أو فعلاً».

كما أعلنت الجمعية أنها في حالة انعقاد دائم، وأنها أجرت سلسلة من الاتصالات والمشاورات مع جهات قضائية عدة، مشيرة إلى قرب الإعلان عن «المبادرة الوطنية لوحدة السلطة القضائية»، الهادفة إلى صون استقلال القضاء، وتجنيبه أي مظاهر انقسام أو تجاذب سياسي.

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)

ويعكس هذا التصعيد توتراً غير مسبوق بين السلطتين التشريعية والقضائية، في وقت تتواصل فيه الجهود الأممية والدولية لإعادة إطلاق العملية السياسية، وسط مخاوف كبيرة من أن يؤدي هذا التوتر إلى مزيد من الانسداد وعدم الاستقرار، وتقويض فرص التوافق والانتقال نحو انتخابات طال انتظارها.

ويتزامن هذا التصعيد المؤسسي مع استمرار الجهود الأممية لإنهاء الجمود السياسي القائم منذ عام 2021، عبر توحيد المؤسسات وإجراء الانتخابات، إلى جانب تحركات احتجاجية في الشارع، حيث شهدت العاصمة طرابلس، الاثنين، ولليوم الرابع على التوالي، مظاهرات احتجاجاً على «الفساد»، واستمرار حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

وأشعل المتظاهرون مجدداً النيران وأغلقوا الطريق أسفل كوبري المدار بوسط المدينة، فيما رصدت وسائل إعلام محلية اشتعال سيارة عسكرية، تتبع اللواء 444 قتال، التابع للحكومة، وسط غياب أي توضيح رسمي من الجهات المختصة.