تعهد الحكومة اللبنانية مجتمعة بحصرية السلاح مرتبط بموافقة «الثنائي الشيعي»

تتعرض لضغط دولي لإلزامها باتفاق برّاك لوقف النار

براك خلال تصريحه من مقر الحكومة اللبنانية في بيروت (أ.ف.ب)
براك خلال تصريحه من مقر الحكومة اللبنانية في بيروت (أ.ف.ب)
TT

تعهد الحكومة اللبنانية مجتمعة بحصرية السلاح مرتبط بموافقة «الثنائي الشيعي»

براك خلال تصريحه من مقر الحكومة اللبنانية في بيروت (أ.ف.ب)
براك خلال تصريحه من مقر الحكومة اللبنانية في بيروت (أ.ف.ب)

يقترب لبنان من الدخول في مرحلة سياسية حرجة تضعه على مفترق طرق في مواجهة مفتوحة مع المجتمعين الدولي والعربي.

وهذا ما يستدعي من حكومة الرئيس نواف سلام اتخاذ قرارها، اليوم قبل الغد، بموافقتها مجتمعة، وبلا تردد، على حصرية السلاح بيد الدولة، وإلا فسيكون لهما موقف جامع لن يكون لمصلحة البلد ويدخله في حصار غير مسبوق، ولن يجد من يتضامن معه بانكفاء أصدقائه عن مساعدته، وتراجع الاهتمام الدولي به.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية أن المباحثات التي أجراها سلام مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم تقتصر على استعداد باريس لتوفير الدعم السياسي المطلوب للتجديد لقوات الطوارئ الدولية المؤقتة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، وإنما تناولت الأسباب الكامنة وراء تعثُّر تطبيق وقف النار الذي التزم به لبنان، في مقابل امتناع إسرائيل عن تطبيقه.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يرحب برئيس الوزراء اللبناني نواف سلام قبل لقائهما في قصر الإليزيه الأسبوع الماضي (د.ب.أ)

وقالت المصادر إن ماكرون، رغم تضامنه مع لبنان، نصح سلام بضرورة التلازم بين التجديد لـ«يونيفيل»، والتزام لبنان بحصرية السلاح الذي يتطلب من الحكومة إصدار قرار بخصوصه عن مجلس الوزراء، لأن إعلان النيات لا يكفي ما لم يكن مقروناً بآلية تطبيقية، وأن اتخاذه سيتيح للبنان تجديد الدعم الدولي والعربي له للضغط على إسرائيل لإلزامها باتفاق وقف النار، وانسحابها من الجنوب تمهيداً لتطبيق القرار 1701 الذي يمكّنه من بسط سيادته على كافة أراضيه.

المبعوث الأميركي توم براك خلال لقائه الرئيس اللبناني جوزيف عون في 21 يوليو (الرئاسة اللبنانية)

ولفتت المصادر إلى أن لا مصلحة للبنان بتمديد شراء الوقت، وأن المطلوب من «حزب الله» حسم أمره بإيداع سلاحه لدى الدولة، لأنه لم يعد له من وظيفة بعد أن أدى إسناده لغزة لاختلال في توازن الردع، والإطاحة بقواعد الاشتباك لمصلحة إسرائيل، وبات يشكل عبئاً على اللبنانيين.

وكشفت أن التريُّث باتخاذ قرار بحصرية السلاح سيعرّض البلد لمزيد من الأخطار بلجوء إسرائيل إلى توسيع خروقها واعتداءاتها عليه، برغم أن جهات رسمية تنفي بأن تكون الحكومة تلقت تحذيرات دولية لاستعداد إسرائيل لشن حرب جديدة.

مروحة اتصالات

وهذا ما استدعى من سلام، بحسب المصادر، بعد تشاوره مع رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، القيام بمروحة واسعة من الاتصالات للوقوف على مدى استعداد الأطراف المشاركة في الحكومة لتأمين النصاب السياسي، وليس العددي، لعقد جلسة لمجلس الوزراء تُخصص لاتخاذ قرار يقضي بحصرية السلاح، وهو اختار اجتماعه برئيس المجلس النيابي نبيه بري كمحطة أولى تلاها استقباله للرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، فيما الحوار بين عون ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» (حزب الله) النائب محمد رعد لم ينقطع، وإن كان يجري ببطء على قاعدة تمسك عون بقراره بهذا الخصوص وعدم العودة عنه.

إنضاج الظروف

وتأكد أن للبحث صلة بين سلام وبري لإنضاج الظروف المؤاتية، كما تقول المصادر، لعقد جلسة لمجلس الوزراء وعلى جدول أعمالها التوافق على حصرية السلاح استجابة لرغبة المجتمع الدولي الذي يتعاطى مع المواقف التي صدرت سابقاً، في هذا الشأن، على أنها ليست نهائية ما لم تتبنَّ الحكومة مجتمعةً حصريته بتأييد من «حزب الله» الذي تجنّب التطرق إليها في مواقف صادرة عن مسؤوليه.

رئيس البرلمان نبيه بري مستقبِلاً رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام الأسبوع الماضي (إعلام مجلس النواب)

وترى أن سلام يحاذر دعوة مجلس الوزراء ما لم يحظَ بموافقة مسبقة من «الثنائي الشيعي» يؤيد فيها حصرية السلاح لأنه في غنى عن إقحام الحكومة في انقسام يتصدره الشيعة أحد أبرز المكونات السياسية، لئلا تتحول حكومته مع انطلاقة العهد، في سنته الأولى، إلى هيئة تتولى إدارة الأزمة بأبعادها الدولية والإقليمية.

وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر رسمية، أن لبنان وإن كان ينتظر من الوسيط الأميركي توم برّاك الجواب على رد الرؤساء الثلاثة على الأفكار التي طرحها لمساعدة لبنان على وضع آلية لتطبيق وقف النار، فإنه استبق جوابه الرسمي بسلسلة من المواقف تدور حول مطالبته بعقد جلسة لمجلس الوزراء يتبنى فيها حصرية السلاح.

زيارة رابعة

ولم تستبعد المصادر احتمال قيام برّاك بزيارة رابعة لبيروت، مع أنها لا تتوقع حصول تبدُّل في الموقف الأميركي الذي عبّر عنه موفد الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى لبنان، برغم أن جهات نيابية تأخذ عليه انقلابه على مواقفه، وتحديداً بتصنيفه، في الأحاديث التي أدلى بها، جناحَي «حزب الله» العسكري والمدني على لائحة الإرهاب، بخلاف قوله في اللقاءات المغلقة بأن «حزب الله» هو حزب سياسي.

وسألت الجهات النيابية برّاك عمّا يقصده بوصفه اجتماعه الثاني بالرئيس بري بأنه كان ممتازاً وإيجابياً بخلاف بعض ما صدر عنه، وكأنه يرد على مطالبته له بتوفير ضمانات أميركية تُلزم إسرائيل بوقف النار ليكون في وسعه التواصل مع حليفه «حزب الله» للبحث معه في الأفكار المطروحة لتطبيق اتفاق وقف النار، بدلاً من أن تواصل إسرائيل ضغطها بالنار لإلزام لبنان بشروطها؟

وقالت: هل يُعقل ألا يزور تل أبيب، فيما زار بيروت لثلاث مرات متتالية، وألا يعني هذا أنه لا مبرر لزيارته بعد تراجعه عن بعض مواقفه استجابة لطلب الإدارة الأميركية التي أوكلته بمهمة التفاوض كوسيط قبل أن تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية بلا أي تردد؟

حشر الحكومة

لذلك فإن الإجماع الدولي المؤيد لحصرية السلاح، وإن كان يتفهّم مطالبة لبنان بضمانات بانسحاب إسرائيل من دون أن يتبناه على نحو يحشر الحكومة في الزاوية في ضوء تهديد واشنطن بالتراجع عن اهتمامها بإخراجه من أزماته، كما يقول مصدر بارز في المعارضة لـ«الشرق الأوسط»، مرتبط بقرار «حزب الله» اتخاذ موقف شجاع بنزوله من أعلى الشجرة والتحاقه بركب مشروع الدولة قبل انقضاء المهلة للفرصة الدولية الممنوحة للبنان لمساعدته في الخروج من أزماته، مع تمرير رسائل للمعنيين بأنها قد تكون الأخيرة.

فهل يعيد «حزب الله» النظر في حساباته ويتموضع تحت جناح بري باعتباره الأقدر على التفاوض وتدوير الزوايا والتواصل مع القوى الخارجية المعنية بالملف اللبناني التي تولي أهمية لدوره في إقناع حليفه بتعديل موقفه قبل فوات الأوان؟


مقالات ذات صلة

التأخر بإعادة إعمار الجنوب يفجّر الاحتقان ضد الدولة اللبنانية و«حزب الله»

خاص جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)

التأخر بإعادة إعمار الجنوب يفجّر الاحتقان ضد الدولة اللبنانية و«حزب الله»

عكست الوقفات والتحركات الاحتجاجية في قرى الحافة الأمامية في جنوب لبنان، احتقاناً شعبياً على خلفية التأخر في دفع التعويضات للمتضررين

حنان حمدان (بيروت)
خاص عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خاص النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز» سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)

التعاون الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل: مبادرة ملغومة بتوقيت حساس

بينما تبدو خطوة إسرائيل مجرد انفتاح اقتصادي، إلا أنها «تحمل في جوهرها رسائل سياسية ملغومة بتوقيت حسّاس جداً»

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي رئيس الجمهورية جوزيف عون ملتقياً أعضاء وفد مجلس الأمن في القصر الرئاسي (رئاسة الجمهورية)

الرئيس اللبناني: مصممون على تنفيذ حصرية السلاح

بدأ وفد سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي زيارة إلى بيروت، حيث التقى المسؤولين، في توقيت بالغ الأهمية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

رفع الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، سقف خطابه مؤكداً أنّ المشاركة برئيس مدني في لجنة وقف إطلاق النار تمثل «إجراءً مخالفاً للتصريحات والمواقف الرسمية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«تسريبات الأسد»: شتائم للغوطة وسخرية من جنوده

الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)
الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)
TT

«تسريبات الأسد»: شتائم للغوطة وسخرية من جنوده

الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)
الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)

وسط انشغال السوريين، على المستويين الرسمي والشعبي، باحتفالات الذكرى الأولى لإطاحة نظام الرئيس بشار الأسد، ظهرت مقاطع فيديو له وهو يتحدث إلى مستشارته الإعلامية لونا الشبل، خلال جولة وهو يقود سيارة في محيط العاصمة دمشق قبل سنوات.

وبينما أشار سوريون إلى أن الأسد تحدث عن سوريا بقرف وخجل، أظهر آخرون عدم اكتراثٍ بما جاء في التسريبات، وحمدوا الله على أنه «أصبح في خبر كان».

واعتبر آخرون أن ما كشفته التسريبات بصوت الأسد يشير إلى أنه سقط مرة ثانية الآن في أعين مناصريه والذين قاتلوا إلى جانبه في سوريا ومن دول الجوار، بعدما سقط في المرة الأولى عسكرياً بدخول فصائل المعارضة دمشق، وإطاحة نظامه قبل سنة من الآن.

وبثت قناة «العربية/ الحدث» السبت، تسجيلات مصوَّرة حصرية تجمع الأسد بمستشارته السابقة لونا الشبل، التي قُتلت في ظروف غامضة عام 2024؛ إذ قيل وقتها إنها توفيت بحادث سير؛ لكن معلومات أخرى أشارت إلى أن الحادث كان مدبراً.

وظهر الأسد في أحد المقاطع وهو يوجِّه شتائم حادة متعلقة بالغوطة، قائلاً: «يلعن أبو الغوطة»، قائلاً لفريقه من الغوطة: «سندخل (منطقة) سقبا وكأني لا أعلم أنها (تحررت)».

كما تتضمن التسجيلات التي بثتها «العربية» مشاهد يسخر فيها الأسد ولونا الشبل من جنود سوريين ظهروا وهم يقبِّلون يد الرئيس المخلوع خلال لقاءات سابقة.

وفي مقطع آخر، قال الأسد للونا الشبل إنه لا يشعر بشيء عند رؤية صوره بالشوارع، وذلك بعد سؤالها له عمَّا يشعر به عند رؤية صوره بالشارع.

دمار من جرَّاء المعارك بين قوات الأسد وفصائل المعارضة السابقة في مخيم اليرموك بضواحي دمشق (إ.ب.أ)

كما أظهرت التسجيلات أن بشار الأسد ولونا الشبل وجَّها سخرية لاذعة تجاه الشرطة السورية ووزير الداخلية، وقالت مستشارته: «شو مبسوط وزير الداخلية بالشرطة تبعه، وكل شوية ينزلوله خبر على الفيس».

وعن الوضع في سوريا، قال الأسد: «لا أشعر بالخجل فقط؛ بل بالقرف». أما لونا الشبل فسخرت -من جهتها- من اللواء سهيل الحسن، قائلة: «مو فاضي، حاطط رجله على جبل قاسيون وعم يتصوَّر، ومعه مرافقون روس».

وفي مقطع آخر، ظهر الأسد وهو يسخر من اسم عائلته، قائلاً: «يجب تغييره باسم حيوان آخر».

واستقبل بعض السوريين تلك التسريبات باستخفاف؛ إذ عبَّر الصحافي وائل يوسف (40 عاماً) عن عدم اهتمامه، قائلاً إن «أصحاب هذه (الفيديوهات) أصبحوا من الماضي»، مضيفاً أنه يزعجه النظر إليهم وسماع أصواتهم. وتابع مستدركاً: «لكن يبدو أن الخوارزميات تفرضهم علينا». وقال: «أنا شخصياً لم أقدر على الاستماع لبشار حتى عندما (كان) يلقي خطاباً يُفترض أنه مهم، وإذا كنت مضطراً فإنني أقرأه مكتوباً، واليوم -والحمد لله- أصبحوا في خبر كان».

وقال رضوان (50 عاماً)، وهو من أهالي حي جوبر بدمشق الذي دمَّرته قوات الأسد: «نحن نعرف أنه أهبل (عبيط)، ولذلك ثُرنا عليه. عندما كان يقصفنا بالطائرات كنا نقول: من المستحيل أن يكون بشار الأسد سورياً؛ لأن عداءه لسوريا والسوريين غير طبيعي، والفيديوهات أثبتت ذلك، وقد شتم الغوطة وأهلها لأنها كانت مخرزاً في عينه».

سوريون يحتفلون بذكرى سقوط الأسد في دمشق يوم 5 ديسمبر الحالي (أ.ب)

وقالت المحامية نبال حمدون التي تتحضر للاحتفال بـ«عيد التحرير» مع أصدقائها: «لم نفاجأ بكلام الأسد، فقد عبَّر عنه فعلاً خلال 14 عاماً من القتل والتدمير. وإذا كانت سوريا مقرفة فالسبب فساد حكمه وحكم أبيه (الرئيس الراحل حافظ الأسد)». وأردفت: «الذين استحوا ماتوا».

أما المهندس بدر رحمة، فعبَّر عن فضوله الشديد لمعرفة إحساس الأسد وهو يراقب من موسكو الاحتفالات التي تشهدها سوريا في ذكرى سقوط نظامه، و«هل سيرى صوره تحت أقدامنا ما دام لم يكن يراها وهي معلَّقة (في الشوارع السورية) رغماً عنا في كل مكان». وقال: «أمنيتي معرفة شعور من كانت تطلب منهم لونا الشبل الصمود، وهم يسمعون اليوم صوتها تضحك وتسخر من ولائهم لرئيسها»، وكذلك «شعور الذين ما زالوا يعلِّقون الآمال على عودته مع شقيقه (ماهر) المدمن».


التأخر بإعادة إعمار الجنوب يفجّر الاحتقان ضد الدولة اللبنانية و«حزب الله»

جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

التأخر بإعادة إعمار الجنوب يفجّر الاحتقان ضد الدولة اللبنانية و«حزب الله»

جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)

عكست الوقفات والتحركات الاحتجاجية في قرى الحافة الأمامية في جنوب لبنان، احتقاناً شعبياً على خلفية التأخر في دفع التعويضات للمتضررين، ما اضطر كثيرين للخروج وبدء حياة جديدة خارج قراهم.

وقبل أسبوعين، قام أحد المواطنين في بلدة الطيبة (جنوب لبنان)، بقطع الطريق أمام منزله الذي تضرر جراء غارة إسرائيليّة طالت المكان.

وقبله، أقدم عدد من أهالي دير سريان على إقفال الطريق في البلدة، فأشعلوا الإطارات على أطراف الشارع، احتجاجاً على التأخر في تعويض أصحاب الآليات المستهدفة. أما في حولا، فظهر أحد المواطنين في مقطع فيديو، قائلاً إن خسائره لا تقل عن 6 ملايين دولار، مطالباً الدولة بالتعويض لأهل الشريط الحدودي، أسوة بما حصل في مناطق أخرى.

وتأتي هذه التحركات بعد مرور أكثر من عامين على بدء الحياة المأساوية التي يعيشها سكان البلدات الحدودية، الذين ما زالوا يختبرون تجربة النزوح بعدما خسروا منازلهم وممتلكاتهم، ولم يحصلوا على تعويضات إعادة الإعمار بعد، علماً بأن الاستهدافات الإسرائيلية لا تزال شبه يوميّة هناك، والأضرار قابلة للازدياد أكثر مع الوقت.

لحظة تدمير منزل في بلدة المجادل بقصف إسرائيلي يوم الخميس الماضي (أ.ف.ب)

ولا يكترث أبناء هذه القرى للجهة التي ستكون قادرة على تأمين الأموال ودفعها لهم، كي يتمكنوا من إعادة إعمار أحيائهم وبلداتهم هناك، فهم ينفذون احتجاجاتهم ووقفاتهم الفردية، أو على شكل مجموعات، في وجه «حزب الله» والدولة اللبنانية على حد سواء.

رفع الصوت

ويقول منسّق تجمع أبناء القرى الحدودية الجنوبية طارق مزرعاني، إن مثل هذه التحركات التي تُعد خجولة حتى الآن، ستتكرر دائماً بهدف رفع الصوت عالياً.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «مطالب الأهالي تذهب في الاتجاهين، الدولة والأحزاب؛ إذ لا يهم الناس من هي الجهة التي ستقوم بالتعويض»، ويتابع: «الدولة لا تزال غائبة هناك، ولكنها تقوم ببعض التقدم على مستوى الخدمات الأساسية، كالكهرباء والمياه».

ويلفت مزرعاني إلى أمر آخر يسعى المحتجون إلى تحقيقه، وهو تحسين واقع النازحين من هذه القرى، الذين يواجهون أزمة حقيقية، بعد أن فقدوا ما لديهم من رزق ومال ومصالح، وباتوا غير قادرين على دفع كلفة معيشتهم الأساسية؛ كدفع بدل إيجارات المنازل التي نزحوا إليها، وكلفة الطبابة، وغيرهما من الأمور.

من هنا، يؤكد مزرعاني أن بعض أبناء هذه القرى يعلمون بصعوبة تحصيلهم تعويضات إعادة الإعمار، لكنهم يطالبون الأحزاب الفاعلة في المنطقة والدولة اللبنانية بالوقوف إلى جانبهم وتحسين واقعهم، ويضيف: «منذ تأسيس التجمع، قبل نحو ستة أشهر، لمسنا تأثيره الحقيقي، ولكننا حتّى اليوم لم نرَ أي قرارات فعلية على الأرض».

القرى شبه متروكة

وكانت «كتلة التنمية والتحرير» التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري، استضافت، في الشهر الماضي، لقاءً تنسيقياً في «مجمع نبيه بري الثقافي» في المصيلح، لوضع استراتيجية لإعادة الإعمار، بحضور وزراء وممثلين عن جهات رسمية وأهلية، وتمت مناقشة الواقع الميداني.

ولا يزال الجنوبيون ينتظرون موافقة البرلمان اللبناني على قرض البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار لإعادة إعمار البنى التحتية التي تضررت جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان، وتعثر إقراره إثر مقاطعة قوى سياسية، بينها «القوات اللبنانية» و«قوى التغيير»، لجلسات البرلمان؛ بسبب الخلاف على قانون الانتخابات.

لبنانيون يراقبون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان (أ.ف.ب)

وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي علي الأمين، إن بروز مثل هذه التحركات «أمر طبيعي؛ لأن هذه القرى شبه متروكة»، ويتابع: «تأتي هذه الاحتجاجات في وجه من أدار ظهره للناس، وفي ذهنهم أن مواقفه أي (حزب الله)، تسهم في إغلاق الأفق أمام أي إمكانية للمعالجة»، على اعتبار أن مسألة حصرية السلاح هي شرط أساسي من أجل تمكين لبنان من إعادة الإعمار.

وتأتي أيضاً في سياق الضغط على الدولة اللبنانية التي «هي إلى حد كبير عاجزة»، وفق ما يقول الأمين، والذي يرى أن «الموقف الإسرائيلي الذي يمنع أي محاولة لإعادة الإعمار، والحديث عن تحويل هذه القرى إلى منطقة عازلة وغير قابلة للعيش وتحت سيطرة إسرائيلية مباشرة أو غير مباشرة، كل هذا الوضع القائم يثبت أن لا إعادة إعمار في الوقت الراهن».

عقدة سياسية دولية

ويرى الأمين أن هناك أهمية كبيرة لمثل هذه التحركات؛ إذ «رغم كل ما سبق، ورغم القبضة الأمنية الممارسة من قبل (حزب الله) على الناس، والكلفة العالية التي قد يدفع ثمنها أبناء القرى المحتجين، مثل التهديد بعدم دفع التعويضات مستقبلاً، والذي قد يكون الباب الوحيد لهم، فإنهم يرفعون الصوت عالياً».

مع العلم أن منازل وأرزاق سكان هذه المناطق مدمرة بالكامل، على عكس المناطق الأخرى التي تضررت فيها المنازل والمصالح بشكل جزئي أو كامل.

ويضيف الأمين: «هناك عقدة سياسية إقليمية دولية، والناس على دراية بأن مطالبهم ليست سهلة التحقيق في ظل الظروف الراهنة، إلا أنهم يرفعون الصوت، وهذا أضعف الإيمان؛ للتعبير عن وجعهم مما أصابهم»، وبأن «تراكم الاحتجاجات سيساعد حتماً باتجاه تحريك ومعالجة هذا الملف في المستقبل».


واشنطن محبطة بعد تراجع العراق عن تجميد أصول «حزب الله» و«الحوثي»

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الأميركي توماس برّاك في نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الأميركي توماس برّاك في نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

واشنطن محبطة بعد تراجع العراق عن تجميد أصول «حزب الله» و«الحوثي»

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الأميركي توماس برّاك في نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الأميركي توماس برّاك في نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

أعربت وزارة الخارجية الأميركية، السبت، عن «إحباطها» من قرار العراق التراجع عن تجميد أصول «حزب الله» اللبناني وجماعة «الحوثي» اليمنية، محذرة من أن الجماعتين تشكلان «خطراً» على الشرق الأوسط في ظل تصاعد التوترات الإقليمية.

ونقلت شبكة «رووداو» الكردية عن المتحدث باسم الوزارة أن الولايات المتحدة تتوقع من بغداد اتخاذ «خطوات عملية» ضد الجماعات المسلحة الموالية لإيران، بما في ذلك تلك التي تنشط داخل العراق.

وأضاف المتحدث: «(حزب الله) والحوثيون يشكلون خطراً على المنطقة والعالم، ويجب على جميع الدول ضمان عدم استخدام أراضيها لأغراض التدريب أو جمع الأموال أو الحصول على الأسلحة أو شن الهجمات».

وأكد المتحدث أن واشنطن ستواصل الضغط على بغداد للحد من أنشطة الجماعات التابعة لإيران، مشيراً إلى أن مثل هذه الجماعات تشكل تهديداً للمصالح الأميركية والعراقية. وتأتي هذه التصريحات بعد سلسلة هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ استهدفت في العام الماضي قواعد القوات الأميركية في العراق.

في المقابل، نفت رئاسة الجمهورية ووزارة الاتصالات العراقية علمهما بالقرار الذي أصدرته لجنة رسمية لتجميد أموال «حزب الله» والحوثيين. وقالت «الرئاسة» في بيان رسمي إن القرارات المتعلقة بمكافحة الإرهاب لا تُحال إليها للمصادقة، مشيرة إلى أن علمها بالقرار جاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط. وأكدت وزارة الاتصالات أن ممثلها الرسمي في اللجنة لم يكن حاضراً في الجلسة الأخيرة، حيث تم نشر مخرجاتها لاحقاً في الجريدة الرسمية.

وأثار نشر العراق، الخميس الماضي، معلومات عن تجميد أموال «حزب الله»، وجماعة «الحوثي»، باعتبارهما جماعتين «إرهابيتين»، صدمة واسعة، قبل أن تتراجع الحكومة وتقول إنه «خطأ غير منقّح» سيتم تصحيحه.

وكانت جريدة «الوقائع» الرسمية قد أعلنت قائمة تضم أكثر من 100 كيان وشخص على ارتباط بالإرهاب، في خطوة رأى مراقبون أنها كانت ستُرضي واشنطن، وتزيد الضغط على طهران، قبل سحبها.

وأثار القرار غضب قوى «الإطار التنسيقي» الموالية لإيران؛ إذ وصف قادتها خطوة الحكومة التي يرأسها محمد شياع السوداني بأنها «خيانة»، في حين نفى البنك المركزي وجود موافقة رسمية على إدراج الجماعتين.

السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص لسوريا توماس برّاك (رويترز)

انتقادات أميركية

على صعيد آخر، انتقد المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم برّاك، السياسات الأميركية في العراق والمنطقة، واصفاً التدخل الأميركي بأنه «تاريخ كارثي» استمر نحو 20 عاماً وكلف نحو ثلاثة تريليونات دولار دون تحقيق مكاسب حقيقية. وقال برّاك في مقابلة مع شبكة «ذا ناشونال» إن إيران استغلت فراغ النفوذ في العراق، وإن الفصائل المسلحة الموالية لها أصبحت تمتلك نفوذاً واسعاً داخل البرلمان العراقي، ما يعوق قدرة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على تشكيل ائتلاف حكومي فعّال.

وتقول الولايات المتحدة إنها تكثف تعاونها مع بغداد وأربيل لمنع الفصائل المسلحة الموالية لإيران من تقويض استقرار العراق، في تصريحات على هامش افتتاح واشنطن مبنى قنصلياً كبيراً في إقليم كردستان، الأسبوع الماضي. لكن برّاك رأى أن الوضع في العراق وسوريا يمكن أن يؤدي إلى تقسيم أو خلق جمهوريات فيدرالية، على غرار التجربة السابقة في يوغوسلافيا.