«بابا نويل يذوب!»... موجة حرّ غير مسبوقة تضرب القطب الشمالي

درجات الحرارة تلامس 30 مئوية وتغيُّر المناخ يُبدّل ملامح الشتاء الأبدي

«بابا نويل» يفرّ من الشمس ويتصبّب عرقاً (غيتي)
«بابا نويل» يفرّ من الشمس ويتصبّب عرقاً (غيتي)
TT

«بابا نويل يذوب!»... موجة حرّ غير مسبوقة تضرب القطب الشمالي

«بابا نويل» يفرّ من الشمس ويتصبّب عرقاً (غيتي)
«بابا نويل» يفرّ من الشمس ويتصبّب عرقاً (غيتي)

«احرصوا على توفير الماء لحيوانات الرنّة، ولا تنسوا أن ترتشفوا جرعات الماء كل ساعة». بهذه النصائح غير المعتادة يُوجّه «بابا نويل» فريق الأقزام المنهمكين في تحضير هدايا الميلاد، بينما يشهد إقليم لابي الفنلندي المعروف ببرده القارس موجة حرّ غير مسبوقة حوّلته إلى جحيم مُلتهب.

ولم يعتد سكان القطب الشمالي على رؤية «بابا نويل» وهو يُحذّر من ضربات الشمس، لكن تسجيل درجات حرارة تقترب من 30 مئوية لأيام جعله يلازم مقره، متجنّباً زيّه الأحمر المُبطّن بالفرو الذي أصبح أشبه بفرنٍ متحرّك. «لن أخرج إلا للسباحة في البحيرة وسط الغابة بعد الساعة السادسة مساءً، عندما يبدأ الطقس بالبرودة»، تنقل «بي بي سي» عن «بابا نويل» قوله وهو يتصبّب عرقاً.

بعد ربيع وصيف مبكّرَيْن باردَيْن وممطرَيْن على نحو غير معتاد، أصبحت فنلندا بأكملها، بما فيها أقصى شمال لابي الواقع على بُعد 500 كلم شمال الدائرة القطبية، فجأة في قبضة موجة حرّ مستمرّة.

وبحلول 25 يوليو (تموز)، تكون موجة الحرّ في روفانييمي قد استمرّت 15 يوماً. وفي فنلندا، تُعرَّف موجة الحرّ بأنها فترة لا تقلّ عن 3 أيام متتالية تتجاوز فيها درجة الحرارة العظمى 25 درجة مئوية.

ويشرح عالم الأرصاد الجوّية في المعهد الفنلندي للأرصاد الجوية، ياكو سافيلا، أنّ موجات الحرّ مثل هذه تُعدّ نادرة جداً في لابي، فدرجات الحرارة التي تتجاوز 30 درجة مئوية هي أمر استثنائي.

«آخر مرة شهدت فيها لابي موجة حرّ بهذا الطول كانت في عام 1972»، يقول سافيلا. ومع ذلك، لم تتجاوز الموجة حينها 12 إلى 14 يوماً، وفق الموقع المحدد. «الأرقام القياسية تتحطّم الآن». ولم تقتصر الحرارة على روفانييمي فقط، فقد سجّلت محطات أرصاد عدّة في لابي أطول موجات الحرّ على الإطلاق منذ بدء تسجيل البيانات.

وقد سُجِّلت أعلى درجة حرارة، 31.7 مئوية، في منطقتَي يليتورنو وسودانكيلا في وقت سابق من هذا الأسبوع، أي أعلى بنحو 10 درجات عن المعدّل الموسمي للمنطقة. وأثارت موجة الحرّ هذه مخاوف متجدّدة بشأن تسارع وتيرة تغيُّر المناخ في القطب الشمالي، الذي يسخن بوتيرة أسرع بـ4 إلى 5 مرات من باقي أجزاء الأرض.

ويؤكّد سافيلا أنّ هذه الموجة الطويلة من الحرارة لم تكن ناتجة بشكل مباشر عن تغيُّر المناخ، لكنه يضيف: «لقد أثَّر تغيّر المناخ بلا شكّ: فمن دونه، لكانت درجات الحرارة خلال الأسبوعين الماضيين أقلّ بكثير». ويوافقه الرأي رئيس قسم البحوث بجامعة القطب الشمالي في جامعة أولو، البروفسور جيف ويلر، قائلاً: «أصبحت موجات الحرّ والظواهر المناخية المتطرّفة في الصيف والشتاء شائعة لدرجة أنها لا يمكن أن تكون سوى نتيجة لتغيّرات أساسية في نظام المناخ». ويضيف: «في كلّ أنحاء العالم، يُعبّر تغيّر المناخ عن نفسه يومياً في شكل حرارة أو أمطار شديدة. إنّ بصمة التغيّر المناخي باتت واضحة». وتؤكّد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ التابعة للأمم المتحدة أنّ موجات الحرّ تزداد بسبب النشاط البشري، ومن المتوقَّع أن تصبح أكثر تواتراً وشدّة مع استمرار احترار الكوكب.

وتأثّرت حيوانات الرنّة الشهيرة في لابي أيضاً بهذه الحرارة الشديدة. هذه الحيوانات، التي يُحتفل بها عالمياً بكونها مُساعدة لـ«بابا نويل» في سحب زلاجته، تتجوَّل بحرّية في الغابات والجبال، لكنها الآن تتجنَّب الطرق والقرى هرباً من البعوض، الذي يزدهر في الطقس الحارّ.

ويُعلّق البروفسور ويلر: «الحلّ الوحيد أمام الرنّة هو الصعود إلى مرتفعات أعلى وأكثر رياحاً، لكن أعلى قمة في لابي لا تتجاوز 1000 متر». ويضيف: «مع استمرار موجات الحرّ الأطول والأكثر تطرّفاً مستقبلاً، قد يضطر رعاة الرنّة لبناء حظائر كبيرة لتوفير الظلّ لحيواناتهم».

ولم يقتصر الأمر على «بابا نويل» والرنة، وإنما امتدّ إلى السياح أيضاً. تقول سيلفيا، سائحة من براغ، زارت قرية عطلات «بابا نويل» في روفانييمي: «الحرّ هنا قاتل. 30 درجة مئوية تُرهقني. جئتُ لأهرب من الحرّ. كنتُ أتوقّع طقساً أبرد بكثير، وجهّزت ملابس غير مناسبة. ليس لدي سوى قميص بأكمام قصيرة واحد أرتديه يومياً».

ولا تُساعد شمس روفانييمي التي تُشرق 20 ساعة يومياً، حتى بعد الساعة 11 قبل منتصف الليل، في تبريد الأجواء.وفي الظلال داخل منتزه «بابا نويل»، تجلس أديتا من لندن، التي كانت تتوقَّع درجات حرارة أقلّ من 20 مئوية، وتقول: «لا أستطيع الخروج من الظلّ، أشعر بأنّني أشتعل حين أخرج. شيء مشابه يحدث في المملكة المتحدة، لكنّي فوجئتُ حقاً برؤية هذا عند الدائرة القطبية الشمالية. الجليد والثلج هما جوهر هذا المتنزه الترفيهي وكلّ لابي».


مقالات ذات صلة

هل تنجح الدببة القطبية في خداع الاحترار؟

يوميات الشرق يظهر دب قطبي أمام محطة أبحاث مهجورة بجزيرة كولوتشين قبالة تشوكوتكا في روسيا (أ.ب)

هل تنجح الدببة القطبية في خداع الاحترار؟

دراسة تكشف تغيّرات جينية لدى دببة جنوب شرقي غرينلاند قد تساعدها على التكيّف مع الاحترار المناخي رغم تهديد فقدان الجليد ونقص الغذاء.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم رئيس الوزراء الكندي مارك كارني (رويترز)

رئيس الوزراء الكندي يقر بأن بلاده لن تحقق أهدافها المناخية

أقر رئيس الوزراء الكندي مارك كارني في مقابلة بثتها «راديو-كندا» العامة الثلاثاء، بأن البلاد لن تتمكن من تحقيق أهدافها المناخية لعامي 2030 و2050.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
بيئة قِطع جليد عائمة في المحيط المتجمد الشمالي (رويترز-أرشيفية)

القطب الشمالي يسجّل أعلى معدل حرارة سنوي بتاريخ السجلات

سجّل العام المنصرم أكثر السنوات حرارة على الإطلاق في المنطقة القطبية الشمالية، وفق تقرير صادر عن وكالة أميركية مرجعية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم بحلول نهاية القرن لن يتبقى سوى 9 في المائة من الأنهار الجليدية (رويترز)

باحثون يتوقعون ذوبان آلاف الأنهر الجليدية سنوياً بحلول منتصف القرن

أظهرت دراسة حديثة أن آلاف الأنهر الجليدية ستختفي سنوياً خلال العقود المقبلة، ولن يتبقى منها سوى جزء ضئيل.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الدراسة الأولى من نوعها تُثبت وجود صلة بين ارتفاع درجات الحرارة وتغير نشاط الحمض النووي في الثدييات البرية (رويترز)

دراسة: ارتفاع درجات الحرارة يظهر في الحمض النووي للدببة القطبية

أظهرت دراسة حديثة أن الدببة القطبية في إحدى أسرع مناطق القطب الشمالي ارتفاعاً في درجات الحرارة تُظهر تغيرات واضحة في سلوك حمضها النووي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

كيف صنعت الجبال والبرد تنوّع النباتات عبر ملايين السنين؟

جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)
جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)
TT

كيف صنعت الجبال والبرد تنوّع النباتات عبر ملايين السنين؟

جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)
جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)

تلعب الجبال ودرجة الحرارة المنخفضة دوراً أساسياً في نشوء النباتات وتنوّعها على الأرض، إذ تشكل الارتفاعات العالية بيئات جديدة وتربط التغيرات المناخية بين سلاسل جبلية منفصلة، مما يسمح للنباتات بالانتشار والتكيف على مدى ملايين السنين.

أظهرت دراسة حديثة أجراها شينغ ياو وو وزملاؤه، في حديقة شيشوانغباننا النباتية الاستوائية بالأكاديمية الصينية للعلوم، ونُشرت في مجلة «ساينس أدفانس (Science Advances)» أن ارتفاع الجبال وانخفاض درجات الحرارة العالمية لعبا دوراً محورياً في نشوء وتنوّع النباتات الجبلية في نصف الكرة الشمالي. إذ أسهمت الجبال في خلق بيئات جديدة على ارتفاعات شاهقة، في حين سمح التبريد العالمي بربط سلاسل جبلية منفصلة، مما مكّن النباتات من الانتشار والاختلاط عبر مساحات واسعة على مدى ملايين السنين.

ركزت الدراسة على 5 أنظمة جبلية رئيسية وحلَّلت 34 مجموعة من النباتات الزهرية تضم 8456 نوعاً، لإعادة بناء تاريخ انتشار هذه النباتات وتنوعها زمنياً ومكانياً. أظهرت النتائج أن تشكّل الجبال وفّر بيئات جديدة على ارتفاعات عالية، مما أتاح فرصاً للتكيّف والتنوع المحلي، في حين ساعد انخفاض درجات الحرارة على توسيع نطاق البيئات الباردة وربط سلاسل جبلية كانت معزولة سابقاً، مما سهّل امتزاج النباتات عبر مسافات شاسعة.

كما كشفت الدراسة عن اختلافات واضحة في الآليات التطورية بين الأنظمة الجبلية. فقد تبين أن منطقة «التبت - الهيمالايا - هنغدوان» مثّلت مركزاً رئيسياً لنشوء التنوع البيولوجي، حيث نشأ أكثر من نصف الأنواع الجديدة من تطور محلي. في المقابل، أظهرت الأنظمة الجبلية الأوروبية والإيرانية - التورانية نمطاً مختلفاً، إذ تشكّلت نباتاتها الجبلية أساساً من سلالات محلية متوسطة إلى منخفضة الارتفاع، ومن ثَمَّ تكيفت لاحقاً مع البيئات العالية.

تؤكد هذه النتائج أن تنوع النباتات الجبلية لا يعود إلى عامل منفرد، بل إلى تفاعل طويل الأمد بين العمليات الجيولوجية والتغيرات المناخية العالمية. كما توفر الدراسة إطاراً لفهم كيفية استجابة النظم البيئية الجبلية للتغيرات المناخية المستقبلية، وتُسهم في توضيح الأنماط العامة لتشكّل التنوع البيولوجي على سطح الأرض.


وزير الإعلام السعودي: لا تسامح مع استخدام حرية التعبير لخلق فوضى

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
TT

وزير الإعلام السعودي: لا تسامح مع استخدام حرية التعبير لخلق فوضى

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)

شدد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، على عدم التسامح مع من يحاولون استخدام «حرية التعبير» لخلق فوضى في الفضاء الإعلامي، أو استخدام خطاب شعبوي زائف الهدف منه زيادة أعداد المتابعين، وذلك خلال المؤتمر الصحافي الحكومي بالعاصمة الرياض.

وقال وزير الإعلام السعودي إن القوانين والأنظمة في السعودية تكفل حرية التعبير كحق أصيل، لكن في الوقت نفسه تميز بوضوح بين الرأي المسؤول والنقد البناء، وبين التحريض الذي يهدف إلى التضليل أو تأجيج الرأي العام.

وبيّن أن إجراءات هيئة تنظيم الإعلام لا تستهدف الآراء أو النقد البناء، بقدر ما تأتي في إطار تطبيق الأنظمة تجاه أي ممارسات تتجاوز المسؤولية الإعلامية وتمس السلم المجتمعي.

وكشف الوزير الدوسري خلال المؤتمر، الذي عقد للحديث عن تطورات مشروع مدينة القدية، أن العمل جارٍ لإطلاق مشروع «مدرسة الموهوبين الإعلاميين»، وذلك بالتعاون مع وزارة التعليم، لاكتشاف ورعاية الموهوبين من مراحل مبكرة.

وأوضح أن مدينة القدية ستستضيف الملتقى الثاني لصناع التأثير إمباك 2026، لافتاً إلى أن العمل قائم مع الشركاء في القدية لإطلاق مشروع «بيت إمباك».

واستعرض وزير الإعلام السعودي مجموعة من الإنجازات التي حققتها السعودية خلال الفترة الماضية، ومن ذلك زيادة مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، حيث بلغت 55.4 في المائة خلال الربع الثالث من العام الماضي، مقارنة بـ45.9 في المائة في الربع الثالث من عام 2016. فيما ⁠«بلغت نسبة تملُّك الأسر السعودية للمنازل في نهاية العام الماضي 65.4 في المائة».

وتابع: ⁠«احتلّت المملكة المركز الأول عالمياً في عدد الجوائز التي نالتها في مسابقة الذكاء الاصطناعي العالمية للشباب بـ26 جائزة، كأكبر دولة في العالم تنال هذا العدد من الجوائز في تاريخ المسابقة».

وأضاف الوزير الدوسري أن قطار الرياض استقبل 120 مليون راكب منذ بدء انطلاق المشروع وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2025، وسجّل أعلى درجات الانضباط في التشغيل، بنسبة التزام بلغت 99.8 في المائة لعام 2025. مشيراً إلى أن السعودية تستهدف تنفيذ المرحلة السابعة من مشروع قطار الرياض خلال العام المقبل.

من جهته، قال العضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار»، عبد الله الداود، أن القدية مدينة فريدة من نوعها تجمع أكثر من 70 أصلاً في مكانٍ واحد، من بينها استاد الأمير محمد بن سلمان، ومجمع التنس الوطني، ومركز الفنون الأدائية، والعديد من الأصول النوعية الأخرى. ‏وأكد الداود أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يؤمن بالمشاريع النوعية التي تضيف لحياة الناس ولها القدرة على خلق اقتصادات وقطاعات جديدة، ولذلك كان كل العمل منصباً على تنفيذ أفكار الأمير محمد وتطلعاته، مشيراً إلى أن مشروع القدية يأتي من قلب «رؤية 2030»، وأن القدية تتبنى مفهوماً متكاملاً يندمج فيه الترفيه والرياضة والثقافة والسياحة بشكل متجانس.

وأعلن العضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار»، خلال المؤتمر، أن تاريخ 31 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، هو موعد افتتاح مدينة القدية لأول أصولها، منتزه «سيكس فلاغز»، مؤكداً أن الافتتاح سيشكل نقلة نوعية تحولية في مسيرة المدينة.

وأضاف الدواد أن منتزه «Six Flags» نجح في كسر عدد من الأرقام القياسية، وذلك من خلال 5 ألعاب في مكان واحد، من أبرزها لعبة أفعوانية الصقر التي تحطم 3 أرقام قياسية كأطول أفعوانية في العالم، وأسرع أفعوانية في العالم، وأعلى أفعوانية في العالم.

وكشف الداود أنه تم الانتهاء الكامل من منتزه «Six Flags» الذي صمم لاستقبال نحو 10 آلاف زائر يومياً، ومن المتوقع أن يتجاوز أعداد زوار المنتزه مليوني زائر خلال 2026، فيما تم الانتهاء من أكثر من 95 في المائة من منتزه أكواريبيا المائي وسيفتتح خلال العام المقبل، إضافة إلى المرحلة الأولى للبنية التحتية في الطرق والكهرباء والاتصالات وخدمات الطوارئ.


«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
TT

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى؛ إذ يعرف الطفل «نور» (يقوم بدوره الطفل آسر) أن «حبيبة» (ريهام عبد الغفور) هي خالته، ويتعامل معها على هذا الأساس، فالطفل المتفوق في المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر، يخطط لمفاجأة والدته في رأس السنة بزيارتها في باريس مع تحضير مفاجأة لها، لتكون العطلة بمثابة بداية لأيام مختلفة في حياته.

نشاهد الفيلم من منظور الطفل «نور» على مدار الأحداث، بداية من المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر والتي تقع بالقرب من منزل «حبيبة» وصديقتها التي تقيم معها، وكلتاهما من أصحاب «متلازمة داون»، مروراً بتواصله مع «سارة» (هنادي مهنا) باعتبارها والدته التي لم تأتِ لزيارته ولقائه من باريس منذ عامين، في حين يقتصر التواصل بينهما على الاتصالات الهاتفية.

يعتمد الفيلم بالكامل على رؤية العالم من خلال «نور»، فنحن نراه ونفهمه كما يراه هو، ونشهد تحوّلاته النفسية من دون تدخل تفسيري مباشر للقاءات التي يخوضها في الطريق مع غرباء، وتبدّل الأمكنة، والضغط المتواصل الناتج عن السفر، والظروف الاضطرارية التي تعوق ترتيب رحلته وإكمالها بالطريقة التي يريدها، مع إعادة ترتيب الأنشطة والأماكن التي يوجد فيها قبل الوصول إلى والدته.

في الأحداث التي تستمر على مدار أكثر من 90 دقيقة نتابع رحلة «نور» التي تشمل توقفات بعدد من المدن الأوروبية قبل الوصول لوجهته النهائية في باريس؛ توقفات لرغبته في تنفيذ مفاجأة استثنائية لوالدته وهدية لذكرى والده الراحل.

ريهام عبد الغفور مع عدد من الحضور في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

الفيلم الذي شارك في بطولته إلى جوار ريهام وآسر كل من هنادي مهنا، وأسماء أبو اليزيد، وعدد من الممثلين الأجانب، كتبه يوسف وجدي، ويخرجه رامي الجندي في أولى تجاربه الإخراجية، في حين صُوّر بين 6 مدن أوروبية مختلفة على مدار أكثر من عام.

وقال المخرج رامي الجندي لـ«الشرق الأوسط» إن نقطة الانطلاق في «خريطة رأس السنة» كانت تحديد زاوية الرؤية للأحداث، وإن القرار الأهم تمثّل في أن يُروى الفيلم بالكامل من داخل وعي الطفل «نور»، فالمتفرج لا يُفترض به أن يرى الشخصيات من الخارج، بل يختبر العالم بذات الدرجة من البراءة والارتباك والأسئلة غير المكتملة التي يعيشها البطل، وهو ما فرض إيقاعاً هادئاً ولغة بصرية تميل إلى المراقبة أكثر من الشرح، وفق تعبيره.

وأوضح الجندي أن «العلاقة بين (نور) و(حبيبة) لا تقوم على المفاجأة أو الاكتشاف، بل على المعرفة المسبقة، وهو ما منح الفيلم مساحة أعمق للاشتغال على الاختبار الإنساني، لا الصدمة الدرامية»، مشيراً إلى أن هذا الاختيار أتاح له التركيز على التفاصيل الصغيرة في العلاقة، وعلى التحوّلات التدريجية في فهم الطفل لمعنى المسؤولية، بدلاً من اللجوء إلى حلول سردية مباشرة.

ولفت المخرج إلى أن «اختيار التصوير في أجواء (الكريسماس) بأوروبا كان تحدياً كبيراً؛ إذ يُعد هذا التوقيت الأصعب من حيث الإجازات والتحكم في المواقع وحركة المدن»، على حد تعبيره، وقال إنه قام بتقسيم التصوير إلى ثلاث مراحل، عبر ست دول أوروبية مختلفة، معتبراً أن السيطرة على هذا الكم من التفاصيل لم تكن سهلة، لكنها كانت حاسمة للحفاظ على الإحساس الحقيقي بالطريق.

وأضاف الجندي أن «العمل مع ممثلين أجانب جرى بالكامل عبر الإنترنت، من خلال شركات متخصصة، وهو ما تطلّب تحضيرات طويلة قبل التصوير».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

وأكد مؤلف الفيلم يوسف وجدي لـ«الشرق الأوسط» أن العمل لا يتعامل مع «متلازمة داون» بوصفها موضوعاً مستقلاً، بل كجزء من نسيج إنساني أوسع، موضحاً أن «التحدي الحقيقي كان في تجنّب الخطاب المباشر أو التفسير الأخلاقي الجاهز، خصوصاً أن ما شغله منذ البداية مرتبط بطبيعة الاختلاف بين كل حالة، والتفاوت الموجود لدى كل شخص، وكيف يمكن أن يستفيد منه ليعيش حياته بشكل أفضل».

وأضاف وجدي أن «فكرة العمل استُلهمت جزئياً من قضايا حقيقية أُثيرت في فرنسا، تتعلق بالأهلية الأسرية، وبالنظرة القانونية والاجتماعية إلى مفهوم المسؤولية لمن يعاني من (متلازمة داون)»، مشيراً إلى أن هذه القضايا فتحت أمامه مساحة للتفكير في الفجوة بين القانون والمشاعر، وبين ما يُعتبر صحيحاً على الورق وما يحدث فعلياً داخل البيوت والعلاقات اليومية.