«بابا نويل يذوب!»... موجة حرّ غير مسبوقة تضرب القطب الشمالي

درجات الحرارة تلامس 30 مئوية وتغيُّر المناخ يُبدّل ملامح الشتاء الأبدي

«بابا نويل» يفرّ من الشمس ويتصبّب عرقاً (غيتي)
«بابا نويل» يفرّ من الشمس ويتصبّب عرقاً (غيتي)
TT

«بابا نويل يذوب!»... موجة حرّ غير مسبوقة تضرب القطب الشمالي

«بابا نويل» يفرّ من الشمس ويتصبّب عرقاً (غيتي)
«بابا نويل» يفرّ من الشمس ويتصبّب عرقاً (غيتي)

«احرصوا على توفير الماء لحيوانات الرنّة، ولا تنسوا أن ترتشفوا جرعات الماء كل ساعة». بهذه النصائح غير المعتادة يُوجّه «بابا نويل» فريق الأقزام المنهمكين في تحضير هدايا الميلاد، بينما يشهد إقليم لابي الفنلندي المعروف ببرده القارس موجة حرّ غير مسبوقة حوّلته إلى جحيم مُلتهب.

ولم يعتد سكان القطب الشمالي على رؤية «بابا نويل» وهو يُحذّر من ضربات الشمس، لكن تسجيل درجات حرارة تقترب من 30 مئوية لأيام جعله يلازم مقره، متجنّباً زيّه الأحمر المُبطّن بالفرو الذي أصبح أشبه بفرنٍ متحرّك. «لن أخرج إلا للسباحة في البحيرة وسط الغابة بعد الساعة السادسة مساءً، عندما يبدأ الطقس بالبرودة»، تنقل «بي بي سي» عن «بابا نويل» قوله وهو يتصبّب عرقاً.

بعد ربيع وصيف مبكّرَيْن باردَيْن وممطرَيْن على نحو غير معتاد، أصبحت فنلندا بأكملها، بما فيها أقصى شمال لابي الواقع على بُعد 500 كلم شمال الدائرة القطبية، فجأة في قبضة موجة حرّ مستمرّة.

وبحلول 25 يوليو (تموز)، تكون موجة الحرّ في روفانييمي قد استمرّت 15 يوماً. وفي فنلندا، تُعرَّف موجة الحرّ بأنها فترة لا تقلّ عن 3 أيام متتالية تتجاوز فيها درجة الحرارة العظمى 25 درجة مئوية.

ويشرح عالم الأرصاد الجوّية في المعهد الفنلندي للأرصاد الجوية، ياكو سافيلا، أنّ موجات الحرّ مثل هذه تُعدّ نادرة جداً في لابي، فدرجات الحرارة التي تتجاوز 30 درجة مئوية هي أمر استثنائي.

«آخر مرة شهدت فيها لابي موجة حرّ بهذا الطول كانت في عام 1972»، يقول سافيلا. ومع ذلك، لم تتجاوز الموجة حينها 12 إلى 14 يوماً، وفق الموقع المحدد. «الأرقام القياسية تتحطّم الآن». ولم تقتصر الحرارة على روفانييمي فقط، فقد سجّلت محطات أرصاد عدّة في لابي أطول موجات الحرّ على الإطلاق منذ بدء تسجيل البيانات.

وقد سُجِّلت أعلى درجة حرارة، 31.7 مئوية، في منطقتَي يليتورنو وسودانكيلا في وقت سابق من هذا الأسبوع، أي أعلى بنحو 10 درجات عن المعدّل الموسمي للمنطقة. وأثارت موجة الحرّ هذه مخاوف متجدّدة بشأن تسارع وتيرة تغيُّر المناخ في القطب الشمالي، الذي يسخن بوتيرة أسرع بـ4 إلى 5 مرات من باقي أجزاء الأرض.

ويؤكّد سافيلا أنّ هذه الموجة الطويلة من الحرارة لم تكن ناتجة بشكل مباشر عن تغيُّر المناخ، لكنه يضيف: «لقد أثَّر تغيّر المناخ بلا شكّ: فمن دونه، لكانت درجات الحرارة خلال الأسبوعين الماضيين أقلّ بكثير». ويوافقه الرأي رئيس قسم البحوث بجامعة القطب الشمالي في جامعة أولو، البروفسور جيف ويلر، قائلاً: «أصبحت موجات الحرّ والظواهر المناخية المتطرّفة في الصيف والشتاء شائعة لدرجة أنها لا يمكن أن تكون سوى نتيجة لتغيّرات أساسية في نظام المناخ». ويضيف: «في كلّ أنحاء العالم، يُعبّر تغيّر المناخ عن نفسه يومياً في شكل حرارة أو أمطار شديدة. إنّ بصمة التغيّر المناخي باتت واضحة». وتؤكّد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ التابعة للأمم المتحدة أنّ موجات الحرّ تزداد بسبب النشاط البشري، ومن المتوقَّع أن تصبح أكثر تواتراً وشدّة مع استمرار احترار الكوكب.

وتأثّرت حيوانات الرنّة الشهيرة في لابي أيضاً بهذه الحرارة الشديدة. هذه الحيوانات، التي يُحتفل بها عالمياً بكونها مُساعدة لـ«بابا نويل» في سحب زلاجته، تتجوَّل بحرّية في الغابات والجبال، لكنها الآن تتجنَّب الطرق والقرى هرباً من البعوض، الذي يزدهر في الطقس الحارّ.

ويُعلّق البروفسور ويلر: «الحلّ الوحيد أمام الرنّة هو الصعود إلى مرتفعات أعلى وأكثر رياحاً، لكن أعلى قمة في لابي لا تتجاوز 1000 متر». ويضيف: «مع استمرار موجات الحرّ الأطول والأكثر تطرّفاً مستقبلاً، قد يضطر رعاة الرنّة لبناء حظائر كبيرة لتوفير الظلّ لحيواناتهم».

ولم يقتصر الأمر على «بابا نويل» والرنة، وإنما امتدّ إلى السياح أيضاً. تقول سيلفيا، سائحة من براغ، زارت قرية عطلات «بابا نويل» في روفانييمي: «الحرّ هنا قاتل. 30 درجة مئوية تُرهقني. جئتُ لأهرب من الحرّ. كنتُ أتوقّع طقساً أبرد بكثير، وجهّزت ملابس غير مناسبة. ليس لدي سوى قميص بأكمام قصيرة واحد أرتديه يومياً».

ولا تُساعد شمس روفانييمي التي تُشرق 20 ساعة يومياً، حتى بعد الساعة 11 قبل منتصف الليل، في تبريد الأجواء.وفي الظلال داخل منتزه «بابا نويل»، تجلس أديتا من لندن، التي كانت تتوقَّع درجات حرارة أقلّ من 20 مئوية، وتقول: «لا أستطيع الخروج من الظلّ، أشعر بأنّني أشتعل حين أخرج. شيء مشابه يحدث في المملكة المتحدة، لكنّي فوجئتُ حقاً برؤية هذا عند الدائرة القطبية الشمالية. الجليد والثلج هما جوهر هذا المتنزه الترفيهي وكلّ لابي».


مقالات ذات صلة

الجفاف يلاحق أنهاراً بالمنطقة... أزمة مناخ أم ممارسات بشرية؟

المشرق العربي مجرى نهر العاصي في منطقة جسر الشغور غربي إدلب وقد بدا جافاً تماماً أغسطس الماضي (أ.ب)

الجفاف يلاحق أنهاراً بالمنطقة... أزمة مناخ أم ممارسات بشرية؟

تقرير يرصد أبرز الأنهار التي تعرضت لعوامل شديدة من الجفاف في المنطقة، إضافة إلى تعليق خبير في الشأن المناخي عن الأزمة وأبرز سُبل الحل.

يسرا سلامة (القاهرة)
شؤون إقليمية صورة تُظهر انخفاض مستويات المياه خلف سد على طول نهر الكرخة بسلسلة جبال البرز شمال إيران (أ.ف.ب) play-circle

إيران توقف توليد الكهرباء من سدّ مائي كبير بسبب الجفاف

أوقفت السلطات الإيرانية إنتاج الكهرباء من أحد أكبر سدود البلاد، بسبب انخفاض ملحوظ في منسوب المياه بالخزان، حسبما ذكرت وسائل إعلام رسمية.

«الشرق الأوسط» (طهران)
آسيا امرأة أثناء زيارتها لمنطقة ضربتها فيضانات مفاجئة مميتة عقب هطول أمطار غزيرة في منطقة بيروين (رويترز)

إندونيسيا: ارتفاع حصيلة قتلى الفيضانات والانهيارات الأرضية إلى 248

كافح عمال الإنقاذ في إندونيسيا اليوم للوصول إلى الضحايا في كثير من المناطق المدمرة التي ضربها زلزال وفيضانات.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
المشرق العربي صورة مثبتة من مقطع فيديو يظهر جفاف نهر العاصي في سوريا بالكامل

للمرة الأولى في التاريخ... نهر العاصي يجف بالكامل في سوريا

يشهد نهر العاصي في سوريا جفافًا كاملًا للمرة الأولى في تاريخه، في حدث يشكل سابقة بالنسبة للشريان المائي الحيوي في البلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
خاص رغم اختلاف البيئات بين السعودية وبريطانيا وأستراليا تجمع المشاريع رؤية بناء زراعة مرنة وقادرة على مواجهة التغير المناخي (أدوبي)

خاص من السعودية إلى أستراليا وبريطانيا… ابتكارات طلابية ترسم مستقبل الزراعة

كشفت 3 مشاريع طلابية من السعودية وأستراليا وبريطانيا مستقبلاً زراعياً جديداً يعتمد على الري الذكي وإنعاش التربة وتحليلها لحظياً، لبناء زراعة مرنة.

نسيم رمضان (دبي)

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.


«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
TT

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بالتزامن مع ليلة «رأس السنة»، بعدما رفضت محكمة القضاء الإداري جميع الدعاوى التي طالبت بمنعه، واستند الحكم إلى حصول الفيلم على التراخيص المطلوبة من الرقابة على المصنفات الفنية، وفق منتجه.

الفيلم الذي كان مقرراً عرضه في شهر أغسطس (آب) 2024، تأجّل طرحه أكثر من مرة بسبب تجدد الدعاوى القضائية، من بينها دعوى المحامي مرتضى منصور، بالإضافة إلى الجدل الذي أُثير حوله عقب عرض «البرومو الترويجي»، واعتبار البعض أنه عمل مسيء من الناحية الدينية، إلى جانب تعرّضه لأزمات أخرى، من بينها التحفّظات الرقابية، وانسحاب الفنان الراحل مصطفى درويش من العمل احتجاجاً على آراء مؤلفه.

لقطة من البرومو الترويجي لفيلم «الملحد» (الشركة المنتجة)

وانتقد عدد من الفنانين والنقاد والجمهور، وبعض صنّاعه، منع الفيلم عبر منشورات «سوشيالية»، مؤكدين أن المنع ليس حلاً، وأن حرية الإبداع حق للجميع، ولا بدّ من المشاهدة قبل الاعتراض لوضع تصوّر كامل عن فكرة أي عمل فني.

من جانبه أكّد المنتج أحمد السبكي أن الفيلم حصل على جميع التراخيص والموافقات الرقابية اللازمة، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قرار تأجيل العرض كان بسبب المناوشات (السوشيالية) من بعض المحامين، التي حصلت بالتزامن مع طرح البرومو الترويجي، وليس لأسباب أخرى».

وأوضح السبكي أن العرض سيتم دون أي تعديل أو حذف، بعدما أصدر القضاء الإداري حكماً يقضي برفض جميع الدعاوى المقامة لمنع عرضه. وقال: «لا توجد أي إشارة تمنع عرضه، وبحوزتي النصّ القانوني الذي يؤكد أن العمل لا يتضمّن أي إساءة كما اعتقد بعضهم، وقد صدر الحكم قبل المشاهدة».

وأشار السبكي إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على آراء الجمهور قبل مشاهدة العمل، قائلاً: «في عصر (السوشيال ميديا)، يتشكّل رأي الناس بسرعة من خلال البرومو، وهذا أمر طبيعي، لكننا نؤكد أن الحكم النهائي يعود للمشاهد بعد مشاهدة الفيلم كاملاً».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

واتّفق نقاد على أن المنع يحدّ من حرية الإبداع؛ إذ أكدت الكاتبة والناقدة المصرية صفاء الليثي رفضها لفكرة المنع، خصوصاً بعد حصول الفيلم على الموافقات الرقابية وتصويره بالفعل. وأشارت إلى أن «المنع بعد إنجاز الفيلم مشكلة كبيرة وكارثة على الصناعة، كما أنه أسلوب غير واقعي؛ فالجمهور اليوم يستطيع الوصول إلى كل الأفكار بسهولة، ولم يعد الاطلاع على أي موضوع أمراً صعباً».

وقالت صفاء الليثي في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إن «سياسة المنع لا بدّ من التراجع عنها؛ فمن غير المعقول الحكم على عمل من اسمه أو من لقطاته الترويجية. فالأسماء أحياناً تكون وسيلة للجذب التجاري، وكذلك الأمر بالنسبة للبرومو، الذي لا يُفترض أن يكون ملخصاً للفيلم، بل قد يُستخدم فقط لجذب الجمهور. والحكم من خلاله غير صائب، فهو دافع للمشاهدة لا سبب للرفض والمنع».

ويتناول فيلم «الملحد» قضية فكرية واجتماعية بطريقة درامية، من خلال قصة رجل دين متشدّد وابنه الذي يتمرّد على أفكاره ويعلن إلحاده. والفيلم من بطولة أحمد حاتم، وحسين فهمي، ومحمود حميدة، وصابرين، وتارا عماد، ونخبة من الفنانين، وهو من إخراج محمد العدل، وتأليف إبراهيم عيسى، وإنتاج أحمد السبكي.

من جهتها أكدت الناقدة الفنية المصرية فايزة هنداوي أن «حرية الإبداع مكفولة للجميع، وأنها ضدّ المنع مطلقاً»، لافتةً في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عرض (الملحد) بعد رفض كبير يُعد مؤشراً جيداً إلى أن الحرية تبقى أول العناصر الضرورية للإبداع».