اتفاق جمركي «تاريخي» بين أميركا واليابان

ترمب خفّض الرسوم مقابل استثمارات ضخمة وسط غموض في التفاصيل وتفاعل قوي من الأسواق

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا في مناسبة سابقة بالبيت الأبيض في شهر فبراير الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا في مناسبة سابقة بالبيت الأبيض في شهر فبراير الماضي (أ.ف.ب)
TT

اتفاق جمركي «تاريخي» بين أميركا واليابان

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا في مناسبة سابقة بالبيت الأبيض في شهر فبراير الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا في مناسبة سابقة بالبيت الأبيض في شهر فبراير الماضي (أ.ف.ب)

في خطوة عدّها مراقبون مفصلية في مسار العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة واليابان، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن التوصل إلى اتفاق تجاري «تاريخي» مع طوكيو، يتضمن خفضاً كبيراً في الرسوم الجمركية على السيارات اليابانية، مقابل حزمة استثمارية يابانية بقيمة 550 مليار دولار.

وجاء هذا التطور وسط تحركات دبلوماسية وتجارية حثيثة من البيت الأبيض لعقد صفقات مع حلفاء آسيويين قبيل الموعد النهائي في الأول من أغسطس (آب) لفرض رسوم جديدة.

الصفقة، التي وُصفت بأنها «الأكبر من نوعها»، حسب تعبير ترمب، أثارت ردود فعل واسعة في الأسواق العالمية، خصوصاً في قطاع السيارات، وشكَّلت نقطة تحوّل في علاقات البلدين التي طالما تأرجحت بين التعاون والتوتر.

بائع صحف في العاصمة اليابانية طوكيو يحمل جريدة تبرز إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن الاتفاق التجاري مع اليابان (أ.ب)

ملامح الاتفاق

وحسب المعلومات المتاحة، ينص الاتفاق على خفض الرسوم الجمركية الأميركية على واردات السيارات اليابانية من 27.5 في المائة إلى 15 في المائة، بما في ذلك الرسوم الأساسية التي تبلغ 2.5 في المائة، والرسوم الإضافية المفروضة منذ أبريل (نيسان) الماضي بنسبة 25 في المائة. كما يشمل تخفيضاً للرسوم التي كان من المقرر تطبيقها من 1 أغسطس على سلع يابانية أخرى، من 25 إلى 15 في المائة.

في المقابل، وافقت اليابان على تقديم حزمة تمويل واستثمار تشمل قروضاً وضمانات حكومية بقيمة 550 مليار دولار، بهدف دعم الشركات اليابانية في بناء سلاسل توريد مرنة في قطاعات استراتيجية، مثل الأدوية وأشباه الموصلات، وهي قطاعات تواجه فيها الولايات المتحدة تحديات هيكلية منذ جائحة «كورونا».

وأشاد رئيس الوزراء الياباني، شيغيرو إيشيبا، بالاتفاق، وعدّه بدوره «تاريخياً»، مؤكداً أنه يُمثل أدنى مستوى من الرسوم المفروضة على دولة لديها فائض تجاري مع الولايات المتحدة. وقد بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين نحو 230 مليار دولار في عام 2024، منها 70 مليار دولار فائضاً لصالح اليابان.

شاشة في بورصة العاصمة اليابانية طوكيو تظهر حركة الأسهم التي شهدت صعوداً كبيراً يوم الأربعاء (أ.ف.ب)

قفزة في أسهم السيارات

وردّت الأسواق المالية بسرعة على الاتفاق، فقد ارتفع مؤشر «نيكي» الياباني بنسبة 4 في المائة، مسجلاً أعلى مستوى له منذ عام، مدفوعاً بارتفاع كبير في أسهم شركات السيارات. وسجّلت «تويوتا» قفزة بأكثر من 14 في المائة، في حين ارتفعت أسهم «هوندا» بنحو 11 في المائة.

وتجاوز تأثير الاتفاق حدود اليابان؛ حيث شهدت أسهم شركات صناعة السيارات الأوروبية والكورية الجنوبية ارتفاعاً واضحاً بدافع التفاؤل في إمكانية توصل بلدانهم إلى اتفاقات مماثلة مع واشنطن.

كما أبدى نائب محافظ بنك اليابان، شينيتشي أوشيدا، تفاؤله بالاتفاق، وعدّه «تقدماً كبيراً» يُخفف من حالة عدم اليقين الاقتصادي، ما يزيد من فرص تحقيق هدف البنك المركزي البالغ 2 في المائة للتضخم.

تحفظات وانتقادات

لكن في الداخل الأميركي، لم يكن الاتفاق موضع ترحيب بالإجماع، فقد أعربت شركات صناعة السيارات الأميركية عن قلقها من الاتفاق، عادّة أنه يمنح الأفضلية للمركبات اليابانية على حساب تلك المصنعة في أميركا الشمالية.

وقال مات بلانت، رئيس مجلس سياسة السيارات الأميركي: «أي اتفاق يفرض تعريفة أقل على الواردات اليابانية التي لا تحتوي تقريباً على مكونات أميركية، مقارنة بالرسوم على المركبات المصنّعة في أميركا الشمالية ذات المكونات الأميركية العالية، هو اتفاق سيئ لصناعة السيارات الأميركية وعمالها».

كما لا يشمل الاتفاق واردات الصلب والألمنيوم اليابانية، التي تظل خاضعة لرسوم إضافية بنسبة 50 في المائة. وأكد المفاوض الياباني، ريوسي أكازاوا، أن هذه المواد لم تُدرج ضمن الاتفاق، وكذلك الإنفاق الدفاعي، الذي كان أحد مطالب إدارة ترمب في وقت سابق.

عشرات السيارات المعدة للتصدير مصفوفة في ميناء يوكوهاما الياباني (رويترز)

أبعاد سياسية واقتصادية أوسع

ويُعد الاتفاق إنجازاً شخصياً للرئيس ترمب، الذي كتب عبر منصته «تروث سوشيال»: «لقد أبرمنا للتو أكبر صفقة تجارية في التاريخ مع اليابان». وعبّر في تصريح لاحق من البيت الأبيض عن أمله في تشكيل مشروع مشترك مع اليابان لدعم خط أنابيب غاز في ألاسكا، ما يُشير إلى توجّه نحو توسيع التعاون الاقتصادي، ليشمل الطاقة والبنية التحتية.

من جانبه، أعرب أكازاوا، كبير المفاوضين اليابانيين، عن ارتياحه. وكتب عبر منصة «إكس»: «المهمة-أُنجزت»، مُلمّحاً إلى أن الاتفاق جاء بعد مفاوضات ماراثونية، وأنه تم التوصل إليه بعد تنازلات من الطرفين، خصوصاً بشأن اختبارات السلامة اليابانية على السيارات الأميركية المستوردة، والتي تعهدت طوكيو بالتخلي عنها.

نقاط من الغموض

ورغم الأجواء الاحتفالية التي صاحبت الإعلان، فإن الاتفاق لا يخلو من الغموض، سواء من حيث تفاصيل التنفيذ، أو الشروط الدقيقة المرتبطة بالاستثمارات اليابانية. وكان من أبرز الدلائل على ذلك تصريح رئيس الوزراء إيشيبا نفسه بأن حكومته «ستدرس تفاصيل الاتفاق بعناية» قبل تقديم تقييم نهائي.

رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا يتحدث إلى الصحافيين يوم الأربعاء عقب الإعلان عن الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة (إ.ب.أ)

كما غابت عن الاتفاق قضايا جوهرية، مثل أسعار الصرف، التي لطالما كانت نقطة خلاف بين البلدين. وأكد وزير المالية الياباني، كاتسونوبو كاتو، أن الاتفاق لم يتضمن أي إشارة إلى أسعار صرف العملات، رغم توقعات بأن واشنطن قد تضغط على طوكيو لتعزيز قيمة الين مقابل الدولار.

في السياق ذاته، لم يتضمن الاتفاق بنداً يتعلق بالإنفاق الدفاعي الياباني، وهو مطلب كرّره ترمب في عدة مناسبات، عاداً أن على الحلفاء دفع حصة أكبر من تكاليف الدفاع المشترك.

انعكاسات دولية

وجاء الاتفاق الياباني-الأميركي في وقت تسعى إدارة ترمب لإبرام سلسلة من الاتفاقات الثنائية قبل الأول من أغسطس، وهي المهلة التي حدّدها الرئيس الأميركي لتطبيق رسوم جمركية جديدة على الدول غير المتعاونة.

فقد أعلنت واشنطن مؤخراً عن اتفاقيات إطارية مع كل من بريطانيا، وإندونيسيا، والفلبين، فيما تُشير الأنباء إلى وصول وفد من الاتحاد الأوروبي إلى واشنطن لبدء مفاوضات مماثلة. كما هدأت معركة الرسوم الجمركية المتبادلة مع الصين مؤقتاً، رغم بقاء عدد من القضايا العالقة.

ويرى محللون أن اتفاق ترمب مع اليابان يمكن أن يُشكل نموذجاً للعلاقات التجارية الأميركية في المرحلة المقبلة، يقوم على خفض الرسوم مقابل التزامات استثمارية ملموسة، في وقت يُحاول فيه البيت الأبيض تقليص العجز التجاري المزمن للولايات المتحدة.

ويُمثل الاتفاق خطوة قوية تحمل في طياتها فرصاً اقتصادية واعدة، ولكنها أيضاً تكشف عن توازنات معقّدة في النظام التجاري العالمي. وفي حين تنظر الأسواق إليه بتفاؤل، يتطلّب نجاحه الفعلي تنفيذاً شفافاً وتوازناً دقيقاً بين مصالح الدولتين.

أما على المستوى الدولي، فإن الاتفاق يُرسل رسالة واضحة، مفادها أن الإدارة الأميركية عازمة على إعادة تشكيل قواعد التجارة العالمية وفق معايير جديدة، تتخطى الاتفاقات متعددة الأطراف، نحو نهج ثنائي أكثر مباشرة؛ وإن كان أكثر جدلاً.


مقالات ذات صلة

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

الاقتصاد علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

أظهرت دراسة أجرتها جمعية الأعمال «إيكونومي سويس» أن الشركات السويسرية تخطط لنقل جزء من عملياتها وإنتاجها إلى الخارج لمواجهة تأثير الرسوم الجمركية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (زيورخ)
الاقتصاد زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)

حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

أكّد وزراء في الحكومة اليابانية، يوم الجمعة، أن تحديد أدوات السياسة النقدية يظل من اختصاص بنك اليابان بالكامل.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)

الاقتصاد اليوناني يواصل تعافيه في الربع الثالث

يواصل الاقتصاد اليوناني مسار التعافي بثبات، بعدما سجل نمواً بنسبة 0.6 في المائة في الربع الثالث من 2025 مقارنة بالربع السابق.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
الاقتصاد صورة عامة لمشروع «وايتستابل هايتس» السكني الجديد في بريطانيا (رويترز)

سوق الإسكان البريطاني يواصل التباطؤ في نوفمبر قبل إعلان الموازنة

أظهرت بيانات صادرة عن «بنك هاليفاكس» للتمويل العقاري، يوم الجمعة، أن سوق الإسكان في المملكة المتحدة شهد تباطؤاً في نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مبنى البورصة في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)

«إنفيديا الصين» تنهي 3 أيام من تراجع الأسهم الصينية

ارتفعت أسهم الصين يوم الجمعة، منهيةً سلسلة خسائر استمرت 3 أيام، ومعاكسةً خسائرها السابقة خلال الأسبوع

«الشرق الأوسط» (بكين)

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
TT

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)

أظهرت دراسة أجرتها جمعية الأعمال «إيكونومي سويس»، أن الشركات السويسرية تخطط لنقل جزء من عملياتها وإنتاجها إلى الخارج لمواجهة تأثير الرسوم الجمركية الأميركية.

واستطلعت الدراسة آراء أكثر من 400 شركة قبل وبعد موافقة سويسرا الشهر الماضي، على اتفاق لخفض الرسوم الجمركية الأميركية من 39 في المائة إلى 15 في المائة، حيث حدد نحو ربع الشركات بالفعل خطوات ملموسة ستتخذها، وفق «رويترز».

وأشارت الدراسة إلى أن ما يقرب من ثلث هذه الشركات قررت زيادة استثماراتها خارج سويسرا، ونقل إنتاجها وعملياتها إلى الخارج. وأفاد نحو 16 في المائة من الشركات بأنها ستنقل عملياتها إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، فيما ستتجه 10 في المائة إلى الولايات المتحدة، و5 في المائة أخرى نحو الاتحاد الأوروبي.

وشملت الخيارات الأخرى البحث عن أسواق جديدة، ورفع الأسعار، وحتى تعليق الصادرات إلى الولايات المتحدة.

وقال رودولف مينش، كبير الاقتصاديين في «إيكونومي سويس»، إن نقل العمليات والاستثمار في الخارج لم يضر بسويسرا، التي تظل وجهةً تجارية جاذبة، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على الوظائف التي تتطلب مهارات عالية وأنشطة البحث والتطوير.

وكجزء من الاتفاق، تعهدت برن أيضاً باستثمارات بقيمة 200 مليار دولار من شركاتها في الولايات المتحدة، ما أثار مخاوف بشأن التأثير الاقتصادي المحتمل على المدى الطويل.

وأشار بنك «يو بي إس» إلى أنه في حال نقل صناعة الأدوية - أكبر قطاع تصدير في سويسرا - جميع إنتاجها المتجه إلى الولايات المتحدة إلى هناك، فإن النمو الاقتصادي التراكمي السويسري على مدى 5 سنوات سينخفض من 10 في المائة إلى 7.7 في المائة.

وأضاف مينش أن سويسرا أصغر من أن تستوعب مبلغ 200 مليار دولار، لكنها تمتلك تاريخاً طويلاً في الاستثمار بالخارج، وقد ساعدت هذه الاستثمارات أيضاً في تأمين فرص عمل داخل البلاد.


حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
TT

حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)

أكّد وزراء في الحكومة اليابانية، يوم الجمعة، أن تحديد أدوات السياسة النقدية يظل من اختصاص بنك اليابان بالكامل، وذلك وسط توقعات متزايدة بأن يقدم البنك على رفع أسعار الفائدة خلال اجتماعه في ديسمبر (كانون الأول) الجاري. وقال وزير إنعاش الاقتصاد مينورو كيووتشي إن الحكومة «تأمل أن يواصل بنك اليابان إدارة السياسة النقدية بالشكل المناسب لتحقيق استقرار التضخم عند 2 في المائة، بالتعاون الوثيق مع الحكومة»، مضيفاً أن قرار رفع الفائدة وآلياته أمر يعود للبنك المركزي وحده.

وفي مؤتمر منفصل، أعرب كبير أمناء مجلس الوزراء مينورو كيّهارا عن قلق طوكيو من التحركات السريعة من جانب واحد في سوق العملات، خصوصاً مع تراجع الين لمستويات قرب 155 للدولار. وقال كيّهارا: «نراقب السوق عن كثب، ومستعدون لاتخاذ الإجراءات المناسبة ضد التحركات المفرطة أو غير المنتظمة، بما في ذلك سلوكيات المضاربة». وتأتي تلك التصريحات في حين يقترب بنك اليابان من إنهاء مرحلة أسعار الفائدة شديدة الانخفاض بعد عقود من السياسات التيسيرية.

وفي تحليل نشرته «رويترز»، أفاد مسؤولون بأن رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي بدأت تنتهج خطاباً أكثر حذراً تجاه الأسواق بعد ارتفاع حاد في عوائد السندات اليابانية طويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها منذ 2007. وخلال اجتماع مع فريقها الاقتصادي في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عرضت وزيرة المالية ساتسوكي كاتاياما على تاكايتشي مخططاً يوضح تسارع عمليات بيع السندات وارتفاع تكلفة الاقتراض، وهو ما جعل تعبيرات رئيسة الوزراء «أكثر جدية»، وفق مصدر مطّلع. وتاكايتشي، التي تُعد من ورثة «أبينوميكس»، تواجه تحدياً كبيراً في تمويل خطتها التحفيزية البالغة 137 مليار دولار، والمعتمدة في جزء كبير منها على إصدار ديون جديدة. وتحاول رئيسة الوزراء تهدئة الأسواق، نافية أن تواجه اليابان سيناريو مشابهاً لـ«صدمة تراس» في بريطانيا عام 2022، التي شهدت انهيار السندات والإطاحة بالحكومة على خلفية تمويل خطط إنفاق غير ممولة.

وتكشف التحليلات أن تراجع مشتريات بنك اليابان وشركات التأمين المحلية يضع عبئاً كبيراً على سوق السندات؛ إذ تشير تقديرات بنك أوف أميركا إلى أن صافي المعروض سيرتفع بـ11 تريليون ين إضافية في 2026. وقال مدير محافظ في طوكيو: «خطة تاكايتشي تعتمد على نمو اقتصادي قوي... لكن إذا لم يتحقق هذا النمو، فلن يبقى إلا جبل الديون». كما بدأ بعض المستثمرين بالرهان على مزيد من انخفاض الين وارتفاع عوائد السندات، بسبب التوقعات برفع الفائدة قريباً.

من جانبه، قال محافظ بنك اليابان كازو أويدا إن هناك «عدم يقين» بشأن المستوى المناسب لرفع الفائدة مستقبلاً، لافتاً إلى أن المعدل الطبيعي (الحيادي) في اليابان يتراوح بين 1 في المائة و2.5 في المائة. ومن المتوقع أن يصبح مؤتمر أويدا الصحافي في 19 ديسمبر (كانون الأول) الحدث الأكثر أهمية للأسواق، مع محاولة المستثمرين استشراف مسار التشديد النقدي في 2026.


الاقتصاد اليوناني يواصل تعافيه في الربع الثالث

إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)
إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)
TT

الاقتصاد اليوناني يواصل تعافيه في الربع الثالث

إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)
إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)

يواصل الاقتصاد اليوناني مسار التعافي بثبات، بعدما سجل نمواً بنسبة 0.6 في المائة في الربع الثالث من 2025 مقارنة بالربع السابق، مدفوعاً بارتفاع الاستثمارات وتحسن الاستهلاك المحلي، وفقاً للبيانات الأولية الصادرة عن هيئة الإحصاء اليونانية يوم الجمعة.

وجرى تعديل نمو الربع الثاني بالخفض إلى 0.4 في المائة، إلا أن الربع الثالث أظهر ديناميكية أقوى في القطاعات الإنتاجية والاستهلاكية، في مؤشر على استمرار زخم النمو رغم الضغوط التي تواجه الاقتصاد الأوروبي عموماً.

وأظهرت البيانات المعدلة موسمياً ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي النهائي بنسبة 0.6 في المائة، حيث ارتفع استهلاك الأسر بنسبة 1.2 في المائة، وزاد إنفاق القطاع الحكومي بنسبة 2.3 في المائة. ويعكس هذا الاتجاه تحسناً في ثقة المستهلكين، وتوسّعاً في الطلب المحلي، وهو عامل أساسي في اقتصاد يعتمد على الاستهلاك والسياحة.

وسجّل إجمالي تكوين رأس المال الثابت، وهو مؤشر رئيسي لقياس الاستثمار في الأصول طويلة الأجل، مثل المنشآت والبنية التحتية، ارتفاعاً لافتاً بلغ 3.5 في المائة، مقارنة بالربع السابق. ويأتي هذا التحسن في إطار سعي أثينا إلى جذب مزيد من الاستثمارات المدعومة بإصلاحات هيكلية وبرامج تمويل أوروبية ضمن خطة التعافي من آثار الجائحة.

كما سجّلت الصادرات، وخدمات السياحة التي تُعد ركيزة مهمة للدخل القومي، ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 0.2 في المائة. وفي حين تراجعت الواردات إجمالاً بنسبة 1.6 في المائة، وكانت الواردات السلعية الأكثر تأثراً بتراجع بلغ 2.3 في المائة، فقد ارتفعت واردات الخدمات 1 في المائة. وساهم تراجع الواردات في تخفيف الضغط على الميزان التجاري خلال الربع الثالث.

وفي تطور لافت يعزز صورة التعافي الاقتصادي، انخفض معدل البطالة في اليونان خلال الربع الثالث إلى 8.2 في المائة، مقارنة بـ8.6 في المائة في الربع الثاني، وفق بيانات هيئة الإحصاء الصادرة يوم الخميس. وحسب الأرقام، فقد بلغت البطالة بين النساء 10.6 في المائة مقابل 6.2 في المائة للرجال. وكان ما يقرب من 59 في المائة من العاطلين عن العمل هم من العاطلين لفترات طويلة (12 شهراً فأكثر). ويمثل هذا المعدل الأدنى للبطالة منذ أكثر من عقد، في بلد كان قد سجّل معدلات بطالة تجاوزت 27 في المائة خلال الأزمة الاقتصادية التي ضربته قبل سنوات.

وتعتمد اليونان في نموها على مزيج من نشاط السياحة القوي وارتفاع الاستهلاك المحلي وتحسّن الاستثمارات المرتبطة بخطة التعافي الأوروبية، إضافة إلى إصلاحات مالية وهيكلية دعمت ثقة المستثمرين. ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، بما في ذلك ارتفاع الأسعار، وتكاليف الاقتراض الأوروبية، واستمرار حساسية الاقتصاد تجاه أي تباطؤ في قطاع السياحة... لكن بيانات الربع الثالث تعطي انطباعاً بأن اليونان تسير بثبات نحو تعزيز نموها الاقتصادي بعد سنوات من التقشف والأزمات.