يحلّق سوبرمان مجدداً فوق عواصم العالم بعدما انطلقت عروضه مطلع الأسبوع الحالي. هذا بعد 3 أفلام رديئة التنفيذ لم تُنجز نجاحاً على أي صعيد، وابتعدت عن روح الشخصية الأصلية، مفضّلةً دفعها إلى أحداث قائمة على المؤثرات البصرية وحدها، وتغيير نمط وأسلوب تفكيرها وشخصيتها. تلك الأفلام هي: «سوبرمان يعود» (Superman Returns) لبرايان سينجر (2006)، و«رجل من فولاذ» (Man of Steel) لزاك سنايدر (2013)، ثم «باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة» (Batman v Superman: Dawn of Justice).
في الواقع، ينتمي «سوبرمان» الجديد إلى سوبرمان كما ابتدعته مجلات الكوميكس في نهاية الثلاثينات، وكما ورد في فيلمي ريتشارد دونر «سوبرمان» (1978)، وريتشارد لستر «سوبرمان 2» (1980).

قصّة خلفية
تسببت الأفلام الأخيرة المذكورة ليس فقط في تحييد سوبرمان عن شخصيته فقط، بل وواجهت إقبالاً ضعيفاً، مما جعلها تعبر فضاء الحياة السينمائية سريعاً وبلا أثر.
المأزق الذي واجهته شركة «وورنر» المنتجة (التي تضم شركة DC Comics، مالكة حقوق سوبرمان)، هو محاولتها إعادة طرح هذا السوبرهيرو بحلّة جديدة. قبل عامين، سنحت لها هذه الفرصة عندما وقع خلاف بين المخرج والمنتج جيمس غَن وشركة «ديزني» التي تضم شخصيات مارڤل المنافسة.
سبب الخلاف بين غَن و«ديزني» أن مخرج ثلاثية «حراس المجرة» (Guardians of the Galaxy) أراد تطوير شخصيات مارڤل، وهو ما عارضه مسؤولو «ديزني» و«مارڤل». إذ انتقل غَن إلى «وورنر» بخبرته، ووعدها بوضع خبرته في خدمتها إذا منحته حرية العمل. «وورنر» وافقت.

«سوبرمان» الجديد هو في آن واحد إعادة بعث وتفعيل، يأخذ على عاتقه تقديم جذور الشخصية من جديد، ونقلة أمامية تزيّنها قدرات المؤثرات العصرية كما لم يكن متاحاً من قبل، وبتأثير جيّد.
إلى جانب استهانة أفلام القرن الحالي الثلاثة بأصول الشخصية وروحها، كانت السنوات نفسها قد خرجت بعشرات الأفلام المقتبسة عن شخصيات كوميكس، مما جعل مهمّة «سوبرمان» الجديد صعبة، كون كثير من الشخصيات المنافسة (باتمان، آيرون مان، سبايدرمان، فلاش غوردون... إلخ) تجيد الطيران، وبعضها لمسافات بعيدة. بذلك، لم يعد الطيران في الفضاء حكراً على ابن كوكب كريبتون، بل زاحمه عديدون وبفاعلية.
انتبه غَن إلى هذه الملاحظة، وأعاد سوبرمان إلى أصله. سوبرمان الجديد ما زال البطل البعيد عن الجانب المعتم من الشخصية (كما حال باتمان)، الذي يحبّ أهل الأرض ويودّ مساعدتهم بصفتهم أفراداً، وليس كأحجام على طريقة الشخصيات الأخرى.
سوبرمان الجديد يعيد الروح الأصلية بقصة ومؤثرات حديثة
سوبرمان وشركاه
بذلك، يختلف الفيلم الحالي من حيث رغبة مخرجه في إرساء الشخصية من جديد وبشكل مغاير، من دون أن يُغيّر في سمات وملامح الشخصية ومغامراتها. يُعيد سرد الحكاية الأولى التي تضمّنت أصول سوبرمان (دون الغوص كثيراً في تاريخه)، وكيف وجد نفسه على الأرض، وتنكّر في شخصية مصوّر صحافي، وكيف وقع في حب زميلته الصحافية من دون أن يكشف لها شخصيته الحقيقية إلا لاحقاً.
ليس الفيلم دراما عاطفية، بل ضمّن غَن السيناريو الذي كتبه بنفسه، ما يبحث عنه الهواة من تشويق وقتال و«أكشن»، ودمجها جميعهاً مع مؤثرات لم نرَ مثلها من قبل في أي من أفلام سوبرمان، لا من حيث الفكرة ولا من حيث جودة التنفيذ.
الحبكة مبنيَّة على اكتشاف سوبرمان أن دولة أوروبية شرقية اسمها بوراڤيا تطمح إلى غزو جارتها جارهندور. الأولى قوية والثانية ضعيفة، في حين يبدو صدى للحرب الأوكرانية. سيقف سوبرمان إلى جانب جارهندور. هنا، سيجد غريمه القوي لوثر (الذي يؤيد بوراڤيا) الفرصة متاحة للنيل منه. سيوظّف علاقاته بأعضاء في الكونغرس، ومؤسسات «السوشيال ميديا» التي يملكها، للإساءة إلى سمعة سوبرمان وتحجيمه. بل سيذهب إلى أكثر من ذلك عندما يُشيع أن سوبرمان ما هو إلا عميل أجنبي معادٍ لأميركا. سيجد لوثر من يصدّق دعواه، وسيضع سوبرمان أمام امتحان مع قاعدته الشعبية التي باتت تعاديه.
هذا سوبرمان يعاني من الوحدة، ومن عدم الانتماء (مخلوق فضائي يحاول إنقاذ أهل الأرض). وتزداد وحدته بسبب ما يواجهه من عداء الناس (في البداية)، واضطراره إلى الابتعاد عن زميلته الصحافية، ما يُفيد الفيلم من حيث انصراف سوبرمان إلى معالجة كل تلك المؤامرات والمخاطر التي تحيط به.
لكن، بينما يرسم السيناريو هذه الخريطة لتقديم شخصية سوبرمانية جديدة إلى حدّ ما، يغفل عن منح بطله القدرة على التعلّم من أخطائه. سيقع ومن ثَم سينهض ويبدأ من جديد، لا وقت للمراجعة أو للتخطيط.
يزيد المشكلة التفاف فريق ثُلاثي من المؤيدين لسوبرمان حوله، مما يجعل الفيلم موزّعاً بين شخصيات تمعن في تحجيم سوبرمان بوصفه فرداً.
هناك شخصيات ومواقف أكثر مما يجب، ما يُثقل الأحداث ويفرض على المُشاهد الانتقال بينها بلا فائدة تُذكر.
على الرغم من ذلك، يحافظ الفيلم على هدف كاتبه ومخرجه، وهو توفير ترفيه يجمع بين المضمون والشكل، ويُبرز الحكاية المعهودة مندمجةً بمؤثرات بصرية نافذة، لتأمين ما يطلبه الجمهور. غَن ناجح في تقديم عمل ينتمي إلى المتوقع من مسلسلات الكوميكس. لا يصنع فيلماً جيداً في مجمل نواحيه، بقدر ما يُصيغ عملاً جماهيرياً أفضل من آخر 3 أفلام من السلسلة.
الميزة الأخرى هي إسناد البطولة لديڤيد كورينسويت، الذي يُعيد إلى سوبرمان ملامحه البريئة كما كان حال الراحل كريستوفر ريڤ في فيلمَي دونر ولستر. وبالمستوى نفسه من النجاح، يمنح نيكولاس هولت شخصية الشرير لوثر لوناً جديداً، بعيداً عن النمط الكرتوني الذي عمد إليه ممثلو هذه الشخصية في النسخ السابقة.






