«سناب‌ باك» يعمق التوتر بين طهران والغرب

البرلمان الإيراني يلوح برد «غير متوقع» ودعوات للانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي... وإسرائيل تضغط على الأوروبيين

إيرانيون يسيرون قرب جدارية دعائية في طهران تستلهم شخصية من الأساطير الفارسية وهي تطلق صواريخ الأربعاء (إ.ب.أ)
إيرانيون يسيرون قرب جدارية دعائية في طهران تستلهم شخصية من الأساطير الفارسية وهي تطلق صواريخ الأربعاء (إ.ب.أ)
TT

«سناب‌ باك» يعمق التوتر بين طهران والغرب

إيرانيون يسيرون قرب جدارية دعائية في طهران تستلهم شخصية من الأساطير الفارسية وهي تطلق صواريخ الأربعاء (إ.ب.أ)
إيرانيون يسيرون قرب جدارية دعائية في طهران تستلهم شخصية من الأساطير الفارسية وهي تطلق صواريخ الأربعاء (إ.ب.أ)

تصاعدت حدة التوتر بين إيران والدول الغربية، مع تلويح الترويكا الأوروبية بتفعيل آلية «سناب باك» التي تعيد تلقائياً فرض العقوبات الأممية على طهران، مما دفع مسؤولين إيرانيين إلى التحذير من ردود قد تكون «غير متوقعة» لبعض الأوروبيين. ودعت صحيفة «كيهان» إلى تشريع قانون يفرض الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي بوصفها خطوة ردعية.

وتوافق وزراء خارجية الترويكا الأوروبية على إعادة فرض العقوبات الأممية الصارمة على إيران بحلول نهاية أغسطس (آب) إذا لم يحرز أي تقدم ملموس في الاتفاق النووي، وذلك بعدما ناقشوا الخطوة مع وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو في اتصال هاتفي جرى الاثنين، وفقاً لما نقلته «وكالة أسوشييتد برس» عن مصادر دبلوماسية أوروبية وأميركية.

وتعيد آلية العودة السريعة للعقوبات فرض كل العقوبات التي أقرها مجلس الأمن الدولي على إيران تلقائياً، وهي عقوبات رُفعت بموجب الاتفاق النووي الموقع في 2015. وتنتهي صلاحية هذا البند في 18 أكتوبر (تشرين الأول).

طهران تواصل التحذيرات

وفي سياق الردود المتصاعدة في طهران، نقل موقع البرلمان الإيراني، الخميس، عن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، النائب إبراهيم عزيزي، قوله إن اتفاق وزراء دول الترويكا الأوروبية ونظيرهم الأميركي على تفعيل «سناب باك» يعد «موضوعاً سياسياً يهدف إلى أغراض عدائية، وقد أعلنا مراراً أننا لا نعتبره مجرد وسيلة ضغط على بلدنا، بل نراه سلوكاً عدائياً ضد إيران».

رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية النائب إبراهيم عزيزي (موقع البرلمان)

وقال: «لا شك أن لدى إيران خيارات متعددة، ستلجأ إليها متى ما اقتضت الضرورة رداً على إجراءات الطرف المقابل، ونُصرّ على أن على الغرب الامتناع عن اتخاذ مثل هذه الخطوة. كما نحذر من أنه في حال تنفيذها، فستكون هناك بالتأكيد إجراءات مقابلة من جانبنا، قد تكون غير متوقعة لبعض الأوروبيين».

وزاد عزيزي: «على الأوروبيين ألا يتوهموا أن تفعيل آلية العودة التلقائية يمكن أن يُضعف من إرادة الشعب الإيراني، أو يمس بأهدافه السامية». وأضاف: «سنتخذ كل خطوة في الوقت المناسب، وبما يتلاءم مع الظروف، وستكون هذه الإجراءات مدروسة بعناية، وبفهم شامل من قبل الحكومة والبرلمان».

بدورها، دعت صحيفة «كيهان» البرلمان إلى سن قانون ملزم للحكومة يصادق على خروج إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، بهدف إحباط تنفيذ آلية «سناب باك».

وقالت الصحيفة المقربة من مكتب المرشد الإيراني في عددها الصادر الخميس: «إذا قام البرلمان، استناداً إلى صلاحياته التشريعية بإقرار قانون ينص صراحة على أنه في حال تفعيل آلية (سناب باك) تُلزم الحكومة الإيرانية بالخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي خلال فترة زمنية محدودة، وأن توقف كافة أشكال التعاون الطوعي والرقابي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حينها يمكن توقع أن تتغير حسابات الطرف الآخر بشكل جذري».

وفي وقت سابق من هذا الشهر أقرت الحكومة الإيرانية قانوناً برلمانياً لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويلزمها بتنسيق طلبات التفتيش الدولي مع المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.

دعوات مضادة

وجاءت

الخطوة رداً على قصف الولايات المتحدة في 22 يونيو (حزيران) موقع تخصيب اليورانيوم تحت الأرض في فوردو جنوب طهران، ومنشأتي أصفهان ونطنز النوويتين (وسط إيران)، في إطار الحرب التي استمرت 12 يوماً، وشنتها إسرائيل في 13 يونيو.

وعلى خلاف دعوات صحيفة «كيهان»، دعا محمد صدر، الدبلوماسي الإيراني المخضرم وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، إلى البدء في مفاوضات مع الترويكا الأوروبية بشكل جاد وسريع للغاية.

وقال صدر في تصريحات صحافية إنه «نظراً إلى المهلة المحددة لتفعيل آلية (سناب باك) فإن الوقت المتاح لإيران محدود، وعلينا أن نعمل فعلياً على خلق ظروف تبعد أوروبا عن تفعيل الآلية».

وجدد التحرك الأوروبي المحتمل الجدل الداخلي الإيراني حول إدراج آلية «سناب باك» في نص الاتفاق النووي، خصوصاً إلقاء اللوم على حكومة الرئيس الأسبق حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف.

وحاولت صحيفة «إيران» الناطقة باسم الحكومة الدفاع عن الحكومة التي وقعت الاتفاق النووي. ونقلت عن الدبلوماسي السابق، كوروش أحمد، قوله إن «المعارضين للاتفاق النووي يسألون كثيراً هذه الأيام عن أسباب إدارة بند آلية العودة السريعة للعقوبات في القرار 2231، ولماذا تم منح هذا الامتياز للطرف الغربي؟».

وأضاف: «إن إدراج الآلية لا علاقة له بحكومة روحاني وظريف، ولم يكن ضمن صلاحياتهم، بل كان قرار النظام بأكمله، ويعود إلى سير العملية التفاوضية التي أدت إلى الاتفاق». وقال: «لو لم يدرج هذا البند في القرار، لما كان هناك اتفاق من الأساس»، مشيراً إلى أنه «كان شرطاً حاسماً للطرف الغربي».

أوروبا تلوح بالعقوبات

وتعد بريطانيا وفرنسا وألمانيا جزءاً من الاتفاق الموقع مع إيران عام 2015 للحد من برنامجها النووي، والذي انسحب منه الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال ولايته الأولى بحجة أنه ليس صارماً بما فيه الكفاية.

وبموجب الاتفاق الذي رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران مقابل تقييد برنامجها النووي ومراقبته، يسمح لما يعرف بآلية «الاسترجاع السريع» بإعادة فرض العقوبات الأممية إذا لم تلتزم طهران بالتزاماتها.

وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان-نويل بارو، يوم الثلاثاء، إن الدول الأوروبية الثلاث ستكون في موقع يبرر إعادة فرض العقوبات.

وجاء في بيان لوزارة الخارجية الفرنسية بعد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل: «بخصوص إيران، أكد الوزير أولوية استئناف المفاوضات لوضع إطار طويل الأمد للبرنامج النووي الإيراني. وفي حال عدم وجود التزام واضح من إيران بحلول نهاية أغسطس على أبعد تقدير، سيكون لفرنسا وألمانيا وبريطانيا المبرر القانوني لإعادة فرض العقوبات الأممية التي ألغيت قبل 10 سنوات».

حركة المرور أمام جدارية دعائية تصور رأساً حربياً لصاروخ إيراني يحمل شعاراً بالفارسية يقول: «سقط الصاروخ بين العفاریت» في أحد شوارع طهران (إ.ب.أ)

والتقى سفراء دول الترويكا لدى الأمم المتحدة، الثلاثاء، في بعثة ألمانية بالأمم المتحدة لمناقشة الاتفاق المحتمل مع إيران، وإعادة فرض العقوبات. ولم يُقدّم الدبلوماسيون تفاصيل عن الاتفاق المطلوب مع إيران.

ونقلت «رويترز» عن متحدث باسم الخارجية الألمانية، الأربعاء، قوله إن «هناك حاجة إلى حل دبلوماسي مستدام وقابل للتحقق يضع في الحسبان المصالح الأمنية للمجتمع الدولي. إذا لم يتم التوصل لمثل هذا الحل خلال الصيف، فآلية العودة السريعة لتطبيق العقوبات هي خيار مطروح أمام الترويكا».

تل أبيب تضغط لطرح ملف الصواريخ

وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، حض نظيريه الألماني والفرنسي على تفعيل الآلية، وذلك في اجتماع عقده على هامش اجتماع المجلس الوزاري في بروكسل الثلاثاء.

وكان الملف محوراً في محادثات جرت مؤخراً بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدد من القوى العالمية حسب الصحيفة.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير إنه لم تعد هناك أسباب مقنعة لتأجيل إعادة فرض العقوبات، وأضاف: «كل الأعذار السابقة لعدم تفعيل آلية العودة التلقائية لم تعد تنطبق. كانوا يقولون إن إيران ستزيد تخصيب اليورانيوم من 60 إلى 90 في المائة إذا اتخذنا هذه الخطوة، لكن هذا الأمر لم يعد ذا صلة الآن».

وقال: «حتى الولايات المتحدة تدعم الآن استخدام آلية (سناب باك)، والأوروبيون أيضاً يرغبون في دراسة هذا الخيار». وأضاف: «من الممكن أن تبدأ المحادثات خلال الأسابيع المقبلة. الأوروبيون لمحوا إلى اتخاذ قرار بحلول نهاية أغسطس، لكن إسرائيل ترى أنه يجب أن يحدث ذلك في وقت أقرب. كل من إسرائيل والولايات المتحدة تدعمان هذا التحرك».

وأشار المسؤول أيضاً إلى أنه بعد عملية «الأسد الصاعد»، أصبح برنامج إيران الصاروخي قضية محورية لكل من الولايات المتحدة وأوروبا. وقال: «يرغبون في تناول مسألة القدرات الصاروخية الإيرانية في إطار اتفاق جديد محتمل». واستدرك: «لكن حتى الآن، ترفض إيران بشكل قاطع مناقشة هذا الموضوع».

مفاوضات متعثرة

وقال مسؤول أميركي رفيع لموقع «أكسيوس» إن إدارة ترمب تؤيد تفعيل «سناب باك»، وتراها وسيلة ضغط في المحادثات مع إيران. وأضاف أن ترمب يشعر بإحباط شديد؛ لأن الإيرانيين لم يعودوا إلى طاولة المفاوضات بعد. وأوضح المسؤول أن ويتكوف أوضح للإيرانيين أن أي محادثات مستقبلية يجب أن تكون مباشرة، وليس عبر وسطاء، لتفادي سوء الفهم، وتسريع العملية.

وقد عقدت الولايات المتحدة وإيران عدة جولات من المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني قبل بدء الضربات الإسرائيلية في يونيو. وقال ترمب ومبعوثه للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الأسبوع الماضي إن المحادثات ستبدأ قريباً، لكن لم يُحدد أي موعد بعد، لكن هذا الأسبوع، قال ترمب إنه ليس في عجلة من أمره للتفاوض مع إيران، لأن مواقعها النووية «دمرت».

وقال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن طهران ستوافق على استئناف المحادثات النووية مع الولايات المتحدة إذا تلقت ضمانات بعدم تكرار الهجمات، وذلك بعد الضربات الإسرائيلية والأميركية على منشآتها النووية.

وأكد أن هناك حاجة إلى «ضمان قوي بعدم تكرار مثل هذه الإجراءات»، مشدداً على أن «الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية جعل الوصول إلى حل أكثر صعوبة وتعقيداً».


مقالات ذات صلة

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

شؤون إقليمية صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

اتهمت وسائل إعلام تابعة لـ«الحرس الثوري» الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ومقربيه بـ«تقديم الخدمة لإسرائيل».

عادل السالمي (لندن)
شؤون إقليمية إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)

إيران تطلق صواريخ خلال مناورات بحرية قرب مضيق هرمز

أفاد التلفزيون الإيراني الرسمي بأن إيران أطلقت صواريخ ضخمة في بحر عمان وبالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي خلال اليوم الثاني من مناورات بحرية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية بزشكيان يصافح قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي على هامش اجتماع اللجنة العليا لإدارة الإنترنت (الرئاسة الإيرانية)

«إكس» تكشف عن «الإنترنت الخاص» لكبار المسؤولين الإيرانيين

يواجه الإيرانيون العاديون عقوبة قد تصل إلى السجن 10 سنوات أو حتى الإعدام إذا استخدموا منصة «إكس» لكتابة أي شيء تراه الحكومة انتقاداً لها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية مركز كيندي سيكون مقراً لسحب قرعة كأس العالم 2026 في واشنطن (رويترز)

إيران ستحضر قرعة كأس العالم بعد التلويح بالمقاطعة بسبب التأشيرات

ذكرت تقارير إعلامية، اليوم (الخميس)، أن وفداً إيرانيّاً سيحضر قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 غداً (الجمعة) رغم إعلان إيران سابقاً مقاطعة الحفل المقرر بواشنطن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (أ.ب)

إيران تدعو وزير خارجية لبنان لزيارتها ومناقشة العلاقات الثنائية

قالت وزارة الخارجية الإيرانية، اليوم الخميس، إن الوزير عباس عراقجي دعا نظيره اللبناني يوسف رجي لزيارة طهران قريباً لمناقشة العلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (طهران)

موازنة إسرائيلية تخدم الاستيطان بالضفة الغربية

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

موازنة إسرائيلية تخدم الاستيطان بالضفة الغربية

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

​اتفق وزيرا المالية والدفاع في إسرائيل على تقليص ميزانية وزارة الدفاع التي طلبتها الأخيرة في إطار إعداد الموازنة العامة لعام 2026، من 144 مليار شيقل، إلى 112 (34.63 مليار دولار) وبما يمثل زيادة وصلت إلى نحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025، بما يخدم بشكل أساسي المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية على حساب حاجة الجيش لقوات أكبر مع عجز التجنيد.

وأقرت الحكومة الإسرائيلية بالموازنة التي بلغت 662 مليار شيقل، بعجز 3.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ووفقاً لصحيفة «يديعوت أحرونوت» فإنه تم الاتفاق على حزمة بقيمة نحو 725 مليون شيقل، توزع على 3 سنوات، بهدف تعزيز الأمن في الضفة.


إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
TT

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف

اتهمت وسائل إعلام تابعة لـ«الحرس الثوري» الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ومقربيه بـ«تقديم الخدمة لإسرائيل»، وذلك بعد أسبوع من تصريحات أدلى بها وشكك فيها بقدرة إيران على حماية أجوائها وردع أي هجمات جديدة، إذا ما تجددت الحرب التي شهدتها البلاد لمدة 12 يوماً في يونيو (حزيران).

واحتجت وكالة «تسنيم»، رأس الحربة في إعلام «الحرس الثوري»، بشدة على خطاب روحاني الأخير، وعلى توصياته التي دعا فيها إلى منع تكرار الحرب.

وتزامن الهجوم الإعلامي مع بروز مؤشرات سياسية لافتة، إذ عاد اسم روحاني إلى واجهة الجدل الدائر حول هوية المرشح المحتمل لخلافة المرشد علي خامنئي، فيما المشهد الداخلي يزداد توتراً مع دخول ملف الخلافة مرحلة استقطاب أشد.

وبدأت الحرب عندما شنت إسرائيل ضربات على مقار القيادة العسكرية، خصوصاً «الحرس الثوري»، قبل أن تطول منشآت عسكرية ونووية ومسؤولين وعلماء في البرنامج النووي. وردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة.

وعنونت الوكالة ملحقها الأسبوعي لتحليل التطورات المهمة بعنوان «العمل لصالح إسرائيل»، واضعة صورة روحاني على الغلاف. واتهمته بتقديم «تفسيرات نرجسية ومشحونة بالغرور» حول مزاعمه بأنه منع وقوع حرب على إيران عبر الدبلوماسية خلال توليه مناصب سابقة. وتساءلت: «هل كان روحاني يدعي أنه لم يكن هناك أي رادع غير مفاوضاته يمنع الحرب؟ وأن أميركا وإسرائيل كانتا في كامل طاقتيهما آنذاك، وأن إيران لم تكن تمتلك أي قدرة ردعية، وأنه وحده بمنطقه السقراطي والأرسطي حال دون اندلاع حرب كبيرة؟».

وأضافت: «هل خروج ترمب من الاتفاق النووي كان بسبب عدم تفاوض روحاني؟ وماذا عن الحالات التي لم يُمنَع فيها الهجوم؟ لماذا لم يمنع اغتيال قاسم سليماني؟ ولماذا لم يمنع اغتيال محسن فخري زاده؟»، وهو مسؤول الأبعاد الدفاعية في البرنامج النووي سابقاً، الذي قتل على يد مسلحين، في هجوم نسب إلى إسرائيل نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.

وكان روحاني قد انتقد الأسبوع الماضي فرض الأجواء الأمنية المتشددة، قائلاً إن البلاد بحاجة «إلى أجواء آمنة وليست أمنية». وحذر من بقاء إيران في حالة «لا حرب ولا سلام»، مستشهداً بتصريحات المرشد علي خامنئي. وأضاف: «الأمن يخلق الثقة والطمأنينة، أما الأمننة فتزيل الثقة وتثير قلق الناس. نحن لا نريد فضاءً أمنياً، بل فضاءً آمناً».

وأشار روحاني إلى حاجة البلاد لتعزيز الردع في مختلف المجالات، داعياً إلى «ترميم القدرات الردعية» لمواجهة «مؤامرات الأعداء». وقال إن إيران تفتقر اليوم إلى «الردع الإقليمي الواسع»، مشيراً إلى أن أجواء دول الجوار، بما فيها العراق وسوريا ولبنان والأردن، باتت «تحت نفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل»، ما جعل التحرك الجوي المعادي حتى حدود إيران «آمناً وخالياً من العوائق». وأضاف أن استمرار الاتفاق النووي كان سيمنع اندلاع حرب الـ12 يوماً، معتبراً أن الأعداء استخدموا الملف النووي «ذريعة للهجوم». وانتقد فشل الحكومات اللاحقة في إعادة إحيائه.

ورأى روحاني أن «أسوأ خيانة للقيادة هي التقليل من الحقائق أو المبالغة فيها»، مؤكداً وجود «أعداء أقوياء وخطرين». وحذّر من الاعتقاد بأن «جميع المشكلات انتهت بعد حرب الـ12 يوماً». وأضاف: «صمدنا وقاومنا، لكننا أيضاً تعرضنا لضربات وواجهنا مشكلات. وبالطبع وجّهنا ضربات للعدو كذلك. غير أن ذلك لا يعني أنّ الأمر لن يتكرر، فمنع تكراره يعتمد علينا».

وهاجمت «تسنيم» مواقف روحاني معتبرةً أنها «تصب عملياً في مصلحة إسرائيل لأنها تبرئ العدو وتلقي بالمسؤولية على الداخل، وتقدّم منطقاً يجعل إسرائيل خارج دائرة اللوم». واعتبرت أن مواقفه «تشكل عملياً عملية سياسية ضد الوحدة المقدسة، وتعمل لصالح إسرائيل، وإن قدّمت في إطار يبدو واقعياً وحريصاً على البلاد».

وقالت الوكالة إن كلام روحاني عن الردع الإقليمي، «ليس خاطئاً، لكن من الغريب أن يصدر منه هو تحديداً؛ فإذا كان يؤمن بذلك، فهل يقرّ بأن عدم دعم حكومته الكافي لجهود إنهاء الأزمة في سوريا عامَي 2013 و2014 كان تقصيراً خطيراً ربما يقترب من مستوى الخيانة؟ كانت إحدى أكبر شكاوى الجنرال قاسم سليماني عدم تعاون حكومة روحاني في الملف السوري، وكان يخرج من بعض الاجتماعات باكياً، إلى أن تدخّل المرشد وأمر بالثبات».

غلاف النشرة الأسبوعية لوكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» الذي يتهم روحاني بتقديم الخدمة لإسرائيل

ورداً على ما قاله روحاني عن «الأمننة»، أضافت الوكالة: «أليس هو أدرى من الجميع بأن حكومته كانت من أكثر الحكومات ذات الطابع الأمني؟ فالوزير الوحيد غير الأمني تقريباً كان وزير الاستخبارات نفسه». وفي إشارة إلى خلفية روحاني، أضافت أن «امتلاك خلفية أمنية ليس عيباً، لكنه مناقض لأسلوب النصائح الذي يقدّمه روحاني الآن».

وفسرت تصريحات روحاني على أنها رد غير مباشر على خطاب متلفز للمرشد علي خامنئي في 27 نوفمبر، حذر فيه من الانقسام الداخلي، مكرراً روايته بأن الولايات المتحدة وإسرائيل «فشلتا» في تحقيق أهداف الحرب، وداعياً الإيرانيين إلى الحفاظ على «الاصطفاف الوطني». وقال: «الخلافات بين التيارات والفئات أمر وارد، لكن المهم أن يقف الجميع معاً في مواجهة العدو».

وخلال ولايتيه الرئاسيتين (2013 – 2021)، كان روحاني قد طرح مراراً شكوكه في دقة المعلومات التي يتلقاها المرشد من مقربيه، في محاولة للنأي بنفسه عن انتقادات تُوجّه إليه بوصفه معارضاً لمواقف خامنئي.

وخلال الأشهر الخمسة الماضية، واجه روحاني اتهامات من خصومه، بينهم نواب في البرلمان، بأنه يسعى لتولي منصب المرشد إذا تعذر على خامنئي ممارسة مهامه لأي سبب، بما في ذلك تعرضه لمحاولة اغتيال من قبل إسرائيل.

وبرزت انتقادات الشهر الماضي على لسان رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، الذي اتهم روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف بـ«الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية مع موسكو». وردد نواب شعار «الموت لفريدون» في إشارة إلى لقب روحاني العائلي. وقال النائب المتشدد أمير حسين ثابتي: «أتمنى أن تتصدى السلطة القضائية لقضايا إساءة التصرف من قبل حسن روحاني، حتى يعود من يفكر في المناصب العليا إلى مكانه الحقيقي خلف قضبان السجن».

وبعد نشر تصريحات روحاني الأخيرة، طرحت الاحتمالات تولي روحاني لمنصب المرشد، مرة أخرى لكن هذه المرة في وسائل إعلام إصلاحية، إذ قال المنظر الإصلاحي صادق زيبا كلام إنه «عندما طرحت قضية خلافة المرشد تدريجياً، حسن روحاني قال لنفسه خلال فترة رئاسته: ماذا ينقصني عن بقية الأشخاص الذين تطرح أسماؤهم للخلافة، ما الذي ينقصني عن مجتبى خامنئي ومن طرحت أسماؤهم، في رأيي روحاني محق، فهو أكثر جدارة من الآخرين على صعيد تجربته التنفيذية».

وبالتزامن مع هذا الاهتمام الإصلاحي، نشر رجل الأعمال بابك زنجاني رسالة شديدة اللهجة على منصة «إكس» هاجم فيها إمكانية تولي روحاني أي دور سياسي مستقبلي، قائلاً إن إيران «تحتاج إلى قوة شابة، متعلمة وفعالة»، لا إلى «أصحاب الشهادات المزيفة». وأضاف: «سيأخذون هذا الحلم معهم إلى القبر... سنطهر إيران من العجز ومن المديرين غير الأكفاء». وحذر: «السلاح الذي تعطل في لحظة المعركة، إن عدتم وربطتموه على خصوركم من جديد، فأنتم تستحقون الموت!».

وزنجاني، الذي اعتقل في عهد حكومة روحاني بتهمة الفساد الاقتصادي وصدر بحقه حكم بالإعدام، أطلق سراحه العام الماضي وعاد إلى نشاطه الاقتصادي، في خطوة ربطها مراقبون بسعي طهران للالتفاف على العقوبات، فيما تربطه حالياً علاقات وثيقة بـ«الحرس الثوري».


نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

ندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقضايا الفساد المرفوعة ضده، ووصفها بأنها «مهزلة»، ودافع في مقطع فيديو عن طلبه عفواً رئاسياً مثيراً للجدل.

ونُشر الفيديو، الذي تبلغ مدته 3 دقائق مساء الخميس، بعد أسبوع من طلب نتنياهو رسمياً العفو من الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، عادّاً أن محاكمته تؤدي إلى تقسيم الأمة.

كما أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهر الماضي رسالةً إلى هرتسوغ يحضه فيها على إصدار عفو عن نتنياهو.

وندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي في المقطع بمحاكمته، ووصفها بأنها «محاكمة سياسية» تهدف إلى إجباره على ترك منصبه، نافياً مجدداً ارتكاب أي مخالفات.

ويُتهم نتنياهو في قضيتين بعقد صفقات للحصول على تغطية إيجابية من وسائل إعلام إسرائيلية، ويُتهم في قضية ثالثة بقبول أكثر من 260 ألف دولار في شكل هدايا فاخرة، شملت مجوهرات وشمبانيا، من مليارديرات مقابل الحصول على خدمات سياسية. وكانت قضية فساد رابعة قد أسقطت في وقت سابق.

متظاهرون خارج مقر إقامة بنيامين نتنياهو في القدس يطالبون بعدم منحه العفو (رويترز)

في الفيديو، رفع نتنياهو دمية على شكل شخصية الكرتون «باغز باني»، ساخراً من المدعين العامين الذين أشاروا إلى تلقيه دمية للشخصية هديةً لابنه قبل 29 عاماً بوصفها دليلاً ضده. وقال: «من الآن فصاعداً، ستُعرف هذه المحاكمة باسم محاكمة باغز باني».

ونفى تلقيه السيجار هدية «من صديق»، وعدّ بأن سعيه لضمان تغطية إيجابية من «موقع إنترنت من الدرجة الثانية» أدّى بدلاً من ذلك إلى «التغطية الصحافية الأكثر كراهية وعدائية وسلبية التي يمكن تخيلها في إسرائيل».

يُذكر أن نتنياهو هو أول رئيس وزراء إسرائيلي في السلطة يخضع للمحاكمة بتهم فساد.

وقد تطلبت المحاكمة التي بدأت عام 2019، الإدلاء مؤخراً بشهادته 3 مرات أسبوعياً، وهو يرى أن ذلك يمنعه من ممارسة الحكم بشكل فعال.

وتابع: «هذه المهزلة تُكلّف البلاد ثمناً باهظاً. لا أستطيع تقبّل ذلك... لذلك طلبت العفو».

وقد كشفت هذه القضايا عن انقسامات حادة في المجتمع الإسرائيلي.

والاثنين، قبل آخر مثول لنتنياهو أمام المحكمة، تظاهر أنصار ومعارضون له خارج محكمة تل أبيب، وارتدى بعضهم بدلات السجن البرتقالية للإشارة إلى أنه يجب سجنه.