كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على قيادة المركبات؟

تسعى صناعة السيارات إلى استغلال الذكاء الاصطناعي لإنقاذ الأرواح (أ.ف.ب)
تسعى صناعة السيارات إلى استغلال الذكاء الاصطناعي لإنقاذ الأرواح (أ.ف.ب)
TT

كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على قيادة المركبات؟

تسعى صناعة السيارات إلى استغلال الذكاء الاصطناعي لإنقاذ الأرواح (أ.ف.ب)
تسعى صناعة السيارات إلى استغلال الذكاء الاصطناعي لإنقاذ الأرواح (أ.ف.ب)

في السنوات الأخيرة، تصاعدت التجارب على المركبات ذاتية القيادة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، مع وعود بتحقيق ثورة في السلامة المرورية. ويجذب هذا المجال اهتماماً عالمياً؛ لما له من إمكانات في تقليل الحوادث المرورية وإنقاذ الأرواح من خلال الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي عنصراً محورياً في تطوير المركبات ذاتية القيادة

أشارت دراسة نشرها موقع «نيتشر» العلمي إلى أن نحو 90 في المائة من الحوادث المرورية تعود إلى أخطاء بشرية؛ ما يجعل تقليل هذا العامل هدفاً رئيسياً للمركبات ذاتية القيادة. وتسعى صناعة السيارات إلى استغلال الذكاء الاصطناعي لإنقاذ الأرواح.

ومثال على ذلك، وجدت دراسة تحليلية تابعة لشركة «وايمو» Waymo وشركة التأمين «سويس ري» Swiss Re أن سيارات وايمو الذاتية القيادة تساهم بتخفيض بنسبة 88 في المائة من المطالبات بالأضرار المادية، و92 في المائة في مطالبات الإصابات الجسدية جراء الحوادث، مقارنة بسيارات يقودها بشر، وفق ما نقله موقع «ذا فيرج» المتخصص في أخبار التكنولوجيا الحديثة.

التقارير والدراسات حول تقليل الحوادث عبر القيادة الذاتية

كما تحافظ أنظمة القيادة الذاتية المزوّدة بالذكاء الاصطناعي مثل التحكم بالثبات والفرملة التلقائية على مسار المركبة بدقة أكبر من السائق البشري، بحسب موقع «نيتشر»؛ ما يقلل مخاطر الانحراف أو الغفلة أثناء القيادة.

مع ذلك، فإن هذه الأنظمة ليست بديلاً كاملاً عن السائق البشري. إذ يلفت تقرير لشبكة «بي بي سي» البريطانية إلى أنه رغم ما تشير إليه الدراسات من أن المركبات ذاتية القيادة قد تكون أقل تعرضاً للحوادث، فإن الواقع العملي أظهر حوادث في الاختبارات والتجارب الحية، بما في ذلك سيارات أجرة ذاتية القيادة (روبوتاكسي) في دول عدة، وانقطاعات مؤقتة لخدماتها لأسباب تتعلق بالسلامة.

ويؤكد الخبراء أن أي تقدم في السلامة باستخدام الذكاء الاصطناعي لا يعني غياباً تاماً لحوادث السيارات، بل يتطلب مراقبة مستمرة وتحليل دقيق للبيانات للحفاظ على الثقة العامة بهذه المركبات الذكية.

رغم ما تشير إليه الدراسات من أن المركبات ذاتية القيادة قد تكون أقل تعرضاً للحوادث فإن الواقع العملي أظهر حوادث في الاختبارات والتجارب الحية (رويترز)

كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في تقليل الحوادث المرورية؟

تلعب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي دوراً رئيسياً في تعزيز السلامة المرورية، لا سيما في المركبات ذاتية القيادة. ففضلاً عن الحد من أخطاء القيادة البشرية، يجمع النظام الذكي المعلومات من مستشعرات متعددة ويعالجها فورياً لاتخاذ قرارات دقيقة وسريعة.

تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ودورها في دعم القيادة الذاتية

وقد أظهرت بيانات أولية من شركات رائدة مثل «وايمو» أن أنظمة القيادة الذاتية المزوّدة بالذكاء الاصطناعي تقلل بشكل كبير من نسب الحوادث من خلال تقليل الأخطاء الناتجة عن التعب أو التشتت.

تقنيات الاستشعار والتحليل في الزمن الحقيقي

ومع اعتماد أنظمة مثل «أوتو بايلوت» Autopilot في سيارات «تسلا»، تبيّن أن المركبات الذاتية القيادة تحافظ على مسارها ضمن الطريق بدقة عالية؛ ما يقلل فرص الانحراف المفاجئ.

اعتماد أنظمة مثل «أوتو بايلوت» Autopilot في سيارات «تسلا» تبيّن أن المركبات الذاتية القيادة تحافظ على مسارها ضمن الطريق (رويترز)

أمثلة من شركات رائدة على تقليل الحوادث

تدعم الأنظمة الذكية تقنيات استشعار متطورة. فالمركبات ذاتية القيادة تستخدم كاميرات ورادارات لرصد البيئة المحيطة. فمثلاً، تُزود «وايمو» سياراتها بخمسة حساسات ليزرية LiDAR وستة رادارات و29 كاميرا، وفق موقع «بيزنس إنسايدر»؛ لتمكين النظام من رؤية دقيقة للعوائق والمشاة قبل أن تكون واضحة للعين البشرية. وتسمح هذه المستشعرات للذكاء الاصطناعي باتخاذ قرارات استباقية لزيادة الأمان.

ويُتوقع أن تؤدي هذه القدرات إلى تقليص عدد الاصطدامات مع مرور الزمن، وربما إنقاذ مئات آلاف الأرواح في المستقبل، خاصة مع تطور تقنيات القيادة الذاتية.

هل سنشهد مستقبلاً تتحرك فيه المركبات بلا تدخل بشري بالكامل؟

الإجابة القصيرة هي أن ذلك قيد التجربة، والمؤشرات تشير إلى تقدم تدريجي. فحتى الآن، وضعت دول عدة أطراً تنظيمية لدعم اعتماد القيادة الذاتية الكاملة. ففي المملكة المتحدة، أعلنت الحكومة نيتها طرح المركبات ذاتية القيادة بالكامل بحلول 2027.

مستقبل القيادة الذاتية بين التشريع والتكنولوجيا

يتطلب هذا التقدّم إقرار قوانين جديدة وتنفيذ تجارب ميدانية. وفي هذا السياق، عبّرت شركات نقل كبرى مثل «أوبر» عن جاهزيتها لتشغيل سيارات أجرة ذاتية القيادة فور تهيئة الإطار القانوني اللازم، وفق شبكة «بي بي سي».

التجارب الدولية وخدمات «الروبوتاكسي»

بدأت مدن عدة حول العالم بتجربة المركبات ذاتية القيادة ضمن خدمات «الروبوتاكسي». وتقدّم «وايمو» و«كروز» خدماتهما في ولايات أميركية، في حين توسعت شركات أخرى إلى أسواق دولية.

مع ذلك، لا يزال تقبل الجمهور يمثل تحدياً؛ إذ أظهرت استطلاعات أن 37 في المائة من البريطانيين لا يشعرون بالارتياح لركوب سيارة من دون سائق. ويُعزى هذا إلى الحوادث التي وقعت خلال تجارب القيادة الذاتية. لذا؛ من المتوقع أن تستمر هذه التقنية بالاعتماد التدريجي والمحاكاة الواقعية قبل الاعتماد الكامل.

بدأت مدن عدة حول العالم في تجربة المركبات ذاتية القيادة ضمن خدمات «الروبوتاكسي» (رويترز)

كيف يعمل الذكاء الاصطناعي داخل أنظمة القيادة الذاتية؟

لفهم تعقيد التقنية وراء القيادة الذاتية؛ من المهم استعراض كيفية عمل الذكاء الاصطناعي في هذه الأنظمة الذكية.

مراحل عمل الذكاء الاصطناعي في القيادة الذاتية

تعتمد المركبات ذاتية القيادة على سلسلة معقدة من خطوات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيئة الطريق واتخاذ القرارات الفورية. وتشمل هذه المراحل:

الحساسات وجمع البيانات

تُجهّز السيارات الذكية بكاميرات، ليدار، ورادارات لمسح البيئة المحيطة، وفق «بيزنس إنسايدر». وتوفر هذه البيانات الحية تصوراً دقيقاً للكائنات الثابتة والمتحركة.

استخدام التعلّم العميق في تحسين القيادة

تعالج خوارزميات الذكاء الاصطناعي هذه البيانات لتحديد العناصر وتصنيفها في الوقت الفعلي، مثل المشاة والسيارات الأخرى، وإشارات المرور.

تخطيط المسار واتخاذ القرار

يبني الذكاء الاصطناعي نموذجاً لحظياً لمسار الطريق، ويصدر أوامر دقيقة للتوجيه والتسارع والفرملة، استناداً إلى المعلومات المتوفرة دون الاعتماد الكامل على خرائط مُعدّة مسبقاً.

يبني الذكاء الاصطناعي نموذجاً لحظياً لمسار الطريق ويصدر أوامر دقيقة للتوجيه والتسارع والفرملة (أ.ف.ب)

التعلم المستمر وتطوير الأداء عبر الذكاء الاصطناعي

تتعلّم أنظمة القيادة الذاتية من البيانات الضخمة التي تُجمع من الرحلات الحقيقية والمحاكاة. وتستخدم بعض الشركات، مثل «وايف» البريطانية، نماذج تعلم شاملة تعتمد على شبكة عصبية واحدة لتعليم السيارة القيادة دون تعليمات مبرمجة مسبقاً، كما ورد في موقع «وايرد».

يجمع الذكاء الاصطناعي بين دقة الحواس وسرعة المعالجة لرؤية شبه مثالية للطريق. ومن خلال التفاعل الحي بين الحساسات والتحليل الذكي، تسعى المركبات الذكية لقيادة ذاتية آمنة.

وتبقى المراقبة البشرية ضرورية في هذه المرحلة الانتقالية لضمان الأمان، بينما تستمر تكنولوجيا القيادة الذاتية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في النضج لتصبح يوماً بعد يوم أكثر كفاءة واعتماداً على نفسها.


مقالات ذات صلة

مركبات ذاتية القيادة تتنقل بأمان دون حوادث

يوميات الشرق المركبات الذاتية القيادة تواجه تحديات كبيرة عند التحرك بين الحشود (رويترز)

مركبات ذاتية القيادة تتنقل بأمان دون حوادث

تمكّن فريق بحثي من جامعتي تونجي وشنغهاي جياو تونغ في الصين من تطوير نظام مبتكر يمكّن المركبات ذاتية القيادة من التنقل بأمان وسط الحشود الكثيفة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
عالم الاعمال سيارة فيزتيك (الشرق الأوسط)

«كاديلاك» تطرح تشكيلة واسعة من السيارات في أسواق الخليج

أطلقت «كاديلاك الشرق الأوسط» مجموعة تُوصَف بأنها «الأفضل في تاريخ العلامة» من حيث التنوع والتنوع والتقنيات، في خطوة ترسخ موقعها في سوق السيارات الخليجية.

«الشرق الأوسط» (دبي)
الاقتصاد ماسك خلال مشاركته في مؤتمر «فيفا تكنولوجي» المخصص للابتكار والشركات الناشئة في باريس في يونيو (رويترز)

تصويت «تسلا» الحاسم: هل يُجازي المساهمون إيلون ماسك بتريليون دولار أم يخاطرون برحيله؟

يستعد مساهمو شركة تسلا لاتخاذ قرار مصيري يوم الخميس، بشأن حزمة تعويضات إيلون ماسك المقترحة، والتي قد تصل قيمتها إلى تريليون دولار.

«الشرق الأوسط» (تكساس)
تكنولوجيا أظهرت الدراسة أن المشغّل يستطيع متابعة نحو 5 مركبات ذاتية القيادة بفعالية مع تراجع الأداء عند مراقبة 9 (غيتي)

بحث بريطاني يرسم ملامح مراكز التحكم بالسيارات ذاتية القيادة مستقبلاً

دراسة من جامعة كوفنتري توضح أن المشغّل يمكنه مراقبة نحو 5 مركبات ذاتية القيادة بفعالية بينما يزداد الضغط ويتراجع الأداء عند 9 مركبات، مع أهمية وضوح التنبيه.

نسيم رمضان (لندن)
خاص المصنع صُمِّم وبُني وفق استراتيجية «iFACTORY» ليكون رقمياً من البداية مع نسخة توأم رقمي اختُبرت قبل البناء الفعلي (بي إم دبليو)

خاص «الشرق الأوسط» تزور أول مصنع لـ«بي إم دبليو» بالمجر يعمل بالكهرباء المتجددة بالكامل

المصنع الجديد في مدينة دبرتسن المجرية يُعيد تعريف صناعة السيارات... إنتاج «iX3» بطاقة متجددة بالكامل وتوأم رقمي وذكاء اصطناعي وبصمة كربونية منخفضة.

نسيم رمضان (دبرتسن (المجر))

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)
سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)
TT

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)
سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)

كشف تقرير جديدة عن أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، يتطلع إلى بناء أو تمويل أو شراء شركة صواريخ لمنافسة الملياردير إيلون ماسك، مؤسس «سبيس إكس»، في سباق الفضاء.

وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال»، الخميس، بأن ألتمان يدرس شراء أو الشراكة مع مزود خدمات إطلاق صواريخ قائم بتمويل.

وأشار التقرير إلى أن هدف ألتمان هو دعم مراكز البيانات الفضائية لتشغيل الجيل القادم من أنظمة الذكاء الاصطناعي.

كما أفادت الصحيفة بأن ألتمان قد تواصل بالفعل مع شركة «ستوك سبيس»، وهي شركة صواريخ واحدة على الأقل، ومقرها واشنطن، خلال الصيف، واكتسبت المحادثات زخماً في الخريف.

ومن بين المقترحات سلسلة استثمارات بمليارات الدولارات من «أوبن إيه آي»، كان من الممكن أن تمنح الشركة في نهاية المطاف حصة مسيطرة في شركة الصواريخ.

وأشار التقرير إلى أن هذه المحادثات هدأت منذ ذلك الحين، وفقاً لمصادر مقربة من «أوبن إيه آي».

ووفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال»، جاء تواصل ألتمان مع شركة الصواريخ في الوقت الذي تواجه فيه شركته تدقيقاً بشأن خططها التوسعية الطموحة.

ودخلت «أوبن إيه آي» بالتزامات جديدة بمليارات الدولارات، على الرغم من عدم توضيحها لكيفية تمويلها عملية التوسعة الكبيرة.

في وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن ألتمان حالة من القلق الشديد على مستوى الشركة بعد أن بدأ برنامج «شات جي بي تي» يتراجع أمام روبوت الدردشة «جيميني» من «غوغل»؛ ما دفع «أوبن إيه آي» إلى تأجيل عمليات الإطلاق الأخرى، وطلب من الموظفين تحويل فرقهم للتركيز على تحسين منتجها الرائد.

يرى ألتمان أن اهتمامه بالصواريخ يتماشى مع فكرة أن طلب الذكاء الاصطناعي على الطاقة سيدفع البنية التحتية للحوسبة إلى خارج الأرض.

لطالما كان من دعاة إنشاء مراكز بيانات فضائية لتسخير الطاقة الشمسية في الفضاء مع تجنب الصعوبات البيئية على الأرض.

تشارك كل من ماسك وجيف بيزوس وسوندار بيتشاي، رئيس «غوغل»، الأفكار نفسها.

تُطوّر شركة «ستوك سبيس»، التي أسسها مهندسون سابقون في «بلو أوريجين»، صاروخاً قابلاً لإعادة الاستخدام بالكامل يُسمى «نوفا»، والذي تُشير التقارير إلى أنه يُطابق ما تسعى «سبيس إكس» إلى تحقيقه.

الملياردير الأميركي إيلون ماسك (أ.ف.ب)

وأشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أن الشراكة المقترحة كانت ستُتيح لألتمان فرصةً مُختصرةً لدخول قطاع الإطلاق الفضائي.

تُسلّط محادثات ألتمان الضوء على التنافس المستمر بينه وبين ماسك. فقد شارك الاثنان في تأسيس شركة «أوبن إيه آي» عام 2015، ثم اختلفا حول توجه الشركة، ليغادر ماسك بعد ثلاث سنوات.

ومنذ ذلك الحين، أطلق ماسك شركته الخاصة للذكاء الاصطناعي، xAI، بينما وسّع ألتمان طموحات «أوبن إيه آي»، ودعم مؤخراً مشاريع تُنافس مشاريع ماسك مباشرةً، بما في ذلك شركة ناشئة تُعنى بالدماغ والحاسوب.

ألمح ألتمان إلى طموحاته في مجال الفضاء في وقت سابق من هذا العام، وقال: «أعتقد أن الكثير من العالم يُغطى بمراكز البيانات بمرور الوقت. ربما نبني كرة دايسون كبيرة حول النظام الشمسي ونقول: مهلاً، ليس من المنطقي وضع هذه على الأرض».

ثم في يونيو (حزيران)، تساءل: «هل ينبغي لي أن أؤسس شركة صواريخ؟»، قبل أن يضيف: «آمل أن تتمكن البشرية في نهاية المطاف من استهلاك قدر أكبر بكثير من الطاقة مما يمكننا توليده على الأرض».


كيف تطوّر «بلاك هات» في نسخته الرابعة عن النسخ السابقة؟

TT

كيف تطوّر «بلاك هات» في نسخته الرابعة عن النسخ السابقة؟

خالد السليم نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: تركي العقيلي)
خالد السليم نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: تركي العقيلي)

منذ إطلاق نسخته الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، في العاصمة السعودية الرياض، عقب النجاح الذي تحقق في فعالية «آت هاك» العام الذي قبله، شهد أكبر تجمع للأمن السيبراني في المنطقة، لحظات تحوّل لافتة، رصدها الزوّار والمهتمّون، ولاحظتها التغطيات المستمرة لـ«الشرق الأوسط»، وصولاً إلى النسخة الحالية.

يعدّ «بلاك هات» فعالية عالمية متخصصة في الأمن السيبراني، انطلقت في عام 1997، ويعد إحدى أهم المحافل العالمية لقطاع أمن المعلومات وقِبلة للمهتمين فيه، وبدأ كفعالية سنوية تقام في لاس فيغاس في الولايات المتحدة، قبل أن يجد في الرياض مستقرّاً سنويّاً لـ4 نسخ متتالية.

في النسخة الأولى من الفعالية التي ينظّمها «الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز»، الذي أنشأته السعودية لتحقيق أهدافها في تمكين مواطنيها من اكتساب الخبرات في مجال الأمن السيبراني والبرمجة لتحقيق رؤيتها الهادفة إلى تطوير كوادرها المحلية في مجالات التقنية الحديثة، إلى جانب شركة تحالف.

شهدت الفعالية مشاركة أكثر من 200 متحدث عالمي، وحضور أكثر من 250 شركة أمن سيبراني رائدة، منهم عمالقة التقنية العالميون، مثل Cisco وIBM وSpire وInfoblox، بالإضافة إلى أكثر من 40 شركة ناشئة في المجال نفسه، قبل أن تتصاعد هذه الأرقام وغيرها خلال النسخ اللاحقة.

خالد السليم نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: تركي العقيلي)

«الشرق الأوسط» التقت خالد السليم، نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، الذي شرح بشكل مفصل، أنه «بدايةً من (آت هاك) في عام 2021 عندما بدأنا، وكان أول مؤتمر سيبراني يُقام في السعودية، وبعد النجاح الذي حققناه، استطعنا أن نستقطب (بلاك هات) نفسه من لاس فيغاس، الذي كان يقام منذ أكثر من 35 عاماً، وهذا هو العام الرابع لـ(بلاك هات) هنا، وكل عام يشهد زيادة في الحضور وعدد الشركات، وزيادة في ساعات المحاضرات».

ارتفاع عدد الشركات العالمية المشاركة بنسبة 27 في المائة

نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال بيّن تطور «بلاك هات» في كل نسخة عن النسخ السابقة، من ناحية عدد الحضور وعدد الشركات. وأضاف السليم: «اليوم لدينا أكثر من 350 شركة محلية وعالمية من 162 دولة حول العالم، وعدد الشركات العالمية هذا العام زاد قرابة 27 في المائة عن العام الماضي».

ابتكارات جديدة في كل نسخة

السليم وضّح أن «بلاك هات» يبتكر في كل نسخة أشياء جديدة، مثل منطقة الفعاليات التي تضمّ تقريباً 10 فعاليات جديدة، بالإضافة إلى أكثر من 12 مسرحاً مع أكثر من 300 خبير في مجال الأمن السيبراني. وحول نوعية الشركات والجهات المشاركة، دلّل عليها بأن أغلب الشركات العالمية مثل «إف بي آي»، ووزارتي الداخلية والخارجية البريطانيتين، وتابع أن كل هذه الإضافات في كل نسخة «تعتبر متجددة، وكل نسخة تزيد الأرقام أكثر من النسخة التي سبقتها».

الجهات الوطنية «تؤدي عملاً تشاركياً»

وحول مساهمة «بلاك هات» في تحقيق المستهدفات الوطنية، ومنها تحقيق السعودية المرتبة الأولى في مؤشر الأمن السيبراني للتنافسية، نوّه السليم بأن الاتحاد (الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز)، والهيئة الوطنية للأمن السيبراني، والشركات السعودية في مجال الأمن السيبراني، تؤدي عملاً تشاركيّاً.

وأردف: «عندما يكون في (بلاك هات) أكثر من 300 ورشة عمل ومنطقة الفعاليات والتدريبات العملية التي تجري فيها والتدريبات المصاحبة لـ(بلاك هات) والشركات والمنتجات السعودية التي تُطرح اليوم، كلها تُساعد في رفع مستوى الأمان في المملكة، وهذا يُساعد في المؤشرات في مجال الأمن السيبراني».

واختتمت فعاليات «بلاك هات 2025»، الخميس، بجلسات استعرضت الهجمات المتطورة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الاستجابة للحوادث السيبرانية، كما ناقشت أحدث الاتجاهات والتقنيات التي تشكّل مستقبل الأمن السيبراني عالمياً.


بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)
شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)
TT

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)
شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

في عامٍ استثنائي اتّسم بتسارع التحوّل الرقمي واتّساع أثر الذكاء الاصطناعي وتحوّل المحتوى الرقمي إلى لغة يومية للمجتمعات، تداخلت ملامح المشهد العربي بين ما رصده بحث «غوغل» من اهتماماتٍ متصدّرة، وما كشفه «يوتيوب» عن لحظاته البارزة ومنتجاته الجديدة في الذكرى العشرين لانطلاقه. جاءت الصورة النهائية لعام 2025 لتُظهر كيف أصبح الإبداع الرقمي، بجميع أشكاله، مرآةً لنبض الشارع وعمق الثقافة وتطلعات الأجيال الجديدة.

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدت هذا العام أكثر ارتباطاً بالتكنولوجيا من أي وقت مضى. فقد تصدّرت أدوات الذكاء الاصطناعي قوائم البحث في «غوغل» في عدة دول عربية.

كانت «جيميناي» إلى جانب «تشات جي بي تي » و «ديب سيك» في طليعة الأدوات الأكثر بحثاً، مدفوعةً بفضول جماعي لفهم إمكانات النماذج التوليدية وتطبيقاتها الإبداعية. ولم يقتصر الأمر على التقنيات العامة، بل امتد إلى أدوات متخصصة مثل «نانو بانانا» لتحرير الصور و«فيو» لإنشاء مقاطع فيديو انطلاقاً من النصوص، ما يعكس تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى جزء من الحياة اليومية.

يكشف «يوتيوب» عن ابتكارات جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعزيز صناعة المحتوى وتحسين تجربة المشاهدة والتفاعل (شاترستوك)

الأكثر رواجاً في السعودية

وفي قلب هذا المشهد المتغير، برزت المملكة العربية السعودية بصورة لافتة، إذ كان التحول الرقمي العنوان الأبرز لاهتمامات السعوديين خلال عام 2025. فقد لجأ الأفراد إلى بحث «غوغل» لتسيير شؤونهم اليومية ضمن نمط حياة رقمي آخذ في التوسع، مع ارتفاع عمليات البحث المتعلقة بمنصات مثل قبول، وتسجيل الحرس الوطني، والمركز الوطني للقياس. وإلى جانب الإقبال على الخدمات الرقمية، حافظ الترفيه على مكانته في الأمسيات السعودية، حيث استمر مسلسل «شباب البومب 13» في جذب الأنظار، إلى جانب العمل الجديد «فهد البطل» الذي حقق انتشاراً واسعاً.

وفي السياق ذاته، أظهرت المملكة شغفاً متزايداً بتكنولوجيا المستقبل، مع اهتمام واضح بأدوات الذكاء الاصطناعي مثل «Gemini» و«Hailuo AI»، ما يعكس انفتاح المجتمع السعودي على التقنيات الحديثة وتبنّيها مبكراً.

هذا التفاعل مع التكنولوجيا لم يقتصر على السعودية، بل امتد إلى دول عربية أخرى بطرق متعددة. ففي العراق، تصدرت مباريات المنتخب الوطني واجهة البحث إلى جانب بروز أسماء إعلامية ومحتوى رقمي مؤثر. وفي الأردن وسوريا وفلسطين، ظل التعليم والخدمات العامة والدراما المحلية والرياضة في مقدمة الاهتمامات، لتبقى هذه المجتمعات متفاعلة مع مستجدات الحياة رغم اختلاف السياقات والتحديات. أما المغرب والجزائر، فحافظا على حضور كرة القدم في صدارة المشهد، إلى جانب انتشار الأدوات الذكية والأعمال الدرامية ونجاحات الإنتاجات العالمية.

أدوات الذكاء الاصطناعي مثل «جيميناي» و«شات جي بي تي» تصدّرت عمليات البحث في عدة دول عربية (شاترستوك)

من «غوغل» إلى «يوتيوب»

هذه الديناميكية الرقمية امتدت بقوة إلى «يوتيوب»، الذي اختار عامه العشرين ليقدّم أول «ملخص مشاهدة شخصي» عالمي، يسمح للمستخدمين باستعادة أبرز لحظاتهم عبر المنصة. وقد عكس هذا الإصدار فهماً عميقاً لطبيعة الجمهور العربي، الذي أظهر تفاعلاً كبيراً مع المواسم الثقافية كرمضان وعيد الأضحى، وناقش قضايا الذكاء الاصطناعي، وتابع بشغف نجوم كرة القدم العالميين مثل لامين يامال ورافينيا. كما حققت الأعمال الدرامية والأنمي والألعاب من «لعبة الحبّار» (Squid Game) إلى«Blue Lock» و«Grow a Garden» انتشاراً واسعاً، ما يعكس تنوع أذواق الجمهور واتساع رقعة التأثير الثقافي الرقمي.

وبرز عربياً هذا العام صعود لافت لصنّاع المحتوى، وفي مقدمتهم الفلسطيني أبو راني الذي تصدّر القوائم إقليمياً واحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد «Mr. Beast» بمحتوى بسيط وواقعي يوثق تفاصيل الحياة اليومية في غزة.

وعلى مستوى الموسيقى، احتلت أغنية «خطية» لبيسان إسماعيل وفؤاد جنيد المرتبة الأولى، مؤكدة الدور المتصاعد لمنشئي المحتوى في تشكيل الذوق الفني الرقمي.

وإلى جانب رصد الظواهر، كشف «يوتيوب» خلال فعالية «Made on YouTube» عن سلسلة ابتكارات جديدة تستشرف مستقبل صناعة المحتوى. فقد بدأ دمج نموذج «Veo 3 Fast» لتمكين منشئي «شورتس» من تصميم خلفيات ومقاطع عالية الجودة مجاناً، وإضافة الحركة إلى المشاهد بمرونة غير مسبوقة. كما ستتيح ميزة «التعديل باستخدام الذكاء الاصطناعي» تحويل المقاطع الأولية إلى مسودة جاهزة، فيما تضيف ميزة «تحويل الكلام إلى أغنية» بعداً إبداعياً جديداً لمنشئي المحتوى الشباب.

وفي خطوة لتقوية البنية الإبداعية، أعلن «يوتيوب» عن تحسينات واسعة في «استوديو YouTube» تشمل أدوات تعاون بين صناع المحتوى واختبارات «A/B » للعناوين وترقيات تجعل الاستوديو منصة استراتيجية لتطوير المحتوى. كما يجري العمل على توسيع أداة «رصد التشابه» التي تساعد على متابعة الفيديوهات التي ينشئها الذكاء الاصطناعي باستخدام وجوه مشابهة لصناع المحتوى، وهي خطوة مهمة في زمن تتداخل فيه حدود الهوية الرقمية مع الإبداع الاصطناعي.

اهتمامات البحث تنوعت عربياً بين التعليم والرياضة والدراما والأدوات التقنية بحسب سياق كل دولة (أدوبي)

ماذا عن المشاهدات؟

على صعيد المشاهدة، فقد شهد المحتوى المباشر نمواً استثنائياً، إذ إن أكثر من 30 في المائة من مستخدمي «يوتيوب» شاهدوا بثاً مباشراً يومياً في الربع الثاني من عام 2025. لذلك تطلق المنصة أكبر تحديث لأدوات البث الحي لتعزيز تفاعل الجمهور وتوسيع قاعدة المشاهدين وزيادة مصادر الدخل. وفي المجال الموسيقي، تحمل «YouTube Music» ميزات جديدة مثل العد التنازلي للإصدارات وخيارات حفظ المفضلات مسبقاً، فيما تعمل المنصة على أدوات تربط الفنانين بمعجبيهم عبر محتوى حصري وتجارب مخصصة.

كما تتوسع فرص التعاون بين العلامات التجارية وصناع المحتوى، مع ميزات جديدة في «التسوق على يوتيوب» تشمل الروابط المباشرة داخل «شورتس» وإدراج مقاطع العلامات التجارية بسهولة أكبر، مدعومةً بإمكانات الذكاء الاصطناعي لتسهيل الإشارة إلى المنتجات وتوسيع الأسواق المتاحة.

في هذا المشهد المتفاعل بين «غوغل» و«يوتيوب» والجمهور العربي، يتضح أن المنطقة تعيش مرحلة جديدة يتقاطع فيها الذكاء الاصطناعي مع الإبداع الإنساني، ويتحوّل فيها المحتوى الرقمي إلى منصة للتعبير الجماعي وبناء المجتمعات وصياغة الاتجاهات الثقافية. وبين البحث والاستهلاك والإنتاج، يستمر عام 2025 في رسم ملامح عقدٍ مقبل يعد بأن يكون الأكثر ثراءً وتحولاً في تاريخ المحتوى العربي الرقمي.