أعاد تقرير صحافي، نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، وروّجته بكثافة وسائل إعلام إسرائيلية، الأحد، تسليط الضوء على خطة إسرائيلية، تعود إلى أكثر من 60 سنة، لدفع محاولة بناء «إمارات» أو كيانات انفصالية عن جسد السلطة الوطنية.
وركّز التقرير على مدينة الخليل الفلسطينية، ونقل عمن زعم أنهم «21 شخصاً من شيوخ القبائل الفلسطينية في الخليل»، توجيههم رسالة باللغة العبرية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تطالب بإطلاق مفاوضات معهم كي ينضموا إلى «الاتفاقيات الإبراهيمية»، وبالتبعية إسقاط «حلّ الدولتين»، الذي يعول عليه الفلسطينيون لبناء دولتهم.
وردّ مصدر أمني في السلطة الفلسطينية على التقرير، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ما يجري يمثل محاولة إسرائيلية أخرى لإضعاف السلطة الفلسطينية، عبر إحياء مشروع قديم جديد لإيجاد بديل للمنظمة والسلطة، لكنه مشروع محكوم عليه بالفشل». وزاد: «لا أحد هنا يمكن أن يجرؤ على أن يأخذ هذه الخطوة على عاتقه، ويقول: أنا هنا الجاسوس... أنا البديل للسلطة... من حاولوا ذلك معروفون، ولا يمثلون أحداً».

وعدّ المصدر أن «هذه ليست أول محاولة، فقد جربوا التواصل المباشر مع سياسيين وأكاديميين ونشطاء ورجال أعمال ورجال دين حتى مسؤولين في الهيئات المحلية، في محاولة لخلق أجسام بديلة للسلطة، لكن كل ذلك كان مثل زوبعة في فنجان».
ما تفاصيل الرسالة؟
وجاء في الرسالة، التي فجّرت المخطط مجدداً، أنها ستكون إسقاطاً لـ«حلّ الدولتين» للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ووضع ترتيبات جديدة بديلة عن «اتفاقيات أوسلو» التي وصفتها بأنها جلبت «الضَّرر، الموت، الكوارث الاقتصادية، الدَّمار»، وحلَّت «سُلطة فاسدة مكان الزَّعامات العائلية التقليدية».
وقالت الرسالة إنه «في أعقاب هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وتداعياته، لم تبدُ فكرة حلّ الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين أكثر بُعداً عن الواقع مما هي عليه اليوم، إلا أن هذه القطيعة قد تكون فرصة لطرح نهج جديد نحو السلام، تقوده هذه المرة شخصيات تقليدية من داخل المجتمع الفلسطيني».
بل نقلت الرسالة عن الشخصيات الموقعة عليها عزمهم «الاعتراف الكامل بإسرائيل كدولة يهودية». ودعت إلى انفصال «الخليل» عن السلطة الفلسطينية، وتأسيس «إمارة» محلية، تنضم لاحقاً إلى «الاتفاقيات الإبراهيمية» للسلام مع إسرائيل.
براءة من العائلة
وبينما نسب التقرير ذلك المسعى لأشخاص من عائلة الجعبري في الخليل، فإن العائلة المتجذرة في المدينة، أصدرت بياناً عن شيوخها المعروفين والمقيمين بالمدينة، تضمن «براءة العائلة من الرسالة المذكورة، ومضامينها». وأوضح أن الشخص الذي يظهر في الإعلام (الأميركي والإسرائيلي) باسم هؤلاء المشايخ، ويدعى وديع الجعبري، «هجر المدينة منذ سنين طويلة، ويعيش أصلاً في القدس».

ومرة أخرى، توافق تعليقُ المصدرِ مع بيانِ تبرؤِ عائلة الجعبري من البيان، وأكّد أنه «روّج لهم التقارير على أنهم شيوخ في الخليل. ولا يعيشون في الخليل أصلاً. لأن المدينة لفظتهم منذ مدة لأسباب معروفة، تتوافق مع موقف رجالات الخليل وعشائرها الداعمين المشروع الوطني وإقامة الدولة الفلسطينية».
وتحدثت وسائل إعلام عبرية عن أن تلك الخطة لفصل الخليل قديمة، وتسمى «خطة الإمارات»، لكن وزير المالية بتسلئيل سموترتش، الذي يتولى شؤون الاستيطان في الحكومة، يعمل على تنفيذها، ليس في الخليل فقط، بل في عدة بلدات أخرى.
كيف تعمل إسرائيل؟
وكشفت مصادر إسرائيلية أن وزير الاقتصاد الإسرائيلي، نير بركات، هو الذي يقف خلف إعداد الرسالة، وأنه كان قد التقى المشايخ 12 مرة منذ فبراير (شباط) الماضي. وبحسب ما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن من وقّعوا الرسالة يقترحون «اتفاقاً لتوظيف آلاف العمَّال الفلسطينيين في إسرائيل، والبداية بألف عامل وصولاً إلى 50,000 مستقبلاً، بدلاً من الوضع الحالي الذي توقَّفت فيه التصاريح بعد هجوم 7 أكتوبر». وتدعو الرسالة إلى تطبيق «سياسة عدم التسامح مطلقاً مع الإرهاب»، في إشارة إلى انتقاد إسرائيل للسُّلطة الفلسطينية على دفع رواتب لعائلات الأسرى والشهداء.
وكشفت صحيفة «معاريف» العبرية، الأحد، أن الحكومة الإسرائيلية «تسعى إلى الترويج لهذا المشروع كي تحطم السلطة الفلسطينية، وتقضي على فكرة الدولة الفلسطينية».

وقالت الصحيفة إن «الحكومة تنطلق (في مسعاها لفصل الخليل وغيرها) من خطة المستشرق اليهودي الإسرائيلي، دكتور مردخاي كيدار» الذي ظهر في العديد من الفضائيات، وعرضها عبر السنين، وهو معروف بلسانه السليط وأسلوبه المنفر.
وبحسب الصحيفة، يؤيد سموترتش هذه الخطة، ويجد فيها «حلّاً وحيداً، وبموجبها تعلن السيادة الإسرائيلية على المنطقة ج (تساوي 60 في المائة من الضفة الغربية)، وقسم من المنطقة ب (التي تساوي نحو 20 في المائة من الضفة الغربية)، وتقيم على البقية 8 كانتونات، تسميها (إمارات) ذات حكم مدني، ولكن بسيطرة أمنية إسرائيلية مطلقة»، وتمنع بذلك قيام دولة فلسطينية، وعملياً ترمي إلى تخليد الاحتلال.
ما أصل الخطة؟
خطة مردخاي هذه قديمة جداً، كان قد طرحها لأول مرة الجنرال بنيامين بن إليعازر، عندما كان أول حاكم عسكري للضفة الغربية، في نهاية الستينات، تحت قيادة موشيه ديان، وزير الدفاع. وقد عمل عليها شهوراً طويلة، برفقة شلومو غازيت، الذي كان أول منسِّق لأعمال الحكومة في المناطق المحتلة، وأصبح لاحقاً رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية.
وقد أصبح بن إليعازر لاحقاً وزيراً للدفاع. وبعد تجارب طويلة وعنيفة لتطبيق هذا الحلّ، توصل ديان وبن إليعازر وغازيت إلى الاستنتاج بأنه يبدو اقتراحاً مستحيلاً للتطبيق، وراحوا يؤيدون حلّاً يقوم على أساس مبدأ «دولتان للشعبين».

وبحسب صحيفة «معاريف»، فإنَّ جهاز الأمن العام (الشاباك) والمؤسَّسة العسكرية الإسرائيلية يُبدون «تحفظات كبيرة على هذه الخطة، ويرونها فاشلة من البداية». وأكّدت مصادر أمنية أنّ «السلطة الفلسطينية تظل شريكاً أساسياً في حفظ الأمن في الضفة، وتحذِّر من فوضى محتملة حال تفكيكها، من دون بديل منظَّم. وتساءل الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، غادي شمني: كيف يمكن التعامل مع عشرات العائلات المسلَّحة، لكل منها نظامها؟ ستكون كارثة».

