5 حقائق سوداء في فقاعة الضجة الكبرى للذكاء الاصطناعي

مواجهة تغوّل شركات التكنولوجيا ومنعها من رهن مستقبل البشرية

5 حقائق سوداء في فقاعة الضجة الكبرى للذكاء الاصطناعي
TT

5 حقائق سوداء في فقاعة الضجة الكبرى للذكاء الاصطناعي

5 حقائق سوداء في فقاعة الضجة الكبرى للذكاء الاصطناعي

يشكل كتاب «خدعة الذكاء الاصطناعي The AI Con» محاولة لاستكشاف الضجة المثارة حول تقنيات الذكاء الاصطناعي، والمصالح التي تخدمها، والأضرار التي تقع تحت هذه المظلة. ومع كل ذلك، تبقى هناك خيارات متاحة أمام المجتمع لمقاومة هذه الضجة، وما زال هناك أمل في أن نتحد معاً لمواجهة تغوّل شركات التكنولوجيا، ومنعها من رهن مستقبل البشرية.

«خدعة الذكاء الاصطناعي»

وفيما يلي تتشارك المؤلفتان إميلي بيندر (أستاذة في علم اللغة، مديرة برنامج الماجستير في اللغويات الحاسوبية بجامعة واشنطن)، وأليكس هنا (مديرة الأبحاث في معهد البحوث الموزعة للذكاء الاصطناعي، ومحاضرة في كلية المعلومات بجامعة كاليفورنيا في بيركلي) مع القراء بخمسة أفكار رئيسية من كتابهما الجديد «خدعة الذكاء الاصطناعي: كيف نحارب تضليل شركات التكنولوجيا الكبرى ونصنع المستقبل الذي نريده؟ ?The AI Con: How to Fight Big Tech’s Hype and Create the Future We Want».

01-> التكنولوجيا التي تحرِّك موجة الضجة الحالية حول الذكاء الاصطناعي ما هي إلا خدعة استعراضية: تبدو روبوتات الدردشة مثل «تشات جي بي تي»، تكنولوجيا مذهلة، لكن ليس بالضرورة بالطريقة التي نتصورها.

في الواقع، لا تستطيع هذه الأنظمة الاضطلاع بمجموعة الوظائف التي تزعم أنها قادرة عليها، وإنما جرى تصميمها لتبهرنا. ويكمن جوهر الخدعة في الطريقة التي يستخدم بها البشر اللغة. قد نعتقد أن فهم الكلمات مجرد فك رموز بسيطة، لكن الحقيقة أن العملية أشد تعقيداً بكثير، وتحمل في جوهرها طابعاً اجتماعياً عميقاً.

نحن نفسر اللغة عبر الاعتماد على كل ما نعرفه (أو نفترضه) عن الشخص الذي نطق الكلمات، وعلى الأرضية المشتركة بيننا وبينه، ثم نبدأ في استخلاص نيّات المتكلم. ونتولى إنجاز هذا الأمر على نحو تلقائي. لذا، عندما نصادف نصاً أنتجته أنظمة ذكية، فإننا نتعامل معه كما لو أن هناك عقلاً بشرياً خلَّفه، رغم عدم وجود عقل هناك أصلاً.

بمعنى آخر، فإن المهارات اللغوية والاجتماعية التي نُسقطها على النص المُنتَج من الذكاء الاصطناعي، تجعل من السهل على مروِّجي هذه التقنيات خداعنا لنعتقد أن برامج الدردشة كيانات عاقلة.

02- > الذكاء الاصطناعي لن يستحوذ على وظيفتك، لكنه سيجعلها أسوأ بكثير: في الغالب، تسعى تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى إخراج الإنسان من معادلة العمل.

وهنا يبرز إضراب نقابة «كتّاب أميركا» عام 2023 مثالاً على ذلك، مع إعلان كتّاب السيناريو في هوليوود الإضراب عن العمل للمطالبة بعدة أمور، منها رفع أجورهم من شركات البث. إلا أن خلف هذه المطالب، كان هناك كذلك قلق عميق إزاء الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في كتابة السيناريوهات، مما يهدد جودة العمل، ويجعل بيئة العمل أكثر ضغطاً وأقل احتراماً للمهارات البشرية.

كما أراد الكتّاب التأكد من أنهم لن يُجبروا على لعب دور مربّي الأطفال لأنظمة الدردشة الإلكترونية، التي يُكلفها المنتجون بكتابة سيناريوهات مبنية على أفكار ساذجة أو غير ناضجة مستوحاة من صناع السينما والتلفزيون.

في هذا الصدد، أشار جون لوبيز، عضو فريق العمل المعنيّ بالذكاء الاصطناعي داخل «نقابة الكتّاب»، إلى إمكانية حصول الكتّاب على أجر التعديلات فقط، عند تعاملهم مع محتوى ناتج عن الذكاء الاصطناعي، وهو أجر أقل بكثير من أجر كتابة سيناريو أصلي.

لقد رأينا بالفعل كيف أدّت أدوات توليد الصور والنصوص، إلى تقليص كبير في فرص العمل أمام مصممي الغرافيك، وفناني ألعاب الفيديو، والصحافيين. ولا يرجع ذلك إلى قدرة هذه الأدوات فعلاً على أداء مهام هؤلاء المحترفين بجودة عالية، بل لأنها تُنتج نتائج مقبولة بدرجة كافية لتقليص المهن، وإعادة توظيف العاملين مقابل أجور زهيدة، فقط ليقوموا بإصلاح مخرجات الذكاء الاصطناعي الرديئة.

وفوق ذلك، كثيراً ما تكون الأنظمة التي تُوصف بأنها «ذكاء اصطناعي» مجرد واجهات براقة تُخفي وراءها الاستراتيجية القديمة التي تعتمدها الشركات الكبرى، والمتمثلة في نقل وتحويل العمل إلى الأيدي العاملة في دول الجنوب العالمي.

وهؤلاء العمال -الذين غالباً ما يجري تجاهلهم- هم من يتولون مراجعة المحتوى عبر الإنترنت، واختبار أنظمة الدردشة للكشف عن المخرجات السامة، بل يقودون أحياناً المركبات التي يجري التسويق لها بوصفها ذاتية القيادة، عن بُعد.

ومع ذلك، يبقى هناك جانب مشرق يتمثل في نجاح بعض هؤلاء العمال من مقاومة هذا الاستغلال، سواء من خلال النشاط النقابي، أو من خلال ما يشبه التخريب الصناعي، مثل أدوات «نايتشيد» و«غليز» التي يستخدمها الفنانون لحماية أعمالهم من أن يجري استغلالها في تدريب نماذج توليد الصور، أو عبر التوعية السياسية.

إبعاد الناس عن تقديم الخدمات الاجتماعية

03- > الهدف من خدعة الذكاء الاصطناعي هو فصل الناس عن الخدمات الاجتماعية: نظراً لأننا نستخدم اللغة في كل مجالات النشاط البشري تقريباً، ولأن النص الاصطناعي الناتج عن هذه الأنظمة يمكن تدريبه على محاكاة اللغة، قد يبدو الأمر كأننا على وشك الحصول على تكنولوجيا قادرة على الاضطلاع بالتشخيص الطبي، وتقديم دروس تعليمية شخصية، واتخاذ قرارات حكيمة في توزيع الخدمات الحكومية، وتقديم استشارات قانونية، وغير ذلك -وكل ذلك مقابل تكلفة الكهرباء فقط (إضافة إلى ما تقرره الشركات المطورة من رسوم)... إلا أنه في كل هذه الحالات، ما يهم ليس مجرد الكلمات، بل التفكير الحقيقي وراءها، والعلاقات الإنسانية التي تساعدنا هذه الكلمات على بنائها والحفاظ عليها.

في الواقع، فإن أنظمة الذكاء الاصطناعي تخدم فقط أولئك الذين يريدون تحويل التمويل بعيداً عن الخدمات الاجتماعية، وتبرير سياسات التقشف. وفي الوقت نفسه، فإن أصحاب النفوذ سيحرصون على تلقي الخدمات من بشر حقيقيين، بينما يُفرض على باقي الناس نسخ رديئة من هذه الخدمات عبر أنظمة ذكية محدودة.

جدير بالذكر في هذا الصدد أن رئيس قسم الذكاء الاصطناعي الصحي في شركة «غوغل»، غريغ كورادو، صرّح بأنه لا يريد لنظام «ميد-بالم» Med-PaLM system التابع للشركة أن يكون جزءاً من رحلة الرعاية الصحية لعائلته. ورغم ذلك، فإن هذا لم يمنعه من التفاخر بأن النظام نجح في اجتياز اختبار ترخيص طبي -وهو في الحقيقة لم يفعل. والأهم من ذلك أن تصميم أنظمة تجتاز اختبارات متعددة حول المواقف الطبية، ليس وسيلة فعالة لبناء تكنولوجيا طبية مفيدة.

في هذه المجالات، تبدو الضجة حول الذكاء الاصطناعي أقرب إلى كونها ادعاءات زائفة عن حلول تكنولوجية لمشكلات اجتماعية، تستند -في أفضل الأحوال- إلى تقييمات مشكوك فيها ولا أساس لها من الصحة للأنظمة التي يجري بيعها.

04- > الذكاء الاصطناعي لن يقتلنا جميعاً، لكن التغييرات المناخية قد تفعل: في وقتٍ من الأوقات في «وادي السيليكون» وواشنطن العاصمة، دار تساؤل غريب، لكنه خطير، في أوساط العاملين في مجال التكنولوجيا أو السياسات التقنية: «ما احتمال الهلاك؟»، والمقصود به تقدير احتمالية أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى القضاء على البشرية جمعاء؟

ويقوم هذا النوع من التفكير الكارثي على فكرة تطوير ذكاء عام اصطناعي -أي نظام يمكنه أداء مجموعة واسعة من المهام بقدرة تساوي أو تتفوق على قدرة الإنسان.

الحقيقة أن مفهوم «الذكاء العام الاصطناعي» مبهم وغير محدَّد بدقة، ومع ذلك فإن فكرة الهلاك تحظى بشعبية لدى بعض التقنيين وصناع السياسات. ويرتكز هذا التوجّه على آيديولوجيات مثيرة للقلق، مثل «الإيثار الفعّال effective altruism»، و«الاهتمام بالمستقبل البعيد longtermism»، و«العقلانية rationalism»، وهي كلها تيارات تستند إلى فلسفة النفعية، لكن تأخذها إلى أقصى حدودها، إذ تدعو إلى تقليل أهمية الأذى الحالي بحجة إنقاذ مليارات البشر الذين قد يعيشون في مستقبل غير محدد. وتنبع هذه الآيديولوجيات من أفكار انتقائية وتمييزية في جوهرها ونتائجها.

في الوقت ذاته، نحن على وشك الفشل في تحقيق هدف «اتفاقية باريس»، المتمثل في الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية -والذكاء الاصطناعي يفاقم المشكلة.

تولِّد مراكز البيانات التي تستضيف هذه الأنظمة كميات هائلة من انبعاثات الكربون، والمكونات الإلكترونية المستخدمة في صناعتها تُسرّب مواد كيميائية سامة تدوم إلى الأبد في التربة، والمولدات الاحتياطية التي تُستخدم لدعمها تسهم في زيادة أمراض الجهاز التنفسي، خصوصاً داخل المناطق الأكثر فقراً في الولايات المتحدة وخارجها. وبالتالي، الروبوتات لن تسيطر على العالم، لكن تصنيعها قد يُفاقم أزمة المناخ بشكل خطير.

05- إجبار الإنسان على التنازل عن اختياراته

5. لا شيء من هذا محتوم: أولئك الذين يبيعون أنظمة الذكاء الاصطناعي ويثيرون الضجة حولها يريدون منَّا أن نتنازل طواعيةً عن قدرتنا على الاختيار. يُقال لنا إن الذكاء الاصطناعي -أو حتى الذكاء العام الاصطناعي- أمر لا مفر منه، أو على الأقل إن أدوات مثل «تشات جي بي تي» أصبحت واقعاً دائماً، لكن الحقيقة أنْ لا شيء من هذا محتوم. الحقيقة أننا نملك القدرة على العمل، سواء بشكل جماعي أو فردي.

على المستوى الجماعي، يمكننا الدفع نحو إقرار قوانين تنظم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحمي العمال من أن تُستخدم هذه الأدوات ضدهم. ويمكننا المطالبة بعقود عمل تضمن بقاء السيطرة بأيدي البشر.

وعلى المستوى الفردي، يمكننا ببساطة أن نرفض استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي. يمكننا أن نكون مستهلكين ناقدين لهذه الأتمتة، نتفحص ما الذي تجري أتمتته، وكيف يجري تقييمه، ولماذا.

كما يمكننا أن نكون ناقدين للإعلام التقني، فنبحث عن الصحافة التي تحاسب أصحاب القوة وتكشف عن حقائق ما يجري.

وأخيراً، يمكننا -بل يجب علينا- أن نسخر من هذه الأنظمة باعتبار ذلك وسيلة للمقاومة، بأن نُظهر بشكل مرح وساخر مدى رداءة إنتاج هذه الآلات الصناعية.

*مجلة «فاست كومباني»

خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

الإيرادات التشغيلية لقطاع التقنية في السعودية يسجل 66.6 مليار دولار

الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

الإيرادات التشغيلية لقطاع التقنية في السعودية يسجل 66.6 مليار دولار

حققت إيرادات قطاع التقنية التشغيلية لمنظومة تقنية المعلومات والاتصالات بالسعودية قفزة نوعية لتبلغ 249.8 مليار ريال (66.6 مليار دولار) خلال عام 2024.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تكنولوجيا ميزة جديدة من «غوغل» تتيح تغيير عنوان «جيميل» دون فقدان البيانات (رويترز)

«غوغل» تختبر ميزة تغيير عنوان البريد الإلكتروني في «جيميل» دون فقدان البيانات

تعكس الخطوة توجهاً جديداً لدى «غوغل» نحو منح المستخدمين مرونة أكبر في إدارة هويتهم الرقمية، ومعالجة واحدة من أقدم القيود في خدمة «جيميل».

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
الاقتصاد أحد المصانع في السعودية (واس)

إطلاق مبادرة «تقنيات التحوّل الاستثنائي» لتطوير الصناعة في السعودية

أعلنت وزارة الصناعة والثروة المعدنية إطلاق مبادرة «تقنيات التحوّل الاستثنائي»، بالتعاون مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية «كاوست».

«الشرق الأوسط» (الرياض )
تكنولوجيا شاشة مبهرة وأداء متقدم وبطارية طويلة العمر

أخف كمبيوتر محمول في العالم يواكب ثورة الذكاء الاصطناعي المحلي

إن كنت ممن يتنقلون كثيراً للعمل أو الدراسة، فسيعجبك كمبيوتر «تكنو ميغابوك إس 14» Tecno Megabook S14 الذي يتميز بأنه أخف كمبيوتر محمول بقطر 14 بوصة وزناً.

خلدون غسان سعيد (جدة)
تكنولوجيا ميزات التصوير بتطبيق كاميرا "ابل"

دليلك للتحكم في كاميرا هاتفك الذكي الجديدة

حقق التصوير الفوتوغرافي عبر الهواتف الذكية قفزات كبرى، منذ إطلاق أول كاميرا لهاتف «آيفون» بدقة 2 ميغابكسل، عام 2007. واليوم، أصبحت الهواتف

جي دي بيرسدورفر (نيويورك)

أول محطة في العالم لتحلية المياه في أعماق البحر

في الموقع التجريبي النرويجي لتحلية المياه
في الموقع التجريبي النرويجي لتحلية المياه
TT

أول محطة في العالم لتحلية المياه في أعماق البحر

في الموقع التجريبي النرويجي لتحلية المياه
في الموقع التجريبي النرويجي لتحلية المياه

يُعدّ تحويل مياه البحر إلى مياه شرب عملية مُكلفة للغاية، وتستهلك كميات هائلة من الطاقة، ما يجعلها غير عملية في معظم أنحاء العالم. إلا أن شركة نرويجية تُجري تجارب على نهج جديد قد يُغيّر هذا الواقع، إذ ستُدشّن شركة «فلوشيان» أول محطة تجارية لتحلية المياه تحت سطح البحر في العالم هذا العام، وتؤكد أن نظامها سيُخفّض بشكل كبير تكلفة العملية واستهلاكها للطاقة.

محطات التحلية البرية

يزداد الطلب العالمي على المياه مدفوعاً بالنمو السكاني، وتغيّر المناخ، والاستخدامات الصناعية مثل مراكز البيانات والتصنيع. في الوقت نفسه، تتضاءل وفرة المياه العذبة بسبب الجفاف، وإزالة الغابات، والإفراط في الري.

وتُنتج محطات تحلية المياه البرية حالياً نحو 1 في المائة من إمدادات المياه العذبة في العالم، ويعتمد أكثر من 300 مليون شخص على هذا المصدر لتلبية احتياجاتهم اليومية من المياه. وتقع كبرى محطات تحلية المياه في الشرق الأوسط؛ حيث يُسهّل توفر الطاقة الرخيصة استخدامها، في حين يُزيد شحّ المياه من ضرورتها.

وتُعدّ تقنية التناضح العكسي هي الرائدة لتحلية المياه اليوم؛ حيث يُضخّ ماء البحر عبر غشاء ذي ثقوب مجهرية تسمح بمرور جزيئات الماء فقط، في حين تُصفّى الأملاح والشوائب الأخرى. ويتطلب دفع الماء عبر المرشحات ضغطاً كبيراً، وهو ما يستلزم كميات هائلة من الطاقة.

ماء عذب بطاقة أقل

وتعتمد طريقة «فلوشيان» (Flocean) على غمر وحدات ترشيح المياه في أعماق المحيط، لفصل ماء البحر عن الملح في الأعماق، ثم ضخّ المياه العذبة إلى اليابسة. وبفضل وضع وحدات التناضح العكسي في أعماق المياه، تستفيد هذه التقنية من الضغط الهيدروستاتيكي -وزن الماء المتدفق من الأعلى- لدفع ماء البحر عبر أغشية الترشيح.

ويؤدي انخفاض عمليات الضخ إلى تقليل استهلاك الطاقة، بنسبة تتراوح بين 40 و50 في المائة مقارنةً بالمحطات التقليدية، وفقاً للشركة. إضافةً إلى ذلك، تُصبح مياه البحر أنظف بمجرد الوصول إلى ما دون منطقة ضوء الشمس (التي تمتد إلى عمق 200 متر تحت سطح الماء)، ما يعني أن الماء لا يحتاج إلى معالجة مسبقة مكثفة قبل وصوله إلى الأغشية.

ونقلت مجلة «نيو ساينتست» البريطانية عن ألكسندر فوغلسانغ، مؤسس شركة «فلوشيان» ومديرها التنفيذي، قوله: «إنها عملية بسيطة للغاية من الناحية الهندسية والعملية، فالملوحة ودرجة الحرارة والضغط هي نفسها، كما أن المياه مظلمة، ولا يوجد كثير من البكتيريا التي قد تُسبب التلوث البيولوجي». ويُساعد الضغط الهيدروستاتيكي نفسه الذي يدفع الماء عبر الأغشية على تشتيت المحلول الملحي الناتج، الذي تؤكد «فلوشيان» أنه خالٍ من المواد الكيميائية التي قد تضر بالحياة البحرية.

موقع تجريبي عميق

على مدار العام الماضي، قامت «فلوشيان» بتحلية المياه على عمق 524 متراً في موقعها التجريبي في أكبر قاعدة إمداد بحرية في النرويج، وهي مجمع «مونغستاد» الصناعي. ويجري بناء منشأة تجارية تابعة للشركة، تُسمى «فلوشيان وان»، في الموقع نفسه، وستنتج مبدئياً 1000 متر مكعب من المياه العذبة يومياً عند إطلاقها العام المقبل. ويمكن توسيع نطاق العملية تدريجياً بإضافة مزيد من الوحدات.

ويقول فوغلسانغ: «تتمثل فلسفتنا في الحفاظ على وحدات المعالجة تحت سطح البحر كما هي، والتوسع عن طريق المضاعفة بدلاً من بناء آلات أكبر حجماً».

ويقول نضال هلال من جامعة نيويورك أبوظبي: «قد يصبح هذا الحل مجدياً في مواقع مناسبة، موفراً مياهاً بأسعار معقولة إذا انخفضت التكاليف، ولكنه لم يُثبت جدواه بعد على نطاق واسع».

ويضيف أن خفض التكاليف سيكون حاسماً لتوسيع نطاق هذه التقنية، إذ لا تزال تكلفتها أعلى بكثير من الحصول على المياه العذبة بالطرق التقليدية.

ويُعدّ تنظيف الأغشية وصيانتها من أكبر تكاليف شركة «فلوشيان»، وستسهم التطورات في تكنولوجيا الأغشية على حل هذه المشكلة؛ إذ يعمل فريق هلال البحثي على أغشية موصلة للكهرباء تستخدم الكهرباء لصدّ أيونات الملح والملوثات، ما يُحافظ على نظافتها، ويزيد من إنتاجيتها.

ومن المتوقع أن تبدأ محطة «فلوشيان وان» بإنتاج المياه العذبة في الربع الثاني من العام. وإذا سارت التقنية كما هو مخطط لها، فقد تُساعد «فلوشيان» في الحصول على الدعم اللازم لبناء محطات أكبر في مواقع أخرى.

حقائق

نحو 1 %

من إمدادات المياه العذبة في العالم تنتج من محطات تحلية المياه البرية حالياً


هل يمكن للذكاء الاصطناعي قراءة أفكارك قبل أن تفكِّر فيها؟

ما قبل الوعي: إشارات الدماغ التي تسبق ولادة الفكرة
ما قبل الوعي: إشارات الدماغ التي تسبق ولادة الفكرة
TT

هل يمكن للذكاء الاصطناعي قراءة أفكارك قبل أن تفكِّر فيها؟

ما قبل الوعي: إشارات الدماغ التي تسبق ولادة الفكرة
ما قبل الوعي: إشارات الدماغ التي تسبق ولادة الفكرة

لم يكن العقل البشري يوماً مكشوفاً بالكامل. قرأنا القلب، وفككنا الجينوم، وصوَّرنا أدقَّ تفاصيل الجسد، ولكن «الفكرة» بقيت آخر الأسرار؛ تلك اللحظة الصامتة التي تومض في الدماغ قبل أن تتحوَّل إلى كلمة أو قرار. ظلَّت الفكرة مساحة داخلية لا تُقاس ولا تُرصد، إلى أن بدأ الذكاء الاصطناعي يقترب من هذا الحيِّز الرمادي بحذرٍ علمي.

القرار يولد قبل أن نعيه... من الصورة إلى زمن القرار

يعتقد الإنسان أن التفكير يبدأ لحظة إدراكه للفكرة، ولكن علم الأعصاب الحديث يرسم صورة أكثر تعقيداً. فالقرار -حسب دراسات عصبية متراكمة- يتشكَّل داخل الدماغ قبل أن يصل إلى الوعي. وتسبق لحظة الإدراك سلسلة من الإشارات الكهربائية والكيميائية، تعمل في شبكات عصبية عميقة، تُعرف بمرحلة «ما قبل الوعي»؛ حيث يُحضَّر القرار قبل أن نشعر بأننا اتخذناه.

في بدايات بحوث الذكاء الاصطناعي العصبي، انصبَّ الاهتمام على تحليل صور الدماغ: خرائط النشاط، ومناطق الإضاءة، وشدَّة الإشارة، وكأن الفكرة تُختزل في لقطة ثابتة. ولكن التحوُّل الحقيقي لم يكن بصرياً؛ بل زمنياً. فالنماذج الحديثة لم تعد تسأل: ماذا يحدث في الدماغ؟ بل: متى يبدأ القرار في التشكُّل؟ وهكذا انتقل الذكاء الاصطناعي من توصيف الحالة العصبية إلى تتبُّع إيقاعها الزمني، ورصد اللحظة التي تسبق الوعي بالاختيار.

الخوارزمية تراقب الزمن: الذكاء الاصطناعي يحلل أنماط القرار العصبي

التوقيع العصبي: بصمتك غير المرئية

لكل إنسان «توقيع عصبي» خاص به؛ نمط فريد في التردَّد والانتباه، والتردُّد والحسم. لا يفهم الذكاء الاصطناعي الفكرة ذاتها، ولكنه يتعلَّم هذا التوقيع بدقَّة عالية. ومع تكرار التعلُّم، يصبح قادراً على توقُّع اتجاه القرار -حركة، أو كلمة، أو اختياراً- قبل أن يشعر الشخص نفسه بأنه حسم أمره.

بحث حديث: حين يتنبأ الذكاء بالنيَّة

في أغسطس (آب) 2025، نشر فريق بحثي من «معهد بيكمان لعلوم الدماغ» في جامعة إلينوي، في أوربانا– شامبين، بالولايات المتحدة الأميركية، دراسة بارزة في مجلة «نيتشر لعلوم الأعصاب» (Nature Neuroscience) قادها البروفسور تشانغ لي. استخدم الفريق نموذج ذكاء اصطناعي متقدِّماً يجمع بين التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي والتحليل الزمني العميق.

تمكَّن النظام من التنبؤ بنيَّة الاختيار الحركي لدى المشاركين قبل وعيهم بها بما يصل إلى 7 ثوانٍ. وأكَّد الباحثون بوضوح أن النموذج «لا يقرأ الأفكار»، ولا يصل إلى المعنى أو الدافع؛ بل يتعرَّف على أنماط عصبية تسبق الوعي بالقرار.

هل أصبحت أفكارنا مكشوفة؟

الجواب العلمي الدقيق: لا. فالذكاء الاصطناعي لا يطَّلع على محتوى الفكرة، ولا يقرأ القيم ولا النوايا الأخلاقية. لذا فإن ما يستطيع فعله -وفي ظروف بحثية مضبوطة- هو توقّع اتجاه القرار ضمن سياق محدَّد. أما الفكرة، بمعناها الإنساني، فتبقى أعقد من أن تُختزل في إشارة كهربائية.

إذن، الطب يستفيد... دون اقتحام العقل. ففي المجال الطبي، تحوَّل هذا الاستباق العصبي إلى أداة علاجية ذات أثر مباشر؛ من التنبؤ المبكر بنوبات الصرع، إلى رصد الاكتئاب قبل تفاقمه، وصولاً إلى مساعدة مرضى الشلل على التواصل، عبر واجهات دماغ– حاسوب. هنا، لا يبحث الذكاء الاصطناعي عن «الفكرة»؛ بل عن لحظة الخلل قبل أن تتحوَّل إلى معاناة.

أخلاقيات الاقتراب من الدماغ

كلما اقتربت الآلة من العقل، تعاظمت الأسئلة الأخلاقية: من يملك بيانات الدماغ؟ وأين ينتهي العلاج ويبدأ التلاعب؟

ولهذا، تُصنِّف الهيئات العلمية العالمية بيانات الدماغ ضمن أعلى درجات الخصوصية، ولا تُجيز استخدامها إلا بموافقة صريحة، وفي إطار طبي أو بحثي صارم، مع حظر أي توظيف تجاري أو أمني خارج هذا السياق.

الإنسان... أكثر من إشارات

ورغم كل هذا التقدُّم، تبقى حقيقة لا ينازعها علم: الإنسان أكثر من إشارات. فالفكرة ليست نبضة كهربائية فحسب؛ بل تجربة، وذاكرة، وسياق، وأخلاق.

وهنا نستعيد قول ابن رشد: «العقل لا يعمل في فراغ؛ بل في إنسان». قد تسبق الخوارزميات وعينا بلحظة، ولكنها لا تمنح الفكرة معناها.

شراكة لا صراع

المستقبل لا يبدو صراعاً بين العقل والآلة؛ بل شراكة دقيقة: آلة ترى الإشارات، وإنسان يفسِّرها. آلة تتنبأ، وإنسان يختار. أما السؤال الحقيقي اليوم، فلم يعد: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي قراءة أفكارنا؟ بل: هل سنُحسن نحن رسم حدود هذه القدرة قبل أن تتجاوزنا؟


جدال علمي حول مشروعات حجب الشمس

مشروعات هندسية لحجب الشمس... احتمالات غير آمنة
مشروعات هندسية لحجب الشمس... احتمالات غير آمنة
TT

جدال علمي حول مشروعات حجب الشمس

مشروعات هندسية لحجب الشمس... احتمالات غير آمنة
مشروعات هندسية لحجب الشمس... احتمالات غير آمنة

على مدار عقود، ظلت هندسة المناخ - ويقصد بها التلاعب التكنولوجي المتعمد بمناخ الأرض لمواجهة الاحتباس الحراري - مفتقرة إلى مشاعر الاحترام والتقدير داخل المجتمع العلمي. وقد تعامل معها معظم الخبراء بشك عميق، الأمر الذي يرجع إلى حد كبير إلى عدم التيقن من فعاليتها، واحتمالية إطلاقها العنان لعواقب وخيمة غير مقصودة.

ومع أن مجموعة صغيرة من الباحثين طالبت بدراسة هندسة المناخ على الأقل، جاءت ردود الأفعال العامة في الجزء الأكبر منها، انتقادية.

تحذيرات ومجادلات علمية

وأخيراً، وتحديداً في سبتمبر (أيلول) الماضي، تعزز هذا الموقف لدى نشر أكثر من 40 مختصاً في علوم المناخ والأنظمة القطبية وعمليات المحيطات، ورقة بحثية رئيسة في دورية Frontiers in Science.

* مخاطر هندسة المناخ الشمسية. وكانت النتيجة التي خلص إليها العلماء واضحة دون مواربة: ثمة احتمال ضئيل للغاية أن تعمل هندسة المناخ الشمسية بأمان. وحذر القائمون على الدراسة من أن رش الهباء الجوي العاكس، في طبقة الستراتوسفير، قد يغير الدورة الجوية، مما قد يؤدي بدوره إلى ارتفاع درجة حرارة فصول الشتاء في شمال أوراسيا (أوروبا-آسيا)، علاوة على اضطرابات مناخية إضافية.

الحقيقة أنه لطالما جرى تجسيد هذه المخاوف في الأفلام، مثل «مثقب الثلج» (Snowpiercer) الذي دار حول قصة حدوث انخفاض كارثي في درجة الحرارة، بعد تجربة هندسة مناخية فاشلة. كما يتخيل كيم ستانلي روبنسون في روايته «وزارة المستقبل» (The Ministry for the Future) حكوماتٍ تلجأ إلى هندسة المناخ، مدفوعة بشعورها باليأس، بعد وقوع وفيات جماعية ناجمة عن التغيرات المناخية.

واللافت أن رواية روبنسون لا تصور هندسة المناخ باعتبارها كارثية بطبيعتها، وإنما تحذر من أن استخدام تكنولوجيا غير مفهومة جيداً على نطاق واسع، قد يسفر عن نتائج كارثية يتعذر التنبؤ بطبيعتها.

* ضرورة أبحاث التدخل المناخي.ومع ذلك، فقد تدهورت توقعات المناخ على أرض الواقع بدرجة هائلة، لدرجة أن الكثير من العلماء، اليوم، بات لديهم اعتقاد بأن أبحاث هندسة المناخ أمر لا مفر منه. ورداً على الورقة البحثية المنشورة المذكورة آنفاً، أصدر أكثر من 120 عالماً بياناً مضاداً أكدوا خلاله أن البحث في مجال التدخل المناخي، أصبح «ضرورياً للغاية».

وكان فيليب دافي، كبير المستشارين العلميين السابق في إدارة بايدن، قد أوجز هذا التحول على النحو الآتي: مع تسارع وتيرة التغييرات المناخية، فإنه حتى التخفيف الصارم للانبعاثات المسببة لها، لا يمكنه الحيلولة دون الارتفاع الشديد في درجات الحرارة. وعلى نحو متزايد يتضح أمامنا أن بعض التدخلات المناخية قد تكون ضرورية باعتبارها تدابير تكميلية، وليست مجرد تكهنات نظرية.

وقد عززت سياسات المناخ العالمية هذه الحاجة الملحة. وفي الوقت الذي يُكافح العالم لإجراء تحولات منهجية سريعة في قطاعي الطاقة والزراعة، يواجه الباحثون وصانعو السياسات تساؤلاً ملحاً: إذا لم يكن في الإمكان تقليص الانبعاثات الكربونية بالسرعة الكافية لتجنب نقاط التحول الكارثية، فما البدائل المتبقية؟

التصاميم التدخلية لحماية الأرض من تغيرات المناخ... قد تصبح ضرورية

تصاميم تدخلية

* مقترحات متعددة. من جهتها، تشمل هندسة المناخ طيفاً واسعاً من التدخلات المُحتملة. وتدور بعض المقترحات حول تعزيز سطوع السحب فوق المحيطات، أو زيادة انعكاسية المناطق القطبية. كما حظيت تكنولوجيا إزالة الكربون، التي تُدرج أحياناً تحت مظلة هندسة المناخ، بقبول واسع باعتبارها عناصر ضرورية في استراتيجيات التخفيف من آثار التغييرات المناخية. ومع ذلك، تبقى الفئة الأكثر إثارة للجدل إدارة الإشعاع الشمسي - حقن جزيئات الهباء الجوي العاكسة في طبقة الستراتوسفير لحجب أشعة الشمس الواردة.

اللافت أن هذه الأفكار، التي لطالما كانت هامشية من قبل، تحظى اليوم بدعم مؤسسي وتجاري وخيري. وقد أبدى مليارديرات مثل بيتر ثيل وإيلون ماسك اهتمامهم بها. كما أطلقت شركات ناشئة، مثل «ميك صن سيتس»، تجارب صغيرة وغير مُصرح بها.

كما يعتقد بعض النشطاء الذين لطالما شككوا في هندسة المناخ، الآن أن التدخل المناخي وسيلة لمعالجة التفاوتات العالمية، الناجمة عن استخدام الوقود الأحفوري. وتعكف مختبرات وطنية أميركية على إجراء أبحاث حول آثار إطلاق ثاني أكسيد الكبريت في القطب الشمالي. وجمعت شركة «ستارداست سولوشنز»، وهو مشروع خاص يسعى إلى تسويق تعديل المناخ باستخدام الهباء الجوي، 60 مليون دولار حديثاً، بينما تؤكد قياداتها أن الحكومات بحاجة إلى بيانات دقيقة لاتخاذ قرارات مدروسة.

وفي وقت قريب، أشار بيل غيتس، الذي لطالما موّل مبادرات التكيف مع المناخ، إلى أن هندسة المناخ قد تكون أداةً قيّمةً في مستقبلٍ سيكون حتماً أشد حرارة.

* وقف انبعاثات الكربون. ومع ذلك، نجد انه حتى هذا الموقف الحذر والمركّز على البحث، يصطدم ببيئة سياسية أميركية مستقطبة. في هذا الصدد، أشار كريغ سيغال، خبير السياسات والمحامي السابق لدى «مجلس شؤون موارد الهواء، في كاليفورنيا، إلى أن ردود الفعل السياسية متباينة بشدة».

في داخل صفوف النقاد أصحاب الفكر التقدمي، تقوم المعارضة على اعتقاد مفاده أن المجتمع يجب أن يركز حصراً على وقف الانبعاثات الكربونية وتقليل استهلاك الطاقة، رافضاً الحلول التكنولوجية باعتبارها مجرد مُشتتات للانتباه.

أما على اليمين السياسي، فقد تحول الرفض إلى عداء مدفوع بنظريات المؤامرة. وجرى ربط هندسة المناخ بنظرية مؤامرة «الخطوط الكيميائية»، التي تزعم - دون دليل - أن الخطوط التي تخلفها الطائرات تحتوي على مواد كيميائية تطلقها حكومات للتحكم في العقول. والمثير أن هذه الادعاءات، التي لطالما رُفضت باعتبارها محض خرافات منشورة على الإنترنت، تتردد اليوم على ألسنة شخصيات بارزة.

وبالمثل، نجد أنه بعد أن أودت فيضانات شديدة بحياة أكثر من 130 شخصاً في تكساس، سألت قناة «فوكس نيوز» ممثلي شركةً لتلقيح السحب حول ما إذا كانت جهودها في تعديل الطقس قد تسببت في الكارثة - ادعاء قابله العلماء بالرفض على نطاق واسع.

واليوم، تتحوّل المقاومة اليمينية إلى سياسة رسمية، مع تقديم أكثر من عشرين ولاية أميركية مشروعات قوانين - أغلبها من جمهوريين - تهدف إلى حظر أبحاث هندسة المناخ أو نشرها. وبالفعل، أقرت ولايتا تينيسي وفلوريدا بالفعل تشريعات من هذا القبيل. وقد يعيق هذا التزايد في الحظر في ولايات دون أخرى، إجراء أبحاث مناخ منسقة على المستوى «الفيدرالي».

إدارة الإشعاع الشمسي في الدول النامية

* إدارة الإشعاع الشمسي. في المقابل، نجد أن البيئة السياسية، عالمياً، تبدي انفتاحاً أكبر؛ فالدول النامية، المعرضة بشكل أكبر بكثير عن غيرها للتضرر من التأثيرات المناخية، تبدي استعداداً متزايداً لاستكشاف خيارات هندسة المناخ. مثلاً، في منتدى باريس للسلام، سلَّط وزير خارجية غانا الضوء على أبحاث إدارة الإشعاع الشمسي الجارية في ماليزيا والمكسيك وجنوب أفريقيا وغانا، واصفاً إياها بأنها ضرورية لضمان قدرة هذه البلاد على إدارة مستقبلها المناخي.

في الصين، لا تزال الأبحاث في مراحلها الأولى، لكن الخبراء يشيرون إلى أنه إذا أعطت بكين الأولوية للهندسة المناخية، فإنها تمتلك القدرة على متابعتها بسرعة وعلى نطاق واسع. وتعكس هذه الديناميكيات تصورات مستقبلية افتراضية، تُعيد في إطارها التدخلات الوطنية أحادية الجانب تشكيل أنماط المناخ العالمية.

وغالباً ما يجادل العلماء الرافضين للهندسة المناخية بأنها تُعطي «أملاً زائفاً»، وقد تُضعف الإرادة السياسية لخفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

* السلامة والفاعلية. وهم مُحقون في القول بأنه لم تثبت أية تكنولوجيا من تكنولوجيات هندسة المناخ سلامتها أو فعاليتها على نطاق واسع، وأن المخاطر - بما في ذلك الاضطرابات الجوية، والصراعات الجيوسياسية، والتأثيرات الإقليمية غير المتكافئة - ضخمة.

وتظل المعضلة الجوهرية قائمة: فالبشرية ينفد وقتها، ومع ذلك تفتقر إلى المعرفة الكافية لتحديد ما إذا كانت هندسة المناخ جزءاً من استراتيجية مناخية مسؤولة. والمؤكد أن حظر الأبحاث يهدر الخيارات، بينما المضي قدماً دون تفكير يعرضنا لكارثة.

في هذا السياق، نرى أن السبيل العقلاني الوحيد السماح بإجراء تحقيق منهجي وشفاف في متطلبات جدوى هندسة المناخ وسلامتها وحوكمتها. من دون هذه الأبحاث، قد يقف العالم في مواجهة أزمات مناخية، مسلحاً بأدوات أقل وفهم أقل - بالضبط السيناريو الذي يأمل العلماء في تجنبه.

* «أتلانتك أونلاين»، خدمات «تريبيون ميديا».