أحمد الرحبي: الترجمة عرس فني بين لغتين

الكاتب العماني المقيم في موسكو يقول إن الروس لا يعرفون الكثير عن الأدب العربي

أحمد الرحبي: الترجمة عرس فني بين لغتين
TT

أحمد الرحبي: الترجمة عرس فني بين لغتين

أحمد الرحبي: الترجمة عرس فني بين لغتين

بين الترجمة والتأليف، تتشكل ملامح التجربة الأدبية للكاتب العماني أحمد الرحبي، فحبه للترحال والسفر قاده لاكتشاف ثقافات وعوالم أخرى. وبدافع من هذا الحب أقام في روسيا، درس اللغة الروسية وآدابها في جامعة موسكو وحصل منها على الدكتوراه في الترجمة عام 2010... من أبرز ترجماته عن الروسية «الطفولة»، «بين الناس»، «جامعاتي»، «كيف تعلمت الكتابة » لمكسيم جوركي، «زواج الطاهية» لأنطون تشيخوف، «انتقام تشيك الرهيب» وهو مختارات قصصية لمجموعة من الأدباء الروس المعاصرين، «رحلة أخي أليكسي في يوتوبيا الفلاحين» لإكسندر تشايانوف. وعلى المستوى الإبداعي، صدرت له المجموعة القصصية «أقفال» وروايات «الوافد»، «أنا والجدة نينا»، و«بوصلة السراب». هنا حوار معه حول هذه الرحلة، وقضايا الترجمة وهموم الكتابة.

غلاف الكتاب

> كيف بدأت علاقتك باللغة الروسية؟

- بمحض المصادفة، في البداية كنت مهتماً بدراسة اللغة الفرنسية التي تابعتها في عُمان ثم في فرنسا والمغرب ومصر، وتدرجتُ في تعلمها حتى بدأت في التمرن على الترجمة عنها، فتعلم لغة ما بالنسبة لي يعني بالضرورة الترجمة عنها. لكن المصادفة محكومة بظروفي المادية التي حتمت عليّ أن أدير دفتي عن فرنسا وتوجيهها إلى روسيا؛ ولو أن ريح المصادفات قادتني إلى الصين أو باكستان أو فنزويلا مثلاً، لكنت اليوم مترجماً من لغات هذه البلدان. كنت معلقاً بالسفر، وكانت الترجمة وغيرها من مشاريع الحياة وأحلامها محمولة على جناحي رغبتي الجامحة، بل المجنونة، بالسفر.

أتذكر حين كنت محلقاً أوّل مرّة على متن خطوط «آير فلوت» الروسية، طفت باللوحات الإرشادية الملصقة على مخارج الطائرة وتأملت الكلمات الروسية الطويلة جداً، فأصابني القلق والإحباط مما أنا مُقبلٌ عليه، وظننتني لن أبقى في موسكو طويلاً، وبأنها ستكون محطة أخرى من محطاتي المعتادة، ولكن ما حدث أن ربع قرن مضى وما زلت هنا.

> متى قررت خوض تجربة ترجمة الأدب الروسي إلى العربية... وهل انتويت الاحتراف أم الاكتفاء بروح الهاوي؟

- قررت ذلك عندما بدأت أتذوق اللغة الروسية مباشرة. كان عليّ أن أعمل لتأمين سبل معيشتي. الغريب أنني بدأت من الأصعب وقمت بترجمة الشعر. وقعت في يدي قصيدة للشاعر سيرغي يسينين لم تُترجم ولم تظهر في الترجمة البديعة التي وضعها الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر في مختاراته من الشعر الروسي.

لعلني تسرعت في التصدي للشعر من أول جولة، لكن الأدهى من ذلك أن القصيدة، وعنوانها «الرجل الأسود»، كانت مختلفة عن الشعر الغنائي الذي تميّز به يسينين «شحرور الريف الروسي» كما يوصف. كانت قصيدة معقدة، قاتمة، كتبها قبل أيام قليلة من انتحاره، وبث فيها هواجسه العميقة عن الموت، أو «الرجل الأسود»، الذي ظلّ يصارعه في القصيدة الطويلة نسبياً.

أعجبني صنيعي، فدبجت مقدمة وافية عن الشاعر وظروف كتابته لهذه القصيدة نُشرت في مجلة «نزوى». لست محترف ترجمة بمعنى العمل الدائم عليها. شغلي منصب على التأليف، بينما تأتي الترجمة استراحة بين عملين، وهي استراحة عميقة، تتداخل بالكتابة ويثري كل منهما الآخر.

> ما الذي أردت إضافته لجهود جيل الرواد في هذا السياق مثل د. أبو بكر يوسف وغيره ممن ساهموا في تقديم الإبداعات الروسية إلى العرب؟

- لم أكن في وارد التحاور مع الرعيل الذي سبقني وتجذر في الترجمة من الروسية. طبعاً قرأت مثل كثيرين غيري ترجمات الرواد العرب قبل انتقالي إلى روسيا، وفي موسكو تعرفت على بعضهم ومنهم المرحوم أبو بكر يوسف الذي أجريت معه لقاءً متلفزاً. وعندما ترجمت للكاتب أنطون تشيخوف، الذي عرفناه أساساً عبر ترجمات أبو بكر يوسف، اخترت ما لم يترجمه يوسف له أو غيره من المترجمين. في زمن الاتحاد السوفياتي كانت هناك تقاليد ومؤسسات ترعى الترجمة وتنظم جهود المترجمين العرب، أمّا أنا فوصلت موسكو عام 2000، أي بعد ضمور الحاضنة المؤسساتية للترجمة تماماً.

> هناك انتقاد تقليدي للمترجمين العرب عن الروسية بأنهم توقفوا عند حقبة الكلاسيكيات ولم يتجاوزا، إلا فيما ندر، جيل دستويفسكي وتولستوى إلى الأجيال التالية، كيف ترى هذا؟

- بعد الجيل الذهبي الذي ذكرتِه تُرجِمتْ الكثير من أعمال الجيل الذي يُعرف في المدونة الأدبية الروسية بـ«الجيل الفضي» مثل بولغاكوف وزمياتين وشولوخوف وباسترناك وسولجنتسين، ومن تبعهم مثل راسبوتين وآيتماتوف وغيرهما. لكن هذه الصيغة الرصينة من الترجمة توقفت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ودخول البلاد عالم السوق الحرّة. المترجمون لا يمكنهم إدارة مشروع قومي للترجمة، هي مسؤولية دول، حتى في الزمن الأموي ازدهرت الترجمة تحت مظلة الخلافة.

الحاصل أن مجرى الترجمة الذي كان مؤسساتياً في العهد السوفياتي، انتقل بعدها، وحتى اليوم، إلى عهدة دور النشر العربية. وبرغم ما تحققه هذه الدور من فائدة لصالح الترجمة من الروسية، فإنه لا يوجد ناظم لعملها، فجودتها في الدار الواحدة متقلبة ومتفاوتة وأحياناً كارثية. فيما يخصني فقد ترجمت قصصاً من الأدب الروسي الحديث نُشرت في الصحافة العربية، كما أصدرت كتاباً ضمّ مجموعة قصص روسية حديثة.

غلاف الكتاب

> الأدب الروسي الراهن، ما أبرز همومه وقضاياه وهل لا يزال يحمل شفرة العظمة التي اشتهرت بها أجيال الرواد؟

- الذرى الكلاسيكية التي سبق وأفرزها الأدب والموسيقى والفن التشكيلي والمسرح والسينما في روسيا لم تعد موجودة بالمستوى الذي يجعلها مؤثرة على الفنون العالمية كما كانت، لكن «شفرة العظمة» التي تتحدثين عنها لا تزال حية وموجودة هنا وهناك. كل الإبداعات والفنون القديمة لا تزال تتفاعل وتعيش ضمن جدليتها وأسئلتها الراهنة. ومثل كلّ مكان، لا تخلو الساحة هنا من التقليعات الرائجة لما يسمى بـ«روايات المراهقين» وما يرافقها من زخم إعلامي وطوابير لشرائها.

> كيف نرى جهود زوجتك البروفسور فكتوريا زاريِتوفسكيا في تقديم الأدب العربي إلى الطلاب الروس؟

- أقسام اللغة العربية ما زالت نابضة وتواصل بقدر المستطاع الحفاظ على حيويتها وصلاتها الثقافية بالمجال العربي. فيكتوريا بصفتها مترجمة وأستاذة اللغة العربية في الجامعة الروسية، تصدر على الدوام كتباً وكراسات منهجية لتدريس اللغة العربية كان آخرها كتاباً ضمّ أعمالاً لقاصين عربيين. تتأسف دائماً على قلّة إنتاجها في الترجمة فتعوض ذلك بتأليف المقالات والكتب التعليمية.

> من خلال متابعتك، ما هو حضور وتأثير الأدب العربي على الساحة الثقافية الروسية؟

- باستثناء أقسام اللغة العربية في الجامعات، لا نجد حضوراً للأدب العربي في روسيا، وفيما عدا القاموس، تخلو المكتبات تقريباً من الكتاب العربي المترجم. قمت ذات مرّة بإجراء تحقيق صحافي ميداني وسألت مرتادي قسم الآداب الأجنبية في مكتبة كبيرة بموسكو عن معرفتهم بنجيب محفوظ؛ وجدت أنهم يعرفونه لكنهم لا يقرأون له؛ لماذا؟ لأن كتبه غير موجودة.

هنا تترجم رواية عربية واحدة كل خمس سنوات. بالمقابل تقوم شركة «سامسونغ» الكورية منذ فترة بدعم وإدارة ضيعة تولستوي الشهيرة «ياسنايا بوليانا»، وهي قرية شاسعة يشقها نهر وفيها اصطبلات تولستوي ومتحفه الذي كان بيته وقبره وكل ما يخصه، كما تجرى فيها فعاليات ثقافية منها أهم مسابقة للترجمة في البلاد. اليوم يترجم الكوريون 50 كتاباً من لغتهم إلى الروسية في كل عام. باختصار العادة ما زالت نفسها: هناك من يعمل ويحقق ما يريد وهناك من يحلم ويجني الأصفار.

> هل عطلتك الترجمة عن استكمال مشروعك الأدبي؟

- لا، فحتى لو اقتطعت الترجمة وقتاً معتبراً من وقتي، فهي بالمقابل تمنحني فرصة ثمينة للخوض في أعماق النص الأجنبي وملامسة بطانته الداخلية وكامل خامته؛ فنقل الكلام من لغة إلى أخرى، عملية تفكيك وبناء مصحوبة بشتى أنواع الأصوات والإيقاعات والتراكيب. إنه عرس بين لغتين، عملية خلق جديد، وبصفتي كاتباً فهي عملية تخلّق كذلك.

> كيف أثرت الإقامة في روسيا على ملامح تجربتك الأدبية؟

- الحياة تجربة بينما الكتابة أثر. لا شكّ أن إقامة طويلة ومستمرة في المكان الأجنبي تترك بصمتها في سوية الشخص، أيّ شخص، فما بالك وأنه كاتب، مجبول بالفضول ومفتون بالأسئلة... مع ذلك فالعيش خارج البيئة الأم، برغم إملاءات هذه البيئة وقيودها، وما يقابله من شعور بالتخفف والانعتاق في الخارج، برغم كل هذا فإن الأمر لا يخلو من مخاطرة، وأحياناً مخاطرة جسيمة.

لقد شهدت كيف أغرت حرية الغربة هذه أقراني من الغرباء حتى أودتهم الهلاك. كما عرفت آخرين أفزعتهم الغربة فنكصوا على أعقابهم. إنها حرية غريبة، غير عادية، تذكرني بـ«الندّاهة» في الأسطورة المصرية. بالنسبة لي، لم يكن أمامي سوى المضي قدماً وعميقاً؛ فلا العودة كانت مستساغة، ولا الحالة المادية والنفسية سمحت بالسياحة والترفه؛ أمّا الأساس الذي بنيته ووقفت عليه، فترويض اللغة الروسية وتكوين أسرة تجذرني في المكان وثقافته.

> هل هذا هو السبب في أن «ثيمة» الاغتراب تهيمن على كثير من نصوصك، بشكل أو بآخر؟

- بينما كانت تجربة السفر تتطلب وقتاً وصبراً، كانت كتابتي تتجذر أيضاً وتتشرب من تجربتي. وجدتني مشدوداً إلى موضوع الاغتراب، لا بصفته حالة انفصال عن الأصل «الوطن»، بل كسؤال ملّح، مثله مثل سؤال الوطن نفسه، فضلاً عن أنه مختبر حيويّ للممارسة الفنية. اخترت لكتابتي منذ البداية مقاربة نفسية وفنية تراوح بين المُغترَب والوطن؛ حتى حين أكتب عن قرية عمانية صميمة، فإن نبرة «غريبة» تفلت بين السطور. شيء هنا يذكرني بهناك، وشيء من هناك يلوح لي هنا. ولكن الحنين الذي قد يرشح من كلامي هذا، يتعدى أن يكون حنيناً لمكان وزمان معينين، ليلامس الإنسان والإنسانية الغاربة؛ أو كما وصفه صديقي حمود سعود في مقال عن روايتي «بوصلة السراب» بأنه «حنين مستوحش».


مقالات ذات صلة

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار
كتب صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم.

شوقي بزيع
ثقافة وفنون فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

في سياق الاهتمام المتنامي في العالم العربي عموماً، وفي البلدان الخليجيّة خصوصاً، تبرز «موسوعة الفلسفة الفرنسيّة المعاصرة».

مالك القعقور

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.