كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل سوق العمل السعودية؟

مختصون لـ«الشرق الأوسط»: المهارات الرقمية مفتاح رفع إنتاجية الاقتصاد الوطني

رجل يسير بجانب شاشة ذكاء اصطناعي في مؤتمر «ليب 25» في الرياض (واس)
رجل يسير بجانب شاشة ذكاء اصطناعي في مؤتمر «ليب 25» في الرياض (واس)
TT

كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل سوق العمل السعودية؟

رجل يسير بجانب شاشة ذكاء اصطناعي في مؤتمر «ليب 25» في الرياض (واس)
رجل يسير بجانب شاشة ذكاء اصطناعي في مؤتمر «ليب 25» في الرياض (واس)

في خضم التحول الرقمي المتسارع الذي تشهده السعودية، تؤكد تحليلات ودراسات أن الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة باتا يشكلان حجر الزاوية في صياغة ملامح سوق العمل خلال السنوات المقبلة. فبينما تُسهم الأتمتة في رفع كفاءة العمليات وتعزيز الإنتاجية، تظهر الحاجة الملحّة لإعادة تأهيل الكفاءات الحالية، وتجهيز الأجيال الجديدة بمهارات المستقبل، لردم الفجوة المتسعة بين مخرجات التعليم التقليدية واحتياجات السوق التقنية.

التحول لا يعني اختفاء الوظائف، بل إعادة تشكيلها، إذ تتلاشى المهام الروتينية لصالح أدوار تتطلب قدرات تحليلية ورقمية وابتكارية، وهو ما يفرض تحولاً جذرياً في فلسفة التوظيف، من «تنفيذ المهام» إلى «إدارة الحلول». ويعزز الذكاء الاصطناعي هذا التحول في قطاعات حيوية، كالصحة، والتصنيع، والمالية، حيث أظهرت تجارب محلية واقعية كفاءة الذكاء الاصطناعي في تقليص التكاليف، وتحسين النتائج التشغيلية.

ومع أن التقنية تفتح آفاقاً واسعة للنمو وتوليد وظائف جديدة، إلا أن التحديات تظل ماثلة، وعلى رأسها ارتفاع تكاليف التبني، وضعف البنية التحتية، ونقص الكفاءات المؤهلة. وهو ما يضع مسؤولية مشتركة على عاتق الحكومات، والقطاع الخاص، والمؤسسات التعليمية، لضمان تحول رقمي متوازن لا يستبعد الطاقات البشرية، بل يعيد توجيهها، وتمكينها.

صناعة التحول الوطني

أكد المختص في الموارد البشرية، علي آل عيد، لـ«الشرق الأوسط»، أن التحول الرقمي، والاستعداد لمتطلبات المستقبل، إلى جانب الوعي بأهم المهارات اللازمة لأدوار سوق العمل، تشكل اليوم مرتكزات أساسية في صناعة التحول الوطني، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي، ورغم ما يثيره من قلق لدى البعض، لن يلغي الوظائف بشكل كلي، بل سيعيد تشكيلها من جديد.

وأوضح أن الفترة المقبلة ستشهد اختفاء عدد من الوظائف الروتينية، مقابل بروز أخرى تعتمد على مهارات تحليلية، ورقمية، ومهارات تواصل بشري متقدمة. وستتحول طبيعة الأدوار من «تنفيذ المهام» إلى «إدارة الحلول»، ومن الاعتماد على «الخبرة» إلى التركيز على «المرونة والابتكار».

ولفت آل عيد إلى أن الذكاء الاصطناعي يسهم في رفع معدلات الأتمتة، وتحليل البيانات الضخمة، كما يدعم اتخاذ القرار بسرعة، ودقة، مما يقلل من الهدر، ويعزز الكفاءة التشغيلية، لافتاً إلى أن قطاعات مثل الصحة، واللوجستيات، والمالية، وحتى الموارد البشرية باتت تشهد تحولات ملحوظة في سرعة اتخاذ القرار، وجودة المخرجات.

وشدد على أهمية صياغة استراتيجيات شاملة تعزز الابتكار، وتدفع القطاعات نحو تبني التقنية، مع ضمان انتقال عادل للموظفين عبر برامج إعادة التمهير، وتوفير شبكات أمان اجتماعي، مشيراً إلى أن نجاح التدريب والتوظيف المستقبلي سيبقى مرهوناً بمدى جدية القطاع الخاص في مواكبة هذا التحول.

تعزيز الابتكار

بدوره، أكد المختص في السياسات الاقتصادية، أحمد الشهري، لـ«الشرق الأوسط» أن التقنيات الحديثة، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي، تعيد رسم ملامح سوق العمل في السعودية بشكل متسارع، مدفوعة برؤية المملكة 2030 التي تركز على تنويع الاقتصاد، وتعزيز الابتكار.

وأضاف الشهري أن الذكاء الاصطناعي يسهم في أتمتة المهام الروتينية، ويرفع من جودة مخرجات الأعمال في القطاعين العام والخاص، مما قد يؤثر على نحو 25 إلى 30 في المائة من الوظائف الحالية بحلول عام 2030، قياساً على مستوى التأثير في الدول المتقدمة. لكنه في المقابل، يفتح الباب أمام فرص عمل جديدة في مجالات تقنية ومتقدمة، ويعزز الإنتاجية من خلال تحسين كفاءة العمليات.

وبيّن أن قطاع النفط يُعد من أبرز القطاعات التي بدأت تجني ثمار هذا التحول، حيث تستخدم شركة «أرامكو السعودية» تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطبيقات الصيانة التنبئية، ما أسهم في خفض التكاليف، وزيادة الكفاءة التشغيلية بنسبة تصل إلى 20 في المائة.

وأشار إلى أن دعم «مهارات المستقبل» يمثل أولوية لعدد من المؤسسات التعليمية، والجهات المعنية، حيث يجري العمل على ردم الفجوة بين مخرجات التعليم التقليدي واحتياجات السوق التقنية.

وأوضح الشهري أن السياسات الحالية قادرة على تحقيق توازن بين تسريع وتيرة التحول التقني وحماية الوظائف القائمة، من خلال مبادرات محفزة، وشراكات بين القطاعين العام والخاص، كما هو الحال في مشاريع مثل «نيوم».

تمويل البرامج

من جانبه، قال الشريك الرئيس في «ماكنزي»، طارق منصور، لـ«الشرق الأوسط» إن أحدث الأبحاث الصادرة عن «مبادرة مستقبل الاستثمار» بالتعاون مع شركته تشير إلى أن اعتماد الأتمتة وإعادة تأهيل المهارات يمثلان عوامل رئيسة لتحقيق مكاسب إنتاجية في المنطقة. وتكشف الدراسة عن إمكانية رفع معدل نمو الإنتاجية إلى 2.7 في المائة سنوياً بحلول عام 2030، مدعوماً بالتقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يعزز الابتكار، ويدعم الإبداع البشري في مجالات حيوية، مثل الخدمات الطبية، والبحث العلمي.

وأضاف أن فوائد التقنية والتحول الرقمي لا تقتصر على زيادة الإنتاجية فحسب، بل تمتد إلى خلق وظائف جديدة، وتخفيف النقص في المهارات المتخصصة التي يصعب جذب الكفاءات إليها، خاصة في مجالات العلوم، والتقنية، والهندسة، والرياضيات.

وأكد أن دول الخليج تمتلك قاعدة كبيرة من المواهب عالية الجودة، ويمكن تنفيذ مبادرات مثل تمويل برامج بناء المهارات، خصوصاً في المجالات التقنية، والقطاعات الاستراتيجية، لتأهيل القوى العاملة لمتطلبات السوق المتغيرة، وزيادة فرص توظيف الشباب.

وتابع الشريك الرئيس في «ماكنزي» أن السعودية اتخذت خطوات متسارعة لزيادة تبني التكنولوجيا في المنطقة، مع التركيز على جاهزية الذكاء الاصطناعي، وتطوير البنية التحتية الرقمية لمواكبة سرعة التغير التقني.

وأفاد بأنه وفقاً لاستطلاع أُجري ضمن هذه الدراسة في عام 2024، تستخدم 56 في المائة من الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذكاء الاصطناعي، مقابل 85 في المائة في الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة.

كذلك، بيّن منصور أن الأبحاث تشير إلى أن التحديات الأساسية أمام تبني التقنيات المتقدمة تتمثل في التكلفة، والبنية التحتية، ونقص المهارات. وعلى مستوى المنطقة، يرى 52 في المائة من قادة الأعمال في الشرق الأوسط أن تكاليف التنفيذ تمثل تحدياً كبيراً، بينما يرى 45 في المائة أن البنية التحتية تمثل عائقاً.

وتابع أن التقنية تمثل رافعة رئيسة لتعزيز الإنتاجية في القطاعات الاقتصادية الحيوية، مثل التقنية المالية، إلى جانب قطاعات الرعاية الصحية، والتصنيع.

وأوصى منصور بالتركيز على أربعة مسارات رئيسة لتسريع تبني التكنولوجيا في السعودية والمنطقة، تشمل: تعزيز التعاون الإقليمي، وتطوير حلول مرنة قابلة للتوسع، وتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات ذات الأولوية، إلى جانب تفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لدعم بناء المهارات، والقدرات الرقمية.


مقالات ذات صلة

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

تكنولوجيا سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

كشف تقرير جديدة عن أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، يتطلع إلى بناء أو تمويل أو شراء شركة صواريخ لمنافسة الملياردير إيلون ماسك في سباق الفضاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار شركة «إس كيه هاينكس» ولوحة أم للكمبيوتر تظهر في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

رئيس «إس كيه» الكورية: صناعة الذكاء الاصطناعي ليست في فقاعة

قال رئيس مجموعة «إس كيه» الكورية الجنوبية، المالكة لشركة «إس كيه هاينكس» الرائدة في تصنيع رقائق الذاكرة، إن أسهم الذكاء الاصطناعي قد تتعرض لضغوط.

«الشرق الأوسط» (سيول)
تكنولوجيا شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شهد عام 2025 تحوّلًا رقميًا واسعًا في العالم العربي، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على بحث غوغل وصعود صنّاع المحتوى على يوتيوب، وتقدّم السعودية في الخدمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد هاتف ذكي وشاشة كمبيوتر يعرضان شعارَي «واتساب» والشركة الأم «ميتا» في غرب فرنسا (أ.ف.ب)

تحقيق أوروبي في قيود «ميتا» على منافسي الذكاء الاصطناعي عبر «واتساب»

خضعَت شركة «ميتا بلاتفورمز» لتحقيق جديد من جانب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتكار، على خلفية خطتها لإطلاق ميزات ذكاء اصطناعي داخل تطبيق «واتساب».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد من داخل معرض وظيفي للموظفين الفيدراليين المفصولين حديثاً في كانساس سيتي مارس 2025 (رويترز)

انخفاض طلبات إعانة البطالة الأميركية إلى أدنى مستوى منذ 3 سنوات

انخفض عدد المتقدمين الجدد للحصول على إعانات البطالة بالولايات المتحدة الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من ثلاث سنوات في إشارة إلى صمود سوق العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

في خطوة قد تثير غضب واشنطن... الاتحاد الأوروبي يغرم «إكس» 140 مليون دولار

نموذج مصغر مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد لإيلون ماسك وشعار «إكس» يظهر في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
نموذج مصغر مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد لإيلون ماسك وشعار «إكس» يظهر في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
TT

في خطوة قد تثير غضب واشنطن... الاتحاد الأوروبي يغرم «إكس» 140 مليون دولار

نموذج مصغر مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد لإيلون ماسك وشعار «إكس» يظهر في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
نموذج مصغر مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد لإيلون ماسك وشعار «إكس» يظهر في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

فرض الاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة، غرامة قدرها 120 مليون يورو (140 مليون دولار) على منصة التواصل الاجتماعي «إكس»، المملوكة لإيلون ماسك، لخرقها قواعد المحتوى الرقمي، في أول تطبيق لعقوبة بموجب تشريع رقمي تاريخي قد يثير غضب الحكومة الأميركية.

وتجنبت شركة «تيك توك» العقوبة نفسها من خلال تقديم تنازلات لتعزيز الشفافية، وفق «رويترز».

واعتبرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن حملة أوروبا الصارمة على شركات التكنولوجيا الكبرى تميّز الشركات الأميركية وتستهدف الأميركيين، بينما أكدت المفوضية الأوروبية أن قوانينها لا تميّز على أساس الجنسية، وتهدف فقط لحماية المعايير الرقمية والديمقراطية التي غالباً ما تُصبح معياراً عالمياً.

وأشار رئيس قسم التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي إلى أن الغرامة متناسبة مع المخالفات، ولا تمثل شكلاً من أشكال الرقابة، لافتاً إلى أن العقوبة جاءت بعد تحقيق استمر عامين بموجب قانون الخدمات الرقمية، الذي يُلزم المنصات بتحمل مسؤولية أكبر في معالجة المحتوى غير القانوني والضار.

وأوضح تحقيق الاتحاد الأوروبي في منصة «تيك توك»، التابعة لشركة «بايت دانس»، أن الشركة انتهكت شروط القانون من خلال مستودع الإعلانات الذي يسمح للباحثين والمستخدمين باكتشاف الإعلانات الاحتيالية. وقالت هينا فيركونين، رئيسة قسم التكنولوجيا في المفوضية الأوروبية، إن الغرامة المفروضة على «إكس» محسوبة بعناية وفق طبيعة المخالفات وعدد المستخدمين المتأثرين ومدتها، مؤكدةً أن الهدف هو إنفاذ التشريعات الرقمية وليس فرض أعلى الغرامات.

وأضافت فيركونين أن القرارات المستقبلية بشأن الشركات المتهمة بانتهاكات قانون الخدمات الرقمية ستصدر في وقت أقصر مقارنة بالعامين اللذين استغرقتهما قضية «إكس». من جهته، أكد نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، أن الاتحاد الأوروبي لا ينبغي أن يهاجم الشركات الأميركية، محذراً من أن الغرامة لا ينبغي أن تُستخدم أداةً للرقابة على المحتوى.

وحثّت «تيك توك»، التي تعهدت بإصلاح مكتبة إعلاناتها لزيادة الشفافية، الجهات التنظيمية على تطبيق القانون بشكل متساوٍ على جميع المنصات. وأوضحت الهيئات الأوروبية أن انتهاكات «إكس» شملت التصميم المُضلّل للعلامة الزرقاء للحسابات الموثقة، وانعدام الشفافية في مستودع الإعلانات، وعدم تمكين الباحثين من الوصول إلى البيانات العامة.

وأكدت المفوضية استمرار التحقيق في محتوى غير قانوني على «إكس»، والإجراءات المتخذة لمكافحة التلاعب بالمعلومات، بالإضافة إلى تحقيق منفصل في نظام «تيك توك» الخوارزمي والتزامه بحماية الأطفال. وتصل الغرامات المقررة بموجب قانون الخدمات الرقمية إلى 6 في المائة من الإيرادات العالمية السنوية للشركة.


دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
TT

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)

أظهرت دراسة أجرتها جمعية الأعمال «إيكونومي سويس»، أن الشركات السويسرية تخطط لنقل جزء من عملياتها وإنتاجها إلى الخارج لمواجهة تأثير الرسوم الجمركية الأميركية.

واستطلعت الدراسة آراء أكثر من 400 شركة قبل وبعد موافقة سويسرا الشهر الماضي، على اتفاق لخفض الرسوم الجمركية الأميركية من 39 في المائة إلى 15 في المائة، حيث حدد نحو ربع الشركات بالفعل خطوات ملموسة ستتخذها، وفق «رويترز».

وأشارت الدراسة إلى أن ما يقرب من ثلث هذه الشركات قررت زيادة استثماراتها خارج سويسرا، ونقل إنتاجها وعملياتها إلى الخارج. وأفاد نحو 16 في المائة من الشركات بأنها ستنقل عملياتها إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، فيما ستتجه 10 في المائة إلى الولايات المتحدة، و5 في المائة أخرى نحو الاتحاد الأوروبي.

وشملت الخيارات الأخرى البحث عن أسواق جديدة، ورفع الأسعار، وحتى تعليق الصادرات إلى الولايات المتحدة.

وقال رودولف مينش، كبير الاقتصاديين في «إيكونومي سويس»، إن نقل العمليات والاستثمار في الخارج لم يضر بسويسرا، التي تظل وجهةً تجارية جاذبة، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على الوظائف التي تتطلب مهارات عالية وأنشطة البحث والتطوير.

وكجزء من الاتفاق، تعهدت برن أيضاً باستثمارات بقيمة 200 مليار دولار من شركاتها في الولايات المتحدة، ما أثار مخاوف بشأن التأثير الاقتصادي المحتمل على المدى الطويل.

وأشار بنك «يو بي إس» إلى أنه في حال نقل صناعة الأدوية - أكبر قطاع تصدير في سويسرا - جميع إنتاجها المتجه إلى الولايات المتحدة إلى هناك، فإن النمو الاقتصادي التراكمي السويسري على مدى 5 سنوات سينخفض من 10 في المائة إلى 7.7 في المائة.

وأضاف مينش أن سويسرا أصغر من أن تستوعب مبلغ 200 مليار دولار، لكنها تمتلك تاريخاً طويلاً في الاستثمار بالخارج، وقد ساعدت هذه الاستثمارات أيضاً في تأمين فرص عمل داخل البلاد.


حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
TT

حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)

أكّد وزراء في الحكومة اليابانية، يوم الجمعة، أن تحديد أدوات السياسة النقدية يظل من اختصاص بنك اليابان بالكامل، وذلك وسط توقعات متزايدة بأن يقدم البنك على رفع أسعار الفائدة خلال اجتماعه في ديسمبر (كانون الأول) الجاري. وقال وزير إنعاش الاقتصاد مينورو كيووتشي إن الحكومة «تأمل أن يواصل بنك اليابان إدارة السياسة النقدية بالشكل المناسب لتحقيق استقرار التضخم عند 2 في المائة، بالتعاون الوثيق مع الحكومة»، مضيفاً أن قرار رفع الفائدة وآلياته أمر يعود للبنك المركزي وحده.

وفي مؤتمر منفصل، أعرب كبير أمناء مجلس الوزراء مينورو كيّهارا عن قلق طوكيو من التحركات السريعة من جانب واحد في سوق العملات، خصوصاً مع تراجع الين لمستويات قرب 155 للدولار. وقال كيّهارا: «نراقب السوق عن كثب، ومستعدون لاتخاذ الإجراءات المناسبة ضد التحركات المفرطة أو غير المنتظمة، بما في ذلك سلوكيات المضاربة». وتأتي تلك التصريحات في حين يقترب بنك اليابان من إنهاء مرحلة أسعار الفائدة شديدة الانخفاض بعد عقود من السياسات التيسيرية.

وفي تحليل نشرته «رويترز»، أفاد مسؤولون بأن رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي بدأت تنتهج خطاباً أكثر حذراً تجاه الأسواق بعد ارتفاع حاد في عوائد السندات اليابانية طويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها منذ 2007. وخلال اجتماع مع فريقها الاقتصادي في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عرضت وزيرة المالية ساتسوكي كاتاياما على تاكايتشي مخططاً يوضح تسارع عمليات بيع السندات وارتفاع تكلفة الاقتراض، وهو ما جعل تعبيرات رئيسة الوزراء «أكثر جدية»، وفق مصدر مطّلع. وتاكايتشي، التي تُعد من ورثة «أبينوميكس»، تواجه تحدياً كبيراً في تمويل خطتها التحفيزية البالغة 137 مليار دولار، والمعتمدة في جزء كبير منها على إصدار ديون جديدة. وتحاول رئيسة الوزراء تهدئة الأسواق، نافية أن تواجه اليابان سيناريو مشابهاً لـ«صدمة تراس» في بريطانيا عام 2022، التي شهدت انهيار السندات والإطاحة بالحكومة على خلفية تمويل خطط إنفاق غير ممولة.

وتكشف التحليلات أن تراجع مشتريات بنك اليابان وشركات التأمين المحلية يضع عبئاً كبيراً على سوق السندات؛ إذ تشير تقديرات بنك أوف أميركا إلى أن صافي المعروض سيرتفع بـ11 تريليون ين إضافية في 2026. وقال مدير محافظ في طوكيو: «خطة تاكايتشي تعتمد على نمو اقتصادي قوي... لكن إذا لم يتحقق هذا النمو، فلن يبقى إلا جبل الديون». كما بدأ بعض المستثمرين بالرهان على مزيد من انخفاض الين وارتفاع عوائد السندات، بسبب التوقعات برفع الفائدة قريباً.

من جانبه، قال محافظ بنك اليابان كازو أويدا إن هناك «عدم يقين» بشأن المستوى المناسب لرفع الفائدة مستقبلاً، لافتاً إلى أن المعدل الطبيعي (الحيادي) في اليابان يتراوح بين 1 في المائة و2.5 في المائة. ومن المتوقع أن يصبح مؤتمر أويدا الصحافي في 19 ديسمبر (كانون الأول) الحدث الأكثر أهمية للأسواق، مع محاولة المستثمرين استشراف مسار التشديد النقدي في 2026.