«الخزين المائي الأقل في التاريخ»... صيف قاسٍ ينتظر العراقيين

مسؤول لـ«الشرق الأوسط»: تركيا تبني السدود وإيران تحرف مسار الأنهر

شاب يغوص في شط العرب المائي هرباً من الحر في البصرة جنوب العراق (أ.ب)
شاب يغوص في شط العرب المائي هرباً من الحر في البصرة جنوب العراق (أ.ب)
TT

«الخزين المائي الأقل في التاريخ»... صيف قاسٍ ينتظر العراقيين

شاب يغوص في شط العرب المائي هرباً من الحر في البصرة جنوب العراق (أ.ب)
شاب يغوص في شط العرب المائي هرباً من الحر في البصرة جنوب العراق (أ.ب)

شتاء 2022، رسم تقرير لـ«مجموعة البنك الدولي» صورة قاتمة للأوضاع المناخية في العراق، بالنظر لـ«استنفاد المياه بسرعة»، وتوقع أن «تصل فجوة العرض والطلب على المياه الآخذة في الاتساع إلى ما بين 5 و11 مليار متر مكعب بحلول عام 2035»، ويبدو أن البلاد مقبلة هذا العام على صيف قاسٍ بخزين مائي هو الأقل عبر تاريخها.

وحذر التقرير حينها من أن «تغير المناخ يهدد العقد الاجتماعي في العراق»، مشيراً إلى أن «أزمة مناخية وتنموية متعددة الأبعاد تختمر في العراق».

ويُعدّ العراق، طبقاً لتقرير المجموعة وتقارير أممية أخرى، من بين أكثر البلدان ضعفاً أمام التغيُّرات المناخية من الناحيتين: المادية المتعلقة بـ«ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه والحوادث المتطرفة»، والمالية بالنظر إلى اقتصاده الريعي الذي يعتمد على مداخيل النفط بنسبة تتجاوز الـ90 في المائة.

ومع مرور أكثر من سنتين على تقرير مجموعة البنك، ما زالت أزمة المياه والتغيرات المناخية تلقي بظلالها القاسية على البلاد، بل وتفاقمت خلال السنتين الأخيرتين نتيجة انحسار هطول الأمطار في فصول الشتاء ولأسباب داخلية وخارجية عديدة.

مزارع يتفقد نظام حفر الآبار في حقل قمح بقلب صحراء النجف جنوب العراق (أ.ب)

صيف «أكثرة قسوة»

لا ينكر أو يقلل معظم المسؤولين والمعنيين بملف المياه والمناخ في العراق من المخاطر الراهنة والمستقبلية التي تهدد البلاد جراء مواسم الشح وقلة الموارد المائية. ويؤكد المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال، أن «صيف عام 2025 سيكون الأكثر قسوة وإرباكاً وتعباً للبلاد، بسبب أن خزين المياه هو الأقل بتاريخ الدولة العراقية»، رافضاً الكشف عن كميات هذا الخزين لأسباب تتعلق «بالأمن القومي المائي».

ويبدو أن الحالة المائية التي يصفها المسؤول الحكومي تكاد تقترب من «الرمق الأخير»؛ إذ يقول شمال لـ«الشرق الأوسط» إن العراق يتلقى المياه من تركيا وسوريا وإيران، ما يعني أن «أكثر من 70 في المائة من إيرادات البلاد خارجية، لكنها لا تتسلَّم منها إلا أقل من 40 في المائة».

ويشير المتحدث الحكومي الذي يشغل، أيضاً، منصب مدير الهيئة مشاريع الري والاستصلاح، إلى «مجموعة معقدة» من الأسباب التي وضعت البلاد على حافة حرجة بالنسبة لقضية المياه، وضمنها «الاحتباس الحراري وقلة الإيرادات المائية وهطول الأمطار في تركيا وسوريا وإيران»، إلى جانب قيام تركيا بـ«ببناء السدود وإيران بعمليات استصلاح للأراضي الكبرى وحرف مسار الأنهر التي تصب في العراق، كل ذلك ساهم بشكل كبير في قلة الإيرادات المائية».

ويتحدث أيضاً عن الأسباب الداخلية التي فاقمت مشكلة المياه، ومنها: «مشاريع الاستصلاح العراقية وأساليب الري البدائية والتجاوزات التي تحدث على الحصص المائية وبحيرات الأسماك المتجاوزة، إلى جانب الملوثات التي أثرت على نوعية المياه».

المياه «ملف سيادي»

وعن الأجندة التي حملها رئيس الوزراء محمد السوداني إلى تركيا، خلال زيارته الأخيرة، أشار المتحدث الحكومي إلى مجموعة كبيرة من التفاهمات مع الجانب التركي، ومن بين أبرزها «قيام رئيس الوزراء بتحويل ملف المياه إلى شأن سيادي بعد أن كان ملفّاً فنياً ودبلوماسياً».

وأشار شمال إلى توقيع بغداد مع أنقرة «الاتفاقية الإطارية» التي سيتم من خلالها «التفاهم على حقوق العراق المائية للسنوات العشر المقبلة، وقد تضمنت الاتفاقية مفهوم تقاسم الضرر وتبادل المنفعة، فضلاً عن مشاريع استثمارية في مجال الموارد المائية تنفذها شركات تركية، بما يضمن بعض الإيرادات والإطلاقات المائية من الجانب التركي».

صورة من الأعلى لمرور نهر الفرات في مدينة النجف جنوب العراق (رويترز)

تدابير حكومية

أزمة المياه الخطيرة والضاغطة تدفع السلطات الحكومية إلى اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات التي من شأنها التقليل من تداعياتها، ومن بين تلك التدابير، كما يقول المتحدث شمال: «تعزيز ملف التفاوض الخارجي مع دول الجوار حول المياه لضمان حصول العراق على إيرادات مائية منصفة وعادلة».

أما على المستوى الداخلي، فتقوم السلطات بعمليات تنظيم نظام الري والمراشنة بـ«طريقة صارمة وقاسية»، وإلى جانب ذلك «إعداد الخطط الزراعية التي تتناسب مع الواقع المائي في البلاد».

ويشير شمال إلى «عمليات إزالة التجاوزات على الأنهر وردم المئات من بحيرات الأسماك غير المجازة». وهناك أيضاً سعي من وزارة الموارد المائية للحصول على التخصيصات المالية اللازمة من أجل التعامل مع مشكلة المياه، إلى جانب تشكيل خلية لإدارة الأزمة ولجنة عليا لإدارة المياه.

وأقر اجتماع اللجنة العليا لإدارة المياه الذي ترأسه السوداني، الأسبوع الماضي، جملة تدابير لمواجهة أزمة المياه والتغير المناخي وانعكاساته السلبية على البلاد. وضمن تلك التدابير الاهتمام بالمشروعات الاستراتيجية الكبرى من حيث التخطيط والتمويل، ومشروعات الاستصلاح، ومشروعات التحول إلى الرّي المغلق ونقل المياه بالأنابيب؛ للتكيف مع النقص في الإيرادات المائية.

في السياق ذاته، أكدت وزارة الموارد المائية، السبت، أن مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه سيشهد توقيع مذكرات تفاهم مع جهات فنية. وقال رئيس اللجنة العلمية والفنية لمؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه، حاتم حميد حسين، لـ«وكالة الأنباء العراقية»، إن «وزارة الموارد ستقيم، من 24 إلى 26 مايو (أيار) الحالي، مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه، وتستضيف مؤتمر الري الدقيق الحادي عشر لمنظمة الري والبزل الدولي، بمشاركة منظمات دولية في إدارة الموارد المائية لمناقشة الحلول للتحديات التي تواجه قطاع المياه».

ويهدف المؤتمر كذلك، طبقاً للمسؤول الحكومي، إلى «التواصل مع المنظمات الدولية في تنفيذ عدد آخر من المشاريع المهمة، وأيضاً لإيجاد الحلول الذكية لإدارة الموارد المائية في العراق».


مقالات ذات صلة

الخلافات السياسية تهيمن على الجلسة الأولى للبرلمان العراقي

المشرق العربي إحدى جلسات البرلمان العراقي (إ.ب.أ)

الخلافات السياسية تهيمن على الجلسة الأولى للبرلمان العراقي

انتخاب رئيس البرلمان لا يزال موضع تنافس شديد داخل القوى السنية بين حزب «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي، و«تحالف عزم» بزعامة مثنى السامرائي.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (د.ب.أ)

السوداني يؤكد تلقي العراق تهديدات «عبر طرف ثالث»

أكد رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني تلقي بغداد تهديدات إسرائيلية «مستمرة» وصلت عبر طرف ثالث، في أول إقرار رسمي من هذا المستوى.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
تحليل إخباري صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)

تحليل إخباري العراق يدخل عام 2026 مثقلاً بأزمات متداخلة

يُعيد العراق تدوير أزمات متداخلة مع بداية عام 2026، في مقدمتها تأخر دفع رواتب نحو 8 ملايين موظف ومتقاعد، وتعثر تشكيل حكومة جديدة.

حمزة مصطفى
المشرق العربي إحدى جلسات البرلمان العراقي (إ.ب.أ)

أحزاب عراقية تحت الضغط قبل تجاوز المدد الدستورية

تعتمد القوى العراقية في مفاوضاتها على ما يُعرف بمعادلة النقاط مقابل المناصب، وهي آلية غير رسمية تقوم على تحويل عدد المقاعد البرلمانية رصيداً من النقاط.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني قال خلال قداس الميلاد إن التطبيع أمر مرفوض في العراق (رويترز)

جدل في العراق بعد كلمة لساكو تضمنت مصطلح «التطبيع»

أثارت كلمة لبطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق لويس روفائيل ساكو، خلال قداس عيد الميلاد في بغداد، جدلاً سياسياً واسعاً، بعد استخدامه مفردة «التطبيع».

«الشرق الأوسط» (بغداد)

البرلمان العراقي يعقد اليوم أولى جلساته في الدورة البرلمانية السادسة

إحدى جلسات البرلمان العراقي (أرشيفية - إ.ب.أ)
إحدى جلسات البرلمان العراقي (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

البرلمان العراقي يعقد اليوم أولى جلساته في الدورة البرلمانية السادسة

إحدى جلسات البرلمان العراقي (أرشيفية - إ.ب.أ)
إحدى جلسات البرلمان العراقي (أرشيفية - إ.ب.أ)

يعقد البرلمان العراقي الجديد في دورته السادسة، ظهر اليوم (الإثنين)، أولى جلساته بعد مصادقة المحكمة الاتحادية العليا في البلاد على نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في العراق في الحادي عشر من الشهر الماضي.

وأعلنت الدائرة الإعلامية في البرلمان العراقي أن الجلسة ستعقد برئاسة أكبر الأعضاء سناً، وسيؤدي النواب اليمين القانونية، ومن ثم يُفتَح باب الترشيح لانتخاب رئيس البرلمان ونائبيه للأعوام الأربعة المقبلة.

وأعلنت قوى المجلس السياسي الوطني الذي يضم الأغلبية السنية في البرلمان ترشيح هيبت الحلبوسي لمنصب رئيس البرلمان، بينما أعلن رئيس تحالف العزم مثنى السامرائي الترشح لرئاسة البرلمان.

وسيكون أمام النواب في جلسة اليوم مرشحان من القوى السنية للتنافس على منصب رئاسة البرلمان، وبذلك ستجري عملية اقتراع سري مباشر لإعلان اسم الفائز بالمنصب.

وأعلن صفوان الجرجري، الأمين العام للبرلمان العراقي، أن جلسة البرلمان الأولى ستقتصر على المرشحين الفائزين ولا يسمح بدخول الضيوف والصحافيين إلى قاعة البرلمان.


سماع دوي انفجار بمحيط منطقة المزة في دمشق

عناصر من قوات الأمن السورية خلال عمليات أمنية في ريف دمشق (الداخلية السورية)
عناصر من قوات الأمن السورية خلال عمليات أمنية في ريف دمشق (الداخلية السورية)
TT

سماع دوي انفجار بمحيط منطقة المزة في دمشق

عناصر من قوات الأمن السورية خلال عمليات أمنية في ريف دمشق (الداخلية السورية)
عناصر من قوات الأمن السورية خلال عمليات أمنية في ريف دمشق (الداخلية السورية)

أفادت الوكالة العربية السورية للأنباء الرسمية (سانا)، الاثنين، بسماع دوي انفجار بمحيط منطقة المزة بدمشق، ويجري التحقق من طبيعته.


احتجاجات في الساحل السوري رافقتها صدامات

قوات الأمن السورية تطوق مظاهرة احتجاجية في اللاذقية بعد وقوع صدامات أمس (إ.ب.أ)
قوات الأمن السورية تطوق مظاهرة احتجاجية في اللاذقية بعد وقوع صدامات أمس (إ.ب.أ)
TT

احتجاجات في الساحل السوري رافقتها صدامات

قوات الأمن السورية تطوق مظاهرة احتجاجية في اللاذقية بعد وقوع صدامات أمس (إ.ب.أ)
قوات الأمن السورية تطوق مظاهرة احتجاجية في اللاذقية بعد وقوع صدامات أمس (إ.ب.أ)

أفادت وسائل إعلام سورية رسمية بعودة الهدوء مساء أمس (الأحد) في مناطق الساحل كافة، بعد التوترات الأمنية التي شهدتها خلال الاحتجاجات التي لبت دعوة غزال غزال، رئيس المجلس الإسلامي العلوي المؤسس في فبراير (شباط) الماضي.

وأعلنت وزارة الدفاع السورية، نشر مجموعات من الجيش مدعومة بآليات مصفحة ومدرعات في مراكز مدن اللاذقية وطرطوس بالساحل الغربي للبلاد عقب الهجوم المسلح من فلول النظام البائد على قوات الأمن والمواطنين خلال الاحتجاجات.

وزارة الداخلية من جهتها، قالت إنّ قواتها الأمنية المكلّفة تأمين الاحتجاجات تعرضت «لاعتداءات مباشرة» من قبل مسلحين ملثمين في اللاذقية، مشيرةً إلى وقوع حوادث مشابهة في ريف طرطوس نفذتها مجموعات مرتبطة بفلول النظام السابق. وتوفي 3 أشخاص وأصيب 60 آخرون بين مدنيين وعناصر أمن، جراء الاعتداءات، وأوضحت مديرية الصحة في تصريح لـ«سانا»، أن الإصابات التي وصلت إلى المشافي شملت إصابات بالسلاح الأبيض، والحجارة وطلقات نارية من فلول النظام البائد على عناصر الأمن والمواطنين.

وأصدر وجهاء من «الطائفة الإسلامية العلوية» في منطقة الساحل بسوريا بيانات ترفض دعوات التقسيم وإثارة الفتن، وتؤكد التزامهم القيم التي تدعو إلى «وحدة الصف وبناء سوريا واحدة موحدة».